نكبة البرامكة


البرامكة
يرجع أصل أسرة البرامكة إلى جدهم الأول برمك المجوسي، وكان من سدنة بيت النار وخدامه الكبار، ولا يذكر له إسلامًا، وترتيب هذه الأسرة كما يلي:
• برمك المجوسي.
• خالد بن برمك وهو من دعاة الدولة العباسية، وتولى الوزارة في عهد السفاح.
• يحيى بن خالد البرمكي وهو أشهر شخصية في الأسرة، ووزير هارون الرشيد وأبوه في الرضاعة.
• الفضل بن يحيى، خليفة أبيه والقائد الكبير.
• جعفر بن يحيى، نديم الرشيد وسبب النكبة.
• موسى بن يحيى، القائد الحربي، أشجعهم على الإطلاق.
• محمد بن يحيى، ليس له كبير ذكر، ولكنه من أسباب النكبة.

فضل البرامكة
لقد كانت أسرة البرامكة غرة على جبين الدولة العباسية، لما كان لهم من المآثر والفضائل والسخاء الشديد، والأعمال العظيمة في الدولة، وخاصة أيام الرشيد؛ فالأب يحيى بن خالد كان المسئول عن تربية الرشيد، وزوجته أرضعت هارون الرشيد، وهو الذي حافظ لهارون على ولاية العهد عندما هم الخليفة الهادي بخلع أخيه الرشيد، وهو الذي قام على أمر وزارة الرشيد أفضل قيام حتى فوض الخليفة الرشيد له كل الأمور، أما ابنه الفضل ـ وكان أكبر أخوته ـ كان أخو الرشيد في الرضاعة والمسئول عن تربية الأمين ابن الرشيد، واستطاع أن يقضي على فتنة يحيى بن عبد الله في بلاد الديلم، وولي خراسان وغيرها، واتخذ من جندها جيشًا كبيرًا تعداده 50 ألف جندي، جعل ولاءهم له مباشرة، وسماهم العباسية..

أما جعفر سبب النكبة فهو نديم الرشيد وخليله في المجالس، وله من الأعمال الكبيرة أيضًا؛ فهو الذي قضى على العصبية القبلية في الشام سنة 180 هـ، ثم جعل له ولاية خراسان والشام ومصر، وجعله مسئولاً عن تربية ابنه المأمون. أما موسى الأخ الثالث فكان كل همه القتال والغزو بحكم شجاعته الفائقة، وتولى أمر الشام سنة 186هـ، وكانت هذه الشجاعة أحد أسباب نكبتهم؛ حيث غار منه بعض القواد الآخرين وسعوا فيه عند الرشيد.
أما محمد الأخ الرابع فليس له ذكر معلوم في التاريخ، إلا أنه كان بعيد الهمة، ودوره في هذه الفترة يحيطه الغموض.

نكبة البرامكة
اختلف المؤرخون فيما بينهم في السبب الذي دفع الرشيد بالتخلص من الأسرة البرمكية على الرغم من أعمالهم العظيمة، واختلقت روايات كاذبة عن ذلك، أجمع المحققون على بطلانها، أمثال قصة العباسة أخت الرشيد مع جعفر، ولكن نستطيع أن نلخص من خلال الروايات التاريخية المحققة الأسباب التي أدت بالبرامكة لهذه النهاية الأليمة في الآتي:

أولًا: حادثة يحيى بن عبد الله الطالبي
الذي خرج إلى بلاد الديلم ودعا لنفسه هناك، وبايعه كثير من الناس، وقويت شوكته، وذلك سنة 176 هـ، فأرسل إليه الرشيد الفضل بن يحيى، واستطاع الفضل أن يستنزل يحيى بالسلام على أمان له عند الرشيد، وذلك من غير أن تهراق نقطة دم، وعد ذلك من أفضل أعمال الفضل، وبعد فترة ظهر من يحيى ما أوجب عند الرشيد نقض الأمان، فأمر بحبسه عند جعفر بن يحيى، وفي ذات ليلة اجتمع يحيى مع جعفر، وما زال به حتى أطلقه جعفر وزوده بالمال اللازم لخروجه من بغداد، فوصل الخبر للرشيد، وكان ذلك يعد خيانة عظمى عند العباسيين لشدة خوفهم من الطالبيين، فخاف الرشيد من تآمر آل برمك مع الطالبيين من أجل إقصاء العباسيين، فأمر بقتل جعفر وحبس باقي الأسرة.

ثانيًا: الترف الشديد
كان البرامكة يعيشون في ترف شديد جدًا، حتى أنهم كانوا يبنون قصورهم ويضعون على الحوائط بلاط الذهب والفضة، وبنى جعفر بيتًا له كلفه عشرين مليون درهم، وكان الرشيد في سفر ذات يوم، فلم يمر على قصر ولا إقليم ولا قرية إلا قيل له: هذا لجعفر، وعندما عاد الفضل من حربه في الديلم أطلق لمادحيه ثلاثة مليون درهم. وهذا السرف جعل الرشيد يتابعهم في الدوواوين والكتابات، فأكتشف وجود خلل كبير في مصاريف الدولة.

ثالثًا: الفضل بن الربيع
وكان من موالي العباسيين، وكان شديد العداء للبرامكة، ويقال أنه هو الذي سعى بهم عند الرشيد, وأظهر عيوبهم، وغطى محاسنهم، ووضع عليهم العيون، حتى استطاع أن يرصد حادثة هروب يحيى الطالبي عند جعفر، فأخبر بها الرشيد، وزين له أن البرامكة يريدون الخلافة للطابيين.

رابعًا: أصل البرامكة
حاول بعض المؤرخين الربط بين أصل البرامكة وهم مجوس، وبين ما حدث لهم على يد الرشيد، فيما أنهم حاولوا إظهار الزندقة، وإعادة دين المجوس مرة أخرى، وأنهم أدخلوا النار في الكعبة حتى تعبد هناك، والذي ساعد على ترويج هذه الفكرة مصاحبة جعفر بن يحيى لبعض الزنادقة أمثال أنس بن أبي شيخ الذي قتله هارون الرشيد بيده، ولكن هذا السبب بعيد المأخذ، ولا دليل عليه.

خامسًا: جيش البرامكة
ولعل هذا السبب هو الأوضح والأقوى مع حادثة يحيى الطالبي، وأصل هذا الجيش كما ذكرنا كونه الفضل بن يحيى من جند خراسان [وتلك البلاد معروفة تاريخيًا بولائها للعباسيين، ولكن ميلهم أكثر للطالبيين وآل البيت]، وتعداده خمسين ألفًا جعل ولاءه له مباشرة دون غيره، ثم استقدم منهم عشرين ألفًا لبغداد وسماهم 'الكرنبية' مما حرك هواجس الرشيد، غير أنه لم يتحرك حتى جاءه خبر من والي خراسان علي بن عيسى بن ماهان أن السبب في اضطراب خراسان هو موسى بن يحيى من بغداد، فتحقق الظن عند الرشيد.

اجتمعت عند هارون الرشيد كل ما سبق من الأسباب، وعندها قرر الرشيد عند رجوعه من الحج، وفي آخر ليلة من المحرم سنة 187 هـ بالإيقاع بالبرامكة، فأمر بقتل جعفر وصلبه على جسر بغداد، وحبس باقي البرامكة في السجون، والاستيلاء على أموالهم وقصورهم وكل ما لديهم، وساموهم في السجن سوء العذاب، وتبدل نعيمهم بؤسًا، وماتوا واحدًا تلو الآخر في السجون.

ولقد ظهر من يحيى بن خالد البرمكي صبر عظيم ورضا بقضاء الله وقدره، ومن عجيب ما يذكر في أسباب هذه الحادثة أن يحيى بن خالد كان يحج ذات مرة، فوقف عند باب الكعبة, ودعا قائلاً: "اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ يرضيك عني سلب جميع مالي وولدي وأهلي فافعل ذلك وَأَبْقِ عَلَيَّ مِنْهُمُ الْفَضْلَ"، ثُمَّ خَرَجَ، فلمَّا كَانَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ رَجَعَ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ وَالْفَضْلُ مَعَهُمْ فَإِنِّي رَاضٍ بِرِضَاكَ عَنِّي وَلَا تَسْتَثْنِ مِنْهُمْ أَحَدًا" .
والله أعلم بالعاقبة.

المصدر: موقع مفكرة الإسلام.


k;fm hgfvhl;m