صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
النتائج 41 إلى 58 من 58

الموضوع: المفصل في علوم الحديث إعداد الباحث في القرآن والسنة علي بن نايف الشحود

  1. #41
    كاتب في "النسابون العرب"
    تاريخ التسجيل
    28-01-2010
    الدولة
    مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    العمر
    37
    المشاركات
    113

    افتراضي

    4- قوله تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى)(النجم:3-4)) فيه دليل على أن ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من السنة الشريفة إنما هو وحي من عند الله تعالى، وما كان من عند الله واجب الاتباع، لأن الله هو المشرع. فلذلك كانت السنة الشريفة واجبة الاتباع، فإن قيل: إن كانت السنة الشريفة وحياً فما الفرق بينها وبين القرآن الكريم، أجيب بأن القرآن الكريم جاء عن طريق الوحي بلفظه ومعناه، أما السنة الشريفة فمعناها من الله تعالى، أما ألفاظها فمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن قيل: فما الفرق بين الحديث النبوي والحديث القدسي، إذ الحديث القدسي معناه من الله تعالى ولفظه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أجيب عنه أيضاً، بأن الحديث القدسي ألقي معناه في روع النبي - صلى الله عليه وسلم - بطريق الوحي المباشر، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرح بهذا المعنى أحيانا فيقول: (نفث في روعي ... ) أما الحديث النبوي فمعناه من الله تعالى عن طريق التسديد لا عن طريق الوحي المباشر، ومثل هذه الآيات الدالة على حجية السنة الشريفة كثير في القرآن الكريم.
    وأما السنة الشريفة: فأحاديث كثيرة كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يشير فيها بصراحة إلى أن طاعته واجبة، وأن أمره إنما هو من الله سبحانه وتعالى، منها:
    1- قوله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: « تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ »(1). فإن في هذا القول النبوي الكريم تسوية بين القرآن الكريم والسنة الشريفة في الحجية.
    2- ما رواه المقداد بن معديكرب من قوله - صلى الله عليه وسلم - : « يُوشِكُ أَحَدُكُمْ أَنْ يُكَذِّبَنِى وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدِّثُ بِحَدِيثِى فَيَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم كِتَابُ اللَّهِ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ. أَلاَ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ »(2). فإن هذا الحديث الشريف نص في الباب.
    3- حديث معاذ بن جبل المتقدم في تعريف السنة الشريفة التقريرية المتضمن معنى قوله: (أقضي بالقرآن ثم بالسنة ثم اجتهد رأيي)، حيث قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يحبه الله ورسوله، فإن في هذا إقراراً صريحاً بحجية السنة الشريفة .
    وأما الإجماع: فهو ما ثبت لدينا بطريق لا شبهة فيه من أن الصحابة كانوا يلتزمون سنته - صلى الله عليه وسلم - وقضاءه في حياته، ولا يخالفونه في شيء، ولا يطلبون منه دليلاً غير قوله وفتواه، والتزامهم بهذا المبدأ بعد وفاته، فإنهم كانوا إذا لم يجدوا في القرآن الكريم بغيتهم لجؤوا إلى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - يتساءلون فيما بينهم هل روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذه الحادثة شيء؟ هل قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذا الأمر بشيء؟ فإن وجدوا قضوا بما قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإن لم يجدوا أعملوا عقولهم وقاسوا هذا الأمر على الأمور الأخرى المنصوص عليها في القرآن الكريم أو السنة الشريفة وقد عُلم ذلك منهم دون معارضة أو منازعة ممن له رأي معتبر، فكان ذلك إجماعاً.
    وأما المعقول: فانه يتجلى في عدة أمور أهمها:
    أ) كثير من الأحكام التي وردت في القرآن الكريم جاء مجملاً أو عاماً أو مطلقاً أو مشتركاً، وهذا كله يحتاج إلى بيان لمجمله ومشتركة، وتقييد لمطلقه، وتخصيص لعامه، إذا المعنى المراد منه لا يفهم إلا بذلك، والسنَّة هي التي تولت هذه المهمة، مهمة البيان بأمر الله تعالى حيث قال: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل:44)، فكانت السنة الشريفة محتجاً إليها لفهم الكتاب، وقد اعتبرنا الكتاب حجة واتباعه واجبا فيما مضى، وما كان محتاجاً إليه لفهم الكتاب الذي هو مصدر الأمر والنهي الواجب الاتباع فهو واجب، لأن القاعدة الأًصولية تقول:مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
    ب) إن الله تعالى أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتبليغ القرآن الكريم وبيانه معاً، لأن التبليغ لا يتم إلا بالبيان والتبليغ كان بتلقين آيات القرآن، أما البيان فكان بالسنة المطهرة الموضحة له، وقد قامت الأدلة على عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخطأ في التبليغ والبيان معاً والسهو فيهما، من مثل قوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم:3-4)، وقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)، وقوله تعالى: (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى) (الأعلى:6)، وغيرها.
    هذا ولا بد من الإشارة إلى أن بعض الناس ممن سفهوا عقولهم، ذهبوا إلى أن السنة الشريفة ليست بحجَّة، واستندوا في دعواهم هذه إلى أمور حسبوها أدلة وما هي إلى أوهام وشكوك، ولذلك رأيت أن أصرف النظر عنها ولا أتعرض لذكرها، سيما وهي موضحة ومشار إليها في كتب الأصول، ويستطيع الاطلاع عليها كل من أراد ذلك، ثم إنها أتفه من أن تبحث أو يتعرض لها." اهـ
    00000000000000
    قلتُ :
    لا خلافَ بين أهل العلم في وجوب العملِ بخبر الواحد إذا كان صحيحاً
    ولكنْ يتفرعُ عن هذه المسألة أمورٌ منها :
    أنْ لا يخالفه ما هو مثله في القوة أو أقوى منه .
    وأن لا يكون منسوخاً .
    وأن تكون دلالتُه واضحةً على المعنى المراد الاستدلال به .
    واشترط بعضُ الفقهاء شروطا أخرى مثل المالكية أن لا يخالفَ عملَ أهل المدينة.
    وكذلك اشترط الحنفيةُ أن لا يعملَ الراوي بخلاف روايته ،وأن لا يكونَ مما تعمُّ به البلوى ونحو ذلك.
    قال الإمام ابن القيِّم رحمه الله :(3)
    " "وَقَالَ الْأَصَمُّ : أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ لِنُعْطِيَنَّك جُمْلَةً تُغْنِيك إنْ شَاءَ اللَّهُ ، لَا تَدَعْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا أَبَدًا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خِلَافَهُ فَتَعْمَلَ بِمَا قُلْت لَك فِي الْأَحَادِيثِ إذَا اخْتَلَفَتْ .
    قَالَ الْأَصَمُّ : وَسَمِعْت الرَّبِيعَ يَقُولُ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : إذَا وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِي خِلَافَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُولُوا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَدَعُوا مَا قُلْت ، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَارُودِيُّ : سَمِعْت الرَّبِيعَ يَقُولُ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : إذَا وَجَدْتُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خِلَافَ قَوْلِي فَخُذُوا بِالسُّنَّةِ وَدَعُوا قَوْلِي ، فَإِنِّي أَقُولُ بِهَا وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ الرَّازِيّ : سَمِعْت الرَّبِيعَ يَقُولُ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : كُلُّ مَسْأَلَةٍ تَكَلَّمْت فِيهَا صَحَّ الْخَبَرُ فِيهَا عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ بِخِلَافِ مَا قُلْت فَأَنَا رَاجِعٌ عَنْهَا فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ مَوْتِي .
    وَقَالَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى : قَالَ الشَّافِعِيُّ : مَا قُلْت وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ قَالَ بِخِلَافِ قَوْلِي مِمَّا يَصِحُّ فَحَدِيثُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْلَى ، لَا تُقَلِّدُونِي ؛ وَقَالَ الْحَاكِمُ : سَمِعْت الْأَصَمَّ يَقُولُ : سَمِعْت الرَّبِيعَ يَقُولُ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : وَرَوَى حَدِيثًا ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : تَأْخُذُ بِهَذَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : مَتَى رَوَيْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا صَحِيحًا فَلَمْ آخُذْ بِهِ فَأُشْهِدُكُمْ أَنَّ عَقْلِي قَدْ ذَهَبَ ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى رُءُوسِهِمْ .
    وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ : سَأَلَ رَجُلٌ الشَّافِعِيَّ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَفْتَاهُ وَقَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَذَا ، فَقَالَ الرَّجُلُ : أَتَقُولُ بِهَذَا ؟ قَالَ : أَرَأَيْت فِي وَسَطِي زُنَّارًا ؟ أَتَرَانِي خَرَجْت مِنْ الْكَنِيسَةِ ؟ أَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقُولُ لِي : أَتَقُولُ بِهَذَا ؟ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا أَقُولُ بِهِ ؟ وَقَالَ الْحَاكِمُ : أَنْبَأَنِي أَبُو عَمْرُونٍ السَّمَّاكُ مُشَافَهَةً أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْجَصَّاصَ حَدَّثَهُمْ قَالَ : سَمِعْت الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ - وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ : رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا .
    فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ ؟ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَتَقُولُ بِهَذَا ؟ فَارْتَعَدَ الشَّافِعِيُّ وَاصْفَرَّ وَحَالَ لَوْنُهُ - وَقَالَ : وَيْحَكَ ، أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي إذَا رَوَيْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا فَلَمْ أَقُلْ بِهِ ؟ نَعَمْ عَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنَيْنِ ، نَعَمْ عَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنَيْنِ .
    قَالَ : وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَتَذْهَبُ عَلَيْهِ سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَعْزُبُ عَنْهُ ، فَمَهْمَا قُلْت مِنْ قَوْلٍ أَوْ أَصَّلْت مِنْ أَصْلٍ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خِلَافَ مَا قُلْت فَالْقَوْلُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهُوَ قَوْلِي ، وَجَعَلَ يُرَدِّدُ هَذَا الْكَلَامَ .
    وَقَالَ الرَّبِيعُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا نَسَبَتْهُ عَامَّةٌ أَوْ نَسَبَ نَفْسَهُ إلَى عِلْمٍ يُخَالِفُ فِي أَنْ فَرَضَ اللَّهُ اتِّبَاعَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالتَّسْلِيمَ لِحُكْمِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ إلَّا اتِّبَاعَهُ ، وَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ قَوْلُ رَجُلٍ قَالَ إلَّا بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ ، وَإِنَّ مَا سِوَاهُمَا تَبَعٌ لَهُمَا ، وَإِنْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَعَلَى مَنْ بَعْدَنَا وَقَبْلَنَا فِي قَبُولِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْفَرْضُ ، وَوَاجِبٌ قَبُولُ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَّا فِرْقَةٌ سَأَصِفُ قَوْلَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ ...
    وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ : قَالَ أَبِي : قَالَ لَنَا الشَّافِعِيُّ : إذَا صَحَّ لَكُمْ الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُولُوا لِي حَتَّى أَذْهَبَ إلَيْهِ .
    وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : كَانَ أَحْسَنُ أَمْرِ الشَّافِعِيِّ عِنْدِي أَنَّهُ كَانَ إذَا سَمِعَ الْخَبَرَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قَالَ بِهِ وَتَرَكَ قَوْلَهُ ، وَقَالَ الرَّبِيعُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا نَتْرُكُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَنْ لَا يَدْخُلَهُ الْقِيَاسُ وَلَا مَوْضِعَ لِلْقِيَاسِ لِمَوْقِعِ السُّنَّةِ ، وَقَالَ الرَّبِيعُ : وَقَدْ رُوِيَ { عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي أَنَّهُ قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ أُنْكِحَتْ بِغَيْرِ مَهْرٍ ، فَمَاتَ زَوْجُهَا ، فَقَضَى لَهَا بِمَهْرِ نِسَائِهَا ؛ وَقَضَى لَهَا بِالْمِيرَاثِ } ، فَإِنْ كَانَ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَهُوَ أَوْلَى الْأُمُورِ بِنَا ، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا فِي قِيَاسٍ وَلَا فِي شَيْءٍ إلَّا طَاعَةُ اللَّهِ بِالتَّسْلِيمِ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُثْبِتَ عَنْهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ ، وَلَمْ أَحْفَظْهُ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ مِثْلُهُ ، هُوَ مَرَّةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَمَرَّةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ وَمَرَّةً عَنْ بَعْضِ أَشْجَعَ لَا يُسَمَّى .
    وَقَالَ الرَّبِيعُ : سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ رَفْعِ الْأَيْدِي فِي الصَّلَاةِ ، فَقَالَ : يَرْفَعُ الْمُصَلِّي يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ ، قُلْت لَهُ : فَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : أَنْبَأَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ قَوْلِنَا .
    قَالَ الرَّبِيعُ : فَقُلْت لَهُ : فَإِنَّا نَقُولُ يَرْفَعُ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ لَا يَعُودُ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ .
    قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَهُوَ - يَعْنِي مَالِكًا - يَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ { إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ } ، ثُمَّ خَالَفْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَابْنَ عُمَرَ ، فَقُلْتُمْ : لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ .
    وَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا رَفَعَاهُمَا فِي الِابْتِدَاءِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ ، أَفَيَجُوزُ لِعَالِمٍ أَنْ يَتْرُكَ فِعْلَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَفِعْلَ ابْنِ عُمَرَ لِرَأْيِ نَفْسِهِ أَوْ فِعْلَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِرَأْيِ ابْنِ عُمَرَ ، ثُمَّ الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ ، ثُمَّ يَأْتِي مَوْضِعٌ آخَرُ يُصِيبُ فِيهِ فَيُتْرَكُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ مَا رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَكَيْفَ لَمْ يَنْهَهُ بَعْضُ هَذَا عَنْ بَعْضٍ ؟ أَرَأَيْت إذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ فِي مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ اثْنَتَيْنِ أَنَأْخُذُ بِوَاحِدَةٍ وَنَتْرُكُ وَاحِدَةً ؟ أَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ تَرْكُ الَّذِي أَخَذَ بِهِ وَأَخَذَ الَّذِي تَرَكَ ؟ أَوْ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ تَرْكُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَقُلْت لَهُ : فَإِنَّ صَاحِبَنَا قَالَ : فَمَا مَعْنَى الرَّفْعِ ؟ قَالَ مَعْنَاهُ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ وَاتِّبَاعٌ لِسُنَّةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَعْنَى الرَّفْعِ فِي الْأُولَى مَعْنَى الرَّفْعِ الَّذِي خَالَفْتُمْ فِيهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ ، ثُمَّ خَالَفْتُمْ فِيهِ رِوَايَتَكُمْ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَابْنِ عُمَرَ مَعًا ، وَيَرْوِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا أَوْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، وَرُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ ، وَمَنْ تَرَكَهُ فَقَدْ تَرَكَ السُّنَّةَ .
    قُلْت : وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ تَارِكَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ تَارِكٌ لِلسُّنَّةِ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ .
    وَقَالَ الرَّبِيعُ : سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الطِّيبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِمَا يَبْقَى رِيحُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَبَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ وَالْحَلَّاقِ وَقَبْلَ الْإِفَاضَةِ ؛ فَقَالَ : جَائِزٌ ، وَأُحِبُّهُ ، وَلَا أَكْرَهُهُ ؛ لِثُبُوتِ السُّنَّةِ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَالْأَخْبَارُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، فَقُلْت : وَمَا حُجَّتُك فِيهِ ؟ فَذَكَرَ الْأَخْبَارَ فِيهِ وَالْآثَارَ ، ثُمَّ قَالَ : أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمٍ قَالَ : قَالَ عُمَرُ : مَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ ، قَالَ سَالِمٌ : وَقَالَتْ عَائِشَةُ : طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِي ، سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ .
    قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصَّالِحُونَ وَأَهْلُ الْعِلْمِ ، فَأَمَّا مَا تَذْهَبُونَ إلَيْهِ مِنْ تَرْكِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهَا وَتَرْكِ ذَلِكَ لِغَيْرِ شَيْءٍ بَلْ لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ فَالْعِلْمُ إذًا إلَيْكُمْ تَأْتُونَ مِنْهُ مَا شِئْتُمْ وَتَدْعُونَ مَا شِئْتُمْ.
    وَقَالَ فِي الْكِتَابِ الْقَدِيمِ ،رِوَايَةُ الزَّعْفَرَانِيِّ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ لَهُ : إنَّ بَعْضَ أَصْحَابِك قَدْ قَالَ خِلَافَ هَذَا .
    قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَقُلْت لَهُ : مَنْ تَبِعَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَافَقْته ، وَمَنْ خَلَطَ فَتَرَكَهَا خَالَفْته ، حَتَّى صَاحِبِي : الَّذِي لَا أُفَارِقُ الْمُلَازِمُ الثَّابِتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنْ بَعُدَ ، وَاَلَّذِي أُفَارِقُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنْ قَرُبَ ....اهـ
    -----------------
    قلتُ :
    إننا لا نلزمُ أحداً من الفقهاء العملَ بحديثٍ صحيحٍ ما، إلا إذا وافقَ القواعدَ والضوابطَ التي وضعها ذلك الإمام ُ.
    وكلهُم قال: إذا صحَّ الحديثُ فهو مذهبي ، ولكن إذا صحَّ وفق القواعد والضوابط التي وضعها الإمام ولم يعارضْه ما هو أقوى منه ولم يكن منسوخاً ، عندئذ يلزم الإمام أو أتباعه العمل به .
    وأمَّا إذا صحَّ عندي الحديثُ ولم يصحَّ وفقَ شروط الإمام الفلاني فلا يلزمُ به لا هو ولا أتباعه .
    وما إمام إلا وقد ترك أحاديث صحيحة لم يحتج بها ، لمعارض لها مثلها أقوى منها .(4)
    6- المرادُ بقولهم: " هذا حديث صحيح " أو هذا حديث غير صحيح ":
    أ) المراد بقولهم: " هذا حديث صحيح أن الشروط الخمسة السابقة قد تحققت فيه، كما في سنن الترمذى برقم (156 ) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَهُوَ أَحْسَنُ حَدِيثٍ فِى هَذَا الْبَابِ. وَفِى الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ.
    لا أنه مقطوع بصحته في نفس الأمر ، لجواز الخطأ والنسيان على الثقة(5).
    خلافًا لمن قال: إنَّ خبر الواحد يُوجب القَطْع, حكاهُ ابن الصبَّاغ عن قومٍ من أهل الحديث, وعزاهُ البَاجي لأحمد, وابن خُويز منداد لمالك, وإن نازعه فيه المازري بعدم وجود نص له فيه, وحكاه ابن عبد البرِّ عن حسين الكرابيسي, وابن حزم عن داود.
    وحكى السُّهيلي عن بعض الشَّافعية ذلك بشرط أن يكون في إسْنَاده إمام, مثل مالك وأحمد وسفيان, وإلاَّ فلا يُوجبه.
    وحكى الشَّيخ أبو إسحاق في «التبصرة» عن بعض المُحدِّثين ذلك في حديث مالك عن نافع عن ابن عمر وشبهه(6).وسوف يمر التحقيق في ذلك .
    ب) والمراد بقولهم: " هذا حديث غير صحيح " أنه لم تتحقق فيه شروط الصحة الخمسة السابقة كلها أو بعضها لا أنه كذب في نفس الأمر، لجواز إصابة من هو كثير الخطأ .
    كما في شعب الإيمان للبيهقي برقم (9336 ) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، نا الإمام أبو بكر أحمد بن إسحاق في آخرين ، نا محمد بن عبد الله الحضرمي ، نا جعديه بن يحيى ، نا العلاء بن بشر ، نا سفيان وهو ابن عيينة ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « ليس للفاسق غيبة »(7)، فقد قال أبو عبد الله : « هذا حديث غير صحيح ولا معتمد .. »(8)
    7- هل يجْزَمُ في إسناد أنه أصحُّ الأسانيدِ مطلقاً ؟
    المختارُ أنه لا يجزم في إسناد أنه أصح الأسانيد مطلقاً، لأن تفاوت مراتب الصحة مبنيٌّ على تمكن الإسناد من شروط الصحة. ويندرُ تحقق أعلى الدرجات في جميع شروط الصحة . فالأولى الإمساكُ عن الحكم لإسناد بأنه أصح الأسانيد مطلقاً،
    قال السيوطي رحمه الله(9):
    " فالحُكم حينئذ على إسنادٍ مُعيَّن بأنَّه أصح على الإطلاق, مع عدم اتفاقهم ترجيح بغير مرجح.
    __________
    (1) - موطأ مالك(1628 ) 900/2 وهو صحيح لغيره
    (2) - مسند أحمد (17657) صحيح
    (3) - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 425) فما بعدها
    (4) - راجع التفاصيل في تحقيقي لكتاب ((رفع الملام عن الأئمة الأعلام)) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .، وانظر شرح هذه القادعة بالتفصيل في كتابي (( الخلاصة في بيان أسباب اختلاف الفقهاء)) من ص 49-103، والكتابان في مكتبة صيد الفوائد وغيرها .
    (5) -.تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 35)
    (6) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 35)
    (7) - قلت : وقد ورد من طرق طب 19/418 وأصفهان 2/40 و عدي 2/596 و 5/1863 و مجمع 1/149 و الاتحاف 4/117 و 7/558 و الشعب (9665) فالحديث حسن لغير
    (8) - انظر تدريب الراوي جـ 1 ـ ص 75-76
    (9) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 36) فما بعدها

  2. #42
    كاتب في "النسابون العرب"
    تاريخ التسجيل
    28-01-2010
    الدولة
    مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    العمر
    37
    المشاركات
    113

    افتراضي

    قال شيخ الإسلام- يعني الحافظ ابن حجر -: مع أنَّه يمكن للنَّاظر المُتقن ترجيح بعضها على بعض, من حيث حفظ الإمام الَّذي رجَّح وإتقانه, وإن لم يتهيأ ذلكَ على الإطلاق, فلا يخلُو النَّظر فيهِ من فائدة, لأنَّ مجموع ما نُقل عن الأئمة من ذلك يُفيد ترجيح التَّراجم الَّتي حَكمُوا لها بالأصحية, على ما لم يقع له حكم من أحد منهم.
    وعِبَارة ابن الصَّلاح: ولهذا نَرَى الإمْسَاك عن الحكم لإسْنَادٍ أو حديثٍ بأنَّه أصحُّ على الإطلاق.
    قال العَلائي: أمَّا الإسْنَادُ فقد صرَّح جَمَاعة بذلك, وأمَّا الحديث فلا يُحفظ عن أحد من أئمة الحديث, أنَّه قال: حديث كذا أصح الأحاديث على الإطْلاق, لأنَّه لا يَلْزم من كَوْن الإسْنَاد أصح من غيره, أن يَكُون المتن كذلك, فلأجل ذلكَ ما خاضَ الأئمة إلاَّ في الحُكم على الإسْنَاد.
    وكأنَّ المُصَنِّف حذفهُ لذلك, لكن قال شيخ الإسْلام : سيأتي أنَّ من لازم ما قاله بعضهم: إنَّ أصح الأسَانيد ما رواه أحمد عن الشَّافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر, أن يكون أصح الأحاديث الحديث الَّذي رواه أحمد بهذا الإسناد, فإنَّه لم يرو في «مسنده» به غيره, فيَكُون أصح الأحاديث على رأي من ذهب إلى ذلك.
    قلتُ: قد جزمَ بذلكَ العلائي نفسه في عَوَالي مالك, فقال في الحديث المذكُور: إنَّه أصح حديث في الدُّنيا.
    وقيل أصحُّها مطلقا ما رواه أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزُّهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه وهذا مذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه, صرح بذلك ابن الصَّلاح(1).
    مثال : كما في صحيح البخارى برقم (919 ) حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ « مَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ » .
    وقيل أصحُّها محمَّد ابن سيرين عن عَبيدة السَّلماني بفتح العين عن علي بن أبي طالب, وهو مَذْهب ابن المديني والفلاَّس وسُليمان بن حرب, إلاَّ أن سُليمان قال: أجودها أيُّوب السِّخْتياني عن ابن سيرين, وابن المديني: عبد الله بن عون عن ابن سيرين, حكاه ابن الصَّلاح.
    كما في صحيح البخارى برقم (3707 ) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - قَالَ: اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ ، فَإِنِّى أَكْرَهُ الاِخْتِلاَفَ حَتَّى يَكُونَ لِلنَّاسِ جَمَاعَةٌ ، أَوْ أَمُوتَ كَمَا مَاتَ أَصْحَابِى . فَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَرَى أَنَّ عَامَّةَ مَا يُرْوَى عَلَى عَلِىٍّ الْكَذِبُ .
    وقيل: أصحها سليمان الأعمش عن إبراهيم بن يزيد النخعي عن علقمة بن قيس عن عبد الله بن مسعود وهو مذهب ابن معين, صرح به ابن الصَّلاح .
    كما في سنن الترمذى برقم (395 ) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - سَجَدَ سَجْدَتَىِ السَّهْوِ بَعْدَ الْكَلاَمِ. قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَأَبِى هُرَيْرَةَ.
    وقيل أصحها [الزُّهْري عن زين العابدين علي بن الحُسين عن أبيه الحُسين عن أبيه [علي] بن أبي طالب, حكاهُ ابن الصَّلاح عن أبي بكر بن أبي شيبة, والعِرَاقي عن عبد الرزاق .
    كما في مسند أحمد برقم (585) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ كَتَبَ إِلَىَّ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ كَتَبْتُ إِلَيْكَ بِخَطِّى وَخَتَمْتُ الْكِتَابَ بِخَاتَمِى يَذْكُرُ أَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ حَدَّثَهُمْ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عَلِىِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِىٍّ حَدَّثَهُ عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ فَقَالَ « أَلاَ تُصَلُّونَ ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا. وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِين قُلْتُ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ « (وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلاً) ».
    وقيل: أصحها مالك بن أنس عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر وهذا قول البُخَاري, وصدَّر العراقي به كلامه, وهو أمر تميل إليه النفوس وتنجذب إليه القلوب.
    روى الخَطِيب في «الكفاية» عن يحيى بن بُكير أنَّه قال لأبي زرعة الرَّازي: يا أبا زرعة ليس ذا زعزعة عن زوبعة, إنَّما ترفع السِّتر فتنظر إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - والصَّحابة, حدثنا مالك عن نافع عن ابن عُمر.
    فعَلَى هذا قيل عِبَارة ابن الصَّلاح : وبَنى الإمام أبو منصُور عبد القاهر بن طَاهر التَّميمي: أن أجل الأسَانيد الشَّافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر واحتجَّ بإجْمَاع أهل الحديث, على أنَّه لم يكن في الرُّواة عن مالك أجل من الشَّافعي.
    وبنى بعض المُتأخرين على ذلك أنَّ أجلها رواية أحمد بن حنبل عن الشافعي عن مالك, لاتفاق أهل الحديث على أنَّ أجل من أخذ عن الشَّافعي من أهل الحديث الإمام أحمد, وتُسمَّى هذه الترجمة سلسلة الذَّهب, وليسَ في «مُسنده» على كبره بهذه الترجمة سِوَى حديث واحد, وهو في الواقع أربعة أحاديث جمعها وسَاقها مساق الحديث الواحد, بل لم يقع لنَا على هذه الشريطة غيرها ولا خارج المسند.
    كما في موطأ مالك برقم (230 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ ».
    وكما في صحيح ابن حبان برقم (6174 ) أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم ، قال : حدثنا حرملة بن يحيى ، قال : حدثنا الشافعي ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « الحمى من فور جهنم ، فأطفئوها بالماء »
    اعترضَ مَغْلطَاي على التميمي في ذكره الشَّافعي برواية أبي حنيفة عن مالك, إن نظرنا إلى الجلالة, وبابن وهب والقعنبي, إن نظرنا إلى الإتقان.
    قال البَلْقِيني في «محاسن الاصْطلاح» : فأمَّا أبو حنيفة فهو وإن روى عن مالك كما ذكره الدَّارقُطْني, لكن لم تشتهر رِوَايته عنه كاشتهار رواية الشَّافعي, وأمَّا القَعْنبي وابن وهب فأين تقع رُتبتهما من رُتبة الشَّافعي.
    وقال العِرَاقي, فيما رأيته بخطِّه: رواية أبي حنيفة عن مالك فيما ذكره الدَّارقطني في «غرائبه» وفي «المُدبج» ليست من روايته عن ابن عُمر, والمسألة مفروضة في ذلك, قال: نعم ذكر الخطيب حديثًا كذلك في الرِّواية عن مالك.
    وقال شيخ الإسلام : أمَّا اعتراضه بأبي حنيفة فلا يَحْسُن لأنَّ أبا حنيفة لم تثبت روايته عن مالك, وإنَّما أوردها الدَّارقطني, ثمَّ الخطيب لروايتين وقعتا لهما عنه بإسنادين فيهما مقال, وأيضًا فإنَّ رواية أبي حنيفة عن مالك إنَّما هي فيما ذكرهُ في المُذاكرة, ولم يقصد الرِّواية عنه كالشَّافعي, الَّذي لازمه مُدَّة طويلة, وقرأ عليه «الموطأ» بنفسه.
    وأمَّا اعتراضه بابن وهب والقَعْنبي, فقد قال الإمام أحمد: أنَّه سمع «الموطأ» من الشَّافعي بعد سَمَاعه له من ابن مهدي الرَّاوي عن مالك بكثرة, قال لأنِّي رأيتهُ فيه ثبتًا, فعلَّل إعادته لِسَماعه وتخصيصها بالشَّافعي بأمر يرجع إلى التثبت, ولا شكَّ أنَّ الشَّافعي أعلم بالحديث منهما.
    قال: نعم أطلقَ ابن المَدِيني أنَّ القعنبي أثبتَ النَّاس في «الموطأ» والظَّاهر أنَّ ذلكَ بالنسبة إلى الموجودين عندَ إطلاق تلكَ المَقَالة, فإنَّ القعنبي عاشَ بعد الشَّافعي مُدَّة, ويؤيد ذلك مُعارضة هذه المَقَالة بمثلها, فقد قال ابن معين مثل ذلك في عبد الله بن يوسف التِّنيسي.
    قال: ويُحتمل أن يَكُون وجه التقديم من جهة من سمع كثيرًا من «الموطأ» من لفظ مالك, بناء على أنَّ السَّماع من لفظ الشَّيخ أتقن من القِرَاءة عليه, وأمَّا ابن وهب فقد قال غير واحد: إنَّه غير جيد التحمُّل, فيحتاج إلى صحة النقل عن أهل الحديث, إن كان أتقن الرُّواة عن مالك, نعم كان كثير اللزوم له.
    قال: والعَجَب من تَرْديد المُعترض من الأجلية والأتقنية, وأبو منصُور إنَّما عبَّر بأجل, ولا يشك أحد أنَّ الشَّافعي أجل من هؤلاء, لمَا اجتمع له من الصِّفات العَلِية المُوجبة لتقديمه, وأيضًا, فزيادة إتْقَانه لا يشك فيها من له علم بأخبار النَّاس, فقد كانَ أكابر المُحدِّثين يأتُونه فيُذَاكرونه بأحاديث أشكلت عليهم, فيبين لهم ما أشكل ويُوقفهم على علل غامضة, فيقُومون وهم يتعجبون, وهذا لا يُنازع فيه إلاَّ جاهل, أو مُتغافل.
    قال: لكن إيراد كلام أبي منصور في هذا الفصل فيه نظر, لأنَّ المُراد بترجيح ترجمة مالك عن نافع عن ابن عمر على غيرها, إن كان المُراد به ما وقع في «الموطأ» فرواته فيه سواء من حيث الاشتراك في رواية تلك الأحاديث, ويتم ما عبَّر به أبو منصور من أنَّ الشافعي أجلهم, وإن كان المُراد به أعم من ذلك, فلا شكَّ أنَّ عند كثير من أصحاب مالك من حديثه خارج «الموطأ» ما ليس عند الشَّافعي, فالمُقَام على هذا مقام تأمُّل, وقد نُوزع في أحمد بمثل ما نُوزع في الشافعي من زيادة المُمَارسة والمُلازمة لغيره, كالرَّبيع مثلاً, ويُجَاب بمثل ما تقدَّم."
    وقال السيوطي رحمه الله(2):
    " ذكر المُصنِّف - يعني الإمام النووي رحمه الله - تبعًا لابن الصَّلاح في هذه المسألة خمسة أقوال, وبقي أقوال أُخر.
    فقال حجَّاج بن الشَّاعر: أصح الأسانيد شُعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب, يعني عن شيوخه, هذه عبارة شيخ الإسلام في «نكته»
    كما في صحيح البخارى (1292 ) حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِى قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ » .
    وعبارة الحاكم : قال حجَّاج: اجتمع أحمد بن حنبل وابن معين وابن المَدِيني في جماعة معهم, فتذاكروا أجود الأسَانيد, فقال رجل منهم: أجود الأسانيد شُعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عامر أخي أم سلمة عن أم سلمة, ثمَّ نقل عن ابن معين وأحمد ما سبق عنهما.
    كما في مسند أحمد (27368) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَامِرٍ أَخِى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصْبِحُ جُنُباً فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ. قَالَ فَرَدَّ أَبُو هُرَيْرَةَ
    وقال ابن معين: عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ليس إسناد أثبت من هذا, أسنده الخطيب في «الكفاية»
    كما في موطأ مالك(205 ) وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ إِذَا تَشَهَّدَتِ التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِىُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ. 92/1
    وكما في صحيح البخارى(872 ) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ فَيَنْصَرِفْنَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ ، لاَ يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ ، أَوْ لاَ يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا .
    الغلس : ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح
    قال شيخ الإسلام ابن حجر: فعلى هذا لابن معين قولان.
    وقال سُليمان بن داود الشَّاذكوني : أصح الأسانيد يحيى بن أبي كثير, عن أبي سلمة عن أبي هُريرة.
    كما في صحيح البخارى (1914 ) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ » .
    وعن خلف بن هشام البَزَّار: قال سألتُ أحمد بن حنبل: أي الأسانيد أثبت؟ قال أيُّوب عن نافع عن ابن عمر, فإن كان من رواية حمَّاد بن زيد عن أيُّوب فيالكَ
    كما في صحيح البخارى (589 ) حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أُصَلِّى كَمَا رَأَيْتُ أَصْحَابِى يُصَلُّونَ ، لاَ أَنْهَى أَحَدًا يُصَلِّى بِلَيْلٍ وَلاَ نَهَارٍ مَا شَاءَ ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا .
    قال ابن حجر: فلأحمد قولان.
    وروى الحاكم في «مستدركه» عن إسْحَاق بن راهويه قال: إذا كان الرَّاوي عن عَمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه ثقة, فهو كأيُّوب عن نافع عن ابن عُمر.
    وهذا مُشعر بجلالة إسناد أيُّوب عن نافع عنده.
    كما في سنن أبى داود (495 ) حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ - يَعْنِى الْيَشْكُرِىَّ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ سَوَّارٍ أَبِى حَمْزَةَ - قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ سَوَّارُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو حَمْزَةَ الْمُزَنِىُّ الصَّيْرَفِىُّ - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ ».
    وروى الخطيب في «الكِفَاية» عن وكيع قال: لا أعلم في الحديث شيئا أحسن إسْنَادًا من هذا: شعبة عن عَمرو بن مُرَّة عن مرة عن أبي موسى الأشْعَري
    كما في صحيح البخارى (3769 ) حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُرَّةَ عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ » .
    وقال ابن المُبَارك والعِجْلي: أرْجَح الأسَانيد وأحسنها: سُفيان الثَّوري عن منصُور عن إبراهيم عن عَلْقمة عن عبد الله بن مسعود, وكذلك رجَّحها النَّسائي.
    كما في صحيح البخارى( 5943 ) حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ ، وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ ، مَا لِى لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِى كِتَابِ اللَّهِ .
    المتفلجات : جمع متفلجة وهى التى تطلب الفلج وهو فرجة ما بين الثنايا والرباعيات -المتنمصات : جمع المتنمصة وهى التى تأمر بنتف الشعر من وجهها
    الواشمات : الوشم أن يغرز الجلد بإبرة ثم يحشى بكحل أو نيل فيزرق أثره أو يخضر
    وقال النَّسائي: أقْوَى الأسَانيد التي تُروى... فذكر منها الزُّهري عن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة عن ابن عبَّاس عن عُمر.
    كما في سنن الترمذى (1499 ) حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْخَلاَّلُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ :إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ فَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ وَإِنِّى خَائِفٌ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ فَيَقُولَ قَائِلٌ لاَ نَجِدُ الرَّجْمَ فِى كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ أَلاَ وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ وَقَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ حَبَلٌ أَوِ اعْتِرَافٌ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
    ورجَّح أبو حاتم الرَّازي ترجمة يحيى بن سعيد القَطَّان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عُمر.
    كما في صحيح البخارى (1644 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا طَافَ الطَّوَافَ الأَوَّلَ خَبَّ ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ، وَكَانَ يَسْعَى بَطْنَ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ . فَقُلْتُ لِنَافِعٍ أَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَمْشِى إِذَا بَلَغَ الرُّكْنَ الْيَمَانِىَ قَالَ لاَ . إِلاَّ أَنْ يُزَاحَمَ عَلَى الرُّكْنِ فَإِنَّهُ كَانَ لاَ يَدَعُهُ حَتَّى يَسْتَلِمَهُ .
    وكذا رجَّح أحمد رِوَاية عُبيد الله عن نافع على رِوَاية مالك عن نافع.
    ورجَّح ابن معين ترجمة يحيى بن سعيد عن عُبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة. "
    كما في مسند أبي عوانة (2225 )حَدَّثَنَا الصَّائِغُ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنِي زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ بِلالا يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، حَدَّثَنَا الصَّائِغُ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنِي يَحْيَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، بِمِثْلِهِ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وَلا أَعْلَمُ إِلا قَالَ: لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْا إِلا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا.
    ــــــــــــــ
    تخصيص القول بأصح الأسانيد(3)

    " قال الحاكم : ينبغي تَخْصيص القول في أصح الأسَانيد بصحابي أو بلد مخصُوص, بأن يُقَال أصح إسناد فُلان أو الفُلانيين كذا, ولا يُعمم.
    قال: فأصح أسانيد الصِّديق: إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عنه.
    كما في سنن الترمذى (2321 و2322) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) وَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ ».
    حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ نَحْوَهُ. قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِى الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَحُذَيْفَةَ . وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
    وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ نَحْوَ حَدِيثِ يَزِيدَ وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَأَوْقَفَهُ بَعْضُهُمْ.
    وأصح أسانيد عُمر: الزُّهري عن سالم عن أبيه عن جدِّهِ.
    كما في سنن أبى داود(3251) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَدْرَكَهُ وَهُوَ فِى رَكْبٍ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ « إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَسْكُتْ ».
    (3252 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ - رضى الله عنه - قَالَ سَمِعَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ مَعْنَاهُ إِلَى « بِآبَائِكُمْ ». زَادَ قَالَ عُمَرُ فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَذَا ذَاكِرًا وَلاَ آثِرًا.
    __________
    (1) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 1) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 2) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 1) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 41و45) والكفاية في علم الرواية - (ج 1 / ص 385) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 15) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 35)
    (2) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 40)
    (3) - انظر تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 42)

  3. #43
    كاتب في "النسابون العرب"
    تاريخ التسجيل
    28-01-2010
    الدولة
    مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    العمر
    37
    المشاركات
    113

    افتراضي

    وقال ابن حزم: أصح طريق يُروى في الدُّنيا عن عُمر: الزُّهْري عن السَّائب بن يزيد عنه.
    كما في مسند أحمد (16126) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنِى الزُّبَيْدِىُّ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُقَصُّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلاَ أَبِى بَكْرٍ وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ قَصَّ تَمِيماً الدَّارِىَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْ يَقُصَّ عَلَى النَّاس قَائِماً فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ.
    قال الحاكم: وأصح أسانيد أهل البيت: جعفر بن محمَّد بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده عن علي, إذا كان الرَّاوي عن جعفر ثقة.
    كما في السنن الكبرى للبيهقي (ج 10 / ص 170)(21165) وَقِيلَ عَنْ شَبَابَةَ كَمَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ : مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِىُّ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَعَ يَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَقَضَى بِهِ عَلِىٌّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْعِرَاقِ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حُسَيْنُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ.
    هذه عبارة الحاكم, ووافقه من نقلها, وفيها نظر, فإنَّ الضمير في جده إن عاد إلى جعفر فجده عليِّ لم يسمع من علي بن أبي طالب, أو إلى محمَّد فهو لم يسمع من الحُسين.
    وحكى الترمذي في الدَّعوات عن سليمان بن داود أنَّه قال في رواية الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي: هذا الإسناد مثل الزُّهْري عن سالم عن أبيه.
    كما في سنن أبى داود (1511 ) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَمِّهِ الْمَاجِشُونَ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى رَافِعٍ عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلاَةِ قَالَ « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ».
    ثمَّ قال الحاكم : وأصح أسانيد أبي هُريرة: الزُّهْري عن سعيد بن المسيب عنه.
    كما في صحيح البخارى(536 ) حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ » .
    وروى قبل عن البُخَاري: أبو الزِّناد عن الأعرج عنه.
    كما في صحيح البخارى(14) حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ » .
    وحكى غيره عن ابن المديني: من أصح الأسانيد حماد بن زيد عن أيُّوب عن محمَّد بن سيرين عن أبي هُرَيْرة.
    كما في صحيح البخارى (1219 ) حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ نُهِىَ عَنِ الْخَصْرِ فِى الصَّلاَةِ . وَقَالَ هِشَامٌ وَأَبُو هِلاَلٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - .
    قال: وأصح أسانيد ابن عُمر: مالك عن نافع عنه.
    كما في موطأ مالك (21 ) حَدَّثَنِى يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الَّذِى تَفُوتُهُ صَلاَةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ ».
    وأصح أسانيد عائشة: عُبيد الله بن عُمر عن القاسم عنها. قال ابن معين: هذه ترجمة مُشَبكة بالذَّهب.
    كما في صحيح البخارى(623 ) وَحَدَّثَنِى يُوسُفُ بْنُ عِيسَى الْمَرْوَزِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ » .
    قال: ومن أصح الأسانيد أيضًا الزُّهْري عن عروة بن الزُّبير عنها.
    كما في صحيح البخارى (250 ) حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ قَدَحٍ يُقَالُ لَهُ الْفَرَقُ .
    وقد تقدَّم عن الدَّارمي قول آخر.
    وأصح أسانيد ابن مسعود: سُفيان الثَّوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عنه.
    كما في مسند أحمد (3636) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - سَجَدَهُمَا بَعْدَ السَّلاَمِ. وَقَالَ مَرَّةً إِنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - سَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ فِى السَّهْوِ بَعْدَ السَّلاَمِ.
    وأصح أسانيد أنس: مالك عن الزُّهْري عنه.
    كما في صحيح البخارى (5808) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ . المغفر : ما يلبسه المقاتل على رأسه
    قال شيخ الإسلام : وهذا مِمَّا يُنازع فيه, فإنَّ قتادة وثابتًا البُنَاني أعرف بحديث أنس عن الزُّهْري, ولهُمَا من الرُّواة جماعة, فأثبت أصْحَاب ثابت: حماد بن زيد,
    كما في صحيح البخارى (200 ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ ، فَأُتِىَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ فِيهِ شَىْءٌ مِنْ مَاءٍ ، فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ . قَالَ أَنَسٌ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ ، قَالَ أَنَسٌ فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضَّأَ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ .
    وكما في صحيح مسلم(873 ) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَكَانَ يَسْتَمِعُ الأَذَانَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلاَّ أَغَارَ فَسَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « عَلَى الْفِطْرَةِ ». ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ ». فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ رَاعِى مِعْزًى.
    وقيل: حمَّاد بن سلمة, وأثبت أصحاب قتادة: شعبة, وقيل: هشام الدَّستوائي.
    كما في صحيح البخارى (21 ) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ ، وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِى النَّارِ »
    وقال البَزَّار : رواية عليِّ بن الحسين بن علي عن سعيد بن المُسيب عن سعد بن أبي وقَّاص, أصح إسناد يُروى عن سعد.
    كما في مسند البزار (1065)حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْقُرَشِيُّ ، قَالَ : ثنا يُوسُفُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ سَعْدٍ ، قَالَ سَعِيدٌ : ثُمَّ لَقِيتُ سَعْدًا فَحَدَّثَنِي ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِعَلِيٍّ : أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي.
    وَلاَ نَعْلَمُ رَوَى ابْنُ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ سَعْدٍ ، إِلاَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَلاَ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، إِلاَّ يُوسُفُ الْمَاجِشُونُ وَقَدْ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ سَعْدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - .وَهَذَا أَصَحُّ إِسْنَادٍ يُرْوَى عَنْ سَعْدٍ. (1066) حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ صَاحِبُ السَّابِرِيِّ قَالَ : ثنا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ ، قَالَ : ثنا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ سَعْدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِنَحْوِهِ
    ــــــــــــــ
    أصح أسانيد البلدان(1)

    "قال أحمد بن صالح المصري : أثبت أسانيد أهل المدينة: إسْمَاعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن سُفيان عن أبي هُرَيْرة.
    كما في صحيح مسلم (5101 ) وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - يَعْنِى ابْنَ مَهْدِىٍّ - عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى حَكِيمٍ عَنْ عَبِيدَةَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« كُلُّ ذِى نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ ».
    قال الحاكم : وأصح أسَانيد المَكِّيين: سُفيان بن عُيينة عن عَمرو بن دينار عن جابر.
    كما في صحيح البخارى(5853 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - " مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِزَارٌ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَعْلاَنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ" .
    وأصح أسَانيد اليَمَانين: مَعْمَر عن همَّام عن أبي هُريرة.
    كما في صحيح البخارى (42 )حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلاَمَهُ ، فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا » .
    وأثبت أسانيد المصريين: الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عُقْبة بن عامر.
    كما في صحيح البخارى (2500 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ عَنْ أَبِى الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ ضَحَايَا ، فَبَقِىَ عَتُودٌ فَذَكَرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « ضَحِّ بِهِ أَنْتَ » . العتود : صغير المعز إذا قوى وأتى عليه الحول
    وينبغي أن يضاف له عبد الله بن عمرو
    كما في صحيح البخارى (28 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ عَنْ أَبِى الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَىُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ قَالَ « تُطْعِمُ الطَّعَامَ ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ »
    وأثبت أسانيد الخُرَاسانيين: الحسين بن واقد عن عبد الله بن بُريدة عن أبيه.
    كما في سنن الترمذى (2830 ) حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ وَيُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالاَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالاَ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِيهِ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالاَ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الْعَهْدُ الَّذِى بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ ». وَفِى الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
    وأثبت أسانيد الشَّاميين: الأوزاعي عن حسَّان بن عَطِية عن الصَّحابة.
    كما في صحيح البخارى (2631 ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِى كَبْشَةَ السَّلُولِىِّ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو - رضى الله عنهما - يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلاَهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ » . قَالَ حَسَّانُ فَعَدَدْنَا مَا دُونَ مَنِيحَةِ الْعَنْزِ مِنْ رَدِّ السَّلاَمِ ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ، وَإِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ ، فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً .
    قال شيخ الإسْلام ابن حجر : ورجَّح بعض أئمتهم رِوَاية سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخَوْلاني عن أبي ذر.
    كما في صحيح مسلم(6737 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامَ الدَّارِمِىُّ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِىَّ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىِّ عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ « يَا عِبَادِى إِنِّى حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِى أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِى أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِى أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِى أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّى فَتَضُرُّونِى وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِى فَتَنْفَعُونِى يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِى مُلْكِى شَيْئًا يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِى شَيْئًا يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِى فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِى إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِى إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ». قَالَ سَعِيدٌ كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىُّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ.(( وهو أصح حديث يرويه اهل الشام ))
    وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: ليسَ بالكُوفة أصح من هذا الإسْنَاد: يحيى بن سعيد القطَّان عن سُفيان الثَّوري عن سُليمان التيمي عن الحارث بن سُويد عن علي.
    كما في صحيح البخارى(5594 ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - نَهَى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ . حَدَّثَنَا عُثْمَانُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا .
    وكان جَمَاعة لا يُقدِّمُون على حديث الحِجَاز شيئا حتَّى قال مالك: إذا خرج الحديث عن الحجاز انقطع نُخَاعه.
    وقال الشَّافعي : إذا لم يُوجد للحديث من الحجاز أصل ذهب نُخَاعه, حكاهُ الأنْصَاري في كتاب «ذم الكلام».
    وعنه أيضًا : كل حديث جاء من العِرَاق, وليسَ له أصل في الحجاز, فلا يُقبل وإن كان صحيحًا, ما أُريد إلاَّ نصيحتك.
    قلت : هذا فيه نظر ، وذلك لأن بعض الصحابة رحل للعراق ولم يرجع للحجاز ، فغالب حديثهم في العراق ، فكيف يقال عنه ذلك ؟!!
    وقال مِسْعر: قلتُ لحبيب بن أبي ثابت: أيُّما أعلم بالسُّنة, أهل الحجاز, أم أهل العراق؟ فقال: بل أهل الحِجَاز.
    وقال الزُّهْري إذا سمعت بالحديث العِرَاقي فأورد به, ثمَّ أورد به.
    وقال طاووس: إذا حدَّثك العراقي مئة حديث, فاطرح تسعة وتسعين.
    وقال هِشَام بن عُروة: إذَا حدَّثك العِرَاقي بألف حديث, فألق تسع مئة وتسعين وكُن من الباقي في شك.
    وقال الزُّهْري: إنَّ في حديث أهل الكُوفة دغلا كثيرًا.
    وقال ابن المُبَارك: حديث أهل المدينة أصح, وإسنادهم أقرب.
    قلت : هذا هو الراجح ، وفي الآراء التي قبله مبالغة ، وذلك لكثرة الكذب والبدع في العراق آنذاك
    وقال الخطيب: أصح طُرق السُّنن ما يرويه أهل الحرمين مكَّة والمَدِينة, فإن التَّدليس عنهم قليل, والكذب ووضع الحديث عندهم عزيز.
    ولأهل اليمن روايات جيدة وطرق صحيحة, إلاَّ أنَّها قليلة, ومرجعها إلى أهل الحجاز أيضًا.
    ولأهل البَصْرة من السُّنن الثابتة بالأسانيد الواضحة, ما ليسَ لغيرهم مع إكثارهم.
    والكُوفيون مثلهم في الكَثْرة, غير أنَّ رواياتهم كثيرة الدَّغل, قليلة السَّلامة مع العلل.
    وحديث الشَّاميين أكثره مراسيل ومَقَاطيع, وما اتَّصل منهُ مِمَّا أسندهُ الثِّقات, فإنَّه صالح, والغالبُ عليه ما يتعلق بالمواعظ.
    وقال ابن تيمية: اتَّفق أهل العلم بالحديث على أنَّ أصح الأحاديث ما رواه أهل المدينة, ثمَّ أهل البَصْرة ثمَّ أهل الشَّام.(2)
    وقال أبو بكر البَرْديجي(3):
    __________
    (1) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 43) والنكت على ابن الصلاح - (ج 1 / ص 255)
    (2) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 36) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 44)
    (3) - البَرْدِيْجِيُّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ رَوْحٍ الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ رَوْحٍ البَرْدِيْجِيُّ، البَرْذَعِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.وُلِدَ:بَعْدَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ أَوْ قَبْلَهَا.
    حَدَّثَ عَنْ:أَبِي سَعِيْدِ الأَشَجِّ، وَنَصْرِ بنِ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيِّ، وَالفَضْلِ الرُّخَامِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ إِشْكَاب، وَهَارُوْنَ بنِ إِسْحَاقَ، وَبَحْرِ بنِ نَصْرٍ الخَوْلاَنِيِّ، وَالرَّبِيْعِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَسُلَيْمَانَ بنِ سَيْفٍ الحَرَّانِيِّ، وَالعَبَّاسِ بنِ الوَلِيْدِ البَيْرُوْتِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الدَّقِيْقِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَوْفٍ الطَّائِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَطَبَقَتهِم بِالشَّامِ، وَالحَرَمَيْنِ، وَالعَجَمِ، وَمِصْرَ، وَالعِرَاقِ، وَالجَزِيْرَةِ.
    وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَبَرَعَ فِي عِلْمِ الأَثَرِ.
    حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو عَلِيٍّ بنُ الصَّوَّافِ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ العَسَّالُ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ لُؤْلُؤٍ الوَرَّاقُ، وَآخَرُوْنَ.

    ذَكَرَهُ الحَاكِمُ فِي(تَارِيْخِهِ) فَقَالَ:قَدِمَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، فَاسْتفَادَ وَأَفَادَ، وَكَتَبَ عَنْهُ مَشَايخُنَا فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، وَقَدْ قَرَأْت بِخَطّ أَبِي عَمْرٍو المُسْتَمْلِي سَمَاعَهُ مِنْ أَحْمَدَ بنِ هَارُوْنَ البَرْدِيْجِيِّ فِي مَسْجِدِ الذُّهْلِيِّ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ شَيْخُنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ بِمَكَّةَ، وَأَظُنُّهُ جَاوَرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ...إِلَى أَنْ قَالَ:لاَ أَعْرِفُ إِمَاماً مِنْ أَئِمَّةِ عَصْرِهِ فِي الآفَاقِ إِلاَّ وَلَهُ عَلَيْهِ انتِخَابٌ يُسْتَفَادُ.قَالَ حَمْزَةُ السَّهْمِيُّ:سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ البَرْدِيْجِيِّ، فَقَالَ:ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، جَبَلٌ.وَقَالَ الخَطِيْبُ:كَانَ ثِقَةً فَاضِلاً فَهْماً، حَافِظاً.قَالَ أَبُو الشَّيْخِ الأَصْبَهَانِيُّ:مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِ مائَةٍ بِبَغْدَادَ.وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ:مَاتَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى.سير أعلام النبلاء (14/123)( 66 )

  4. #44
    كاتب في "النسابون العرب"
    تاريخ التسجيل
    28-01-2010
    الدولة
    مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    العمر
    37
    المشاركات
    113

    افتراضي

    أجْمَعَ أهل النَّقل على صِحَّة أحاديث الزُّهْري عن سَالم عن أبيه, وعن سعيد بن المُسيب عن أبي هُرَيْرة من رواية مالك وابن عُيينة ومَعْمر والزُّبيدي ويُونس وعُقيل ما لَمْ يختلفوا, فإذا اختلفوا تُوقف فيه.
    قال شيخ الإسلام: وقضية ذلك أن يجري هذا الشَّرط في جميع ما تقدَّم, فيُقال: إنَّما يُوصف بالأصحية حيث لا يكون هناك مانع من اضْطراب أو شذوذ.
    هذا وقد جمع الحافظ أبو الفضل العِرَاقي في الأحاديث الَّتي وقعت في «المسند» لأحمد و«الموطأ» بالتراجم الخمسة التي حكاها المُصنِّف, وهي المُطْلقة وبالتراجم الَّتي حَكَاها الحاكم, وهي المُقَيدة, ورتَّبها على أبواب الفِقْهِ وسمَّاها «تقريب الأسَانيد».
    قال شيخ الإسْلام: وقد أخْلَى كثيرًا من الأبواب, لكونه لم يجد فيها تلك الشريطة, وفاتهُ أيضًا جُملة من الأحاديث على شرطهِ, لكونهِ تقيَّد بالكِتَابين للغرضِ الَّذي أرادهُ من كون الأحاديث المذكُورة تصير مُتَّصلة الأسانيد مع الاختصار البالغ, قال: ولو قدر أن يتفرَّغ عارف لجمع الأحاديث الواردة بجميع التراجم المذكُورة من غير تقييد بكتاب, ويضم إليها التَّراجم المزيدة عليه, لجَاء كتابًا حافلاً حاويًا لأصح الصَّحيح."
    ــــــــــــــ
    أصحُّ الأحاديث المُقيَّدة(1)

    " "أصح الأحاديث المُقيدة, كقولهم: أصح شيء في الباب كذا, وهو كثير في الأبواب التي وردت فيها الأحاديث المختلفة .
    كما في المستدرك للحاكم (1559) أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَرُوبَةَ الصَّفَّارُ بِبَغْدَادَ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ ، وَحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ ، وَعَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذَ الْعَدْلُ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، أَخْبَرَنِي أَبُو قِلابَةَ ، أَنَّ أَبَا أَسْمَاءَ الرَّحَبِيَّ حَدَّثَهُ ،عن أَنَّ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْشِي فِي الْبَقِيعِ فِي رَمَضَانَ إِذْ رَأَى رَجُلا يَحْتَجِمُ ، فَقَالَ : أَفْطَرَ الْحَاجِمُ ، وَالْمَحْجُومُ ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : وَهُوَ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ "(2)
    وفي المستدرك للحاكم(1561)(3)عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَفْطَرَ الْحَاجِمُ ، وَالْمَحْجُومُ وَفِي حَدِيثِ إِسْحَاقَ الدَّبَرِيِّ وَالْمُسْتَحْجِمُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ ، سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْعَظِيمِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ ، يَقُولُ : لاَ أَعْلَمُ فِي الْحَاجِمِ ، وَالْمَحْجُومِ حَدِيثًا أَصَحَّ مِنْ هَذَا.
    وفي سنن الترمذى (84 ) وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ بُسْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ بُسْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ. وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالتَّابِعِينَ وَبِهِ يَقُولُ الأَوْزَاعِىُّ وَالشَّافِعِىُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَصَحُّ شَىْءٍ فِى هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ بُسْرَةَ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ فِى هَذَا الْبَابِ صَحِيحٌ وَهُوَ حَدِيثُ الْعَلاَءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَمْ يَسْمَعْ مَكْحُولٌ مِنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ وَرَوَى مَكْحُولٌ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَنْبَسَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ. وَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحًا..
    وفي سنن الترمذى (1 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ح وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلاَ صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ(4)». قَالَ هَنَّادٌ فِى حَدِيثِهِ « إِلاَّ بِطُهُورٍ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شَىْءٍ فِى هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ. وَفِى الْبَابِ عَنْ أَبِى الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِى هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ.
    وفي سنن الترمذى (3 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَهَنَّادٌ وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالُوا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِىٍّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شَىْءٍ فِى هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ هُوَ صَدُوقٌ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ. قَالَ أَبُو عِيسَى وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَالْحُمَيْدِىُّ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ. قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِى الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِى سَعِيدٍ.
    وفي سنن الترمذي (5 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَهَنَّادٌ قَالاَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ قَالَ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ قَالَ شُعْبَةُ وَقَدْ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبِيثِ أَوِ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِى الْبَابِ عَنْ عَلِىٍّ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَجَابِرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَنَسٍ أَصَحُّ شَىْءٍ فِى هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ.
    وفي سنن الترمذي (32 ) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِىُّ حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى الْقَزَّازُ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِى بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِى الْبَابِ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَالْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ وَعَائِشَةَ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَصَحُّ شَىْءٍ فِى هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِىُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.
    وهذه العبارة لا تفيد صحة الحديث عند قائلها ، لكن فائدتها أن جميع ما سوى ذلك الحديث عند الناقد صاحب العبارة فهو دونه في القوة ، ففيها إذا الإشارة إلى منزلة سائر الأحاديث في الباب .
    والناقد يقول العبارة فيه قد يخالفه فيها غيره من النقاد ، كما بين عبارة أحمد بن حنبل وابن المديني في شأن أصح شيء في الحاجم والمحجوم ، إذ كل منهما قال غير مقالة الآخر ، ولكن المقصود أن يحيط المعتني بتمييز علل الحديث بمثل هذا كما يحيط بأقاويلهم في بيان أحوال النقلة ، ويعمل على تحرير الراجح منها ."(5)
    وقال النووي في «الأذكار»(6): " بلغنا عن الإمام الحافظ أبي الحسن الدارقطني رحمه الله أنه قال : أصح شئ في فضائل السور ، فضل : (قل هو الله أحد) وأصح شئ في فضائل الصلوات فضل صلاة التسبيح ، وقد ذكرت هذا الكلام مسندا في كتاب " طبقات الفقهاء " في ترجمة أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني ، ولا يلزم من هذه العبارة أن يكون حديث صلاة التسبيح صحيحا(7)، فإنهم يقولون : هذا أصح ما جاء في الباب ، وإن كان ضعيفا ، ومرادهم أرجحه وأقله ضعفا"
    ــــــــــــــ
    8- ما هو أول مصَنَّف في الصحيح المجَرَّدِ ؟
    أول مصنف في الصحيح المجرد صحيح البخاري . ثم صحيح مسلم . وهما أصح الكتب بعد القرآن الكريم ، وقد أجمعت الأمة على تلقي كتابيهما بالقَبول .
    أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ (ت، س)ابْنِ المُغِيْرَةِ بنِ بَرْدِزْبَه، وَقِيْلَ: بَذْدُزْبَه، وَهِيَ لَفْظَةٌ بخَارِيَّةٌ، معنَاهَا الزرَّاعُ.
    أَسلَمَ المُغِيْرَةُ عَلَى يَدِي اليَمَان الجُعْفِيِّ وَالِي بُخَارَى، وَكَانَ مَجُوْسِيّاً، وَطَلَبَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العِلْمَ.
    وُلِدَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
    ثُمَّ إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِيْمَا أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ سنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الفَضْلِ البَلْخِيُّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: ذهبَتْ عينَا مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فِي صِغَرِهِ فرأَتْ وَالِدتُهُ فِي المَنَامِ إِبْرَاهِيْمَ الخَلِيْلَ - عَلَيْهِ السَّلاَم - فَقَالَ لَهَا: يَا هَذِهِ، قَدْ رَدَّ اللهُ عَلَى ابْنِكِ بصرَهُ لكَثْرَةِ بُكَائِكِ، أَوْ كَثْرَةِ دُعَائِكِ - شكَّ البَلْخِيُّ - فَأَصْبحْنَا وَقَدْ رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ بصرَهُ.
    وبَالسَّندِ المَاضِي إِلَى مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ أَمرِكَ؟
    قَالَ: أُلْهِمْتُ حِفْظَ الحَدِيْثِ وَأَنَا فِي الكُتَّابِ.
    فَقُلْتُ: كم كَانَ سِنُّكَ؟
    فَقَالَ: عشرُ سِنِيْنَ، أَوْ أَقَلّ، ثُمَّ خرجْتُ مِنَ الكُتَّابِ بَعْد العشرِ، فَجَعَلْتُ أَخْتَلِفُ إلى الدَّاخلِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ يَوْماً فِيْمَا كَانَ يَقْرَأُ لِلنَّاسِ: سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَمْ يَرْوِ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ.
    فَانْتَهَرنِي، فَقُلْتُ لَهُ: ارْجِعْ إِلَى الأَصْلِ فَدَخَلَ فنظَرَ فِيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ هُوَ يَا غُلاَمُ؟
    قُلْتُ: هُوَ الزُّبَيْرُ بنُ عَدِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَأَخَذَ القلمَ مِنِّي، وَأَحْكَمَ كِتَابَهُ، وَقَالَ: صدقْتَ.
    فَقِيْلَ لِلْبُخَارِيِّ: ابْنُ كَمْ كُنْتَ حِيْنَ رددتَ عَلَيْهِ؟
    قَالَ: ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمَّا طَعَنْتُ فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، كُنْتُ قَدْ حفظتُ كتبَ ابْنِ المُبَارَكِ وَوَكِيْعٍ، وَعرفتُ كَلاَمَ هَؤُلاَءِ، ثُمَّ خرجْتُ مَعَ أُمِّي وَأَخِي أَحْمَدَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا حَجَجْتُ رَجَعَ أَخِي بِهَا! وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ.
    ذِكْرُ تسمِيَة شُيوخِهِ وَأَصْحَابِهِ
    سَمِعَ بِبُخَارَى و ثُمَّ سَمِعَ ببلخٍ وبِنَيْسَابُوْرَ وبِبَغْدَادَ وبِالبَصْرَةِ وبِالْكُوْفَةِ وَبِمَكَّةَ وبَالمَدِيْنَةِ وبمصرَ وبَالشَّامِ
    رَوَى عَنْهُ خلقٌ كَثِيْرٌ.....
    وعَنْ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: سَمِعَ كِتَابَ (الصَّحِيْحِ) لِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ تِسْعُوْنَ أَلفَ رَجُلٍ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِيْهِ غَيْرِي.
    وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيُّ: رَوَى (صَحِيْحَ) البُخَارِيِّ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: الفِرَبْرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ شَاكِرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنَ مَعْقِلٍ، وَطَاهرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدٍ النَّسَفِيَان.
    وَقَالَ الأَمِيْرُ الحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلا: آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ البُخَارِيِّ بـ (الصَّحِيْحِ) أَبُو طَلْحَةَ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البَزْدِيُّ مِنْ أَهْلِ بَزْدَةَ.
    وَكَانَ ثِقَةً، تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
    وَأَمَّا الصَّحِيْحُ فَهُوَ أَعْلَى مَا وَقَعَ لَنَا مِنَ الكُتُبِ السِّتَّةِ فِي أَوَّلِ مَا سَمِعْتُ الحَدِيْثَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
    فَمَا ظَنُّكَ بعلُوِّهِ اليَوْمَ وَهُوَ سنَة خَمْسَ عَشْرَةَ وَسَبْعَ مائَةٍ!! لَوْ رحلَ الرَّجُلُ مِنْ مسيرَةِ سَنَةٍ لسَمَاعِهِ لمَا فَرَّطَ.
    كَيْفَ وَقَدْ دَامَ عُلُوُّهُ إِلَى عَامِ ثَلاَثِيْنَ، وَهُوَ أَعْلَى الكُتُبِ السِّتَّةِ سَنَداً إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي شَيْءٍ كَثِيْرٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ، وَذَلِكَ لأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَسنُّ الجَمَاعَةِ، وَأَقْدَمُهُم لُقِيّاً لِلْكبارِ، أَخَذَ عَنْ جَمَاعَةٍ يَرْوِي الأَئِمَّةُ الخمسَةُ، عَنْ رجلٍ عَنْهُم.
    ذِكْرُ رِحلتِهِ وَطَلَبِهِ وَتَصَانِيْفِهِ
    قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: حَجَجْتُ، وَرَجَعَ أَخِي بِأُمِّي، وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْث فَلَمَّا طَعنْتُ فِي ثَمَانِ عَشْرَةَ، جَعَلتُ أُصَنِّفُ قضَايَا الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ وَأَقَاويلَهُم، وَذَلِكَ أَيَّامَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى.
    وصنَّفْتُ كِتَابَ (التَّارِيْخِ) إِذْ ذَاكَ عِنْدَ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي اللَّيَالِي المُقْمِرَةِ، وَقَلَّ اسْمٌ فِي التَّارِيْخِ إِلاَّ وَلَهُ قِصَّةٌ، إِلاَّ أَنِّي كَرِهْتُ تطويلَ الكِتَابِ.
    وعن أبي الهَيْثَمِ الكُشْمِيهَنِيِّ، سَمِعْتُ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: مَا وضعتُ فِي كِتَابِي (الصَّحِيْحِ) حَدِيْثاً إِلاَّ اغتسلتُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ.
    وعن إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَعْقِلٍ قالَ : سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا أَدخلتُ فِي هَذَا الكِتَابِ إِلاَّ مَا صَحَّ، وَتركتُ مِنَ الصِّحَاحِ كِي لاَ يطولَ الكِتَابُ.
    وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بَغْدَادَ آخِرَ ثَمَانِ مَرَّاتٍ، فِي كُلِّ ذَلِكَ أُجَالِسُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ لِي فِي آخِرِ مَا وَدَّعْتُهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تدعُ العِلْمَ وَالنَّاسَ، وَتصِيرُ إِلَى خُرَاسَانَ؟! قَالَ: فَأَنَا الآنَ أَذْكُرُ قَوْلَهُ.
    وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ القُدّوسِ بنَ هَمَّامٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عِدَّةً مِنَ المَشَايِخِ، يَقُوْلُوْنَ: حَوَّلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ ترَاجِمَ جَامِعِهِ بَيْنَ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمِنْبَرِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي لِكُلِّ تَرْجَمَةٍ رَكْعَتَيْنِ.
    وَقَالَ:.... سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: صنّفْتُ (الصَّحِيْحَ) فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَجَعَلتُهُ حُجَّةً فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ الله تَعَالَى.
    وَقَالَ مُحَمَّد: سَمِعْتُ النَّجْمَ بنَ الفُضَيْل يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّوْمِ، كَأَنَّهُ يَمْشِي، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَمْشِي خَلْفَهُ، فَكُلَّمَا رَفَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدَمَهُ، وضعَ مُحَمَّدُ بنُ إِسمَاعيلَ قدَمَهُ فِي المكَانِ الَّذِي رَفَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدَمَهُ.
    وَقَالَ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ الدُّوْرِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُحْسِنُ طلبَ الحَدِيْثِ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ لاَ يدعُ أَصْلاً وَلاَ فرعاً إِلاَّ قَلَعَهُ.
    ثُمَّ قَالَ لَنَا: لاَ تَدَعُوا مِنْ كَلاَمِهِ شَيْئاً إِلاَّ كَتَبْتُمُوهُ.
    ذِكْرُ حِفْظِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ وَذَكَائِهِ
    قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ غُنْجَار فِي (تَارِيْخِ بُخَارَى): سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ مَهِيبَ بنَ سُلَيْمٍ، سَمِعْتُ جَعْفَر بنَ مُحَمَّدٍ القَطَّانَ إِمَامَ كرمِيْنيَةَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ وَأَكْثَر، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم عَشْرَةُ آلاَفٍ وَأَكْثَر، مَا عِنْدِي حَدِيْثٌ إِلاَّ أَذكُرُ إِسْنَادَهُ.
    قَالَ غُنْجَارٌ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ الجُرْجَانِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدٍ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: لَقِيْتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلفِ رَجُلٍ أَهْلِ الحِجَازِ وَالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ، لَقِيتُهُم كَرَّاتٍ، أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالجَزِيْرَةِ مرَّتينِ، وَأَهْلِ البَصْرَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَبَالحِجَازِ سِتَّة أَعْوَامٍ، وَلاَ أُحْصِي كم دَخَلْتُ الكُوْفَةَ وَبَغْدَادَ مَعَ مُحَدِّثِي خُرَاسَانَ، مِنْهُمُ: المَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَابْنُ شَقِيقٍ، وَقُتَيْبَةُ، وَشِهَابُ بنُ معمرٍ، وَبَالشَّامِ: الفِرْيَابِيُّ، وَأَبَا مُسْهِرٍ، وَأَبَا المُغِيْرَةِ، وَأَبَا اليَمَانِ، وَسَمَّى خلقاً.
    ثُمَّ قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ وَاحِداً مِنْهُم يَخْتلِف فِي هَذِهِ الأَشْيَاءِ أَنَّ الدِّيْنَ قَوْلٌ وَعملٌ، وَأَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ.
    وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ عِدَّةَ مَشَايِخٍ يحكُوْن أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ قَدِمَ بَغْدَادَ، فسَمِعَ بِهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَاجْتَمَعُوا وَعَمَدُوا إِلَى مائَةِ حَدِيْثٍ، فَقلبُوا مُتونهَا وَأَسَانِيْدَهَا، وَجَعَلُوا مَتْنَ هَذَا الإِسْنَادِ هَذَا، وَإِسْنَادَ هَذَا المَتْنِ هَذَا، وَدفعُوا إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ ليُلْقُوهَا عَلَى البُخَارِيِّ فِي المَجْلِسِ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، وَانتَدبَ أَحَدُهُم، فَسَأَلَ البُخَارِيَّ عَنْ حَدِيْثٍ مِنْ عَشَرتِهِ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُهُ.وَسَأَلَهُ عَنْ آخر، فَقَالَ: لاَ أَعرِفُهُ.كَذَلِكَ حَتَّى فرغَ مِنْ عشرتِهِ.فَكَانَ الفقهَاءُ يَلْتَفِتُ بَعْضهُم إِلَى بَعْضٍ، وَيَقُوْلُوْنَ: الرَّجُلَ فَهِمَ.
    وَمَنْ كَانَ لاَ يَدْرِي قضَى عَلَى البُخَارِيِّ بِالعجزِ، ثُمَّ انتدبَ آخرُ، فَفَعَلَ كَمَا فعلَ الأَوَّلُ.وَالبُخَارِيُّ يَقُوْلُ: لاَ أَعرِفُهُ.
    ثُمَّ الثَّالِثَ وَإِلَى تمَام العشرَةِ أَنفسٍ، وَهُوَ لاَ يزيدُهُم عَلَى: لاَ أَعرِفُهُ.
    فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُم قَدْ فرغُوا، التفتَ إِلَى الأَوَّلِ مِنْهُم، فَقَالَ: أَمَّا حَدِيْثُكَ الأَوَّلُ فكذَا، وَالثَّانِي كَذَا، وَالثَّالِثُ كَذَا إِلَى العشرَةِ، فردَّ كُلَّ متنٍ إِلَى إِسْنَادِهِ.
    وَفعلَ بِالآخرينَ مِثْلَ ذَلِكَ.فَأَقَرَّ لَهُ النَّاسُ بِالحِفْظِ.فَكَانَ ابْنُ صَاعِدٍ إِذَا ذكرَهُ يَقُوْلُ: الكبشُ النَّطَّاحُ.
    وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا نمتُ البَارِحَةَ حَتَّى عَدَدْتُ كم أَدْخَلْتُ مُصَنَّفَاتِي مِنَ الحَدِيْثِ، فَإِذَا نَحْوُ مئَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ مُسْنَدَةٍ.
    وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً يُحتَاجُ إِلَيْهِ إِلاَّ وَهُوَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
    فَقُلْتُ لَهُ: يُمكنُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ كُلِّهُ.قَالَ: نَعَمْ.
    وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُومسِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خميرويه، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: أَحفَظُ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ، وَأَحفَظُ مَائَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ غَيْرِ صَحِيْحٍ.
    ذِكْرُ ثَنَاءِ الأَئِمَّةِ عَلَيْهِ
    قَالَ أَبوجعفرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِي يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ: كُلَّمَا دَخَلَ عليَّ هَذَا الصَّبِيُّ تحيَّرْتُ، وَألبسَ عليَّ أَمر الحَدِيْثِ وَغَيْرِهِ، وَلاَ أَزَالُ خَائِفاً مَا لَمْ يَخْرُجْ.
    قَالَ أَبُو جعفرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عُمُرَ سُلَيمُ بنُ مُجَاهِدٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيِّ، فَقَالَ: لَوْ جِئْتَ قَبْلُ لرَأَيْتَ صَبِيّاً يَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ.
    __________
    (1) - انظر تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 45)
    (2) - سنن أبى داود (2369) وأخرجه الحاكم في " المستدرك " ( 1 / 427 بعد رقم : 1559 ) وإسناده صحيح
    (3) - وهو حديث صحيح
    (4) - الغلول : السرقة من الغنيمة قبل أن تقسم
    (5) - تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 3 / ص 94)
    (6) - الأذكار للنووي - (ج 1 / ص 186) و قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 38) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 45)
    (7) - بل هو صحيح لغيره

  5. #45
    كاتب في "النسابون العرب"
    تاريخ التسجيل
    28-01-2010
    الدولة
    مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    العمر
    37
    المشاركات
    113

    افتراضي

    قَالَ: فَخَرَجتُ فِي طَلَبِهِ حَتَّى لَحِقْتُهُ.
    قَالَ: أَنْتَ الَّذِي يَقُوْلُ: إِنِّي أَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ؟
    قَالَ: نَعَمْ، وَأَكْثَر، وَلاَ أَجيئُكَ بِحَدِيْثٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ إِلاَّ عَرَّفْتُكَ مولِدَ أَكْثَرِهِم وَوَفَاتَهُم وَمسَاكنِهِم، وَلَسْتُ أَروِي حَدِيْثاً مِنْ حَدِيْثِ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِيْنَ إِلاَّ وَلِي مِنْ ذَلِكَ أَصْلٌ أَحْفَظُهُ حِفْظاً عَنْ كِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .
    وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: لَوْ قَدرْتُ أَنْ أَزيدَ فِي عُمُرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مِنْ عُمُرِي لفعلْتُ، فَإِنَّ مَوْتِي يَكُوْنُ مَوْتَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَموتُهُ ذهَابُ العِلْمِ.
    قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ - وَهُوَ البِيْكَنْدِيُّ - يَقُوْلُ لمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ: لَوْلاَ أَنْتَ مَا اسْتطبتُ العيشَ بِبُخَارَى.
    وَقَالَ: سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مِسْمَارٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فَقِيْهُ هَذِهِ الأُمَّةِ.
    وَقَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَالِدٍ المَرْوَزِيَّ، يَقُوْلُ: قَالَ مُسَدَّدٌ: لاَ تختَارُوا عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، يَا أَهْلَ خُرَاسَان.
    وَقَالَ خَلَفٌ الخَيَّامُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ السَّلاَمِ: قَالَ: ذَكَرْنَا قَوْلَ البُخَارِيِّ لِعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ -يَعْنِي: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي إِلاَّ بَيْنَ يَدِي عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ- فَقَالَ عَلِيٌّ: دعُوا هَذَا، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمْ يَرَ مِثْلَ نَفْسِهِ.
    وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: ذَاكرنِي أَصْحَابُ عَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الفَلاَّسِ بِحَدِيْثٍ، فَقُلْتُ: لاَ أَعْرِفُهُ، فَسُرُّوا بِذَلِكَ، وَصَارُوا إِلَى عَمْرٍو، فَأَخبروهُ.فَقَالَ: حَدِيْثٌ لاَ يَعْرِفُهُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ لَيْسَ بِحَدِيْثٍ.
    وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي أَبُو مُصْعَبِ الزُّهْرِيُّ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَفقَهُ عِنْدنَا وَأَبصرُ بِالحَدِيْثِ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
    فَقِيْلَ لَهُ: جَاوزتَ الحدَّ.
    فَقَالَ لِلرَّجُلِ: لَوْ أَدْرَكْتَ مَالِكاً، وَنظرتَ إِلَى وَجْهِهِ وَوجهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، لقُلْتَ: كِلاَهُمَا وَاحِدٌ فِي الفِقْهِ وَالحَدِيْثِ.
    وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حنيلٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا أَخرجتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
    وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَالِدٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا عَمَّارٍ الحُسَيْنَ بنَ حُرَيْثٍ يُثْنِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ، وَيَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ مِثْلَهُ، كَأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ إِلاَّ لِلْحَدِيْثِ.
    وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ مَحْمُوْدَ بنَ النَّضْرِ أَبَا سهلٍ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ البَصْرَةَ وَالشَّامَ وَالحِجَازَ وَالكُوْفَةَ، وَرأَيتُ علمَاءهَا، كُلَّمَا جرَى ذكرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فَضَّلُوهُ عَلَى أَنفُسِهِم.
    قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَدْخُلْ البَصْرَةَ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنْ أَخينَا أَبِي عَبْدِ اللهِ.
    قَالَ: فَلَمَّا أَرَادَ الخُرُوجَ وَدَّعَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ موعِدُنَا الحَشْرُ أَنْ لاَ نلتقِي بَعْدُ.
    وَقَالَ أَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جمعَةَ الحَافِظُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: حفَاظُ الدُّنْيَا أَرْبَعَةٌ: أَبُو زُرْعَةَ بِالرَّيِّ، وَالدَّارِمِيُّ بِسَمَرْقَنْدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِبُخَارَى، وَمُسْلِمٌ بِنَيْسَابُوْرَ.وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا حَاشِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، سَمِعْتُ يَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيَّ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فَقِيْهُ هَذِهِ الأُمَّةِ.
    وَقَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ سُلَيْمَانُ بنُ مُجَالدٍ: إِنِّي سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديًّ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُنَا وَأَفْقَهُنَا وَأَغْوَصُنَا، وَأَكْثَرُنَا طلباً.
    وَقَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ وَرَّاقُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَأَلَنِي عَبْدُ اللهِ عَنْ كِتَابِ (الأَدبِ) مِنْ تَصْنِيْفِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ: احمِلْهُ لأَنْظُرَ فِيْهِ، فَأَخَذَ الكِتَابَ مِنِّي، وَحَبَسَهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا أَخذتُ مِنْهُ، قُلْتُ: هَلْ رَأَيْتَ فِيْهِ حَشْواً، أَوْ حَدِيْثاً ضَعِيْفاً؟
    فَقَالَ ابْنُ إِسْمَاعِيْلَ: لاَ يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ إِلاَّ الحَدِيْثَ الصَّحِيْحَ، وَهَلْ يُنْكَرُ عَلَى مُحَمَّدٍ؟!
    وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ حَاتِمَ بنَ مَنْصُوْرٍ الكِسِّيَّ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ فِي بصرِهِ وَنفَاذِهِ مِنَ العِلْمِ.
    قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو المستنيرَ بنَ عَتِيْقٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَجَاءَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: فَضْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ عَلَى العُلَمَاءِ كفضلِ الرِّجَالِ عَلى النِّسَاءِ.
    فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، كُلُّ ذَلِكَ بِمَرَّةٍ؟!
    فَقَالَ: هُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ يَمْشِي عَلَى ظَهرِ الأَرْضِ.
    وَقَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ، فَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ عَنْ حَدِيْثٍ، فَأَجَابَهُ، فَقَالَ: هَذَا أَفقَهُ خلقِ اللهِ فِي زَمَانِنَا.
    وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
    وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حمدُوْن بنِ رُسْتُمَ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَجَاءَ إِلَى البُخَارِيِّ فَقَالَ: دَعْنِي أُقَبِّلْ رجليكَ يَا أُسْتَاذَ الأُسْتَاذِين، وَسَيِّدَ المُحَدِّثِيْنَ، وَطبيبَ الحَدِيْثِ فِي عِلَلِهِ.
    وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: لَمْ أَرَ بِالعِرَاقِ وَلاَ بِخُرَاسَانَ فِي مَعْنَى العِلَلِ وَالتَّارِيْخِ وَمَعْرِفَةِ الأَسَانِيْدِ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
    وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ حَاتِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الحَافِظُ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ الإِسْلاَمِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُنَصِّبُوا آخَرَ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ.
    وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ: وَددْت أَنِّي شَعْرَةٌ فِي صَدْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
    أَخبرنَي الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ المهدوِيُّ، سَمِعْتُ خَالِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ المَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا سهلٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ المَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا زيدٍ المَرْوَزِيَّ الفَقِيْهَ يَقُوْلُ: كُنْتُ نَائِماً بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمقَامِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِي: يَا أَبَا زيدٍ، إِلَى مَتَى تدرسُ كِتَابَ الشَّافِعِيِّ، وَلاَ تدرُسُ كِتَابِي؟
    فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ وَمَا كِتَابُكَ؟
    قَالَ: (جَامِعُ) مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
    ذِكْرُ عِبَادَتِهِ وَفَضْلِهِ وَوَرَعِهِ وَصَلاَحِهِ
    قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ المُطَّوِّعِيُّ، حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بنُ سَعِيْدٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يختمُ فِي رَمَضَانَ فِي النَّهَارِ كُلَّ يَوْمٍ خَتْمَةً، وَيقومُ بَعْدَ التّروَايحِ كُلَّ ثَلاَثِ لَيَالٍ بخَتْمَةٍ.
    وَقَالَ بَكْرُ بنُ مُنِيْرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: أَرْجُو أَنْ أَلقَى اللهَ وَلاَ يحَاسبنِي أَنِّي اغتبتُ أَحَداً.
    قُلْتُ: صَدَقَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَمَن نظَرَ فَى كَلاَمِهِ فِي الجرحِ وَالتعديلِ عَلِمَ وَرعَهُ فِي الكَلاَمِ فِي النَّاسِ، وَإِنصَافَهُ فِيْمَنْ يُضَعِّفُهُ، فَإِنَّهُ أَكْثَر مَا يَقُوْلُ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ، سَكَتُوا عَنْهُ، فِيْهِ نظرٌ، وَنَحْو هَذَا،وَقَلَّ أَنْ يَقُوْلَ: فُلاَنٌ كَذَّابٌ، أَوْ كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ،حَتَّى إِنَّهُ قَالَ: إِذَا قُلْتُ: فُلاَنٌ فِي حَدِيْثِهِ نَظَرٌ، فَهُوَ مُتَّهَمٌ وَاهٍ.
    وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: لاَ يُحَاسبُنِي اللهُ أَنِّي اغتبْتُ أَحَداً، وَهَذَا هُوَ وَاللهِ غَايَةُ الوَرَعِ.
    قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يُصَلِّي فِي وَقْتِ السَّحَرِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَكَانَ لاَ يُوقظنِي فِي كُلِّ مَا يقوم،فَقُلْتُ: أَرَاكَ تحمِلُ عَلَى نَفْسِكَ، وَلَمْ توقظْنِي،قَالَ: أَنْتَ شَابٌّ، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ أُفْسِدَ عَلَيْكَ نَومَكَ.
    وَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ العُلَمَاءَ بِالبَصْرَةِ يَقُوْلُوْنَ: مَا فِي الدُّنْيَا مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فِي المَعْرِفَةِ وَالصَّلاَحِ.
    وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَامِدٍ البَزَّازُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ لَمَّا وَردَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ يَقُوْلُ: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ، فَاسْمَعُوا مِنْهُ.
    وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عبدَ القُدُّوسِ بنَ عَبْدِ الجَبَّارِ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: جَاءَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَقربَائِهِ بخَرْتَنْك، فسَمِعْتُهُ يدعُو لَيْلَةً إِذْ فرغَ مِنْ وِرْدِهِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عليَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ.فَمَا تمَّ الشَّهر حَتَّى مَاتَ.
    وَرَوَى الخَطِيْبُ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الفِرَبْرِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لِي: أَيْنَ تُرِيْدُ؟
    فَقُلْتُ: أُرِيْدُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ، فَقَالَ: أَقْرئْهُ مِنِّيَ السَّلاَمُ.
    قَالَ: وَأَملَى يَوْماً عليَّ حَدِيْثاً كَثِيْراً، فَخَافَ مَلاَلِي، فَقَالَ: طِبْ نَفْساً، فإِن أَهْلَ الملاَهِي فِي ملاَهِيهِم، وَأَهْلَ الصّنَاعَاتِ فِي صنَاعَاتِهِم، وَالتُّجَّارَ فِي تجَارَاتِهِم، وَأَنْتَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ.
    فَقُلْتُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، يرحمُكَ اللهُ إِلاَّ وَأَنَا أَرَى الحظَّ لنفسِي فِيْهِ.
    وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مكِّي الجُرْجَانِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ آدَمَ الطَّواويسِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّوْمِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ وَاقفٌ فِي مَوْضِعٍ، فسلَّمْتُ عَلَيْهِ، فردَّ عليَّ السَّلاَمَ، فَقُلْتُ: مَا وُقُوفُكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
    قَالَ: أَنتَظِرُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ بَلَغَنِي مَوْتَهُ، فَنَظَرتُ، فَإِذَا قَدْ مَاتَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِيْهَا.
    وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: تُوُفِّيَ البُخَارِيُّ لَيْلَةَ السَّبْتِ، لَيْلَةَ الفِطْرِ، عِنْدَ صَلاَةِ العشَاءِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الفِطْرِ بَعْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً إِلاَّ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْماً.
    وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ الحَسَنِ السَّكتِيُّ السَّمرقندِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا بَلَنْسِيَةَ عَامَ أَرْبَعِيْنَ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، قَالَ: قَحطَ المَطَرُ عِنْدنَا بِسَمَرْقَنْدَ فِي بَعْضِ الأَعْوَامِ، فَاسْتسقَى النَّاسُ مِرَاراً، فَلَمْ يُسْقَوا، فَأَتَى رَجُلٌ صَالِحٌ مَعْرُوْفٌ بِالصَّلاَحِ إِلَى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي رَأَيْتُ رأْياً أَعرضُهُ عَلَيْكَ ،قَالَ: وَمَا هُوَ؟
    قَالَ: أَرَى أَنْ تخرجَ وَيخرجَ النَّاسُ مَعَكَ إِلَى قَبْرِ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، وَقبرُهُ بخَرْتَنْك، وَنستسقِي عِنْدَهُ، فعسَى اللهُ أَنْ يَسْقِينَا.
    قَالَ: فَقَالَ القَاضِي: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ.
    فَخَرَجَ القَاضِي وَالنَّاسُ مَعَهُ، وَاسْتسقَى القَاضِي بِالنَّاسِ، وَبَكَى النَّاسُ عِنْدَ القَبْرِ، وَتشفَّعُوا بصَاحِبِهِ، فَأَرسلَ اللهُ -تَعَالَى- السَّمَاءَ بِمَاءٍ عَظِيْمٍ غَزِيْرٍ أَقَامَ النَّاسُ مِنْ أَجلِهِ بِخَرْتَنْك سَبْعَةَ أَيَّامٍ أَوْ نحوَهَا، لاَ يَسْتَطيعُ أَحَدٌ الوُصُوْلَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ مِنْ كَثْرَةِ المَطَرِ وَغزَارتِهِ، وَبَيْنَ خرتنك وَسَمَرْقَنْد نَحْوَ ثَلاَثَةَ أَمِيَالٍ..(1)
    وأما صحيحُ البخاري:
    فهو أصح كتاب بعد القرآن الكريم ضمَّنَ فيه البخاريُّ أصح الأحاديث ، ووفّى بشرطه وأحاديثه بالمكرر حوالي (7563) حديث ونيّف عدا الأحاديث المعلقة والتي ليست على شرطه ، وهو مرتب على الأبواب الفقهية ... وله طبعات كثيرة جداً ، وأهمها طبعة بولاق وماصور عنها ، ثم الطبعة السلفية ، والطبعة التي قام أستاذنا الدكتور مصطفى البغا بضبطها وشرح غريبها وطبعة المكنز وهي أدقها.. وأحاديثه كلها صحيحة ، ومن انتقد بعضها كالدارقطني وغيره لا يعني أنها ليست صحيحة ، ولكنها دون الشروط العالية التي اشترطها الإمام البخاري رحمه الله . وقد وفّى شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في الرد على النقاد وبين أن القول فيها للبخاري في مقدمة فتح الباري (هدي الساري) ولا يُغرَّنَّكَ بعض المعاصرين ، الذين ضعفوا أحاديث في صحيح البخاري - بغير حق - فهؤلاء إمّا حاقدون على السنّة إجمالاً ، وإما جاهلون بشروطه ، وقد ناقشتهم وبينت خطأهم بشكل دقيق ، في كتابي موسوعة السنة النبوية ( مخطوطة )
    لذا فكل حديث موصول في صحيح البخاري فهو صحيح ،وعلى ذلك جمهور أهل العلم ، ولا يجوز لنا أن نعيد النظر في أسانيده مرة أخرى ، والا شككنا في السنة كلّها .
    ويستثنى من ذلك حديث المعراج الذي تفرد به شريك بن أبي نمر، ، فقد أخطأ فيه شريك ، كما بين العلماء ، ومنهم الحافظ ابن رحمه في الفتح(2)
    وهذا الكتاب له شروح ومختصرات وتعليقات وحواشي كثيرة جداً ، أهمها فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ، وعمدة القاري للعيني ، وإرشاد الساري للقسطلاني ، وفيض الباري(3)..
    ------------------
    وأما صحيح الإمام مسلم (204 - 261 هـ)
    وهو : مُسْلِمٌ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الحَجَّاجِ بنِ مُسْلِمٍ القُشَيْرِيُّ (ت) هُوَ الإِمَامُ الكَبِيْرُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، الحُجَّةُ، الصَّادِقُ، أَبُو الحُسَيْنِ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ بنِ مُسْلِمِ بنِ وَرْدِ بنِ كوشَاذَ القُشَيْرِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، صَاحِبُ (الصَّحِيْحِ)، فَلَعَلَّهُ مِنْ مَوَالِي قُشَيْرٍ.قِيْلَ: إِنَّهُ وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ.
    وَسَمِعَ: بِالعِرَاقِ، وَالحَرَمَيْنِ، وَمِصْرَ.
    قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَأَبَا حَاتِم يقدِّمَان مسلماً فِي مَعْرِفَةِ الصَّحِيْح عَلَى مَشَايِخ عَصْرهمَا.
    وَسَمِعْتُ الحُسَيْن بن مَنْصُوْرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه ذكر مسلماً، فَقَالَ بِالفَارِسيَّة كَلاَماً مَعْنَاهُ: أَي رَجُل يَكُوْن هَذَا؟!
    وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَ مُسْلِم ثِقَة مِنَ الحُفَّاظِ، كَتَبْتُ عَنْهُ بِالرَّيّ، وَسُئِلَ أَبِي عنه، فَقَالَ: صَدُوْقٌ.
    قَالَ أَبُو قُرَيْش الحَافِظ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّار يَقُوْلُ:حُفَّاظ الدُّنْيَا أَرْبَعَة: أَبُو زُرْعَةَ بِالرَّيّ، وَمُسْلِم بِنَيْسَابُوْرَ، وَعَبْد اللهِ الدَّارِمِيّ بِسَمَرْقَنْدَ، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ بِبُخَارَى.
    وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ المَاسَرْجِسِي: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مسلماً يَقُوْلُ: صنَّفْتُ هَذَا (المُسْنَد الصَّحِيْح) مِنْ ثَلاَث مائَة أَلْف حَدِيْث مَسْمُوْعَة.
    قَالَ ابْنُ مَنْدَة: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الأَخْرَم يَقُوْلُ مَا مَعْنَاهُ: قلَّ مَا يَفُوْت البُخَارِيّ وَمسلماً مِمَّا ثَبَتَ مِنَ الحَدِيْثِ.
    قَالَ الحَافِظُ ابْنُ مَنْدَة: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيّ الحَافِظ يَقُوْلُ:مَا تَحْتَ أَديم السَّمَاء كِتَاب أَصحّ مِنْ كِتَابِ مُسْلِم.
    وَقَالَ مَكِّيّ بن عبدَان: سَمِعْتُ مسلماً يَقُوْلُ:عرضت كِتَابِي هَذَا (المُسْنَد) عَلَى أَبِي زُرْعَةَ، فُكُلُّ مَا أَشَار عليّ فِي هَذَا الكِتَاب أَن لَهُ عِلَّة وَسبباً تركته، وَكُلّ مَا قَالَ: إِنَّهُ صَحِيْح لَيْسَ لَهُ علَّة، فَهُوَ الَّذِي أَخرجت.وَلَوْ أَنَّ أَهْل الحَدِيْث يَكْتُبُوْنَ الحَدِيْث مَائَتَي سنَة، فمدَارهُم عَلَى هَذَا (المُسْنَد).
    وَقَالَ الحَاكِمُ: أَرَادَ مُسْلِم أَنْ يخرج (الصَّحِيْح) عَلَى ثَلاَثَة أَقسَام، وَعَلَى ثَلاَث طَبَقَات مِنَ الرُّوَاة، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا فِي صَدْر خطبته، فَلَمْ يقدّر لَهُ إِلاَّ الفرَاغ مِنَ الطَّبَقَة الأُوْلَى، وَمَاتَ.
    قَالَ القَاضِي عِيَاض: وَالَّذِي تَأَوّله الحَاكِم عَلَى مُسْلِم مِنِ اخترَام المنيَة لَهُ قَبْل اسْتيفَاء غرضه إِلاَّ مِنَ الطَّبَقَة الأُوْلَى، فَأَنَا أَقُوْل: إِنَّك إِذَا نظرت فِي تقسيم مُسْلِم فِي كِتَابِهِ الحَدِيْث عَلَى ثَلاَث طَبَقَات مِنَ النَّاس عَلَى غَيْر تكرَار، فَذَكَرَ أَنَّ القسم الأَوّل حَدِيْث الحُفَّاظ.
    ثُمَّ قَالَ: إِذَا انقضَى هَذَا، أَتبعته بأَحَادِيْث مَنْ لَمْ يوصف بِالحذق وَالإِتْقَان.
    وَذكر أَنَّهُم لاَحقُوْنَ بِالطَّبَقَة الأُوْلَى، فَهَؤُلاَءِ مَذْكُوْرُوْنَ فِي كِتَابِهِ لِمَنْ تدبر الأَبْوَاب.
    وَالطَّبَقَة الثَّانِيَة قَوْم تَكَلَّمَ فِيْهِم قَوْم، وَزكَّاهُم آخرُوْنَ، فَخَرَجَ حَدِيْثهُم عَمَّنْ ضعّف أَوِ اتهُم بِبدعَة، وَكَذَلِكَ فعل البُخَارِيّ.
    ثُمَّ قَالَ القَاضِي عِيَاض: فعِنْدِي أَنَّهُ أَتَى بطَبَقَاتِهِ الثَّلاَث فِي كِتَابِهِ، وَطرح الطَّبَقَة الرَّابِعَة.
    قُلْتُ: بَلْ خَرَّجَ حَدِيْث الطَّبَقَة الأُوْلَى، وَحَدِيْث الثَّانِيَة إِلاَّ النزر القَلِيْل مِمَّا يَسْتَنكره لأَهْلِ الطَّبَقَة الثَّانِيَة.
    ثُمَّ خَرَجَ لأَهْلِ الطَّبَقَة الثَّالِثَة أَحَادِيْث لَيْسَتْ بِالكَثِيْرَة فِي الشوَاهد وَالاعتبَارَات وَالمتَابعَات، وَقلَّ أَن خَرَّجَ لَهُم فِي الأُصُوْل شَيْئاً، وَلَوِ اسْتوعبت أَحَادِيْث أَهْل هَذِهِ الطَّبَقَة فِي (الصَّحِيْحِ)، لجَاءَ الكِتَاب فِي حجم مَا هُوَ مَرَّةً أُخْرَى، وَلنزل كِتَابهُ بِذَلِكَ الاسْتيعَاب عَنْ رُتْبَة الصّحَّة، وَهُم كعَطَاء بن السَّائِبِ، وَلَيْث، وَيَزِيْد بن أَبِي زِيَادٍ، وَأَبَان بن صمعَة، وَمُحَمَّد بن إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّد بن عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَطَائِفَة أَمْثَالهم، فَلَمْ يخرج لَهُم إِلاَّ الحَدِيْث بَعْد الحَدِيْث إِذَا كَانَ لَهُ أَصْل، وَإِنَّمَا يَسُوق أَحَادِيْث هَؤُلاَءِ، وَيُكثر مِنْهَا أَحْمَد فِي (مُسْنِدِهِ)، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيّ، وَغَيْرهُم.
    فَإِذَا انحطُوا إِلَى إِخْرَاج أَحَادِيْث الضُّعَفَاء الَّذِيْنَ هُم أَهْل الطَّبَقَة الرَّابِعَة، اخْتَارُوا مِنْهَا، وَلَمْ يَسْتَوعبُوهَا عَلَى حسب آرَائِهِم وَاجْتِهَادَاتهم فِي ذَلِكَ.
    وَأَمَّا أَهْل الطَّبَقَة الخَامِسَة، كمن أُجمع عَلَى اطرَاحه وَتركه لعدم فَهمه وضبطه، أَوْ لِكَوْنِهِ مُتهماً، فيندر أَنْ يخرّج لَهُم أَحْمَد وَالنَّسَائِيّ، وَيورد لَهُم أَبُو عِيْسَى فيبينه بحسب اجْتِهَاده، لَكِنَّه قَلِيْل، وَيورد لَهُم ابْن مَاجَهْ أَحَادِيْث قَلِيْلَة وَلاَ يبين - وَاللهُ أَعْلَمُ - وَقلّ مَا يورد مِنْهَا أَبُو دَاوُدَ، فَإِنْ أَورد بَيْنَهُ فِي غَالِب الأَوقَات.
    وَأَمَّا أَهْل الطَّبَقَة السَّادِسَة كغلاَة الرَّافِضَة وَالجَهْمِيَّة الدعَاة، وَكَالكَذَّابين وَالوضَّاعِين، وَكَالمَتْرُوْكِيْنَ المهتوكين، كعمر بن الصبح، وَمُحَمَّد المَصْلُوب، وَنُوْح بن أَبِي مَرْيَمَ، وَأَحْمَد الجُويبارِي، وَأَبِي حُذَيْفَةَ البُخَارِيّ، فَمَا لَهُم فِي الكُتُب حَرْف، مَا عدَا عُمَر، فَإِنَّ ابْنَ مَاجَهْ خَرَّجَ لَهُ حَدِيْثاً وَاحِداً فَلَمْ يُصب،وَكَذَا خَرَجَ ابْن مَاجَهْ لِلْوَاقِدِيّ حَدِيْثاً وَاحِداً، فدلس اسْمه وَأَبهمه.
    عَدِيّ بن عميرَة الكِنْدِيّ خَرَّجَ لَهُ مُسْلِم، مَا رَوَى عَنْهُ غَيْر قيس بن أَبِي حَازِمٍ.
    وَخَرجَ مُسْلِم لقطبَة بن مَالِك، وَمَا حَدَّثَ عَنْهُ سِوَى زِيَاد بن عِلاَقَةَ.
    وَخَرَجَ مُسْلِم لطَارِق بن أَشيم، وَمَا رَوَى عَنْهُ سِوَى وَلده أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ.
    __________
    (1) - سير أعلام النبلاء (12/393-472)(171 ) وما بعدها باختصار وتذكرة الحفاظ - (ج 2 / ص 555)(9 578 ) 30 ت
    (2) - انظر صحيح البخارى(7517 ) وفتح الباري لابن حجر - (ج 21 / ص 101)
    (3) - انظر الباعث الحثيث 25 و35 والحديث النبوي 362-380 وأصول الحديث 309-313 ، ومنهج النقد في علوم الحديث 233-235

  6. #46
    كاتب في "النسابون العرب"
    تاريخ التسجيل
    28-01-2010
    الدولة
    مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    العمر
    37
    المشاركات
    113

    افتراضي

    وَخَرَّجَ لنبيشَة الخَيْر، وَمَا رَوَى عَنْهُ إِلاَّ أَبُو المَلِيْحِ الهُذَلِيّ.
    ذكرنَا هَؤُلاَءِ نقضاً عَلَى مَا ادَعَاهُ الحَاكِم مِنْ أَنَّ الشَيْخين مَا خرجَا إِلاَّ لِمَنْ رَوَى عَنْهُ اثْنَانِ فصَاعِدَا.
    الحَاكِم: سَمِعْتُ أَبَا الفَضْل مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلَمَةَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَأَبَا حَاتِم يقدمَان مُسْلِم بن الحَجَّاجِ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحِيْح عَلَى مَشَايِخ عَصْرهِمَا.
    قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ مسلماً يَقُوْلُ:إِذَا قَالَ ابْنُ جُرَيْج: حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَسَمِعْتُ، فَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا شَيْء أَثْبَت مِنْ هَذَا.قَالَ مَكِّيّ بن عبدَان: سَمِعْتُ مسلماً يَقُوْلُ:لَوْ أَنَّ أَهْل الحَدِيْث يَكْتُبُوْنَ الحَدِيْث مَائَتَي سَنَةٍ، فمدَارُهُم عَلَى هَذَا (المُسْنَد).قُلْتُ: عَنَى بِهِ (مسنده الكَبِيْر).
    وَعَنِ ابْنِ الشَّرْقِيّ، عَنْ مُسْلِم، قَالَ:مَا وضعت فِي هَذَا (المُسْنَد) شَيْئاً إِلاَّ بحجّة، وَلاَ أَسقطت شيئاً مِنْهُ إِلاَّ بحجّة.تُوُفِّيَ مُسْلِم: فِي شَهْر رجب، سَنَة إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، بِنَيْسَابُوْرَ، عَنْ بِضْع وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، وَقَبْره يزَار.(1)
    وهو يأتي في المرتبة الثانية بعد صحيح الإمام البخاري وأحاديثه حوالي (3033) حديثاً دون المكرر ، وبالمكرر حوالي (7748) حسب طبعة المكنز ، وشروطه دون شروط الإمام البخاري ، وأخرج في المتابعات لرواة لم يخرج لهم البخاري . وهو مرتب على الأبواب الفقهية ، وكل أحاديثه صحيحة ، ومجرد العزو إليه يعني الصحة ،إلا حديثا واحدا انتقده أهل العلم ورجحوا وقفه ، ففي صحيح مسلم(7231 ) حَدَّثَنِى سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالاَ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِى فَقَالَ « خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِى آخِرِ الْخَلْقِ وَفِى آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ ».(2)
    والأحاديث التي ضعفها بعض المعاصرين ، لا يُسلّم لهم بتضعيفها لتسرعهم وعدم درايتهم الكافية بعلم الجرح والتعديل .
    وله طبعات كثيرة أهمها التركية ، ثم التي قام بتحقيقها الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي ، ثم طبعة المكنز وهي أدقها وأشملها ، وله مختصر للمنذري مطبوع وأهم شروحه شرح مسلم للإمام النووي ، وهو شرح نفيس ، وغيره من شروح(3)
    ــــــــــــــ
    أيُّهما أصحُّ؟ :

    البخاري أصحهما، وأكثرهما فوائد، وذلك لأن أحاديث البخاري أشد اتصالا وأوثق رجالا، ولأن فيه من الاستنباطات الفقهية والنكت الحكيمة ما ليس في صحيح مسلم.
    هذا وكون صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم إنما هو باعتبار المجموع وإلا فقد يوجد بعض الأحاديث في مسلم أقوى من بعض الأحاديث في البخاري .
    كما في صحيح البخارى برقم (7517 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ مَالِكٍ يَقُولُ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهْوَ نَائِمٌ فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ أَيُّهُمْ هُوَ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ هُوَ خَيْرُهُمْ . فَقَالَ آخِرُهُمْ خُذُوا خَيْرَهُمْ . فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ ، وَتَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلاَ تَنَامُ قُلُوبُهُمْ ، فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ فَتَوَلاَّهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ ، فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بِيَدِهِ ، حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ ، ثُمَّ أُتِىَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ تَوْرٌ مِنْ ذَهَبٍ مَحْشُوًّا إِيمَانًا وَحِكْمَةً ، فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ - يَعْنِى عُرُوقَ حَلْقِهِ - ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَضَرَبَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا فَنَادَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ مَنْ هَذَا فَقَالَ جِبْرِيلُ . قَالُوا وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مَعِى مُحَمَّدٌ . قَالَ وَقَدْ بُعِثَ قَالَ نَعَمْ . قَالُوا فَمَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلاً . فَيَسْتَبْشِرُ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ ، لاَ يَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَاءِ بِمَا يُرِيدُ اللَّهُ بِهِ فِى الأَرْضِ حَتَّى يُعْلِمَهُمْ ، فَوَجَدَ فِى السَّمَاءِ الدُّنْيَا آدَمَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ . فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ آدَمُ وَقَالَ مَرْحَبًا وَأَهْلاً بِابْنِى ، نِعْمَ الاِبْنُ أَنْتَ . فَإِذَا هُوَ فِى السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِنَهَرَيْنِ يَطَّرِدَانِ فَقَالَ مَا هَذَانِ النَّهَرَانِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا النِّيلُ وَالْفُرَاتُ عُنْصُرُهُمَا . ثُمَّ مَضَى بِهِ فِى السَّمَاءِ فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ آخَرَ عَلَيْهِ قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ فَضَرَبَ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ مِسْكٌ قَالَ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِى خَبَأَ لَكَ رَبُّكَ . ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتْ لَهُ الأُولَى مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قَالُوا وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - . قَالُوا وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ . قَالُوا مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلاً . ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ وَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتِ الأُولَى وَالثَّانِيَةُ ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى الرَّابِعَةِ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ، كُلُّ سَمَاءٍ فِيهَا أَنْبِيَاءُ قَدْ سَمَّاهُمْ فَأَوْعَيْتُ مِنْهُمْ إِدْرِيسَ فِى الثَّانِيَةِ ، وَهَارُونَ فِى الرَّابِعَةِ ، وَآخَرَ فِى الْخَامِسَةِ لَمْ أَحْفَظِ اسْمَهُ ، وَإِبْرَاهِيمَ فِى السَّادِسَةِ ، وَمُوسَى فِى السَّابِعَةِ بِتَفْضِيلِ كَلاَمِ اللَّهِ ، فَقَالَ مُوسَى رَبِّ لَمْ أَظُنَّ أَنْ يُرْفَعَ عَلَىَّ أَحَدٌ . ثُمَّ عَلاَ بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ بِمَا لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللَّهُ ، حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى وَدَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى اللَّهُ فِيمَا أَوْحَى إِلَيْهِ خَمْسِينَ صَلاَةً عَلَى أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ . ثُمَّ هَبَطَ حَتَّى بَلَغَ مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ مُوسَى فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَاذَا عَهِدَ إِلَيْكَ رَبُّكَ قَالَ عَهِدَ إِلَىَّ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ . قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ وَعَنْهُمْ . فَالْتَفَتَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِى ذَلِكَ ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ أَنْ نَعَمْ إِنْ شِئْتَ . فَعَلاَ بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ فَقَالَ وَهْوَ مَكَانَهُ يَا رَبِّ خَفِّفْ عَنَّا ، فَإِنَّ أُمَّتِى لاَ تَسْتَطِيعُ هَذَا . فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهُ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ ، ثُمَّ احْتَبَسَهُ مُوسَى عِنْدَ الْخَمْسِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ لَقَدْ رَاوَدْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ قَوْمِى عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذَا فَضَعُفُوا فَتَرَكُوهُ فَأُمَّتُكَ أَضْعَفُ أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْدَانًا وَأَبْصَارًا وَأَسْمَاعًا ، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ ، كُلَّ ذَلِكَ يَلْتَفِتُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى جِبْرِيلَ لِيُشِيرَ عَلَيْهِ وَلاَ يَكْرَهُ ذَلِكَ جِبْرِيلُ ، فَرَفَعَهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ فَقَالَ يَا رَبِّ إِنَّ أُمَّتِى ضُعَفَاءُ أَجْسَادُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ فَخَفِّفْ عَنَّا فَقَالَ الْجَبَّارُ يَا مُحَمَّدُ . قَالَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ . قَالَ إِنَّهُ لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ ، كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْكَ فِى أُمِّ الْكِتَابِ - قَالَ - فَكُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، فَهْىَ خَمْسُونَ فِى أُمِّ الْكِتَابِ وَهْىَ خَمْسٌ عَلَيْكَ . فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى فَقَالَ كَيْفَ فَعَلْتَ فَقَالَ خَفَّفَ عَنَّا أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا . قَالَ مُوسَى قَدْ وَاللَّهِ رَاوَدْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فَتَرَكُوهُ ، ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ أَيْضًا . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَا مُوسَى قَدْ وَاللَّهِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّى مِمَّا اخْتَلَفْتُ إِلَيْهِ . قَالَ فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللَّهِ . قَالَ وَاسْتَيْقَظَ وَهْوَ فِى مَسْجِدِ الْحَرَامِ .
    وفي صحيح مسلم برقم (432 ) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ - وَهُوَ ابْنُ بِلاَلٍ - قَالَ حَدَّثَنِى شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى نَمِرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُنَا عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ نَحْوَ حَدِيثِ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ وَقَدَّمَ فِيهِ شَيْئًا وَأَخَّرَ وَزَادَ وَنَقَصَ.
    فقد أخطأ شريك بن أبي نمر في روايته وخالف الثقات عن أنس ، ولذلك فقد أشار الإمام مسلم لهذه الرواية وبين أن فيها زيادة ونقصان وأعرض عن ذكرها ، والبخاري قد ذكرها كاملة ، وقد بين العلماء أن فيها عشرة مخالفات لأحاديث المعراج(4).
    وقيل : إن صحيح مسلم أصح ، والصواب هو القول الأول(5).
    ــــــــــــــ
    هل استوعبا الصحيح أو التزماه ؟

    لم يستوعب البخاري ومسلم الصحيح في صحيحيهما ، ولا التزماه ، فقد قال البخاري : " ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحيح خشية أن يطول الكتاب. "(6)،
    والمعنى أنه ترك رواية كثير من الأحاديث الصحيحة في كتابه خشية أن يطول الكتاب فيمل الناس من طوله .
    وقال مسلم " ليسَ كل شيء عندي صحيح وضعتهُ ههنا, إنَّما وضعتُ ما أجمعُوا عليه "
    يُريد ما وجد عنده فيها شرائط الصَّحيح المُجْمع عليه, وإنْ لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم. قاله ابن الصَّلاح.
    "ورجَّح المُصنِّف في «شرح مسلم» أنَّ المراد ما لم تختلف الِّثقات فيه في نفس الحديث متنًا وإسنادًا, لا ما لم يختلف في توثيق رُواته.
    قال: ودليلُ ذلك أنَّه سُئل عن حديث أبي هُريرة: «فإذَا قَرَأ فأنْصتُوا». هل هو صحيح؟ فقال: عندي هو صحيح. فقيل: لِمَ لَمْ تضعهُ هنا؟ فأجاب بذلك.
    قال: ومع هذا فقد اشْتملَ كتابه على أحاديث اختلفوا في متنها أو إسْنَادهَا, وفي ذلكَ ذهول منه عن هذا الشَّرط, أو سبب آخر.
    وقال البَلْقيني : أرادَ مُسلم إجماع أربعة, أحمد بن حنبل, وابن معين, وعُثمان بن أبي شَيْبة, وسعيد بن منصور الخُرَاساني.
    قال المُصنِّف في «شرح مسلم» : وقد الزمهمَا الدَّارقطني وغيره إخراج أحاديث على شَرْطهما لم يُخرجَاها, وليس بلازم لهما لعدم التزامهما ذلك.
    قال: وكذلك قال البيهقي: قد اتفقا على أحاديث من صحيفة همَّام, وانفرد كل واحد منهما بأحاديث منها, مع أنَّ الإسناد واحد.
    قال المُصنِّف: لكن إذا كان الحديث الذي تركاهُ أو أحدهما مع صِحَّة إسنادهِ في الظَّاهر أصلاً في بابهِ, ولم يُخرجَا له نظيرًا, ولا ما يقوم مقامهُ فالظَّاهر أنَّهُما ما اطلعا فيه على عِلَّة, ويُحتمل أنَّهُما نَسياهُ أو تَركاهُ خشية الإطالة, أو رأيا أنَّ غيره يَسُد مسده. "(7)
    وقال السخاوي عنه(8):
    "قال : إنما أخرجت هذا الكتاب وقلت: هو صحاح، ولم أقل أنه ما لم أخرجه من الحديث فيه ضعيف.
    وحينئذ فإلزام الدارقطني لهما في جزء أفرده بالتصنيف بأحاديث رجال من الصحابة رويت عنهم من وجوه صحاح، تركاها مع كونها على شرطهما، وكذا قول ابن حبان: ينبغي أن يناقش البخاري ومسلم في تركهما إخراج أحاديث هي من شرطهما. ليس بلازم."
    ــــــــــــــ
    هل فاتهما شيء كثير أو قليل من الصحيح ؟

    قال السيوطي(9):
    " قال الحافظ أبو عبد الله بن الأخرم: [ولم يَفُتهما منه إلاَّ القليل وأُنكر هذا لِقَول البُخَاري فيما نقلهُ الحازمي والإسْمَاعيلي: وما تركتُ من الصِّحاح أكثر.
    قال ابن الصَّلاح : و«المستدرك» للحاكم كتابٌ كبير يَشْتمل مِمَّا فاتهما على شيء كثير, وإن يكن عليه في بعضه مَقَال, فإنَّه يَصْفُو له منه صحيح كثير.(10)
    قال المُصنِّف زيادة عليه: والصَّواب أنَّه لم يَفُت الأصول الخَمْسة إلاَّ اليسير, أعني «الصَّحيحين» و«سنن» أبي داود, والتِّرمذي, والنَّسائي.(11)
    قال العِرَاقيُّ : في هذا الكلام نظر, لقول البُخَاري: أحفظُ مئة ألف حديث صحيح, ومئتي ألف حديث غير صحيح.
    قال: ولعلَّ البُخَاري أراد بالأحاديث المُكرَّرة الأسانيد والموقُوفات, فربَّما عدَّ الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين.
    زاد ابن جماعة في «المنهل الرَّوي» : أو أراد المُبَالغة في الكثرة. قال: والأوَّل أولى.
    قيل: ويُؤيد أنَّ هذا هو المُراد أنَّ الأحاديث الصِّحاح التي بين أظهرنا, بل وغير الصِّحاح لو تتبعت من المَسَانيد والجَوَامع والسُّنن والأجزاء وغيرها, لمَا بلغت مئة ألف بلا تكرار, بل ولا خمسين ألفًا, ويبعد كل البُعْد أن يكون رَجُل واحد حفظَ ما فات الأمَّة جميعه, فإنَّه إنَّما حفظه من أصُول مشايخه وهي موجودة.
    وقال ابن الجَوْزي: حصر الأحاديث يبعد إمكانه, غير أنَّ جماعة بالغُوا في تتبعها وحصرها.
    قال الإمام أحمد : صحَّ سبع مئة ألف وكسر.
    وقال: جمعتُ في «المُسند» أحاديث انتخبتها من أكثر من سبع مئة ألف وخمسين ألفًا.
    قال شيخ الإسْلام: ولقد كان استيعاب الأحاديث سَهْلاً, لو أرادَ الله تعالى ذلك, بأن يجمع الأوَّل منهم ما وصلَ إليه, ثمَّ يذكر من بعده ما اطَّلع عليه مِمَّا فاتهُ من حديث مُستقل, أو زيادة في الأحاديث الَّتي ذكرهَا, فيَكُون كالدَّليل عليه, وكذَا من بعده فلا يَمْضي كثير من الزَّمان إلاَّ وقد استوعبت, وصارت كالمُصنف الواحد, ولعمري لقد كان هذا في غاية الحُسْن.
    قلت: قد صنعَ المتأخِّرون ما يقرب من ذلك, فجمعَ بعض المُحدِّثين عمَّن كان في عصر شيخ الإسلام «زوائد سنن ابن ماجه» على الأصول الخمسة.
    وجمع الحافط أبو الحسن الهيثمي «زوائد مسند» أحمد على الكتب الستة المذكورة في مجلدين, و«زوائد مسند البزَّار» في مجلد ضخم, و«زوائد معجم الطَّبراني الكبير» في ثلاثة, و«زوائد المُعجمين» الأوسط والصَّغير في مجلدين, و«زوائد أبي يَعْلى» في مجلد, ثمَّ جمع هذه الزوائد كلها محذوف الأسَانيد, وتكلَّم على الأحاديث, ويوجد فيها صحيح كثير, وجمع «زوائد الحِلْية» لأبي نعيم في مجلد ضخم, و«زوائد فوائد تمَّام» وغير ذلك.
    وجمع شيخ الإسلام زوائد مسانيد إسحاق, وابن أبي عُمر, ومُسَدَّد, وابن أبي شيبة, والحُميدي, وعبد بن حُميد, وأحمد بن مَنِيع, والطَّيالسي في مجلدين و«زوائد مسند الفردوس» في مجلد.
    وجمع صاحبنا الشَّيخ زين الدِّين قاسم الحنفي «زوائد سُنن الدَّارقطني» في مجلد.
    وجمعتُ «زوائد شُعب الإيمان» للبيهقي في مجلد, وكُتب الحديث الموجودة سواها كثيرة جدَّا, وفيها الزَّوائد بكثرة فبلوغها العدد السَّابق لا يبعد والله أعلم."
    ــــــــــــــ
    د) أين نجد بقية الأحاديث الصحيحة التي فاتت البخاري ومسلماً ؟
    نجدها في الكتب المعتمدة المشهورة كصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم والسنن الأربعة وسنن الدارقطني والبيهقي ، ومسند أبي عوانة ، وسنن الدارمي ، ومسند أحمد ومعاجم الطبراني الثلاث ، ومسند أبي يعلى ، ومسند البزار ، ومسند الحميدي والطيالسي ، وشرح معاني الآثار ومشكل الآثار للطحاوي ...
    ولا يكفي وجود الحديث في هذه الكتب ، بل لا بد من التنصيص على صحته ،ولكن يجب الانتباه للطبعات المخرجة سواء من قبل الشيخ ناصر الدين الألباني ( رحمه الله ) أو من قبل الشيخ شعيب الأرناؤوط أو الشيخ عبد القادر الأرناؤوط (رحمه الله ) أو من سار على دربهم وقلدهم في الجرح والتعديل ، لأن هؤلاء جميعا من المتشددين في قبول السنَّة النبوية ، فما صححوه يقبل ، وما ضعفوه يتوقف فيه حتى يتأكد من قول العلماء الأقدمين فيه ، ويبحث عن طرق وشواهد له ثم يحكم عليه بما يناسبه دون غلو ولا شطط، فقد ضعف هؤلاء العلماء -الأجلاء - أحاديث كثيرة لا تستحق التضعيف ولا سيما الشيخ ناصر الدين الألباني (رحمه الله )
    إلا في كتاب من شَرَطَ الاقتصار على إخراج الصحيح ، كصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان.
    ــــــــــــــ
    9- الكلام على مسْتَدْرَك الحاكم وصحيح ابن خزَيْمَةَ وصحيح ابن حِبّان :
    أ) مستدرك الحاكم:
    الحَاكِمُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدُوَيْه الإِمَامُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ البَيِّع الضَّبِّيّ، الطَّهْمَانِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.مَوْلِدُهُ:فِي يَوْم الاثنين، ثَالث شَهْر ربيع الأَوّل، سَنَة إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، بِنيْسَابُوْرَ.وَصَنَّفَ وَخَرَّجَ، وَجَرَح وَعدَّل، وَصحَّح وَعلَّل، وَكَانَ مِنْ بُحور العِلْمِ عَلَى تشيُّعٍ قَلِيْلٍ فِيْهِ.وَأَخَذَ فُنُوْنَ الحَدِيْثِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الحَافِظ، وَالجِعَابِيّ، وَأَبِي أَحْمَدَ الحَاكِم، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَعِدَّة.
    أَخْبَرَنَا المُؤَمَّل بنُ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرهُ كِتَابَةً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّاز، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ قَالَ:كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ البَيِّع الحَاكِمُ ثِقَةً، أَوّلُ سَمَاعه سنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَكَانَ يمِيلُ إِلَى التَّشَيُّع،
    عَنْ عَبْدِ الغَافِرِ بن إِسْمَاعِيْلَ قَالَ:الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ هُوَ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ فِي عَصْرِهِ، العَارِفُ بِهِ حقَّ معرفته، يُقَال لَهُ:الضَّبِّيّ، لأَنْ جدَّ جَدَّتِه هُوَ عِيْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الضَّبِّيّ، وَأُمُّ عِيْسَى هِيَ منويه بِنْتُ إِبْرَاهِيْم بن طَهْمَان الفَقِيْه، وَبَيْتُه بَيْتُ الصَّلاَحِ وَالورعِ وَالتَأَذينِ فِي الإِسْلاَمِ،
    قَالَ أَبُو حَازِمٍ عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ العَبْدُويي الحَافِظُ:سَمِعْتُ الحَاكِم أَبَا عَبْدِ اللهِ إِمَامَ أَهْلِ الحَدِيْثِ فِي عصره يَقُوْلُ: شَرِبْتُ مَاءَ زَمْزَم، وَسَأَلْتُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي حُسْنَ التَّصْنِيْف.
    __________
    (1) - سير أعلام النبلاء (12/559-580)(217 ) وتذكرة الحفاظ - (ج 2 / ص 588)(9 613 ) 65
    (2) - وقال ابن كثير في تفسيره 1/99: هذا الحديث من غرائب (صحيح مسلم) وقد تكلم عليه ابن المديني والبخاري غير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه عَلى بعض الرواة، فجعله مرفوعاً. وفي فتاوى ابن تيمة بنحوه 17/236 وقال القاسمي في الفضل المبين432: هذا الحديث طعن فيه من هو أعلم من مسلم مثل يحيى بن معين ومثل البخاري وغيرهما ... وقد ثبت بالتواتر أن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وثبت أن آخر الخلق كان يوم الجمعة، فيلزم أن يكون أول الخلق يوم الأحد، وهكذا عند أهل الكتاب، وعَلى ذلك تدل أسماء الأيام، وهذا المنقول الثابت في أحاديث وآثار آخر، ولو كان أول الخلق يوم السبت وآخره يوم الجمعة لكان قد خلق في الأيام السبعة، وهو خلاف ما أخبر به القرآن.
    (3) - انظر الباعث ص 35 وأصول الحديث ص 314 - 318 ومنهج النقد ص 235-239
    (4) - انظر فتح الباري لابن حجر - (ج 21 / ص 101)الحديث رقم (6963 )
    (5) - النكت على ابن الصلاح - (ج 1 / ص 283) وتوضيح الأفكار - (ج 1 / ص 48)
    (6) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 25)
    (7) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 55)
    (8) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 25)
    (9) - في تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 56)
    (10) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 2) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 89)
    (11) - قلت : وهذا فيه نظر كذلك ، فأين أحاديث أحمد والطبراني وأبي يعلى والبزار وابن حبان والحاكم والبيهقي ؟!!!
    إلا إذا قصد بالصحيح العالي الصحة ، ومع هذا فلا يسلَّمُ له ذلك .

  7. #47
    كاتب في "النسابون العرب"
    تاريخ التسجيل
    28-01-2010
    الدولة
    مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    العمر
    37
    المشاركات
    113

    افتراضي

    قَالَ أَبُو حَازِمٍ:أَقَمْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ العُصْمِيّ قَرِيْباً مِنْ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، وَلَمْ أَرَ فِي جُمْلَة مَشَايِخنَا أَتْقَنَ مِنْهُ وَلاَ أَكْثَرَ تَنْقِيْراً، وَكَانَ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، أَمَرَنِي أَنْ أَكْتُبَ إِلَى الحَاكِم أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَإِذَا وَردَ جَوَابُ كِتَابِه، حَكَمَ بِهِ، وَقَطَعَ بِقَولِه.
    رَوَى أَبوَ مُوْسَى المَدِيْنِيّ:أَنَّ الحَاكِم دَخَلَ الحَمَّام، فَاغتسل، وَخَرَجَ، وَقَالَ:آه، وَقُبِضَتْ رُوحُهُ وَهُوَ مُتَّزِرٌ لَمْ يَلْبِس قمِيصَهُ بَعْدُ، وَدُفِنَ بَعْد العَصْرِ يَوْمَ الأَرْبعَاء، وَصَلَّى عَلَيْهِ القَاضِي أَبو بكر الحِيْرِيّ.
    قَالَ الحَسَنُ بنُ أَشعث القُرَشِيّ:رَأَيْت الحَاكِمَ فِي المَنَامِ عَلَى فَرَسٍ فِي هَيْئَةٍ حَسَنَة وَهُوَ يَقُوْلُ:النَّجَاةَ، فَقُلْتُ لَهُ:أَيُّهَا الحَاكِم!فِي مَاذَا؟
    قَالَ:فِي كِتْبَة الحَدِيْث.
    قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ:سَأَلتُ سَعْدَ بن عَلِيٍّ الحَافِظ عَنْ أَرْبَعَة تَعَاصرُوا:أَيُّهُم أَحْفَظُ؟
    قَالَ:مَن؟
    قُلْتُ:الدَّارَقُطْنِيُّ، وَعَبْدُ الغَنِي، وَابْنُ مَنْدَةَ، وَالحَاكِم.
    فَقَالَ:أَمَا الدَّارَقُطْنِيُّ فَأَعْلَمُهُم بِالعِلَل، وَأَمَّا عَبْدُ الغَنِي فَأَعْلَمُهُم بِالأَنْسَابِ، وَأَمَّا ابْنُ مَنْدَةَ فَأَكْثَرُهُم حَدِيْثاً مَعَ مَعْرِفَة تَامَّة، وَأَمَّا الحَاكِمُ فَأَحْسَنُهُم تَصْنِيْفاً.
    وَسَمِعْتُ المُظَفَّر بن حَمْزَةَ بِجُرْجَانَ، سَمِعْتُ أَبَا سَعْد المَالِيْنِيّ يَقُوْلُ:طَالعتُ كِتَاب(المستدرك عَلَى الشَّيخين)، الَّذِي صَنَّفَه الحَاكِمُ مِنْ أَوله إِلَى آخره، فَلَمْ أَرَ فِيْهِ حَدِيْثاً عَلَى شَرْطِهِمَا"(1)
    وعدد أحاديثه (8803) حديثاً ، وقد استدرك فيه الحاكم على الشيخين وأورد أحاديث على شرطهما أو شرط أحدهما ، أو صحيحة وليست على شرط أحدهما ، وقد انتقده من جاء بعده ، بأنه لم يوفّ بشروطه ، فأدرج في كتابه ماليس صحيحاً ،بل حكموا على بعضها بالوضع . انظر على سبيل المثال 4/415 و3/132 و2/316 و37 و4/102 و3/127 و103 و4/222 و317 و3/14 و129 و3/568 و2/300 و371 و1/566 و3/14 و15 و4/368 و3/124 .
    وقد قام الإمام الذهبي بتلخيصه والحكم على أحاديثه وقد صحح أكثر من 75% ، وضعف أحاديث ، وحكم على أحاديث بالوضع . ، ويظهر على منهج الذهبي رحمه الله التشدد في التخريج ، وقد وقع في بعض الأخطاء منها :
    - تصحيحه لحديث في مكان ، وتضعيفه له في آخر مثل الحديث رقم (1961) صححه هنا وضعفه برقم (3479)
    والحديث رقم (1395) استنكره وعاد فصححه برقم (7941) وهو من الطريق نفسه ، ومثل ذلك عدد من الأحاديث .
    - وأحاديث وافق الحاكم على تصحيحها وهي لاتستحق ذلك مثل الحديث رقم (924) فقد صححه على شرطهما ، وفيه محمد بن القاسم الأسدي واه جداً التقريب (6229)
    والحديث رقم (1212) صححه وفيه أبوبكر العنسي مجهول التقريب (7998). والحديث رقم (1248) صححه وفيه موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي منكر الحديث التقريب (7006).
    والحديث (1644) صححه وفيه عمر بن عطاء بن أبي وارة ضعيف التقريب (4949).
    والحديث (1670) صححه ، وفيه محمد بن عون متروك التقريب (6203). والحديث (1812) صححه ، وفيه محمد بن الحسن بن أبي يزيد واه التقريب (5820).
    والحديث (1835) صححه ، وفيه عمر بن راشد ضعيف التقريب (4894). والحديث (1903) صححه ، وفيه محمد بن أبي حميد المدني ضعيف التقريب (5836).
    والحديث (1998) صححه ، وفيه عدة متكلم فيهم ، وهذا في المجلد الأول فقط .
    - وهناك أحاديث صححها على شرط الشيخين أو أحدهما وليست كذلك مثل الأحاديث رقم (929) و (1230) و(1289) و(1431 و1432) و(1908) و(2011) وهذا في المجلد الأول فقط .
    - وهناك بعض الأحاديث حكم بوضعها وليست موضوعة مثل الحديث رقم (226) وأعله بعبد الجبار بن العباس ، وفاته أن له متابعة عند ابن أبي عاصم (824) وابن خزيمة (175).
    ومنها الحديث رقم (1868) مال إلى وضعه ، وفاته أن له طريقاً آخر صحيح في الأدب المفرد للبخاري رقم (699).
    والحديث (2090) إذ حكم بوضعه وليس كذلك وهذا في المجلد الأول فقط ، وفي غيره كذلك.
    وللكتاب طبعتان الأولى بغير تحقيق ، والثانية ط دار الكتب العلمية وهي مرقمة ، وعليها تعليقات ، وفيها أخطاء كثيرة .
    والكتاب بحاجة لتخريج كامل لأحاديثه دون تشدد مع ضبط للرجال والنص ، وشرح الغريب .
    ب) صحيح ابن حبان:
    ابْنُ حِبَّانَ مُحَمَّدُ بنُ حِبَّانَ بنِ أَحْمَدَ التَّمِيْمِيُّ الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، شَيْخُ خُرَاسَانَ، أَبُو حَاتِمٍ، مُحَمَّدُ بنُ حِبَّانَ بنِ أَحْمَدَ بنِ حِبَّانَ بنِ مُعَاذِ بنِ معبدِ بنِ سَهِيدِ بنِ هَديَّةَ بنِ مُرَّةَ بنِ سَعْدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مُرَّةَ بنِ زَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ دَارمِ بنِ حَنْظَلَةَ بنِ مَالِكِ بنِ زَيْدِ منَاة بنِ تَمِيمٍ التَّمِيْمِيُّ الدَّارِمِيُّ البُسْتِيُّ، صَاحبُ الكُتُبِ المَشْهُوْرَةِ.
    وُلِدَ سَنَةَ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
    قَالَ أَبُو سَعْدٍ الإِدْرِيْسِيُّ:كَانَ عَلَى قَضَاءِ سَمَرْقَنْدَ زمَاناً، وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الدِّينِ، وَحفَّاظِ الآثَارِ، عَالِماً بِالطّبِّ، وَبَالنُّجُوْمِ، وَفُنُوْنِ العِلْمِ.
    صَنَّفَ المُسْنَدَ الصَّحِيْحَ، يَعْنِي بِهِ:كِتَابَ (الأَنواعِ وَالتقَاسيمِ)، وَكِتَابَ (التَّاريخِ)، وَكِتَابَ (الضُّعَفَاءِ)، وَفقَّهَ النَّاسَ بِسَمَرْقَنْدَ.
    وَقَالَ الحَاكِمُ:كَانَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ أَوعيةِ العِلْمِ فِي الفِقْهِ، وَاللُّغةِ، وَالحَدِيْثِ، وَالوعظِ، وَمِنْ عقلاَءِ الرِّجَالِ.وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ:كَانَ ابْنُ حِبَّانَ ثِقَةً نبيلاًَ فَهِماً.
    قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي أَثنَاءِ كِتَابِ (الأَنواعِ):لَعَلَّنَا قَدْ كَتَبْنَا عَنْ أَكثرَ مِنْ أَلفَي شَيْخٍ.
    قُلْتُ:كَذَا فلتكنِ الهممُ، هَذَا مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الفِقْهِ، وَالعَرَبِيَّةِ، وَالفضَائِلِ البَاهرَةِ، وَكَثْرَةِ التَّصَانِيْفِ.
    قَالَ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ مُؤَلّفُ كِتَابِ (ذمِّ الكَلاَمِ):سَمِعْتُ عبدَ الصَّمدِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:أَنكرُوا عَلَى أَبِي حَاتِمٍ بنِ حِبَّانَ قولَهُ:النُّبُوَّةُ:العِلْمُ وَالعملُ، فحكمُوا عَلَيْهِ بِالزَّنْدَقَةِ، هُجرَ، وَكُتِبَ فِيْهِ إِلَى الخَلِيْفَةِ، فَكَتَبَ بِقَتْلِهِ.
    قُلْتُ:
    هَذِهِ حِكَايَةٌ غريبَةٌ، وَابنُ حِبَّانَ فَمِنْ كبارِ الأَئِمَةِ، وَلَسْنَا نَدَّعِي فِيْهِ العِصْمَةَ مِنَ الخَطَأِ، لَكِنَّ هَذِهِ الكَلِمَةَ الَّتِي أَطلقَهَا، قَدْ يُطلقُهَا المُسْلِمُ، وَيُطلقُهَا الزِّنديقُ الفيلسوفُ، فَإِطلاَقُ المُسْلِمِ لَهَا لاَ يَنْبَغِي، لَكِنْ يُعتذرُ عَنْهُ، فَنَقُوْل: لَمْ يُردْ حصرَ المبتدأِ فِي الخَبَرِ، وَنظيرُ ذَلِكَ قولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - :(الحَجُّ عَرَفَةٌ) وَمعلومٌ أَنَّ الحَاجَّ لاَ يصيرُ بِمُجَرَّدِ الوُقُوْفِ بِعَرَفَةِ حَاجّاً، بَلْ بَقِيَ عَلَيْهِ فروضٌ وَواجبَاتٌ، وَإِنَّمَا ذكرَ مُهمَّ الحَجِّ.
    وَكَذَا هَذَا ذكرَ مُهمَّ النُّبُوَّةِ، إِذْ مِنْ أَكملِ صفَاتِ النَّبِيِّ كمَالُ العِلْمِ وَالعملِ، فَلاَ يَكُون أَحدٌ نَبِيّاً إِلاَّ بوجودِهِمَا، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ برَّزَ فِيْهِمَا نَبِيّاً، لأَنَّ النُّبُوَّةَ مَوْهِبَةٌ مِنَ الحَقِّ - تَعَالَى - ، لاَ حِيْلَةَ للعبدِ فِي اكتسَابِهَا، بَلْ بِهَا يتولَّدُ العِلْمُ اللَّدُنِّيُّ وَالعملُ الصَّالِحُ.
    وَأَمَّا الفيلسوفُ فَيَقُوْلُ:النُّبُوَّةُ مكتسبَةٌ يُنْتجُهَا العِلْمُ وَالعملُ، فَهَذَا كفرٌ، وَلاَ يريدُهُ أَبُو حَاتِمٍ أَصلاًَ، وَحَاشَاهُ، وَإِنْ كَانَ فِي تقَاسيمِهِ مِنَ الأَقوَالِ، وَالتَّأَويلاَتِ البعيدَةِ، وَالأَحَادِيثِ المنكرَةِ، عجَائِبٌ، وَقَدِ اعترفَ أَنَّ (صحيحَهُ)لاَ يقدرُ عَلَى الكشفِ مِنْهُ إِلاَّ مَنْ حِفْظَهُ، كمنْ عِنْدَهُ مصحفٌ لاَ يقدرُ عَلَى مَوْضِعِ آيَةٍ يريدُهَا مِنْهُ إِلاَّ مَنْ يحفظُهُ.
    وَقَالَ فِي (صَحِيْحِهِ ):شرطُنَا فِي نقلِهِ مَا أَودعنَاهُ فِي كتَابِنَا أَلاَّ نحتجَّ إِلاَّ بِأَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ شَيْخٍ فِيْهِ خَمْسَةُ أَشيَاءَ:
    العدَالةُ فِي الدِّينِ بِالسَتْرِ الجمِيلِ.
    الثَّانِي:الصِّدْقُ فِي الحَدِيْثِ بِالشُّهرَةِ فِيْهِ.
    الثَّالِثُ:العقلُ بِمَا يُحَدِّثُ مِنَ الحَدِيْثِ.
    الرَّابِعُ:العِلْمُ بِمَا يحيلُ المعنَى مِنْ معَانِي مَا رَوَى.
    الخَامِسُ:تَعرِّي خبرَهُ مِنَ التَّدْلِيسِ.
    فَمَنْ جمعَ الخِصَالَ الخمسَ احتجَجْنَا بِهِ.
    قَرَأْتُ بخطِّ الحَافِظِ الضِّيَاءِ فِي جُزءٍ علَّقَهُ مآخِذَ عَلَى كِتَابِ ابْنِ حِبَّانَ.
    فَقَالَ:فِي حَدِيْثِ أَنَسٍ فِي الوصَالِ:فِيْهِ دليلٌ عَلَى أَنَّ الأَخبارَ الَّتِي فِيْهَا وضعُ الحَجَرِ عَلَى بطنِهِ مِنَ الجوعِ كُلُّهَا بَوَاطِيْلٌ، وَإِنَّمَا معنَاهَا الحُجَزُ، وَهُوَ طرفُ الرِّدَاءِ، إِذ اللهُ يُطعمُ رسولَهُ، وَمَا يُغنِي الحَجرُ مِنَ الجوعِ.
    قُلْتُ:فَقَدْ سَاقَ فِي كِتَابِهِ حَدِيْثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي خُرُوْجِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنَ الجوعِ، فلقِيَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخبرَاهُ.
    فَقَالَ:(أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا)، فدلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُطعَمُ وَيُسقَى فِي الوصَالِ خَاصَّةً.
    فَوَهِمَ أَبُو حَاتِمٍ كمَا تَرَى فِي أَشيَاءَ.
    تُوُفِّيَ ابْنُ حِبَّانَ بِسِجِسْتَانَ بِمدينَةِ بُسْتَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عشرِ الثَّمَانِيْنَ(2)
    هذا الكتاب ترتيبه مٌخْتَرَع ، فليس مرتباً على الأبواب ولا على المسانيد ، ولهذا أسماء " التقاسيم والأنواع " والكشف على الحديث من كتابه هذا عَسِر جداً ، وقد رتبه بعض المتأخرين على الأبواب وهو الأمير علاء الدين أبو الحسن على بن بلبان المتوفي سنة 739هـ وسمى ترتيبه "الإحسان في تقريب ابن حبان" ،
    وقد اشترط في أحاديثه أن يتوفر في رواتها : العدالة في الدين بالستر الجميل . والصدق في الحديث بالشهرة فيه، والعقل بما يحدّث من الحديث والرابع العلمُ بما يحيل من معاني مايروى ، والخامس : تعري خبره عن التدليس ...
    ويمتاز كتابه بدقةِ عناوينه وشمولها ، وشرحه لما غمض من السنة وما أشكل منها ، وترجمته لبعض الرواة ، وذكره الناسخ والمنسوخ .
    وأحاديثه تدور بين الصحيح والحسن ، ولا يخلو من الضعيف وله طبعتان : الأولى دون تحقيق وتخريج والثانية التي قام بتخريجها والتعليق عليها أستاذنا المحقق الشيخ شعيب الأرنؤوط ، وتمتاز هذه الطبعة بأنها الأُولى من نوعها في تخريج الحديث والتعليق عليه ، وفيها دراسة تامة لكل رجال أسانيده بشكل دقيق ، والتخريج المفصَّل المسهب لكل أحاديثه ، مع التعليق الدقيق عليها مما لا يستغني عنه طالب علم ولا عالم ، ومما يؤخذ على أستاذنا أنه ضعف أحاديث بسبب ضعف رواتها وعدم وجود ما يقويها ، استناداً لما قاله الحافظ ابن حجر في التقريب عنهم ، علماً أن الحافظ ابن حجر رحمه - مع سعة علمه - أخطأ في حكمه على بعض الرواة مما سأوضحه في مكانه .. أو فهم كلامه على غير مقصده .
    ومن هؤلاء : أبو الزبير المكي ووصفه بالتدليس ، وكذلك ابن اسحاق ، ورواية دراج أبي السمح عن أبي الهيثم ونحوها ، ...
    انظر الأحاديث (1) و(2) و(248) و(193) و(309) و(347) و(368) و(398) و(403) و(422) ...
    وقد بلغ عدد الأحاديث التي ضعفها حوالي (300) حديث ناقشته في أكثرها ، وبينت أن الصواب مع ابن حبان.
    وقد أشرت على أخينا الفاضل (ماجد دلالعة ) بأخذ رسالة دكتوراه حول منهج ابن حبان في الصحيح وقد أخذها والحمد لله ، وقد ردَّ على من زعم أنه متساهل كما شائع ، وناقش الأحاديث التي ضعفت في صحيحه ورد أكثرها بمنهج علمي معتدل رصين بعيد عن منهج المتشددين والمتساهلين ، فجزاه الله تعالى عنا خيرا .
    هذا وقد بلغ عدد أحاديث صحيح ابن حبان (7491) حسب طبعة مؤسسة الرسالة بتحقيق أستاذنا الشيخ شعيب الأرناؤوط ومن معه .
    وفي موقع جامع الحديث النبوي
    بلغ عدد الأحاديث (7615 )
    ولم يتجاوز عدد الأحاديث التي ضعفها شيخنا (300) حديث ، تراجع عن بضعها في تحقيقه لمسند الإمام أحمد .
    والصواب أنه كان من المتشددين فلم يسلمْ له من تضعيفاته سوى بضع وثلاثين حديثاً ليس إلا، غالبها ضعفها ضعفا يسيراً ، والباقي يدور بين الصحة والحسن بشقَّيه .
    ج) صحيح ابن خزيمة :
    ابْنُ خُزَيْمَةَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ بنِ صَالِحِ بنِ بَكْرٍ السُّلَمِيُّ الحَافِظُ، الحُجَّةُ، الفَقِيْهُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، إِمَامُ الأَئِمَّةِ، أَبُو بَكْرٍ السُّلَمِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.وُلِدَ:سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
    وَعُنِيَ فِي حَدَاثتِه بِالحَدِيْثِ وَالفِقْهِ، حَتَّى صَارَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي سَعَةِ العِلْمِ وَالإِتْقَانِ.
    قَالَ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحِيْرِيُّ:حَدَّثَنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا أَرَدتُ أَنْ أُصَنِّفَ الشَّيْءَ، أَدخُلُ فِي الصَّلاَةِ مُسْتَخِيراً حَتَّى يُفْتحَ لِي، ثُمَّ أَبتَدِئُ التَّصنِيفَ ،ثُمَّ قَالَ أَبُو عُثْمَانَ:إِنَّ اللهَ لَيَدفَعُ البَلاَءَ عَنْ أَهْلِ هَذِهِ المَدِيْنَةِ لِمَكَانِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ.
    الحَاكِمُ:أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ وَسُئِلَ:مِنْ أَيْنَ أُوتِيتَ العِلْمَ؟فَقَالَ:قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :(مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ)، وَإِنِّيْ لَمَّا شَرِبتُ، سَأَلْتُ اللهَ عِلْماً نَافِعاً.
    قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ:لَمْ أَرَ أَحَداً مِثْلَ ابْنِ خُزَيْمَةَ.
    وقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ:كَانَ ابْنُ خُزَيْمَةَ يَحْفَظُ الفِقْهِيَّاتِ مِنْ حَدِيْثِه كَمَا يَحْفَظُ القَارِئُ السُّورَةَ.
    عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ التَّمِيْمِيُّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ عَلَى وَجهِ الأَرْضِ مَنْ يَحْفَظُ صِنَاعَةَ السُّنَنِ، وَيَحْفَظُ أَلفَاظَهَا الصِّحَاحَ وَزِيَادَاتِهَا حَتَّى كَأنَّ السُّنَنَ كُلّهَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، إِلاَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ فَقَط.
    قَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ:كَانَ ابْنُ خُزَيْمَةَ إِمَاماً، ثَبْتاً، مَعْدُوْمَ النَّظِيرِ.
    حَكَى أَبُو بِشْرٍ القَطَّانُ، قَالَ:رَأَى جَارٌ لاِبْنِ خُزَيْمَةَ - مِنْ أَهْلِ العِلْمِ - كَأَنَّ لَوْحاً عَلَيْهِ صُوْرَةُ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - وَابْنُ خُزَيْمَةَ يَصقُلُه.
    فَقَالَ المُعَبِّرُ:هَذَا رَجُلٌ يُحْيي سُنَّةَ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .
    قَالَ الإِمَامُ أَبُو العَبَّاسِ بنُ سُرَيْجٍ - وَذُكِرَ لَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ - فَقَالَ:
    يَسْتَخرِجُ النُّكتَ مِنْ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ بِالمِنقَاشِ.
    وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ العَنْبَرِيُّ:سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ:لَيْسَ لأَحِدٍ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَوْلٌ إِذَا صَحَّ الخَبَرُ.
    قَالَ الحَاكِمُ:سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ، سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ:مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ اللهَ عَلَى عَرشِه قَدِ اسْتوَى فَوْقَ سَبعِ سَمَاوَاتِه، فَهُوَ كَافِرٌ حَلاَلُ الدَّمِ، وَكَانَ مَالُهُ فَيْئاً.
    قُلْتُ: مَنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ تَصْدِيْقاً لِكِتَابِ اللهِ، وَلأَحَادِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَآمَنَ بِهِ مُفَوِّضاً مَعْنَاهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ، وَلَمْ يَخُضْ فِي التَّأْوِيْلِ وَلاَ عَمَّقَ، فَهُوَ المُسْلِمُ المُتَّبِعُ، وَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَدْرِ بِثُبُوْتِ ذَلِكَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَهُوَ مُقَصِّرٌ وَاللهِ يَعْفُو عَنْهُ، إِذْ لَمْ يُوجِبِ اللهُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حِفظَ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ، وَمَنْ أَنكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ العِلْمِ، وَقَفَا غَيْرَ سَبِيْلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَتَمَعقَلَ عَلَى النَّصِّ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الضَّلاَلِ وَالهَوَى.
    وَكَلاَمُ ابْنِ خُزَيْمَةَ هَذَا - وَإِنْ كَانَ حَقّاً - فَهُوَ فَجٌّ، لاَ تَحْتَمِلُهُ نُفُوْسُ كَثِيْرٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي العُلَمَاءِ.
    وَضَبَطُ وَفَاته:فِي ثَانِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، عَاشَ تِسْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً...(3)
    هو أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان لشدة تحريه حتى أنه يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد ،ولكنه قد أورد أحاديث ولم يصححها ، فتخرج عن شرطه ـ كما أنه حسَّن أحاديث مختلف في رواتها جرحا وتعديلا ، فنقبل قوله من حيث الجملة ، ولكن الذين قاموا بتخريج أحاديث الكتاب تشددوا في قبول الأخبار ، فضعفوا أحاديث لا تستحق ذلك على الراجح ، فيجب الانتباه وعدم التسرع في التضعيف وعدد أحاديثه (3079) حديثا طبعة المكتب الإسلامي
    وفي موقع جامع الحديث(4): بلغ عدد الأحاديث (2841) فحذفوا بعض أرقام المكرر.
    ــــــــــــــ
    10- المُسْتَخْرَجَات على الصحيحين(5):

    أ) موضوع المستخرج :
    هو أن يأتي المصنِّف إلى كتاب من كتب الحديث ، فيخرِّج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب ، فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه .
    ب) أشهر المستخرجات على الصحيحين(6):
    1- المستخرج لأبي بكر الإسماعيلي على البخاري
    الإِسْمَاعِيْلِيُّ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحجَّةُ، الفَقِيْهُ، شَيْخُ الإِسلاَمِ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ العَبَّاسِ الجُرْجَانِيُّ الإِسمَاعِيلِيُّ الشَّافِعِيُّ، صَاحبُ (الصَّحِيْحِ)، وَشيخُ الشَّافِعِيَّةِ.
    مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
    قَالَ حَمْزَةُ:سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ الحَافِظَ بِالبَصْرَةِ يَقُوْلُ:كَانَ الوَاجبُ للشَّيخِ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يصَنِّفَ لِنَفْسِهِ سُنَناً وَيختَارَ وَيجتهدَ، فَإِنَّهُ كَانَ يقدِرُ عَلَيْهِ لكَثْرَةِ مَا كَتَبَ، وَلغَزَارَةِ عِلْمِهِ وَفَهْمِهِ وَجَلاَلَتِهِ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يتقيَّدَ بكتَابِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ فَإِنَّهُ كَانَ أَجلَّ مِنْ أنْ يتَّبعَ غَيْرَهُ، أَوْ كَمَا قَالَ.
    قُلْتُ:مِنْ جَلاَلَةِ الإِسمَاعِيلِيِّ أَنْ عَرفَ قَدْرَ (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) وَتقيَّدَ بِهِ.
    قَالَ الحَاكِمُ:كَانَ الإِسمَاعِيلِيُّ وَاحدَ عَصْرِهِ، وَشيخَ المُحَدِّثِيْنَ وَالفُقَهَاءَ، وَأَجلَّهُمْ فِي الرَّئَاسَةِ وَالمُروءةِ وَالسَّخَاءِ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ العُلَمَاءِ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ وَعقلاَئِهِمْ فِي أَبِي بَكْرٍ.
    عن حَمْزَةَ بنَ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الإِسمَاعِيلِيُّ، قَالَ: اعْلَمُوا - رحِمَكُمُ اللهُ - أَنَّ مَذَاهبَ أَهْلِ الحَدِيْثِ الإِقرَارُ بِاللهِ وَملاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَقبولُ مَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ اللهِ، وَمَا صحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، لاَ مَعْدِلَ عَنْ ذَلِكَ.
    وَيعتقِدُوْنَ بِأَنَّ اللهَ مدعُوٌّ بِأَسمَائِهِ الحُسْنَى، وَموصوفٌ بِصفَاتِهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ، وَوَصَفَهُ بِهَا نَبِيُّهُ، خَلَقَ آدَمَ بيَدَيْهِ، وَيدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ بِلاَ اعْتِقَادِ كَيْفٍ، وَاسْتوَى عَلَى العِرشِ بِلاَ كَيْفٍ، وَذكرَ سَائِرَ الاعْتِقَادِ.
    قَالَ حَمْزَةُ:مَاتَ أَبُو بَكْرٍ فِي غرَّةِ رَجَبٍ سنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، عَنْ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً"(7).
    2- المستخرج لأبي عوانة الاسفراييني على مسلم
    أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ النَّيْسَابُوْرِيُّ الإِمَامُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، الجَوَّالُ، أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ يَزِيْدَ النَّيْسَابُوْرِيُّ الأَصْلِ، الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، صَاحِبُ(المُسْنَدِ الصَّحِيْحِ)؛الَّذِي خَرَّجَهُ عَلَى(صَحِيْحِ مُسْلِمٍ)، وَزَادَ أَحَادِيْثَ قَلِيْلَةً فِي أَوَاخِرِ الأَبْوَابِ. مَوْلِدُهُ:بَعْدَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
    وَسَمِعَ:بِالحَرَمَيْنِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ، وَاليَمَنِ، وَالثُّغُوْرِ، وَالعِرَاقِ، وَالجَزِيْرَةِ، وَخُرَاسَانَ، وَفَارِسٍ، وَأَصْبَهَانَ.
    وَأَكْثَرَ التَّرحَالَ، وَبَرَعَ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَبَذَّ الأَقرَانَ.
    قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ:أَبُو عَوَانَةَ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ وَأَثْبَاتِهِم، سَمِعْتُ ابْنَهُ مُحَمَّداً يَقُوْلُ:إِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
    تُوُفِّيَ أَبُو عَوَانَةَ فِي سَلْخِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ.
    __________
    (1) - .سير أعلام النبلاء 17/17-184(100 )
    (2) -.سير أعلام النبلاء 16/94-105(70 )
    (3) - سير أعلام النبلاء (14/366-382)(214 )
    (4) -
    (5) - لا يختص المُستخرج بالصَّحيحين, فقد استخرجَ محمَّد بن عبد الملك بن أيمن على «سُنن» أبي داود, وأبو علي الطُّوسي على التِّرمذي, وأبو نُعيم على «التَّوحيد» لابن خُزيمة, وأملى الحافظ أبو الفضل العِرَاقي على «المستدرك» مُستخرجًا لم يُكمل.تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 70)
    (6) - قواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 229) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 32)
    (7) - سير أعلام النبلاء (16/294-297)(208 )

  8. #48
    عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية محمد محمود فكرى الدراوى
    تاريخ التسجيل
    10-12-2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,416

    افتراضي




  9. #49
    كاتب في "النسابون العرب"
    تاريخ التسجيل
    28-01-2010
    الدولة
    مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    العمر
    37
    المشاركات
    113

    افتراضي

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    بارك الله فيك أخي الكريم محمد محمود فكري ، وجمعنا الله تعالى في مستقر رحمته ..

  10. #50
    كاتب في "النسابون العرب"
    تاريخ التسجيل
    28-01-2010
    الدولة
    مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    العمر
    37
    المشاركات
    113

    افتراضي

    مستخرج أبي عوانة عدد الأحاديث (7041) حديثا،وكلها تقريبا تدور بين الصحيح والحسن بشقيه ، وفيها وفوائد نادرة وقيمة .
    3- المستخرج لأبي نعيم الأصبهاني على كل منهما
    أَبُو نُعَيْمٍ المِهْرَانِيُّ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو نُعَيْمٍ المِهْرَانِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، الصُّوْفِيُّ، الأَحْوَلُ، سِبْطُ الزَّاهِدِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ البَنَّاءِ، وَصَاحِبُ(الحِلْيَةِ).وُلِدَ:سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
    وَكَانَ حَافِظاً مُبَرِّزاً عَالِي الإِسْنَاد، تَفَرَّد فِي الدُّنْيَا بِشَيْءٍ كَثِيْرٍ مِنَ العوَالِي، وَهَاجر إِلَى لُقِيِّه الحُفَّاظُ.
    قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ:سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الخَطِيْبَ يَقُوْلُ:لَمْ أرَ أَحداً أُطْلِقُ عَلَيْهِ اسْم الحِفْظِ غَيْرَ رَجُلَيْنِ؛أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيّ وَأَبُو حَازِمٍ العَبْدُويي.
    قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَرْدَوَيْه:كَانَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي وَقتِهِ مرحُولاً إِلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي أُفُقٍ مِنَ الآفَاقِ أَسندُ وَلاَ أَحفظُ مِنْهُ، كَانَ حُفَّاظُ الدُّنْيَا قَدِ اجتمعُوا عِنْدَهُ، فَكَانَ كُلّ يَوْم نَوْبَة وَاحِد مِنْهُم يقرأُ مَا يُرِيْدُهُ إِلَى قَرِيْب الظُّهر، فَإِذَا قَامَ إِلَى دَاره، رُبَّمَا كَانَ يُقْرَأ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيْق جُزءٌ، وَكَانَ لاَ يَضْجَرُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ غَدَاءٌ سِوَى التَّصْنِيف وَالتَّسْمِيع.
    قَالَ حَمْزَةُ بنُ العَبَّاسِ العَلَوِيُّ:كَانَ أَصْحَابُ الحَدِيْث يَقُوْلُوْنَ:بَقِيَ أَبُو نُعَيْمٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً بِلاَ نظير، لاَ يُوجد شرقاً وَلاَ غرباً أَعْلَى مِنْهُ إِسْنَاداً، وَلاَ أَحفَظُ مِنْهُ.
    وَكَانُوا يَقُوْلُوْنَ:لَمَّا صَنَّفَ كِتَابَ(الحِلْيَة)حُمِلَ الكِتَابُ إِلَى نَيْسَابُوْرَ حَالَ حَيَاتِهِ، فَاشترَوهُ بِأَرْبَع مائَة دِيْنَارٍ.
    وَقَدْ نقل الحَافِظَان ابْنُ خَلِيْل وَالضِّيَاءُ جُمْلَةً صَالِحَةً إِلَى الشَّامِ مِنْ توَالِيف أَبِي نُعَيْمٍ وَرِوَايَاتِهِ، أَخذهَا عَنْهُمَا شُيُوْخُنَا، وَعِنْد شَيْخِنَا أَبِي الحَجَّاجِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ كَثِيْرٌ بِالإِجَازَةِ العَالِيَةِ(كَالحِلْيَة)، وَ(المُسْتَدرك عَلَى صَحِيْح مُسْلِم).
    مَاتَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ:فِي العِشْرِيْنَ مِنَ المُحَرَّم سَنَة ثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً...(2).
    وقد طبع الكتاب دار النشر : دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - 1417 هـ - 1996 م
    وعدد أحاديثه حوالي (3516) حديثا
    ــــــــــــــ
    ج) هل التزم أصحاب المستخرجات فيها موافقة الصحيحين في الألفاظ ؟

    لم يلتزم مصنفوها موافقتهما في الألفاظ ، لأنهم إنما يروون الألفاظ التي وصلتهم من طريق شيوخهم لذلك فقد حصل فيها تفاوت قليل في بعض الألفاظ .
    وكذلك ما أخرجه المؤلفون القدامى في تصانيفهم المستقلة كالبيهقي والبغوي وشبههما قائلين : " رواه البخاري " أو " رواه مسلم " فقد وقع في بعضه تفاوت في المعنى وفي الألفاظ ، فمرادهم من قولهم " رواه البخاري ومسلم " أنهما رويا أصله .
    مثل ما في مسند أبي عوانة (ج 1 / ص 203) برقم (949 ) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِشْكَابَ أَبُو الْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: لا وَجَدْتَهُ إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ قَالَ ابْنُ أَبِي مَعْشَرٍ: إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: أَظُنُّ أَنَّهُ قَالَ: لِغَيْرِ هَذِهِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَن قُتَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَن ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ بَعْدَ مَا صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، يُقَالُ: إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ شَيْبَةَ هُوَ أَبُو نَعَامَةَ بْنُ نَعَامَةَ، رَوَاهُ مِسْعَرٌ، وَهِشَامٌ، وَجَرِيرٌ عَنْهُ.
    وهو في صحيح مسلم (1290 ) وَحَدَّثَنِى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِىُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً نَشَدَ فِى الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الأَحْمَرِ. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ وَجَدْتَ. إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ ».
    (1291 ) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ أَبِى سِنَانٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا صَلَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الأَحْمَرِ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ وَجَدْتَ إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ ».
    (1292 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ بَعْدَ مَا صَلَّى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ الْفَجْرِ. فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ فَذَكَرَ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا. قَالَ مُسْلِمٌ هُوَ شَيْبَةُ بْنُ نَعَامَةَ أَبُو نَعَامَةَ رَوَى عَنْهُ مِسْعَرٌ وَهُشَيْمٌ وَجَرِيرٌ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْكُوفِيِّينَ.
    وفي المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم - (ج 2 / ص 165)
    1242 حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا أحمد بن علي ثنا أبو خيثمة قال عبد الله وحدثنا محمد بن العباس ثنا الأحمسي قال ثنا وكيع ح وحدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع ح وحدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا وكيع عن أبي سفيان وهو سعيد بن سنان الشيباني عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال صلى رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) فهام رجل فقال من دعا إلى الجمل الأحمر فقال النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) ( لا وجدت إنما بنيت هذه المساجد لما بنيت له ) رواه مسلم عن أبي بكر عن وكيع وهذا لفظه
    1243 وروى مسلم عن قتيبة عن جرير عن محمد ابن شيبة بن نعامة عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال جاء أعرابي بعد ما صلى النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) صلاة فأدخل رأسه من باب المسجد فقال من دعا إلى الجمل فذكر بمثل حديثهم قال سالم وشيبة بن نعامه هو أبو نعامة روى عنه مسعر وهشيم وجرير وغيرهم من الكوفيين .
    د) هل يجوزُ أن ننقل منها حديثاً ونعزوه إليهما ؟
    بناء على ما تقدم فلا يجوز لشخص أن ينقل من المستخرجات أو الكتب المذكورة آنفاً حديثاً ويقول رواه البخاري أو مسلم إلا بأحد أمرين :
    1- أن يقابِل الحديث بروايتهما .
    2- أو يقول صاحب المستخرَج أو المصنِّف " أخرجاه بلفظه" .
    هـ) فوائد المستخرجات على الصحيحين :
    للمستخرجات على الصحيحين فوائد كثيرة تقارب العشرة ، ذكرها السيوطي في تدريبه وإليك أهمها:
    1-عُلو الإسْنَاد: لأنَّ مُصَنِّف المُسْتخرج, لو رَوَى حديثًا مثلاً من طريق البُخَاري, لوقع أنزلَ من الطَّريق الَّذي رواهُ به في المستخرج, مثالهُ: أنَّ أبا نُعيم لو رَوَى حديثا عن عبد الرزق من طريق البُخَاري أو مسلم, لَمْ يصل إليه إلاَّ بأربعة, وإذا رواهُ عن الطَّبراني عن الدَّبَري - بفتح المُوحدة - عنه, وصل باثنين, وكذا لو روى حديثًا في «مسند» الطَّيالسي من طريق مسلم, كان بينه وبينهُ أربعة, شيخان بينه وبين مُسلم, ومسلم وشيخه, وإذا رواه عن ابن فارس عن يونس بن حبيب عنه, وصلَ باثنين.
    2- زيادة الصَّحيح, فإن تلك الزيادات صحيحة لكونها بإسنادهما .
    قال الحافظ ابن حجر: هذا مُسَلَّمٌ في الرَّجل الَّذي التقى فيه إسناد المُستخرج, وإسناد مُصنف الأصل, وفيمن بعدهُ, وأمَّا من بين المُستخرج وبين ذلكَ الرَّجل فيحتاج إلى نقد, لأنَّ المُستخرج لم يلتزم الصِّحة في ذلك, وإنَّما جُل قَصْدهِ العُلو, فإنْ حصلَ وقع على غرضه, فإن كان مع ذلكَ صحيحًا, أو فيه زيادة, فزيادة حسن حصلت اتِّفاقا, وإلاَّ فليسَ ذلك هِمَّته.
    قال: قد وقع ابن الصَّلاح هنا فيما فرَّ منه من عدم التَّصحيح في هذا الزَّمان, لأنَّه أطلق تصحيح هذه الزِّيادات, ثمَّ علَّلها بتعليل أخصَّ من دعواهُ, وهو كونها بذلك الإسْنَاد, وذلكَ إنَّما هو من مُلتقى الإسْنَاد إلى مُنتهاه.(3)
    " والمراد بالزيادة في كلام ابن الصلاح الزيادة الواقعة في بعض المتون المذكورة في الصحيحين أو أحدهما، وأما الزيادة المستقلةُ فلا تدخل تحت ذلك الحكم على الإطلاق ،وقد وقع شيء منها في مستخرج أبي عوانة على مسلم، قال بعض أهل
    الأثر : قد وقع في مستخرج أبي عوانة أحاديث كثيرة زائدة على أصله ،وفيها الصحيح والحسن بل والضعيف أيضا - ولكن بندرةٍ -، فينبغي التحرز في الحكم عليها أيضا(4).
    وأما ما وقع فيه وفي غيره من المستخرجات على الصحيحين من زيادة في أحاديثهما أو تتمة لمحذوف أو نحو ذلك فهي صحيحة لكن مع وجود الصفات المشترطة في الصحيح فيما بين صاحب المستخرج والراوي الذي اجتمع فيه هو وصاحب الأصل.
    قال الحافظ ابن حجر(5): "ومقتضى هذا أن يؤخذ ما يوجد في كتاب ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما - ممن اشترط الصحيح - بالتسليم، وكذا ما يوجد في الكتب المخرجة على الصحيحين وفي كل ذلك نظر.
    أما الأول: فلم يلتزم ابن خزيمة وابن حبان في كتابيهما أن يخرجا الصحيح الذي اجتمعت فيه الشروط التي ذكرها المؤلف، لأنهما ممن لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن، بل عندهما أن الحسن قسم من الصحيح لا قسيمه. وقد صرح ابن حبان بشرطه.
    وحاصله: أن يكون راوي الحديث عدلا مشهورا بالطلب غير مدلس سمع ممن فوقه إلى أن ينتهي.
    فإن كان يروي من حفظه فليكن عالما بما يحيل المعاني فلم يشترط على الاتصال والعدالة ما اشترطه المؤلف في الصحيح من وجود الضبط ومن عدم الشذوذ والعلة. وهذا وإن لم يتعرض ابن حبان لاشتراطه فهو إن وجده كذلك أخرجه وإلا فهو ماش على ما أصّل، لأن وجود هذه الشروط لا ينافي ما اشترطه.
    وسمى ابن خزيمة كتابه "المسند الصحيح المتصل بنقل العدل عن العدل من غير قطع في السند ولا جرح في النقلة".
    وهذا الشرط مثل شرط ابن حبان سواء، لأن ابن حبان تابع لابن خزيمة مغترف من بحره ناسج على منواله.
    ومما يعضد ما ذكرنا احتجاج ابن خزيمة وابن حبان بأحاديث أهل الطبقة الثانية الذين يخرج مسلم أحاديثهم في المتابعات كابن إسحاق وأسامة بن زيد الليثي ومحمد بن عجلان ومحمد بن عمرو بن علقمة وغير هؤلاء.
    فإذا تقرر ذلك عرفت أن حكم الأحاديث التي في كتاب ابن خزيمة وابن حبان صلاحية الاحتجاج بها لكونها دائرة بين الصحيح والحسن ما لم يظهر في بعضها علة قادحة .
    وأما أن يكون مراد من يسميها صحيحة أنها جمعت الشروط المذكورة في حد الصحيح فلا. - والله أعلم -.
    وأما الثاني: وهو ما يتعلق بالمستخرجات ففيه نظر - أيضا - لأن كتاب أبي عوانة وإن سماه بعضهم مستخرجا على مسلم، فإن له فيه أحاديث كثيرة مستقلة في أثناء الأبواب نبه هو على كثير منها، ويوجد فيها الصحيح والحسن والضعيف - أيضا - والموقوف .
    وأما كتاب الإسماعيلي فليس فيه أحاديث مستقلة زائدة ،وإنما تحصل الزيادة في أثناء بعض المتون، والحكم بصحتها متوقف على أحوال رواتها. فربَّ حديث أخرجه البخاري من طريق بعض أصحاب الزهري عنه - مثلا - فاستخرجه الإسماعيلي وساقه من طريق آخر من أصحاب الزهري بزيادة فيه وذلك الآخر ممن تكلم فيه فلا يحتج بزيادته."(6)
    3- ومِنْها: القُوة بكثرة الطُّرق للترجيح عند المُعَارضة, ذكره ابن الصَّلاح في مقدمة «شرح مسلم» وذلكَ بأن يضم المستخرج شخصًا آخر فأكثر مع الَّذي حدَّث مُصنِّف الصَّحيح عنه, وربَّما ساق له طُرقًا أُخرى إلى الصَّحابي بعد فراغه من استخراجه, كما يصنع أبو عوانة.
    4- ومنها: أن يكون مُصنِّف الصَّحيح, روى عمَّن اختلط ولم يُبين, هل سَمَاع ذلك الحديث في هذه الرواية قبل الاختلاط أو بعده, فيبينه المُستخرج, إمَّا تصريحًا أو بأن يَرْويه عنه من طريق من لم يسمع منهُ إلاَّ قبل الاختلاط.
    5- ومنها: أن يروى في الصَّحيح عن مُدلِّس بالعنعنة, فيرويه المستخرج بالتَّصريح بالسَّماع.
    فهاتانِ فائدتان جَليلتان, وإن كُنَّا لا نتوقف في صحَّة ما رُوي في الصَّحيح من ذلك غير مبين, ونقول: لو لم يطلع مُصنِّفه على أنَّه روى عنه قبل الاختلاط, وأن المُدلس سمع لم يخرجه.
    فقد سأل السُّبكي المِزِّي: هل وُجِدَ لكلِّ ما رَوَياهُ بالعنعنة طُرق مُصرَّح فيها بالتَّحديث؟ فقال: كثير من ذلك لم يُوجد, وما يسعنا إلاَّ تحسين الظَّن.
    6- ومنها: أن يروي عن مُبهم, كحدَّثنا فُلان, أو رجل, أو فُلان, أوغيره, أو غير واحد, فيُعَيِّنهُ المُستخرج.
    7- ومنها: أن يروي عن مُهمل, كمحمَّد من غير ذكر ما يُميِّزه, عن غيره من المُحمدين, ويكون في مشايخ من رواه كذلك من يُشاركه في الاسم, فيُميِّزه المُستخرج.
    قال شيخ الإسْلام: وكل عِلَّة أعلَّ بها حديث في أحد «الصَّحيحين» جاءت رِوَاية المُستخرج سالمة منها, فهي من فوائده, وذلك كثير جدًّا.(7)
    ــــــــــــــ
    11- ما هو المحكوم بصحته مما رواه الشيخان ؟

    مر بنا أنَّ البخاري ومسلماً لم يُدْخِلا في صحيحيهما إلا ما صحَّ ،وأن الأمة تلقت كتابيهما بالقبول . فما هي الأحاديث المحكوم بصحتها والتي تلقتها الأمة بالقبول يا ترى ؟
    والجواب هو : أن ما روياه بالإسناد المتصل فهو المحكوم بصحته .
    وأما ما حذف من مبدأ إسناده راو أو أكثر ـ ويسمَّى المُعَلَّقُ(8)وهو في البخاري كثير ، لكنه في تراجم الأبواب ومقدمتها ، ولا يوجد شيء منه في صلب الأبواب البتة ، أما في مسلم فليس فيه من ذلك إلا حديث واحد في باب التيمم لم يصله في موضع آخر ـ فحكمه كما يلي(9):
    قال الإمام السيوطي رحمه الله(10):
    " ما رَوَياه أي: الشَّيخان [بالإسْنَاد المُتَّصل فهو المحكوم بصحَّته، وأمَّا ما حذف من مُبتدأ إسناده واحد أو أكثر] وهو المُعلَّق, وهو في البُخَاري كثير جدًّا كما تقدَّم عدده, وفي مُسلم(150/1) في موضع واحد في التَّيمم (848 ) حيث قَالَ مُسْلِمٌ وَرَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِى الْجَهْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِىِّ فَقَالَ أَبُو الْجَهْمِ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ)(11)
    وفيه أيضًا موضعان في الحُدُود والبُيوع, رَوَاهُمَا بالتَّعليق عن اللَّيث, بعد روايتهما بالاتِّصال, وفيه بعد ذلك أرْبَعة عَشَرَ موضعًا, كل حديث منها رواهُ مُتَّصلاً, ثمَّ عقبه بقوله: ورواه فُلان.
    وأكثر ما في البُخَاري من ذلك مَوْصُول في موضع آخر من كِتَابه, وإنَّما أوردهُ معلقًا اختصارًا, ومُجَانبة للتكرَارِ, والَّذي لم يُوصله في موضع آخر, مئة وسُتون حديثًا, وصلها شيخ الإسْلام ( الحافظ ابن حجر ) في تأليف لَطِيف سمَّاه «التَّوفيق» وله في جميع التعليق والمُتَابعات والموقوفات كتاب جليل بالأسانيد سمَّاه «تغليق التعليق» واختصرهُ بلا أسانيد في آخر سمَّاه «التَّشْويق إلى وصل المُهم من التَّعليق».
    فمَا كان منه بصيغة الجَزْم, كقال, وفعلَ, وأمرَ, وروى, وذَكرَ فُلان, فهو حكم بصحته عن المضاف إليه لأنَّه لا يستجيز أن يجزم بذلك عنه, إلاَّ وقد صحَّ عنده عنه, لكن لا يُحكم بصحة الحديث مُطْلقًا, بل يتوقف على النَّظر فيمن أبرزَ من رجاله, وذلك أقْسَام:
    أحدها: ما يلتحق بِشَرطهِ, والسَّببُ في عدم إيصَاله, إمَّا الاستغناء بغيره عنه مع إفَادة الإشَارة إليه, وعدم إهْمَاله بإيراده مُعَلَّقا اختصارًا, وإمَّا كونه لم يسمعه من شيخه, أو سمعهُ مُذَاكرة, أو شكَّ في سَمَاعه, فما رأى أنَّه يَسُوقه مَسَاق الأصُول, ومن أمثلة ذلك قوله في الوكالة:(12)وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو عَمْرٍو حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ : وَكَّلَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ ، فَأَتَانِى آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ ، فَأَخَذْتُهُ ، وَقُلْتُ وَاللَّهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ إِنِّى مُحْتَاجٌ ، وَعَلَىَّ عِيَالٌ ، وَلِى حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ . قَالَ فَخَلَّيْتُ عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - : « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ » . قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ . قَالَ « أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ » . فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّهُ سَيَعُودُ . فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ دَعْنِى فَإِنِّى مُحْتَاجٌ ، وَعَلَىَّ عِيَالٌ لاَ أَعُودُ ، فَرَحِمْتُهُ ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ ، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً ، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ . قَالَ « أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ » . فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لاَ تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ . قَالَ دَعْنِى أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا . قُلْتُ مَا هُوَ قَالَ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِىِّ ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ . فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ ، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِى كَلِمَاتٍ ، يَنْفَعُنِى اللَّهُ بِهَا ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ . قَالَ « مَا هِىَ » . قُلْتُ قَالَ لِى إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِىِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) وَقَالَ لِى لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ ، وَكَانُوا أَحْرَصَ شَىْءٍ عَلَى الْخَيْرِ . فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ » . قَالَ لاَ . قَالَ « ذَاكَ شَيْطَانٌ » وأورده في فضائل القرآن(3275 ), وذكر إبليس(5010), ولم يقل في موضع منها: حدَّثنا عثمان, فالظَّاهر عدم سَمَاعه له منه.
    __________
    (1) -.سير أعلام النبلاء (14/418-423)(231 )
    (2) - سير أعلام النبلاء (17/455-464)(305 )
    (3) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 68) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 2 / ص 14)
    (4) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 31) وتحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 3 / ص 151)
    (5) - النكت على ابن الصلاح - (ج 1 / ص 290)
    (6) - انظر توجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 2 / ص 15)
    (7) - انظر : مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 3) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث - (ج 1 / ص 1) وقواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 87) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 68)
    (8) - وسيأتي بحثه تفصيلا فيما بعد .
    (9) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 70) وجـ1 ص 115 ـ 116 .فما بعد
    (10) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 70) فما بعد
    (11) - وصله أبو عوانة في مستخرجه برقم (683 ).
    (12) - صحيح البخارى برقم (2311 )

  11. #51
    كاتب في "النسابون العرب"
    تاريخ التسجيل
    28-01-2010
    الدولة
    مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    العمر
    37
    المشاركات
    113

    افتراضي

    قال شيخ الإسْلام: وقد استعمل هذه الصِّيغة فيما لم يَسْمعهُ من مشايخه في عِدَّة أحاديث, فيُوردهَا عنهم بصيغة: قال فُلان, ثمَّ يُوردها في موضع آخر بواسطة بينهُ وبينهم, كمَا قال في « التاريخ» : قال إبراهيم بن موسى: حدَّثنا هشام بن يوسف, فذكر حديثًا, ثمَّ يقول: حدَّثوني بهذا عن إبراهيم.(1)
    قال: ولكن ليسَ ذلكَ مُطردا في كلِّ ما أورده بهذه الصِّيغة, لكن مع هذا الاحتمال, لا يُحمل حمل ما أورده بهذه الصِّيغة على أنَّه سَمعهُ من شُيوخه.
    وبهذا القول, يندفع اعتراض ( الحافظ) العِرَاقي على ابن الصَّلاح في تمثيله بقوله: قال عفَّان, وقال القعنبي, كونهما من شُيوخه, وأنَّ الرِّواية عنهم, ولو بصيغة لا تصرح بالسَّماع محمولة على الاتِّصال, كما سيأتي في فروع عقب المُعضل.
    قلت : قال الحافظ العراقي :
    "فقولُهُ : قالَ عفانُ كذا قال القعنبيُّ كذا في أمثلةِ ما سقطَ من أولِ إسنادِهِ واحدٌ مخالفٌ لكلامِهِ الذي قدّمْنَاهُ عنه ؛ لأنَّ عفانَ والقعنبيَّ كلاهما شيخُ البخاريِّ حَدَّثَ عنه في مواضعَ من صحيحِهِ متصلاً بالتصريحِ . فيكونُ قولُهُ : قال عفانُ ، قال القعنبيُّ ، محمولاً على الاتّصال ، كالحديث المعنعنِ . وعلى هذا عملُ غيرِ واحدٍ من المتأخّرينَ ، كابنِ دقيقِ العيدِ ، والمزّيِّ . فجعلا حديثَ أبي مالكٍ الأشعَرِيِّ - الآتي ذِكْرُهُ - مثالاً لهذهِ المسألةِ تعليقاً . وفي كلامِ أبي عبدِ الله بنِ منده أيضاً ما يقتضي ذلكَ ، فقالَ في جزءٍ له في اختلافِ الأئمةِ في القراءة ، والسماعِ ، والمناولةِ ، والإجازةِ : أخرجَ البخاريُّ في كتبهِ الصحيحةِ وغيرِها ، قال لنا فلانٌ ، وهي إجازةٌ . وقال فلانٌ ، وهو تدليسٌ . قال : وكذلك مسلمٌ أخرجَهُ على هذا . انتهى كلام ابنِ منده ولم يوافق عليهِ ".(2)
    ثمَّ قولنا في هذا التَّقسيم: ما يَلْتحق بشرطه, ولم يَقُل إنَّه على شرطه, لأنَّهُ وإن صحَّ, فليسَ من نمط الصَّحيح المُسْند فيه, نبَّه عليه ابن كثير.
    القِسْم الثَّاني: ما لا يلتحق بِشَرْطه ولكنَّه صحيحٌ على شرطِ غيره, كقوله في الطَّهارة : وقالت عائشة كانَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُر الله على كلِّ أحيانه,.(3)
    الثَّالث: ما هو حسن صالح للحُجَّة, كقوله فيه : وقال بَهْز بن حكيم, عن أبيه عن جَدِّه عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - : «الله أحقُّ أن يُسْتَحيى منهُ». وهو حديث حسن مشهور, أخرجه أصحاب السُّنن(4)
    الرَّابع: ما هو ضعيف, لا من جهة قدح في رجاله, بل من جهة انقطاع يسير في إسناده.
    قال الإسْمَاعيلي: قد يصنع البُخَاري ذلك, إمَّا لأنَّه سمعهُ من ذلك الشَّيخ بواسطة من يثق به عنه, وهو معروفٌ مشهور عن ذلك الشَّيخ, أو لأنَّه سمعهُ مِمَّن ليسَ من شرط الكِتَاب, فنبَّه على ذلك الحديث بتسمية من حدَّث به, لا على التحديث به عنه, كقوله في الزَّكاة(5)وقال طاووس: قال مُعاذ بن جبل لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب... الحديث, فإسْنَاده إلى طاووس صحيح, إلاَّ أن طاووسًا لم يسمع من معاذ.
    قلت : وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله(6): "هَذَا التَّعْلِيق صَحِيحُ الْإِسْنَادِ إِلَى طَاوُس ، لَكِنَّ طَاوُسًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذ فَهُوَ مُنْقَطِع ، فَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ بِالتَّعْلِيقِ الْجَازِمِ فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ إِلَّا الصِّحَّة إِلَى مَنْ عُلِّقَ عَنْهُ ، وَأَمَّا بَاقِي الْإِسْنَادِ فَلَا ، إِلَّا أَنَّ إِيرَادَهُ لَهُ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ يَقْتَضِي قُوَّتَهُ عِنْدَهُ ، وَكَأَنَّهُ عَضَّدَهُ عِنْدَهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْبَابِ " اهـ
    قال السيوطي رحمه الله :
    " وأمَّا ما اعترض به بعض المتأخرين من نقض هذا الحُكم, بكونه جزم في معلق وليسَ بصحيح, وذلكَ قولهُ في التَّوحيد(7): وَقَالَ الْمَاجِشُونُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ » .
    فإنَّ أبا مَسْعود الدِّمشقي جزمَ بأنَّ هذا ليسَ بصحيحٍ, لأنَّ عبد الله بن الفضل, إنَّما رَوَاهُ عن الأعرج عن أبي هُرَيْرة, لا عن أبي سلمة, وقوَّى ذلك بأنَّه أخرجهُ في موضع آخر(8)كذلك فهو اعتراض مردُود, ولا ينقض القَاعدة, ولا مانع من أن يَكُون لعبد الله بن الفَضْل شَيْخان, وكذلك أوردهُ عن أبي سَلَمة الطَّيالسي في «مسنده»(9)وفي دلائل النبوة للبيهقي(10)فبَطلَ ما ادَّعاهُ.
    وما ليسَ فيه جَزْمٌ, كيُروى, ويُذكر, ويُحْكى, ويُقَال, ورُوي, وحُكي عن فُلان كذا قال ابن الصَّلاح : أو في البَاب عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فليسَ فيه حكم بصحته عن المُضَاف إليه.
    قال ابن الصَّلاح(11): لأنَّ مثل هذه العِبَارات تُستعمل في الحديث الضَّعيف أيضًا, فأشَار بقوله أيضًا إلى أنَّه رُبَّما يُورد ذلك فيما هو صحيح, إمَّا لكونه رواه بالمعنى, كقوله في الطب(12)ويُذكر عن ابن عبَّاس عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في الرقى بفاتحة الكِتَاب, فإنَّه أسندهُ في موضع آخر بلفظ: أنَّ نفرا من الصَّحابة مّرُّوا بحي فيه لديغ... فذكر الحديث في رُقيتهم للرَّجُل بفاتحة الكتاب, وفيه: «إنَّ أحقَّ ما أخَذْتُم عليهِ أجْرًا كِتَابُ الله»"(13).
    قلتُ :
    قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري(14):
    " هَكَذَا ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيض ، وَهُوَ يُعَكِّر عَلَى مَا تَقَرَّرَ بَيْن أَهْل الْحَدِيث أَنَّ الَّذِي يُورِدهُ الْبُخَارِيّ بِصِيغَةِ التَّمْرِيض لَا يَكُون عَلَى شَرْطه ، مَعَ أَنَّهُ أَخْرَجَ حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي الرُّقْيَة بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب عَقِب هَذَا الْبَاب . وَأَجَابَ شَيْخنَا فِي كَلَامه عَلَى عُلُوم الْحَدِيث بِأَنَّهُ قَدْ يَصْنَع ذَلِكَ إِذَا ذَكَرَ الْخَبَر بِالْمَعْنَى ، وَلَا شَكَّ أَنَّ خَبَر اِبْن عَبَّاس لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بِالرُّقْيَة بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب وَإِنَّمَا فِيهِ تَقْرِيره عَلَى ذَلِكَ، فَنِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَيْهِ صَرِيحًا تَكُون نِسْبَة مَعْنَوِيَّة ، وَقَدْ عَلَّقَ الْبُخَارِيّ بَعْض هَذَا الْحَدِيث بِلَفْظِهِ فَأَتَى بِهِ مَجْزُومًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَة فِي " بَاب مَا يُعْطَى فِي الرُّقْيَة بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب " وَقَالَ اِبْن عَبَّاس " إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَاب اللَّه " ثُمَّ قَالَ شَيْخنَا : لَعَلَّ لِابْنِ عَبَّاس حَدِيثًا آخَر صَرِيحًا فِي الرُّقْيَة بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب لَيْسَ عَلَى شَرْطه فَلِذَلِكَ أَتَى بِهِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيض . قُلْت : وَلَمْ يَقَع لِي ذَلِكَ بَعْد التَّتَبُّع " اهـ.
    قال السيوطي رحمه الله :
    " أوْ ليس على شَرْطهِ, كقولهِ في الصَّلاة(15): ويُذكر عن عبد الله بن السَّائب قال: قَرَأ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - المُؤمنون في صلاةِ الصُّبح, حتى إذا جَاء ذكر مُوسى وهارون أخذتهُ سعلة فركع, وهو صحيح أخرجه مُسلم موصولا(16), إلاَّ أنَّ البُخَاري لم يُخرِّج لبعض رُواته. "
    أوْ لكونهِ ضَمَّ إليه ما لم يصح, فأتَى بصيغة تُستعمل فيهما, كقوله في الطَّلاق , ويُذكر عن علي بن أبي طالب وابن المُسيب, وذكر نحوا من ثلاثة وعشرين تابعيًا.( كذا قال: وفيها ما هو صحيح عنده وفيها ما هو ضعيف.)(17)
    وقد يُورده أيضًا في الحسن, كقوله في البُيوع(18): ... وَيُذْكَرُ عَنْ عُثْمَانَ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ : "إِذَا بِعْتَ فَكِلْ ، وَإِذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ"
    هذا الحديث رواه الدَّارقُطْني(19)والبيهقي في السنن(20)من طريق عُبيد الله بن المغيرة - وهو صدوق - عن مُنقذ مولى عُثمان, وقد وثِّق, عن عُثمان, وتابعه سعيد بن المُسيب, ومن طريقه أخرجه أحمد في «المسند»(21)إلاَّ أنَّ في إسْنَاده ابن لهيعة ،(22)ورواه ابن أبي شيبة في «مُصنَّفه» من حديث عَطَاء عن عُثمان, وفيه انقطاع, والحديث حسن لما عضده من ذلك.(23)
    ومن أمثلة ما أورده من ذلك وهو ضعيف, قوله في الوَصَايا(24): وَيُذْكَرُ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّة ، وقد رواه التِّرمذي موصُولاً(25)من طريق الحارث عن علي, والحارث ضعيف.ِ(26)
    وقوله في الصَّلاة(27): وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لاَ يَتَطَوَّعُ الإِمَامُ فِى مَكَانِهِ . وقال عقبه : وَلَمْ يَصِحَّ .
    وهذه عادتهُ في ضعيف لا عاضد له, من موافقة إجماع أو نحوه, على أنَّه فيه قليل جدًّا, والحديث أخرجه أبو داود والبغوي في شرح السنة من طريقه(28)من طريق اللَّيث بن أبي سُليم, عن الحجَّاج بن عُبيد, عن إبراهيم بن إسْمَاعيل, عن أبي هُريرة, وليث ضعيف, وإبراهيم لا يُعرف, وقد اختلف عليه فيه.(29)
    و مَا أوردهُ البُخَاري في الصَّحيح مِمَّا عبَّر عنهُ بصيغة التَّمريض, وقلنا لا يحكم بصحته ليسَ بواهٍ أي: ساقط جدًّا لإدخاله إياه في الكتاب المَوسُوم بالصحيح
    وعِبَارة ابن الصَّلاح : ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصَّحيح مُشعرٌ بصحة أصلهِ, إشعارًا يُؤنس به, ويُركن إليهِ.
    قلتُ: ولهذَا رددتُ على ابن الجَوْزي حيث أورد في «الموضُوعات»(30)حديث ابن عبَّاس مرفوعًا: «إذَا أُتي أحدكُم بِهَديةٍ, فجُلسَاؤه شُركاؤه فيها».(31)
    فإنَّه أورده من طريقين عنه, ومن طريق عن عائشة, ولم يُصب, فإنَّ البُخَاري أوردهُ في «الصَّحيح» فقال: ويُذكر عن ابن عبَّاس, وله شاهد آخر من حديث الحسن بن علي, رَوَيناهُ في «فوائد أبي بكر الشَّافعي» وقد بينتُ ذلك في «مختصر الموضوعات» ثمَّ في كتابي «القول الحسن في الذَّب عن السُّنن».(32)
    قال ابن الصَّلاح : إذا تقرَّر حُكم التعاليق المَذْكورة, فقول البُخَاري : ما أدخلتُ في كِتَابي إلاَّ ما صحَّ, وقول الحافظ أبي نصر السِّجْزي: أجمعَ الفُقهاء وغيرهم أنَّ رَجُلا لو حلف بالطَّلاق: أنَّ جميع البُخَاري صحيح, قاله رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لا شكَّ فيه, لم يحنث, محمولٌ على مقاصد الكتاب وموضوعه, ومُتون الأبواب المُسْندة, دُون التَّراجم ونحوها.(33)
    ــــــــــــــ
    12- مراتبُ الصحيح:

    قال العراقي(34): " اعلمْ أنَّ درجاتِ الصحيحِ تتفاوتُ بِحَسَبِ تَمَكُّنِ الحديثِ من شروطِ الصحةِ ، وعدمِ تَمَكُّنِهِ . وإنَّ أصحَّ كُتبِ الحديثِ : البخاريُّ ثم مسلمٌ ، كما تقدمَ أنَّهُ الصحيحُ.
    وعلى هذا : فالصحيحُ ينقسمُ إلى سبعةِ أقسامٍ :
    أحدُها : -وهو أصحُّها- ما أخرجَه البخاريُّ ومسلمٌ ، وهو الذي يُعبِّرُ عنه أهلُ الحديثِ بقولهم : (متفقٌ عليهِ)(35).
    والثاني : ما انفردَ به البخاريُّ .
    والثالثُ : ما انفردَ به مسلمٌ .
    والرابعُ : ما هو على شَرْطِهِما ولم يخرِّجْهُ واحدٌ منهُما .
    والخامسُ : ما هو على شرطِ البخاريِّ وَحْدَهُ .
    والسادسُ : ما هو على شرطِ مسلمٍ وَحْدَهُ .(36)
    والسابعُ : ما هو صحيحٌ عند غيرِهما من الأئمةِ المعتمدينَ ، وليسَ على شرطِ واحدٍ منهُما ...
    ثم ما المرادُ بقولهِم : على شرطِ البخاريِّ ، أو على شرطِ مسلمٍ ؟
    فقالَ محمدُ بنُ طاهرٍ في كتابه في " شروطِ الأئمة " : (شرطُ البخاريِّ ، ومسلمٍ ، أن يُخَرِّجَا الحديثَ المجمعَ على ثِقَةِ نَقَلَتِهِ إلى الصحابيِّ المشهورِ) ، وليس ما قالَهُ بجيّدٍ ؛ لأنَّ النَّسائيَّ ضَعَّفَ جماعةً أخرجَ لهم الشيخانِ ، أو أحدُهُما .
    وقالَ الحازميُّ في " شروط الأئمةِ " ما حاصلُهُ : إنَّ شَرْطَ البخاريِّ أنْ يُخَرِّجَ ما اتّصلَ إسنادُه بالثقاتِ المتقنينَ الملازمينَ لمن أَخَذُوا عنه ، ملازمةً طويلةً ، وإنَّهُ قد يُخَرِّجُ أحياناً عن أعيانِ الطبقةِ التي تلي هذهِ في الإتقانِ والملازمةِ ، لمَنْ رَوَوا عنه ، فلم يَلْزَمُوهُ إلا ملازمةً يسيرةً . وإنَّ شرطَ مسلمٍ أن يُخَرِّجَ حديثَ هذهِ الطبقةِ الثانيةِ ، وقد يُخَرِّجُ حديثَ مَنْ لم يَسْلَمْ مِنْ غوائلِ الجرحِ ، إذا كانَ طويلَ الملازمةِ لمَنْ أخذَ عنه ، كحمّادِ بنِ سلمةَ في ثابتٍ البُنانيِّ ، وأيوبَ . هذا حاصلُ كلامِهِ .
    وقالَ النوويُّ : (إنَّ المرادَ بقولهم : على شرطِهِما أنْ يكونَ رجالُ إسنادِهِ في كتابيهما ؛ لأنَّهُ ليس لهما شرطٌ في كتابَيْهما ، ولا في غيرهِما) . وقد أخذَ هذا من ابنِ الصَّلاحِ ، فإنَّهُ لما ذكرَ كتابَ " المستدرَكِ للحاكمِ " ، قالَ : (إنَّهُ أودَعَهُ ما رآهُ على شرطِ الشيخينِ ، وقد أخرجَا عن رواتِهِ في كتابيهِمَا) إلى آخرِ كلامِهِ . وعلى هذا عملُ ابنِ دقيقِ العيدِ ، فإنَّهُ ينقلُ عن الحاكمِ تصحيحَهُ لحديث على شرطِ البخاريِّ مثلاً ، ثم يعترضُ عليه بأنَّ فيه فلاناً ، ولم يُخَرِّجْ له البخاريُّ . وكذلك فَعَلَ الذهبيُّ في " مختصرِ المستدْرَكِ " . وليسَ ذلكَ مِنْهم بجيّدٍ ، فإنَّ الحاكمَ صَرَّحَ في خُطبةِ كتابِهِ " المستدركِ " بخلافِ ما فهموهُ عنه ، فقال : (وأَنا أَستعينُ اللهَ تعالى على إخراجِ أحاديثَ رواتُها ثقاتٌ ، قد احتجَّ بمثلِها الشيخانِ ، أو أحدُهما) .
    فقولُهُ : بمثلِهَا ، أي : بمثلِ رواتِها ، لا بِهِمْ أنْفُسِهِم . ويحتملُ أنْ يُرَادَ : بمثلِ تلك الأحاديثِ . وإنّما يكونُ بمثلِها إذا كانَتْ بنفسِ رواتِهَا . وفيه نظرٌ . وقد بينتُ المثليةَ في " الشرحِ الكبيرِ " .
    وعندَ ابنِ الصلاحِ : أنَّهُ تَعَذَّرَ في هذهِ الأَعصارِ الاستقلالُ بإدراكِ الصحيح بِمجردِ اعتبارِ الأسانيدِ ؛ لأنَّهُ ما مِنْ إسنادٍ إلا وفيهِ مَنْ اعتمدَ على ما في كتابِهِ عَرِيًّا عن الضَّبْطِ ، والإتقانِ . قال : فإذا وَجَدنا فيما يُروى من أجزاءِ الحديثِ وغيرِها ؛ حديثاً صحيحَ الإسنادِ ، ولم نجدْهُ في أحدِ الصحيحينِ ، ولا منصوصاً على صحتهِ في شيءٍ من مصنّفاتِ أئمةِ الحديثِ المعتمَدةِ المشهورةِ ، فإنَّا لا نتجاسرُ على جزمِ الحكمِ بصحتِهِ .
    وقال يحيى النوويُّ : (الأظهرُ عندِي جوازُهُ لِمَنْ تمكَّنَ ، وقَوِيَتْ معرفَتُهُ). انتهى. وهذا هو الذي عليهِ عملُ أهلِ الحديثِ، فقد صَحَّحَ غيرُ واحدٍ من المعاصرينَ لابنِ الصلاحِ، وبعدَهُ أحاديثَ لم نجدْ لِمنْ تقدمَهُم فيها تصحيحاً ، كأبي الحسنِ بنِ القطّانِ ، والضِّياءِ المقدسيِّ ، والزّكيِّ عبدِ العظيمِ ، ومَنْ بَعْدَهُم .اهـ
    وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله(37):
    " وتتفاوَتُ رُتَبُهُ ؛ أي : الصَّحيحُ ، بِسببِ تفاوُتِ هذهِ الأوْصافِ المُقْتَضِيَةِ للتَّصحيحِ في القُوَّةِ(38)؛ فإِنَّها لمَّا كانَتْ مُفيدةً لغَلَبَةِ الظَّنِّ الَّذي عليهِ مَدارُ الصِّحَّةِ ؛ اقْتَضَتْ أَنْ يكونَ لها دَرجاتٌ بعضُها فَوْقَ بعضٍ بحَسَبِ الأمورِ المُقَوِّيةِ .
    وإِذا كانَ كذلك فما يَكونُ رُواتُهُ في الدَّرجةِ العُليا مِن العدالَةِ والضَّبْطِ وسائِرِ الصِّفاتِ التي تُوجِبُ التَّرجيحَ (له) ؛ كانَ أَصحَّ ممَّا دونَهُ .
    فَمِنَ المَرْتَبَةِ العُلْيا في ذلك ما أَطْلَقَ [ عليهِ ] بعضُ الأئمَّةِ أَنَّهُ أَصحُّ الأسانيدِ :
    كالزُّهْريِّ عن سالِمِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ عن أَبيهِ .
    كما في صحيح البخارى (4133 ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ ، وَالطَّائِفَةُ الأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ ، ثُمَّ انْصَرَفُوا ، فَقَامُوا فِى مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ ، فَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ قَامَ هَؤُلاَءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ ، وَقَامَ هَؤُلاَءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ
    وكمحمَّدٍ بنِ سيرينَ عن عَبيدةَ بنِ عَمْروٍ السَّلْمانِيِّ عَن عَليٍّ (بن أبي طالب)
    كما في سنن أبى داود (409 ) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِى زَائِدَةَ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: « حَبَسُونَا عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى صَلاَةِ الْعَصْرِ مَلأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا ».
    وكَإِبراهيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عن ابنِ مَسعودٍ .
    __________
    (1) - قلت : قد ذكر ذلك في سبعة عشر موضعاً انظر تاريخ البخاري (ج 1 / ص 400)[ 2588 ] و (ج 1 / ص 425)[ 2819 ] و (ج 1 / ص 437)[ 26 ]
    (2) - انظر:مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 3) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 94) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 45)
    (3) - أخرجهُ مسلم في «صحيحه»برقم ( 852)
    (4) - الترمذي برقم (3024 ) وابن ماجة برقم (1995) وصححه قوم
    (5) - ( 33 - باب الْعَرْضِ فِى الزَّكَاةِ)
    (6) - فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 57)
    (7) - صحيح البخارى برقم (7428 ، 2411 ، 3408 ، 3414 ، 6517 ، 6518 ، 7472 )
    (8) - برقم (3414 )
    (9) - برقم (2487 )
    (10) - رقم (2247 )
    (11) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 3) والنكت على ابن الصلاح - (ج 1 / ص 357) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 5)
    (12) - (33 - باب الرُّقَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ )
    (13) - صحيح البخارى (5737)
    (14) - فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 260)
    (15) - ( 106 - باب الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِى الرَّكْعَةِ . ( 257 )
    (16) - برقم (1050)
    (17) - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 101) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 6)
    (18) - (51 - باب الْكَيْلِ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُعْطِى)
    (19) - برقم (2855 )
    (20) - برقم (11012 ) وقال عقبه وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْكِبَارِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَه
    (21) - برقم (452 ) والبزار برقم (379 )
    (22) - قلت : ورواه عبد بن حميد برقم (53 ) من طريق ابن المبارك عن ابن لهيعة وروايته عنه قوية قبل الاختلاط
    (23) - قلت: بل صحيح لغيره
    (24) - ( 9 - باب تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) . ( 9 ) وَيُذْكَرُ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ )
    (25) - برقم (2238 و2268 )
    (26) - قلت : وله شاهد تام في نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية - (ج 13 / ص 288) قال :وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ : رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي " مُسْنَدِهِ " ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى بْنِ نَجِيحٍ الطَّبَّاعُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : { قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ ، وَأَنْ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } انْتَهَى .
    وفي إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل - (ج 6 / ص 107) برقم (1667) وحسنه ، وهو كما قال، فالحديث حسن لغيره
    (27) - رقم ( 848 )
    (28) - برقم (701 )
    (29) - قلت : وذكر له فتح الباري لابن حجر - (ج 3 / ص 253) شواهد وطرق بنحوه انظرها هناك
    (30) - الموضوعات - (ج 3 / ص 92)
    (31) - قلت : رد عليه في اللآلي المصنوعة - (ج 2 / ص 254) وفي تنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 2 / ص 298)
    (تعقب) بأن حديث ابن عباس علقه البخاري في صحيحه وهو مشعر بأن له أصلا إشعارا يؤنس به ويركن إليه كما قاله ابن الصلاح في تعاليق البخاري التي بصيغة التمريض وليحي الحماني متابع عند أبي نعيم في الحلية وآخر عند البيهقي في سننه ولمندل وعبد السلام متابع عند ابن عساكر في تاريخه ومندل لم يتهم بكذب بل قال أبو زرعة لين وقال أبو حاتم شيخ وقال العجلي جائز الحديث يتشيع وهذا من صيغ التعديل فهذا الحديث شاهد لحديث عائشة وله شاهد آخر من حديث الحسن بن علي أخرجه أبو بكر الشافعي في فوائده والطبراني (قلت) قال الهيثمي في المجمع فيه يحيى بن سعيد العطار وهو ضعيف والله تعالى أعلم
    وانظر كشف الخفاء برقم (2397 ) والمقاصد الحسنة برقم (1075 ) و النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة - (ج 1 / ص 74) برقم ( 169)
    (32) - قلت : وفي النهاية فالحديث ضعيف
    (33) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 49) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 75)
    (34) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 43)
    (35) - وأهم كتاب في ذلك اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله أكثر من (1900) حديث
    (36) - وفي المستدرك للحاكم عَلَى شَرْطِهِمَا (77) حديثا عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ (155) حديثا عَلَى شَرْطِ مُسْلِمِ (687) حديثا
    (37) - نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 9) فما بعدها التعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر - (ج 1 / ص 7) و
    (38) - وهذا لا شك فيه أن الصحيح تتفاوت رتبه لتفاوت صفات الرواة فتارة تكون درجتهم في أعلى الدرجات لثقة الرواة وكمال ضبطهم ، وتارة تكون وسطاً ،وتارة تكون دون ذلك فهي متفاوتة على حسب حال الرواة مالك عن نافع عن ابن عمر ، مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة فالمقصود أن الأسانيد الصحيحة متفاوتة على حسب تفاوت الرجال في الضبط والإتقان .

  12. #52
    كاتب في "النسابون العرب"
    تاريخ التسجيل
    28-01-2010
    الدولة
    مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    العمر
    37
    المشاركات
    113

    افتراضي

    كما في صحيح البخارى(7297 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ ، وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ ، فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ تَسْأَلُوهُ لاَ يُسْمِعْكُمْ مَا تَكْرَهُونَ . فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِمِ حَدِّثْنَا عَنِ الرُّوحِ . فَقَامَ سَاعَةً يَنْظُرُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ ، فَتَأَخَّرْتُ عَنْهُ حَتَّى صَعِدَ الْوَحْىُ ، ثُمَّ قَالَ ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى ) .
    قلت : وكمالك عن نافع عن ابن عمر ونحوها .
    ودونَها في الرُّتبةِ : كرِوايةِ بُرَيْدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أَبي بُرْدَةَ عن جَدِّهِ عن أَبيهِ أَبي مُوسى (الأشعري) .
    كما في صحيح البخارى (5048) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِىُّ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِى مُوسَى - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ « يَا أَبَا مُوسَى لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ » .
    وكَحمَّادِ بنِ سَلَمَةَ عن ثابِتٍ (البناني) عَنْ أَنسٍ .
    كما في صحيح مسلم (1208 ) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَنَزَلَتْ (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِى صَلاَةِ الْفَجْرِ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً فَنَادَى أَلاَ إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ. فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ.
    ودُونَها في الرُّتْبَةِ :
    كسُهَيْلِ بنِ أَبي صالحٍ عَنْ أَبيهِ عن أَبي هُريرةَ .
    كما في صحيح مسلم (3333 ) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِىُّ حَدَّثَنَا بِشْرٌ - يَعْنِى ابْنَ مُفَضَّلٍ - حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ أَنْ تُسَافِرَ ثَلاَثًا إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا ».
    وكالعَلاءِ بنِ عبدِ الرحمن عن أَبيهِ عن أَبي هُريرةَ .
    كما في صحيح مسلم (377 ) حَدَّثَنِى أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ مَخْلَدٍ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِى قَالَ « فَلاَ تُعْطِهِ مَالَكَ ». قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِى قَالَ « قَاتِلْهُ ». قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِى قَالَ « فَأَنْتَ شَهِيدٌ ». قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ قَالَ « هُوَ فِى النَّارِ ».
    فإِنَّ الجَميعَ يشمَلُهُم اسمُ العَدالَةِ والضَّبْطِ ؛ إِلاَّ أَنَّ (في) للمَرْتَبَةِ الأولى (فيهم) مِن الصِّفاتِ المُرَجِّحَةِ ما يقتَضي تقديمَ روايتِهِم على الَّتي تَليها ، وفي الَّتي تليها مِنْ قوَّةِ الضَّبْطِ ما يقتَضي تقديمَها على الثَّالِثَةِ ، وهِي مُقدَّمةٌ على رِوايةِ مَن يُعَدُّ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ حَسناً(1)؛ كمحمَّد بنِ إِسحاقَ عن عاصمِ بنِ عُمرَ (بن قتادة) عن جابرٍ قلت : الصواب مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ جَابِرِ ،كما في سنن أبى داود(1675 ) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىِّ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِمِثْلِ بَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ هَذِهِ مِنْ مَعْدِنٍ فَخُذْهَا فَهِىَ صَدَقَةٌ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا. فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الأَيْمَنِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الأَيْسَرِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَحَذَفَهُ بِهَا فَلَوْ أَصَابَتْهُ لأَوْجَعَتْهُ أَوْ لَعَقَرَتْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَأْتِى أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ فَيَقُولُ هَذِهِ صَدَقَةٌ ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ».( وهو صحيح )
    يستكف : يأخذ ببطن كفه أو يسأل كفا من الطعام أو ما يكف الجوع
    وقد ضعفه الشيخ ناصر رحمه الله وتابعه ابن باز رحمه الله ، بسبب عنعنة ابن إسحاق حيث قال : فات المؤلف أن يقول محمد بن إسحاق عن عاصم إذا صرح ابن اسحاق بالسماع .
    قلت : الصواب أنه غير مدلس ، وإذا دلس لا يمكن أن يدلس على مشايخه الكبار ، وعاصم منهم ، فيحمل حديثه عنهم على الاتصال ، ولو لم يصرح بالتحديث .

    و(عن) عمروِ بنِ شُعَيْبٍ عنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ ،كما في سنن أبى داود (653 ) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى حَافِيًا وَمُنْتَعِلاً. وهو صحيح
    وقِسْ على هذهِ المراتِبِ ما يُشبِهُها .
    والمرتَبَةُ الأولى هِيَ الَّتي أَطلَقَ عليها بعضُ الأئمَّةِ أَنَّها أَصحُّ الأسانيدِ ، والمُعْتَمَدُ عدمُ الإِطلاقِ لترجَمةٍ معيَّنةٍ منها .
    نعم ؛ يُستَفَادُ مِن مجموعِ ما أَطلقَ الأئمَّةُ عليهِ ذلك أَرجَحِيَّتُهُ على ما لَمْ يُطْلِقوهُ .
    ويلْتَحِقُ بهذا التَّفاضُلِ(2)ما اتَّفَقَ الشَّيخانِ على تَخريجِه بالنِّسبةِ إِلى ما انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُما ، وما انْفَرَدَ بهِ البُخاريُّ بالنِّسبةِ إلى ما انْفَرَدَ بهِ مُسلمٌ ؛ لاتِّفاقِ العُلماءِ بعدِهِما على تلقِّي كِتابَيْهِما بالقَبولِ ، واختِلافِ بعضِهِم على أَيِّهِما أَرْجَحُ ، فما اتَّفقا عليهِ أَرجَحُ مِن هذهِ الحيثيَّةِ ممَّا لم يتَّفقا عليهِ .
    وقد صرَّحَ الجمهورُ بتقديمِ (صحيحِ البُخاريِّ) في الصِّحَّةِ ، ولم يوجَدْ عنْ أحدٍ التَّصريحُ بنقيضِهِ(3).
    وأَمّا ما نُقِلَ عَن أبي عليٍّ النَّيْسابوريِّ أَنَّهُ قالَ(4): ما تحتَ أَديمِ السَّماءِ أَصحُّ مِن كتابِ مُسلمٍ(5)؛ فلمْ يُصرِّحْ بكونِه أَصحَّ مِن صحيحِ البُخاريِّ ؛ لأَنَّهُ إِنَّما نَفَى وُجودَ كتابٍ أَصحَّ مِن كتابِ مسلم ؛ إِذ المَنْفِيُّ إِنَّما هُو ما تَقْتَضيهِ صيغَةُ أَفْعَلَ من زيادَةِ صحَّةٍ في كتابٍ شارَكَ كتابَ مُسلمٍ في الصِّحَّةِ ، يمتازُ بتلكَ الزِّيادَةِ عليه ، ولم يَنْفِ المُساواةَ .
    وكذلكَ ما نُقِلَ عنْ بعضِ المَغارِبَةِ أَنَّهُ فَضَّلَ صحيحَ مُسلمٍ على صحيحِ البُخاريِّ ؛ فذلكَ فيما يرجِعُ إِلى حُسْنِ السِّياقِ وجَوْدَةِ الوَضْعِ والتَّرتِيبِ .
    ولم يُفْصِحْ أَحدٌ منهُم بأَنَّ ذلكَ راجِعٌ إِلى الأصحِّيَّةِ ، ولو أَفْصَحوا به لردَّهُ عليهِمْ شاهِدُ الوُجودِ(6)، فالصِّفاتُ الَّتي تدورُ عليها الصِّحَّةُ في كتابِ البُخاريِّ أَتمُّ منها في كتابِ مسلمٍ وأَشَدُّ ، وشرطُهُ فيها أَقوى وأَسَدُّ.
    أَمَّا رُجْحانُهُ مِن حيثُ الاتصالُ ؛ فلاشْتِراطِهِ أَنْ يكونَ الرَّاوِي قَدْ ثَبَتَ لهُ لِقاءُ مَنْ روى عنهُ ولو مَرَّةً ، واكْتَفى مُسْلِمٌ بمُطْلَقِ المُعاصَرَةِ ، وأَلْزَمَ البُخاريَّ بأَنَّهُ يحتاجُ إِلى أَنْ لا يقْبَلَ العَنْعَنَةَ أَصلاً !
    وما أَلْزَمَهُ بهِ ليسَ بلازِمٍ ؛ لأنَّ الرَّاويَ إِذا ثبتَ لهُ اللِّقاءُ مرَّةً ؛ لا يجْري في رواياتِهِ احْتِمالُ أَنْ لا يكونَ قد سمِعَ منهُ ؛ لأنَّهُ يلزمُ مِن جَريانِهِ أَنْ يكونَ مُدَلِّساً ، والمسأَلةُ مَفروضَةٌ في غير المُدَلِّسِ .
    وأَمَّا رُجْحَانُهُ مِنْ حيثُ العَدالَةُ والضَّبْطُ ؛ فلأنَّ الرِّجالَ الَّذينَ تُكُلَِّمَ فيهِم مِن رجالِ مُسلِمٍ أَكثرُ عَدداً مِن الرِّجالِ الَّذينَ تُكُلِّمَ فيهِم مِن رجالِ البُخاريِّ ، معَ أَنَّ البُخارِيَّ لم يُكْثِرْ مِن إِخراجِ حَديثِهِمْ ، بل غالِبُهُمْ مِن شيوخِهِ الذينَ أَخَذَ عنهُم ومَارَسَ حَديثَهُم ، بخِلافِ مُسلمٍ في الأمْرَينِ .
    وأَمَّا رُجْحانُهُ مِن حيثُ عدمُ الشُّذوذِ والإِعلالِ ؛ فلأنَّ ما انْتُقِدَ على البُخاريِّ مِن الأحاديثِ أَقلُّ عدداً مِمَّا انْتُقِدَ على مُسْلِمٍ ، هذا مع اتِّفاقِ العُلماءِ على أنَّ البُخاريَّ كانَ أَجلَّ مِن مُسْلِمٍ في العُلومِ وأَعْرَفَ بصِناعةِ الحَديثِ مِنهُ ، وأَنَّ مُسلماً تِلْميذهُ وخِرِّيجُهُ ، ولم يزَلْ يَسْتَفيدُ منهُ ويتْبَعُ آثارَهُ حتَّى لقد قالَ الدَّارَقُطنِيُّ(7): لولا البُخاريُّ لَما راحَ مُسْلِمٌ ولا جَاءَ .(8)
    ومن ثَمَّ ؛ أي : و من هذه الحيثيَّةِ - وهي أَرجحيَّةُ شَرْطِ البُخاريِّ على غيرِه - قُدِّمَ (صحيحُ البُخاريِّ) على غيرِه من الكُتُبِ المُصَنَّفةِ في الحديثِ .
    ثمَّ صحيحُ مُسْلِمٍ ؛ لمُشارَكَتِه للبُخاريِّ في اتِّفاقِ العُلماءِ على تَلَقِّي كِتابِهِ بالقَبولِ أَيضاً ، سوى ما عُلِّلَ .
    ثمَّ يُقَدَّمُ في الأرجحيَّةِ من حيثُ الأصحِّيَّةُ ما وافَقَهُ شَرْطُهُما ؛ لأنَّ المُرادَ به رواتُهُما معَ باقي شُروطِ الصَّحيحِ ، ورواتُهما قد حَصَلَ الاتِّفاقُ على القَوْلِ بتَعديلِهِمْ بطريقِ اللُّزومِ(9)، فهم مُقَدَّمونَ على غيرِهم في رِواياتِهم ، وهذا أَصلٌ لا يُخْرَجُ عنهُ إِلاَّ بدليلٍ .(10)
    فإِنْ كانَ الخَبَرُ على شَرْطِهما معاً ؛ كانَ دونَ ما أَخرَجَهُ مسلمٌ أَو مثله(11).
    وإِنْ كانَ على شَرْطِ أَحَدِهما ؛ فيُقَدَّمُ شَرْطُ البُخاريِّ وحْدَه على شرطِ مُسلمٍ وحدَه تَبَعاً لأصلِ كُلٍّ منهُما .
    فخَرَجَ لنا مِن هذا سِتَّةُ أَقسامٍ تتفاوتُ دَرَجاتُها في الصِّحَّةِ .
    وثَمَّةَ قسمٌ سابعٌ ، وهو ما ليسَ على شرطِهما اجتِماعاً وانْفراداً .
    قلت : وبهذا تكون أقسام الصحيح من هذه الحيثية سبعة ، الأول ما اتفق عليه الشيخان ، والثاني ما رواه البخاري والثالث ما رواه مسلم والرابع ما كان على شرطهما والخامس ما كان على شرط البخاري ثم السادس ما كان على شرط مسلم ثم السابع ما صححه أحد الإئمة وهو ليس على شرط واحد منهما كالذي يصححه الدارقطني وابن حزيمة وابن حبان وغيرهم ولا يكون فيه قادح . وهذا التَّفاوتُ إِنَّما هو بالنَّظرِ إِلى الحيثيَّةِ المذكورةِ .أَمَّا لو رُجِّحَ قِسْمٌ على ما هو فَوْقَهُ بأُمورٍ أُخرى تقتَضي التَّرْجيحَ ؛ فإِنَّهُ يُقَدَّمُ على ما فَوْقَهُ - إذ قَدْ يَعْرِضُ للمَفوقِ مَا يجعَلُهُ فائقاً - كما لو كان الحديثُ عندَ مُسلم مثلاً ، وهُو مشهورٌ قاصِرٌ عن دَرَجَةِ التَّواتُرِ ، لكنْ حَفَّتْهُ قرينةٌ صارَ بها يُفيدُ العِلْمَ ؛ فإِنَّه يُقَدَّمُ بها على الحديثِ الذي يُخْرِجُهُ البُخاريُّ إِذا كانَ فَرْداً مُطْلقاً .
    قلت : "الصحيحُ درجاتٌ ومراتب، ولكن هذا الترجيح إجماليٌّ؛ فليس مِنْ لازمه تفضيلُ كلِّ درجةٍ على التي بعدها مطلقاً في كلِّ حديثٍ؛ فقد يَرِدُ حديثٌ على شرط مسلم أقوى مِن حديثٍ على شرط البُخَارِيّ، وهذا لا يَنْقض القاعدة العامّة هذه."
    وكما لو كانَ الحَديثُ الَّذي لم يُخْرِجَاهُ مِن ترجمةٍ وُصِفَتْ بكونِها أَصَحَّ الأسانيدِ كمالِكٍ عن نافعٍ عن ابنِ عُمرَ ؛ فإِنه يُقَدَّمُ على ما انفرَدَ بهِ أَحدُهُما مثلاً ، لا سيَّما إِذا كانَ في إِسنادِهِ مَن فيهِ مَقالٌ اهـ(12).
    قلت: هذا لا يعني ردَّ الرواية على كل حال؛ فقد تكون الرواية التي فيها مَنْ فيه مقالٌ مقبولةً، وقد تكون مردودة؛ وذلك بحسب نوع الكلام في الراوي ودرجته، وهل جاء مِن طُرُقٍ أُخرى أم لا؟.
    ــــــــــــــ
    13- شرط الشيخين:

    لم يُفصح الشيخان عن شرط شرطاه أو عيناه زيادة على الشروط المتفق عليها في الصحيح، لكن الباحثين من العلماء ظهر لهم من التتبع والاستقراء لأساليبهما ما ظنه كل منهم أنه شرطهما أو شرط واحد منهما.
    قال السيوطي(13):
    "وأعجب من ذلكَ ما ذَكَرهُ الميانجي في كتاب «ما لا يسع المُحدِّث جهله»: شرط الشَّيخين في «صحيحهما» أن لا يدخُلا فيه إلاَّ ما صَحَّ عندهما, وذلكَ ما رواهُ عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - اثنان فصَاعدًا, وما نقلهُ عن كلِّ واحد من الصَّحابة أربعة من التَّابعين فأكثر, وأن يَكُون عن كلِّ واحد من التابعين أكثر من أربعة. انتهى.
    قال شيخ الإسْلام : وهو كلام من لم يُمارس «الصَّحيحين» أدْنَى مُمَارسة, فلو قال قائل: ليس في الكتابين حديث واحد بهذه الصِّفة لما أبعد.
    وقال ابن العَرَبي في «شرح الموطأ»: كان مذهب الشَّيخين أنَّ الحديث لا يثبت حتَّى يرويه اثنان, قال: وهو مذهب باطل, بل رواية الواحد عن الواحد صحيحة إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - .
    وقال في «شرح البُخاري» عند حديث «الأعمال...»: انفرد به عُمر, وقد جاء من طريق أبي سعيد, رواه البزَّار بإسْنَاد ضعيف.
    قال: وحديث عُمر وإن كان طريقه واحدا وإنَّما بنى البُخَاري كتابه على حديث يرويه أكثر من واحد, فهذا الحديث ليسَ من ذلك الفن, لأنَّ عُمر قاله على المنبر بمحضر الأعيان من الصحابة, فصَار كالمُجْمع عليه, فكأنَّ عمر ذكَّرهم, لا أخبر.
    قال ابن رُشيد: وقد ذكر ابن حبَّان في أوَّل «صحيحه» : أنَّ ما ادَّعاه ابن العربي وغيره, من أنَّ شرط الشَّيخين ذلكَ مُستحيل الوجود.
    قال: والعَجَب منه كيف يدَّعي عليهما ذلك, ثمَّ يزعم أنَّه مذهب باطل, فليت شعري من أعلمه بأنَّهما اشترطا ذلك, إن كان منقولاً فليُبين طريقه ليُنظر فيها, وإن كان عرفه بالاستقراء فقد وهم في ذلك, ولقد كان يكفيه في ذلك أوَّل حديث في البُخاري, وما اعتذر به عنه فيه تقصير, لأنَّ عمر لم ينفرد به وحده, بل انفرد به عَلْقمة عنه, وانفرد به محمَّد بن إبراهيم, عن علقمة, وانفرد به يحيى بن سعيد, عن محمد, وعن يحيى تعددت رُواته.
    وأيضًا: فكون عُمر قاله على المنبر لا يستلزم أن يَكُون ذكَّر السَّامعين بما هو عندهم, بل هو مُحتمل للأمرين, وإنَّما لم يُنكروه لأنَّه عندهم ثقة, فلو حدَّثهم بما لم يسمعُوه قط, لم يُنكروا عليه اهـ.(14)
    " وقد ألَّف الحَازمي كتابًا في شُروط الأئمة, ذكر فيه شرط الشَّيخين وغيرهما فقال : مذهب من يُخرِّج الصَّحيح أن يُعتبر حال الرَّاوي العدل في مشايخه, وفيمن روى عنهم وهم ثقات أيضًا, وحديثه عن بعضهم صحيح ثابت, يلزمه إخراجه, وعن بعضهم مدخول لا يصح إخراجه إلاَّ في الشَّواهد والمُتَابعات, وهذا باب فيه غموض, وطريقه معرفة طباق الرُّواة عن راوي الأصل, ومراتب مداركهم.
    ولنُوضح ذلك بمثال: وهو أن تعلم أنَّ أصحاب الزُّهْري مثلا على خمس طبقات, ولكلِّ طبقة منها مزية على الَّتي تليها وتفاوت:
    فمن كان في الطَّبقة الأولى فهي الغاية في الصِّحة, وهو غاية قصد البُخَاري, كمالك, وابن عُيينة, ويُونس, وعقيل الأيْلِيَّين, وجماعة.
    والثانية شاركت الأولى في العَدَالة, غير أنَّ الأولى جمعت بين الحِفْظ والإتْقَان وبين طُول المُلازمة للزُّهري, بحيث كان منهم من يُلازمه في السَّفر, ويُلازمه في الحَضَر, كالليث بن سعد, والأوزاعي, والنُّعمان بن راشد, والثانية لم تُلازم الزُّهْري إلا مُدَّة يَسِيرة, فلم تُمارس حديثه, وكانوا في الإتقان دون الطَّبقة الأولى, كجعفر بن بُرْقَان, وسفيان بن حُسين السُّلمي, وزمعة بن صالح المَكِّى, وهم شرط مسلم.
    والثالثة: جماعة لزمُوا الزُّهْري, مثل أهل الطَّبقة الأولى, غير أنَّهم لم يَسْلمُوا من غوائل الجرح, فهم بين الرَّد والقَبُول كمُعَاوية بن يحيى الصَّدَفي, وإسْحاق بن يحيى الكَلْبي, والمُثنى بن الصَّباح, وهم شرط أبي داود, والنَّسائي.
    والرابعة: قومٌ شَاركوا الثَّالثة في الجرح والتَّعديل, وتفرَّدُوا بقلَّة مُمارستهم لحديث الزُّهْري, لأنَّهم لم يُلازموه كثيرًا, وهم شرط التِّرمذي.
    والخامسة: نفرٌ من الضُّعفاء والمجهولين لا يَجُوز لمن يخرج الحديث على الأبواب أن يُخرج حديثهم إلاَّ على سبيل الاعتبار والاستشهاد عند أبي داود, فمن دُونه, فأمَّا عند الشَّيخين فلا.اهـ(15)
    ــــــــــــــ
    14- معنى قولهم: " مُتَّفَقٌ عليه ":
    إذا قال علماء الحديث عن حديث " متفق عليه " فمرادهم اتفاق الشيخين ، أي اتفاق البخاري ومسلم على صحته ، لا اتفاق الأمة إلا أن ابن الصلاح قال(16): " لكن اتفاق الأمة عليه لازِمُ من ذلك وحاصل معه ، لاتفاق الأمة على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول .(17)
    ــــــــــــــ
    15- هل يشترطُ في الصحيح أن يكون عزيزاً ؟(18)
    قال الحافظ ابن حجر(19):
    __________
    (1) - وهذا واضح لأنه إذا خف الضبط انتقل من درجة الصحيح إلى درجة الحسن .
    (2) - هذا إلحاقٌ بموضوع درجات الصحيح، لا إلحاقاً بالمرتبة الأُولى.
    (3) - هذا الرجحان إنما هو رجحان البُخَارِيّ في الجملة على مسلم في الجملة: وما كان على شرط البُخَارِيّ ومسلم يجب أن يُراعَى في تحديده أن يكون الرواة في السند على ترتيبهم عندهما، بالنسبة للتلاميذ والشيوخ؛ لأنهما قد يَقبلان رواية راوٍ عن شيخه ذاك، الذي جاءت روايته عندهما أو عند أحدهما، ولا يَقْبلان روايته عن شيخٍ آخر.
    (4) - هو الحسين بن علي بن يزيد النيسابوريّ، أبو عليّ، 277-349هـ.
    (5) - كلام أبي علي غير مسلم ،والصواب ما تحت أديم السماء أصح من صحيح البخاري ثم مسلم هذا الذي عليه جمهور أهل العلم لكن مسلم امتاز بحسن السياق ،وجمع الأحاديث وضبط طرقها ،والبخاري تساهل في هذا يقطع الأحاديث ويفرقها على حسب الحاجة إليها، ومسلم كانت له عناية بحسن السياق وجمع الأسانيد حتى يتضح للقارئ الحديث بطرقه كلها في موضع واحد .
    (6) - لقد أَحْسنَ الإمام ابن حجر، رحمه الله تعالى، بهذه الطريقة في الاستدلال؛ وذلك لأنّ أقوى الأدلة لإثبات الشيء حقيقةُ وجودِهِ؛ لأنها تُفنِّد أدلة إنكاره، ولذلك كان مِن حكمة الله تعالى -في باب دعوة الله لنا إلى هُدَاه- أنه دعانا إلى الإيمان به بكلِّ سبيلٍ، ومِن ذلك أنه أَرى بعْضَ عباده عمليةَ الخَلْق والإِحياء.
    وقد أشهدَ الله تعالى مَن أَشهَدَ مِن عباده، والإشهاد على الإيجاد، من أدلةِ وحججِ الله على العباد.
    وهذا يَعْني أنّ مِن المنهجية المهمة، في طريقة الوصول إلى الحق، والطريقةِ المثلى للمنافحة عن الحق، وردِّ الشبهات، الاتِّساء بهذا المنهج، سواء في طريقة العرض والإقناع، أو في طريقة المناقشة ورَدِّ الشبهات. وقد قالوا: شاهدُ العِيان يُغْني عن البيان!.
    وقد تعرَّض الإمام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- لهذا في كتابه الاستقامة وفي غيره، وذَكَر كلاماً جميلاً فيه.
    (7) - هو عليّ بن عمر بن أحمد الدّارَقُطْنِيّ، البغدادي، أبو الحسن، 306-385هـ، يُضرب به المثل في الحفظ والإتقان في الحديث، له مصنفات في الحديث تشهد بإمامته وذكائه وقد كَتبْتُ فيه أُطروحة للدكتوراه، ونشرتها بعنوان: الإمام أبو الحسن الدَّارَقطْنيّ وآثاره العلمية-وسقط مِن العنوان عبارة: مع دراسة تفصيلية عن كتابه السنن، جدّة، دار الأندلس الخضراء، ط.الأولى، 1421هـ-2000م.(عبد الله بن ضيف الله الرحيلي)
    (8) - هذا من باب المبالغة وإلا فكلاهما إمام .
    ولتقرير أصحية صحيح البخاري وتقديمه على صحيح مسلم يُنظر الفصل الثاني مِن هدْي الساري، وتدريب الراوي، للسيوطي، 88-98.
    (9) - قوله: بطريق اللزوم، هذا نوعٌ مِن أنواع الدلالة، إذْ أنّ أنواع الدلالة هي: دلالة اللزوم، ودلالة التضمن، ودلالة المطابقة، فكما قُبِلَ صحيحاهما فقد صار مِن لازمِ ذلك تعديل رواتهما، وهذا دليلٌ على أن ما كان على شرطهما يأتي بعد ما أخرجاه.
    (10) - هذا إذا جاءت الرواية عنهم بنفس الكيفية التي رَوى لهم بها الشيخان، وهي تتناول النظر إلى أمرين:
    الأول: مراعاة ذلك الترتيب بين التلاميذ والشيوخ الوارد في الصحيحين، أَيْ: مطابقة الرواية لروايته، بأن يكون التلاميذ هم التلاميذ، والشيوخ هم الشيوخ.
    الثاني: التدقيق في صفة الرواية عن هذا الراوي في الصحيحين هل جاءت على وجْه الاحتجاج به أم لا؟ إذْ لا يَصْدُقُ شرطُهما إلا على ما رويا له احتجاجاً.
    (11) - أَيْ: في منزلته.
    (12) - انظر : فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 36) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 25) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 8) وألفية العراقي في علوم الحديث - (ج 1 / ص 5) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 43) ونزهة النظر - (ج 1 / ص 71) ونزهة النظر - (ج 1 / ص 71)
    (13) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 32)
    (14) - انظر توجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 1 / ص 38)
    (15) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 82)
    (16) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 4) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 8) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 2 / ص 5)
    (17) -تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 83)
    (18) - تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 8)
    (19) - التعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر - (ج 1 / ص 3)

  13. #53
    كاتب في "النسابون العرب"
    تاريخ التسجيل
    28-01-2010
    الدولة
    مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    العمر
    37
    المشاركات
    113

    افتراضي

    " ولَيْسَ شَرْطاً للصَّحيحِ ؛ خِلافاً لمَنْ زعَمَهُ(1)، وهو أَبو عَليٍّ الجُبَّائيُّ مِن المُعْتزلةِ(2)، وإِليهِ يُومِئُ كلامُ الحاكِمِ أَبي عبد اللهِ في (علومِ الحديثِ) حيثُ قال : الصَّحيحُ أَنْ يَرْوِيَهُ الصَّحابِيُّ الزَّائِلُ عنهُ اسمُ الجَهالةِ ؛ بأَنْ يكونَ لهُ راوِيانِ ، ثمَّ يتداوَلَهُ أَهلُ الحَديثِ إِلى وَقْتِنِا كالشَّهادَةِ عَلى الشَّهادَةِ.
    وصَرَّحَ القاضي أَبو بَكْرٍ بنُ العربيِّ في (شَرْحِ البُخاريّ) بأَنَّ ذلك شَرْطُ البُخاريِّ ، وأَجاب عمَّا أُورِدَ عليهِ مِنْ ذلك بِجوابٍ فيهِ نَظرٌ ؛ لأَنَّهُ قال : فإِنْ قيلَ : حديثُ (إنما الأعْمَالُ بالنِّيَّاتِ) فَرْدٌ ؛لم يَرْوِهِ عَنْ عُمرَ إِلاَّ عَلْقَمَةُ
    قالَ قُلْنا : قَدْ خَطَبَ بِهِ عُمَرُ رضيَ اللهُ عنهُ عَلى المِنْبَرِ بحَضْرةِ الصَّحابَةِ ، فلولا أَنَّهُمْ يَعْرِفونَهُ لأنْكروهُ ! كذا قالَ !
    وتُعُقِّبَ (عليه) بأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِم سَكَتُوا عنهُ أَنْ يَكُونوا سَمِعوهُ مِنْ غَيْرِهِ ، وبأَنَّ هذا لو سُلِّمَ في عُمَرَ مُنِعَ في تَفَرُّدِ عَلْقَمَةَ عنهُ ، ثمَّ تَفَرُّدِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْراهيمَ بِه عَنْ عَلْقَمَةَ ، ثُمَّ تَفَرُّدِ يَحْيَى بنِ سَعيدٍ بهِ عَنْ مُحَمَّدٍ ؛ عَلى ما هُو الصَّحيحُ المُعْروفُ عِنْدَ المُحَدِّثينَ .
    وقَدْ وَرَدَتْ لُهْم مُتابعاتٌ لا يُعْتَبَرُ بِها لِضَعْفِها وكَذا لا نُسَلِّمُ جَوابَهُ في غَيْرِ حَديثِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهُ
    قالَ ابنُ رُشَيْدٍ : ولَقَدْ كانَ يَكْفي القاضيَ في بُطْلانِ ما ادَّعَى أَنَّهُ شَرْطُ البُخاريِّ أَوَّلُ حَديثٍ مَذكورٍ فيهِ .(3)
    وادَّعَى ابنُ حِبَّانَ نقيضَ دَعْواهُ ، فقالَ : إِنَّ رِوايَةَ اثنَيْنِ عَنِ اثنَيْنِ إِلى أَنْ يَنْتَهِيَ لا تُوجَدُ أَصْلاً .
    قُلْتُ : إِنْ أرادَ بهِ أَنَّ رِوايَةَ اثْنَيْنِ فَقَطْ عَنِ اثْنَيْنِ فَقَطْ لا تُوجَدُ أَصْلاً ؛ فيُمْكِنُ أَنْ يُسَلَّمَ اهـ(4)
    - - - - - - - - - - - - - -
    الحديثُ الحَسَنُ(5)
    1- تعريفُه:
    لغة: هو صفة مشبهة من " الحٌسْن " بمعنى الجَمال.
    اصطلاحاً: اختلفت أقوال العلماء في تعريف الحسن نظراً لأنه متوسط بين الصحيح والضعيف، ولأن بعضهم عرَّف أحد قسميه..
    تعريفُ الخطابي(6): الحسنُ: ما عُرِفَ مَخْرَجُهُ واشتهرَ رجالُهُ . قال : وعليه مدارُ أكثرِ الحديثِ ، وهو الذي يقبلُهُ أكثرُ العلماءِ ، ويستعملُهُ عامةُ الفقهاءِ(7)
    قال العراقي(8):
    " ورأيتُ في كلامِ بعضِ المتأخّرينَ أنَّ في قولِهِ ما عُرِفَ مخرجُهُ احترازاً عن المنقطعِ ، وعن حديثِ المُدَلِّسِ قبلَ أنْ يتبينَ تدليسُهُ . قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ : (ليسَ في عبارةِ الخطّابيِّ كبيرُ تلخيصٍ . وأيضاً فالصحيحُ قد عُرِفَ مخرجُهُ واشتُهِرَ رجالُهُ. فيدخلُ الصحيحُ في حَدِّ الحَسَنِ . قالَ : وكأنَّهُ يريدُ مما لم يبلغْ درجةَ الصحيحِ) .
    قال الشيخُ تاج الدينِ التبريزيُّ: فيه نظرٌ ؛ لأنَّهُ - أي: ابنُ دقيقِ العيدِ - ذكرَ من بعدُ : أنَّ الصحيحَ أخصُّ من الحسنِ . قالَ : ودخولُ الخاصِّ في حدِّ العامِّ ضروريٌّ . والتقييدُ بما يخرجهُ عنهُ مخلٌ للحدِّ وهو اعتراضٌ متجهٌ ."
    تعريفُ الترمذيُ(9): " وما ذكرنا في هذا الكتاب : حديثٌ حسنٌ ، فإنَّما أردنا به حُسْنَ إسنادِهِ عندنا .كُلُّ حديثٍ يُروى لا يكونُ في إسنادِهِ مَنْ يُتَّهَمُ بالكذبِ ، ولا يكونُ الحديثُ شاذاً ، ويُرْوَى من غيرِ وجهٍ نحوُ ذلك فهو عندنا حديثٌ حسنٌ ".(10)
    " قال الحافظ أبو عبدِ الله محمدُ بنُ أبي بكرٍ بنِ الموَّاق : إنّهُ لم يَخُصَّ الترمذيُّ الحسنَ بصفةٍ تميزُهُ عن الصحيحِ ، فلا يكونُ صحيحاً إلا وهو غير شاذٍ ، ولا يكونُ صحيحاً حَتَّى يكونَ رواتُهُ غيرَ متهمينَ ، بل ثقاتٌ . قال: فظهرَ من هذا أنَّ الحسنَ عند أبي عيسى صفةٌ لا تخصُّ هذا القسمَ بل قد يَشْركُهُ فيها الصحيحُ . قال : فَكلُّ صحيحٍ عندَهُ حسنٌ ، وليسَ كُلُّ حسنٍ عندَهُ صحيحاً . قال أبو الفتحِ اليعمريُّ : بقي عليه أنهُ اشترطَ في الحسنِ أنْ يُرْوَى من وجهٍ آخرَ ، ولم يشترطْ ذلك في الصحيحِ . قلت : وسنرى في كلامِ أبي الفتحِ بعدَ هذا بدونِ الصفحةِ أنَّهُ لا يشترطُ في كلِّ حسنٍ أنْ يكونَ كذلك ، فتأمَّلْهُ ."
    " وقولُهُ : ( قلتُ وقد حَسَّن بعضَ ما انفرد ) . هذا من الزوائدِ على ابنِ الصَّلاحِ . وهو إيرادٌ على الترمذيِّ ، حيث اشترطَ في الحسنِ أنْ يُروَى من غيرِ وجهٍ نحوُه . ومع ذلك فقد حَسَّنَ أحاديثَ لا تُروَى إلا من وجهٍ واحدٍ ، كإِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ قَالَ « غُفْرَانَكَ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ. وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِى مُوسَى اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الأَشْعَرِىُّ. وَلاَ نَعْرِفُ فِى هَذَا الْبَابِ إِلاَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ رضى الله عنها عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - (11).. وأجاب أبو الفتحِ اليعمريُّ عن هذا الحديثِ بأنَّ الذي يحتاجُ إلى مجيئِهِ من غير وجهٍ ما كانَ راويه في درجة المستورِ ومَنْ لم تثبتْ عدالتُهُ . قال : وأكثرُ ما في البابِ أنَّ الترمذيَّ عَرّفَ بنوعٍ منه لا بكلِّ أنواعِهِ .
    وهناك قولٌ ثالثٌ في حدِّ الحسنِ . قالَ ابنُ الجوزيِّ في " العللِ المتناهيةِ " وفي " الموضوعات " : الحديثُ الذي فيه ضَعفٌ قَريبٌ محتَملٌ ، هو الحديثُ الحسنُ . ولم يسمِّ ابنُ الصلاحِ قائلَ هذا القولِ ، بل عزاهُ لبعضِ المتأخِّرينَ ، وأرادَ به ابنَ الجوزيِّ . واعترضَ ابنُ دقيقِ العيدِ على هذا الحدِّ بأنهُ (ليس مضبوطاً بضابطٍ ، يتميَّزُ به القَدْرُ المحتَملُ من غيرِهِ ، قالَ : وإذا اضطربَ هذا الوصفُ لم يحصلِ التعريفُ المميِّزُ للحقيقةِ) . وقال ابنُ الصلاحِ بعد ذِكْرِ هذهِ الحدودِ الثلاثةِ : كلُّ هذا مُستبْهَمٌ ، لا يَشْفِي الغليلَ ، قالَ : وليسَ في كلامِ الترمذيِّ ، والخطّابيِّ ما يفصلُ الحسنَ من الصحيحِ . انتهى .
    وقال ابنُ الصلاحِ(12): وقد أمعنْتُ النَظَرَ في ذلك ، والبحثَ ، جامعاً بين أطرافِ كلامِهِم ، ملاحظاً مواقعَ استعمالِهِم ، فتنقحَ لي واتضَحَ أنَّ الحديثَ الحسنَ قسمانِ :
    أحدُهما : الحديثُ الذي لا يخلو رجالُ إسنادهِ من مستورٍ لم تتحققْ أهليتُهُ، غيرَ أنَّهُ ليس مغفلاً ، كثيرَ الخطأ فيما يرويه ، ولا هو متهمٌ بالكذبِ في الحديثِ ، أي: لم يظهرْ منه تعمُّدُ الكذبِ في الحديثِ ، ولا سببٌ آخرُ مفسِّقٌ ويكونُ متنُ الحديثِ مع ذلك قد عُرِفَ ، بأنْ رُوِي مثلُهُ أو نحوُهُ من وجهٍ آخرَ ، أو أكثر ، حتى اعتضدَ بمتابعةِ مَنْ تابعَ راويهِ على مثلِهِ ، أو بما لَهُ مِنْ شاهدٍ ، وهو ورودُ حديثٍ آخرَ نحوه ، فيخرجُ بذلك عن أنْ يكونَ شاذاً ، أو منكراً . وكلامُ الترمذيِّ على هذا القسمِ يتنزلُ .
    القسمُ الثاني : أنْ يكونَ راويه من المشهورين بالصدقِ والأمانةِ ، غيرَ أنَّهُ لا يبلغُ درجةَ رجالِ الصحيحِ ؛ لكونهِ يقصُرُ عنهم في الحفِظِ والإتقانِ ، وهو مع ذلك يرتفعُ عن حالِ مَنْ يُعَدُّ ما ينفردُ به من حديثِهِ منكراً . قال : ويعتبرُ في كلِّ هذا مع سلامةِ الحديثِ من أنْ يكونَ شاذاً ، أو منكراً سلامتُهُ من أنْ يكونَ مُعَلّلاً . وعلى القسمِ الثاني يتنزلُ كلامُ الخطّابيِّ . قال : فهذا الذي ذكرناه جامعٌ لما تفرّقَ في كلامِ مَنْ بلغَنَا كلامُهُ في ذلك . قال : وكأنَّ الترمذيَّ ذَكَرَ أحدَ نوعَي الحَسَنِ ، وذَكَرَ الخطابيُّ النوعَ الآخرَ ، مقتصِراً كلُّ واحدٍ منهما على ما رأى أنَّهُ مشكِلٌ ، معرضاً عمّا رأى أنَّهُ لا يُشْكِلُ أو أنَّهُ غَفَلَ عن البعضِ وذهلَ .(13)
    " لَيْسَ كُلُّ ضعفٍ في الحديثِ يزولُ بمجيئِهِ من وجوهٍ ، بَلْ ذَلِكَ يختلف فمنه ضَعْفٌ يُزِيلُه ذَلِكَ ، بأنْ يكونَ ضَعْفُهُ ناشِئَاً مِنْ ضَعْفِ حفظِ راويه مَعَ كونِهِ مِنْ أهلِ الصِّدْقِ والديانة . فإذا رأينا ما رواهُ قَدْ جاءَ من وجهٍ آخرَ عرفنا أنَّهُ مِمَّا قَدْ حفظَهُ وَلَمْ يختلَّ فِيْهِ ضبطُهُ لَهُ . وَكَذَلِكَ إذا كانَ ضَعْفُهُ من حيثُ الإرسالُ زالَ بنحوِ ذَلِكَ كَمَا في المُرْسَلِ الَّذِي يُرْسِلُهُ إمامٌ حافظٌ ، إذ فِيْهِ ضعفٌ قليلٌ يزولُ بروايتهِ من وجهٍ آخرَ . - قَالَ - : ومن ذَلِكَ ضعفٌ لا يزولُ بنحوِ ذَلِكَ ؛ لقوةِ الضعفِ ؛ وتقاعدِ هذا الجابرِ عن جَبْرِهِ ومقاومتِهِ . وذلك كالضعفِ الذي ينشأُ من كونِ الراوي متهماً بالكذبِ أو كونِ الحديثِ شاذاً . قال : وهذهِ جملةٌ تفاصيلُها تدركُ بالمباشرةِ والبحثِ ، فاعلمْ ذلك فإنَّهُ من النفائِسِ العزيزةِ ، والله أعلمُ ."(14)
    تعريف الحافظ ابن حَجَر(15): قال: " وخبرُ الآحادِ(16)؛ بنقلِ عَدْلٍ تامِّ الضَّبْطِ ، مُتَّصِلَ السَّنَدِ ، غيرَ مُعَلَّلٍ ولا شاذٍّ : هو الصَّحيحُ لذاتِهِ ، وهذا أَوَّلُ تقسيمٍ مقبولٍ إِلى أربعةِ أَنواعٍ ؛ لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يشتَمِلَ مِن صفاتِ القَبولِ على أَعْلاها أَوْ لاَ :
    الأوَّلُ: الصَّحيحُ لذاتِهِ .
    والثَّاني : إِنْ وُجِدَ ما يَجْبُرُ ذلكَ القُصورَ ؛ ككثْرَةِ الطُّرُق ؛ فهُو الصَّحيحُ لذاته أَيضاً ، لكنْ لا لذاتِهِ .
    وحيثُ لا جُبْرانَ ؛ فهُو الحسنُ لذاتِهِ .
    وإِنْ قامَتْ قرينةٌ تُرَجِّحُ جانِبَ قَبولِ مَا يُتَوَقَّفُ فيهِ ؛ فهُو الحسنُ أيضاً ، لكنْ لا لذاتِهِ ."
    قلتُ :
    فكأن الحَسَنَ عند الحافظ ابن حجر هو الصحيح إذا خَفَّ ضبط راويه ، أي قَلَّ ضبطه ، وهو خير ما عرف به الحسن .
    التعريف المُخْتَارُ(17): " هو الحديث الذي يتصل سنده بنقل عدل خفّ ضبطه ، من غير شذوذ ولا علّة ".
    2) حكمُه :
    "الحسن كالصَّحيح في الاحتجاج به, وإن كان دُونه في القُوَّة, ولهذا أدرجته طائفة في نوع الصَّحيح] كالحاكم وابن حبَّان وابن خُزيمة, مع قولهم بأنَّه دُون الصَّحيح المُبين أولاً.
    "ولا بدع في الاحتجاج بحديث له طريقان, لو انفردَ كل منهما لم يَكُن حُجَّة, كما في المُرسل إذا وردَ من وجه آخر مُسند, أو وافقهُ مُرسل آخر بشرطهِ كما سيجيء. قالهُ ابن الصَّلاح .
    وقال في «الاقتراح»: ما قيل من أنَّ الحسن يُحتج به فيه إشْكال, لأنَّ ثَمَّ أوصَافًا يجب معها قَبُول الرِّواية إذا وجدت, فإن كانَ هذا المُسمَّى بالحسن, مِمَّا وجدت فيه على أقلِّ الدَّرجات الَّتي يجب معها القَبُول فهو صحيح, وإن لم تُوجد لم يَجُز الاحتجاج به, وإن سُمي حسنًا, اللهمَّ إلاَّ أن يُرد هذا إلى أمر اصْطلاحي, بأن يُقَال: إنَّ هذه الصِّفات لها مراتب ودرجات, فأعْلاها وأوسطها يُسمَّى صحيحًا, وأدْنَاها يُسمَّى حسنًا, وحينئذ يرجع الأمر في ذلك إلى الاصْطلاح, ويَكُون الكل صحيحًا في الحقيقة."(18)
    3) مثالُه:
    __________
    (1) - الصحيح يثبت ولو كان بالواحد إذا كان السند جيداً ورجاله ثقات ومتصل ليس فيه تدليس ولا انقطاع يسمى صحيحاً مثل حديث عمر بن الخطاب ( إنما الأعمال بالنيات )
    (2) - هو محمد بن عبدالوهاب أبو علي المعروف بالجبَّائي، 235-303هـ، أحد أئمة المعتزلة، وإليه تُنسب فرقة الجبَّائية منهم.
    (3) - قول ابن رشيد هو الصواب وقول أبي بكر بن العربي في شرح البخاري ذهول وغلط فيكفيه أول حديث عند البخاري وهو حديث عمر .
    (4) - يعني في أثناء السند ليس بشرط أن تستمر اثنين اثنين بل قد يزيد ولكن المدار أن يكون على اثنين . وانظر تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 33)
    (5) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 4) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 4) وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 54) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 104) وتيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 8) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 297) والنكت على ابن الصلاح - (ج 1 / ص 401) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 47) وشرح اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 72) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 2 / ص 16) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 9) ونظرات جديدة في علوم الحديث للمليباري - (ج 1 / ص 7) وتحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 1 / ص 191) وتوضيح الأفكار - (ج 1 / ص 154)
    (6) - الخَطَّابِيُّ أَبُو سُلَيْمَانَ حَمْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، اللُّغَوِيُّ، أَبُو سُلَيْمَانَ حَمْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ خَطَّابٍ البُسْتِيُّ، الخَطَّابِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ. وُلِدَ:سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
    أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَشُهْدَةُ بِنْتُ حسَّانٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ المَالِكِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، قَالَ:وَأَمَّا أَبُو سُلَيْمَان الشَّارحُ لِكتَاب أَبِي دَاوُدَ، فَإِذَا وَقَفَ مُنصفٌ عَلَى مُصَنَّفَاته، وَاطَّلع عَلَى بَدِيْع تَصَرُّفَاتِه فِي مُؤَلَّفَاته، تَحقَّق إِمَامتَهَ وَديَانتَه فِيمَا يُورِدُهُ وَأَمَانتَه، وَكَانَ قَدْ رحلَ فِي الحَدِيْثِ وَقرَاءةِ العُلوم، وَطوّف، ثُمَّ أَلَّف فِي فُنُوْنٍ مِنَ العِلْم، وَصَنَّفَ، وَفِي شُيُوْخه كَثْرَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي تَصَانِيْفِه، مِنْهَا(شَرْح السُّنَن)، الَّذِي عَوّلْنَا عَلَى الشّروع فِي إِملاَئِه وَإِلقَائِه، وَكِتَابه فِي غَرِيْب الحَدِيْثِ، ذَكر فِيْهِ مَا لَمْ يذكرْهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَلاَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كتَابَيْهِمَا، وَهُوَ كِتَابٌ مُمتع مُفِيْد، وَمُحصِّلُه بِنِيَّةٍ مُوَفَّقٌ سَعِيْدٌ،
    أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ، وَشُهْدَةُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَحَاسِنِ الرُّويَانِي، سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ البَلْخِيّ، سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ الخَطَّابِي، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ بن الأَعْرَابِيِّ وَنَحْنُ نَسْمَعُ عَلَيْهِ هَذَا الكِتَاب - يَعْنِي:(سُنَن أَبِي دَاوُدَ) - يَقُوْلُ:لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنَ العِلْمِ إِلاَّ المُصْحَفُ الَّذِي فِيْهِ كِتَابُ اللهِ، ثُمَّ هَذَا الكِتَاب، لَمْ يَحْتَجْ مَعَهَا إِلَى شَيْءٍ مِنَ العِلْمِ بَتَّة.قَالَ أَبُو يَعْقُوْبَ القَرَّاب:تُوُفِّيَ الخَطَّابِي ببُسْتَ، فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ...سير أعلام النبلاء (17/24-27)(12 )
    (7) - معالم السنن جـ 1 ـ ص 11
    (8) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 47)
    (9) - التِّرْمِذِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ سَوْرَةَ بنِ مُوْسَى بنِ الضَّحَّاكِ وَقِيْلَ: هُوَ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ يَزِيْدَ بنِ سَوْرَةَ بنِ السَّكَنِ: الحَافِظُ، العَلَمُ، الإِمَامُ، البَارِعُ، ابْنُ عِيْسَى السُّلَمِيُّ، التِّرْمِذِيُّ الضَّرِيرُ، مُصَنِّفُ (الجَامِعَ)، وَكِتَابَ (العِلَلِ)، وَغَيْرَ ذَلِكَ.
    اخْتُلِفَ فِيْهِ، فَقِيْلَ: وُلِدَ أَعْمَى، وَالصَّحِيْحُ أَنَّهُ أَضَرَّ فِي كِبَرِهِ، بَعْدَ رِحْلَتِهِ وَكِتَابَتِهِ العِلْمَ.وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَتَيْن.وَارْتَحَلَ، فَسَمِعَ بِخُرَاسَانَ وَالعِرَاقِ وَالحَرَمَيْنِ، وَلَمْ يَرْحَلْ إِلَى مِصْرَ وَالشَّامِ.
    وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي (الثِّقَاتِ): كَانَ أَبُو عِيْسَى مِمَّن جَمَعَ، وَصَنَّفَ وحَفِظَ، وذَاكَرَ.وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ الإِدْرِيْسِيُّ: كَانَ أَبُو عِيْسَى يُضْرَبُ بِه المَثَلُ فِي الحِفْظِ.وَقَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ عَلَّك يَقُوْلُ: مَاتَ البُخَارِيُّ فَلَمْ يُخَلِّفْ بِخُرَاسَانَ مِثْلَ أَبِي عِيْسَى، فِي العِلْمِ وَالحِفْظِ، وَالوَرَعِ وَالزُّهْدِ، بَكَى حَتَّى عَمِي، وَبَقِيَ ضَرِيْراً سِنِيْنَ. وَعَنْ أَبِي عَلِيٍّ مَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الخَالديِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو عِيْسَى: صَنَّفْتُ هَذَا الكِتَابَ، وَعَرَضْتُهُ عَلَى عُلَمَاءِ الحِجَازِ، وَالعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ، فَرَضُوا بِه، وَمَنْ كَانَ هَذَا الكِتَابُ -يَعْنِي: (الجَامِعُ)- فِي بَيْتِهِ، فَكَأَنَّمَا فِي بَيْتِهِ نَبِيٌّ يَتَكَلَّمُ.
    قُلْت: فِي (الجَامِعِ) عِلْمٌ نَافِعٌ، وَفَوَائِدُ غَزِيْرَةٌ، وَرُؤُوْسُ المَسَائِلِ، وَهُوَ أَحَدُ أُصُوْلِ الإِسْلاَمِ، لَوْلاَ مَا كَدَّرَهُ بِأَحَادِيْثَ وَاهِيَّةٍ، بَعْضُهَا مَوْضُوْعٌ، وَكَثِيرٌ مِنْهَا فِي الفَضَائِلِ.
    وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَبْدِ الخَالِقِ: (الجَامِعُ) عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:قِسْمٌ مَقْطُوْعٌ بِصِحَّتِهِ، وَقِسْمٌ عَلَى شَرْطِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ كَمَا بَيَّنَّا، وَقِسْمٌ أَخرَجَهُ لِلضِّدِيَّةِ، وَأَبَانَ عَن عِلَّتِهِ، وَقِسْمٌ رَابِعٌ أَبَانَ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا أَخْرَجْتُ فِي كِتَابِي هَذَا إِلاَّ حَدِيْثاً قَدْ عَمِلَ بِه بَعْضُ الفُقَهَاءِ، سِوَى حَدِيْثِ: (فَإِنْ شَرِبَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوْهُ)، وَسِوَى حَدِيْثِ: (جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ بِالمَدِيْنَةِ، مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلا سَفَرٍ).
    قُلْت: (جَامعُهُ) قَاضٍ لَهُ بِإِمَامَتِهِ وَحِفْظِهِ وَفِقْهِهِ، وَلَكِنْ يَتَرَخَّصُ فِي قَبُوْلِ الأَحَادِيْثَ، وَلا يُشَدِّد، وَنَفَسُهُ فِي التَّضْعِيفِ رَخْوٌ.
    وفِي (المَنثَوْرِ) لابْنِ طَاهِرٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْمَاعِيْلَ شَيْخَ الإِسْلامِ يَقُوْل: (جَامِعُ) التِّرْمِذِيِّ أَنْفَعُ مِنْ كِتَابِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، لأَنَّهُمَا لاَ يَقِفُ عَلَى الفَائِدَةِ مِنْهُمَا إِلاَّ المُتَبَحِّرُ العَالِمُ، وَ(الجَامِعِ) يَصِلُ إِلَى فَائِدَتِهِ كُلُّ أَحَدٍ.
    قَالَ غُنْجَارٌ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ أَبُو عِيْسَى فِي ثَالِثِ عَشَرِ رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْن بِتِرْمِذَ. ..سير أعلام النبلاء (13/272-278)(132 )
    (10) - جامع الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي ـ كتاب العلل في آخر جامعه جـ 10 ـ ص 519
    قلت : وهذا التعريف ينطبق على الحديث الحسن لغيره
    (11) - سنن الترمذى (7 )
    (12) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 4)
    (13) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 47)
    (14) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 5) وتحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 3 / ص 373) وتوضيح الأفكار - (ج 1 / ص 190) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 51)
    (15) - النكت على ابن الصلاح - (ج 1 / ص 417) ونزهة النظر - (ج 1 / ص 67) والتعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر - (ج 1 / ص 7)
    (16) - وهذا واضح فيه بيان تفصيل خبر الآحاد وإنه أقسام أربعة الصحيح لذاته والصحيح لغيره والحسن لذاته والحسن لغيره فإذا توافرت الشروط بأن كان من رواية العدل التام الضبط غير المعلل ولا الشاذ فهذا يقال له الصحيح لذاته وهذا هو أعلى مراتب الآحاد فإذا كان الضبط غير تام فيقال له الحسن لذاته . فإن كثرت الطرق لهذا الذي فيه نقص الضبط صار صحيحاً لغيره فإن كان بعض الضعف في بعض الرواة لكثرة الوهم انجبر بوجود طريق آخر فصار حسناً لغيره فإن كان معللاً بانقطاع أو شذوذ لم يكن صحيحاً ولا حسناً ولهذا قال المؤلف ( غير معلل ولا شاذ ) ، والشاذ هو ما خالف الثقة فيه من هو أوثق منه .(ابن باز)
    (17) -انظر تيسير مصطلح الحديث - (ج 1 / ص 8)
    (18) - قواعد التحديث للقاسمي - (ج 1 / ص 66) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 106)

  14. #54
    كاتب في "النسابون العرب"
    تاريخ التسجيل
    28-01-2010
    الدولة
    مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    العمر
    37
    المشاركات
    113

    افتراضي

    ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده رقم(17344) قال : حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا أَبُو خَلَفٍ مُوسَى بْنُ خَلَفٍ ـ كَانَ يُعَدُّ مِنَ الْبُدَلاءِ ـ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلامٍ ، عَنْ جَدِّهِ مَمْطُورٍ ، عَنِ الْحَارِثِ الأَشْعَرِيِّ ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهِنَّ وَأَنْ يَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ ، فَكَادَ أَنْ يُبْطِئَ ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى : إِنَّكَ قَدْ أُمِرْتَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ تَعْمَلَ بِهِنَّ وَأَنْ تَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ ، فَإِمَّا أَنْ تُبَلِّغَهُنَّ ، وَإِمَّا أُبَلِّغَهُنَّ ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَخِي إِنِّي أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي أَنْ أُعَذَّبَ ، أَوْ يُخْسَفَ بِي . قَالَ : فَجَمَعَ يَحْيَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، حَتَّى امْتَلأَ الْمَسْجِدُ وَقُعِدَ عَلَى الشُّرَفِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ أَوَّلُهُنَّ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ ، وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِوَرِقٍ ، أَوْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي عَمَلَهُ إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ ، فَأَيُّكُمْ يَسُرُّهُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ؟ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ فَاعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلا تَلْتَفِتُوا ، وَأَمَرَكُمْ بِالصِّيَامِ ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ مَعَهُ صُرَّةٌ مِنْ مِسْكٍ فِي عِصَابَةٍ كُلُّهُمْ يَجِدُ رِيحَ الْمِسْكِ ، وَإِنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، وَأَمَرَكُمْ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَشَدُّوا يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ وَقَرَّبُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ فَقَالَ هَلْ لَكُمْ أَنْ أَفْتَدِيَ نَفْسِي مِنْكُمْ ، فَجَعَلَ يَفْتَدِي نَفْسَهُ مِنْهُمْ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَتَّى فَكَّ نَفْسَهُ ، وَأَمَرَكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ كَثِيرًا وَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ طَلَبَهُ الْعَدُوُّ سِرَاعًا فِي أَثَرِهِ فَأَتَى حِصْنًا حَصِينًا فَتَحَصَّنَ فِيهِ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ أَحْصَنَ مَا يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِذَا كَانَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ ؛ بِالْجَمَاعَةِ ، وَبِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، وَالْهِجْرَةِ ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ ، وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى ؟ قَالَ : وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ بِمَا سَمَّاهُمُ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
    هذا حديث متصل الإسناد ورواته ثقات . خلا أبو خلف موسى بن خلف العَمِّي البصري ، فإنه صدوق عابد ، لكنه لم يبلغ درجة الإتقان ، واختلفوا فيه ، وحديثه حسن إن شاء الله تعالى . قال ابن معين : ليس به بأس . وقال مرّة : ضعيف . وقال الدارقطني : ليس بالقوي ، يعتبر به . وقال أبو حاتم الرازي : صالح الحديث ، وثقه يعقوب بن شيبة والعجلي ، أخرج له البخاري تعليقا وأبو داود والنسائي .(1)
    وليس ثمة ما يعارض هذا الحديث ، ولا علة فيه ؛ فهو حديث حسن إن شاء الله .
    وأخرجه الترمذي بطوله عن الحارث الأشعري في كتاب الأمثال باب ما جاء مثل الصلاة والصيام والصدقة رقم (2863) وقال : حديث حسن صحيح غريب .
    مثال آخر : ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده رقم(16395) قال : حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، قَالَ أَنْبَأَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ ، قَالَ : كَانَ مُعَاوِيَةُ قَلَّمَا يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا وَيَقُولُ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ قَلَّمَا يَدَعُهُنَّ ، أَوْ يُحَدِّثُ بِهِنَّ فِي الْجُمَعِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهُّ فِي الدِّينِ ، وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوٌ خَضِرٌ فَمَنْ يَأْخُذْهُ بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ .
    هذا حديث متصل الإسناد ورواته ثقات . خلا معبد الجهني وحديثه حسن لكونه صدوقا في نفسه . قال أبو حاتم الرازي : كان صدوقا ، وكان رأسا في القدر . وقال الذهبي في الميزان : صدوق في نفسه ، ولكنه سنّ سنة سيئة ؛ فكان أول من تكلم بالقدر . وقد وثقه يحيى بن معين ، أخرج له ابن ماجه ، قتل سنة 80هـ قتله الحجاج صبرا لخروجه مع ابن الأشعث .(2)
    وليس ثمة ما يخالفه ، ولا علة فيه ؛ فهو حديث حسن إن شاء الله تعالى .
    مثال آخر : ما رواه الترمذي قال(3): حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ، قَال : سَمِعْتُ أَبِي بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" إِنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ رَثُّ الْهَيْئَةِ : أَأَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلامَ وَكَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ فَضَرَبَ بِهِ حَتَّى قُتِلَ .. وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
    وإنما كان هذا الحديث حسناً ؛ لأن رجال إسناده الأربعة ثقات إلا جعفر بن سليمان الضبعي ، فإنه صدوق(4)، لذلك نزل الحديث عن مرتبة الصحيح إلى الحسن .
    قلتُ : وأخرجه مسلم في صحيحه برقم (5025 ) بسنده ولفظه ، فهو في مرتبة أدنى درجات الصحيح
    4- مراتبُه(5):
    كما أن للصحيح مراتب يتفاوت بها بعض الصحيح عن بعض، كذلك فإن للحسن مراتب، وقد جعلها الذهبي مرتبتين فقال:
    فأعْلَى مراتبه: بَهْز بن حَكِيم عن أبيه عن جدِّه.،مثاله ما رواه أبو داود في سننه(6)حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« فِى كُلِّ سَائِمَةِ إِبِلٍ فِى أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَلاَ يُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا ». قَالَ ابْنُ الْعَلاَءِ « مُؤْتَجِرًا بِهَا ». :« فَلَهُ أَجْرُهَا وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ لآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَىْءٌ "
    وعَمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه ، مثاله كما في سنن أبى داود برقم (135 ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِى عَائِشَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الطُّهُورُ فَدَعَا بِمَاءٍ فِى إِنَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلاَثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِى أُذُنَيْهِ وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثًا ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ « هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ ».
    وابن إسحق عن التيمي ،مثاله كما في سنن النسائي برقم (2352 ) أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ إِسْحَقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قُلْتُ أَيْ عَمِّ حَدِّثْنِي عَمَّا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَا ابْنَ أَخِي إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَجْمَعْتُ عَلَى أَنْ أَجْتَهِدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى قُلْتُ لَأَصُومَنَّ الدَّهْرَ وَلَأَقْرَأَنَّ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَانِي حَتَّى دَخَلَ عَلَيَّ فِي دَارِي فَقَالَ بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ لَأَصُومَنَّ الدَّهْرَ وَلَأَقْرَأَنَّ الْقُرْآنَ فَقُلْتُ قَدْ قُلْتُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَلَا تَفْعَلْ صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قُلْتُ إِنِّي أَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَصُمْ مِنْ الْجُمُعَةِ يَوْمَيْنِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ قُلْتُ فَإِنِّي أَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكِ قَالَ فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ أَعْدَلُ الصِّيَامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمًا صَائِمًا وَيَوْمًا مُفْطِرًا وَإِنَّهُ كَانَ إِذَا وَعَدَ لَمْ يُخْلِفْ وَإِذَا لَاقَى لَمْ يَفِرَّ "
    وأمثال ذلك ممَّا قيل إنَّه صحيح, وهو من أدْنَى مراتب الصَّحيح.
    ثمَّ بعد ذلك ما اختلف في تحسينه وتضعيفه, كحديث الحارث بن عبد الله ,ففي تقريب التهذيب [ ج1 - ص 146 ](1029 ) الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني بسكون الميم الحوتي بضم المهملة وبالمثناة الكوفي أبو زهير صاحب علي كذبه الشعبي في رأيه ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف وليس له عند النسائي سوى حديثين مات في خلافة بن الزبير 4
    وفي الكاشف [ ج1 - ص 303 ](859 ) الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني عن علي وابن مسعود وعنه عمرو بن مرة والشعبي شيعي لين قال النسائي وغيره ليس بالقوي وقال ابن أبي داود كان أفقه الناس وأفرض الناس وأحسب الناس مات 65 4
    وفي الكامل في الضعفاء [ ج2 - ص 186 ] قال ابن عدي : وللحارث الأعور عن علي وهو أكثر رواياته عن علي وروى عن بن مسعود القليل وعامة ما يرويه عنهما غير محفوظ.
    قلتُ : فحديثه إذا تفرد به فضعيف ضعفاً يسيراً ، ما لم يكن فيه نصرة لبدعته
    وعاصم بن ضَمْرة ، ففي تقريب التهذيب [ ج1 - ص 285 ] (3063 ) عاصم بن ضمرة السلولي الكوفي صدوق من الثالثة مات سنة أربع وسبعين 4
    وفي الكاشف [ ج1 - ص 519 ] (2504 ) عاصم بن ضمرة السلولي عن علي وعنه أبو إسحاق والحكم وعدة وثقه بن المديني وقال النسائي ليس به بأس وقال ابن عدي بتليينه وهو وسط .
    وفي الجرح والتعديل [ ج6 - ص 345 ](1910 ) عاصم بن ضمرة السلولي روى عن على رضي الله عنه روى عنه أبو إسحاق الهمداني سمعت أبي يقول ذلك ،نا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل نا على يعني بن المديني قال سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول قال سفيان يعني الثوري :كنا نعرف فضل حديث عاصم بن ضمرة على حديث الحارث نا عبد الرحمن نا حرب بن إسماعيل الكرماني فيما كتب إليَّ قال سمعت أحمد بن حنبل يقول :عاصم بن ضمرة أعلى من الحارث ،نا عبد الرحمن نا العباس بن محمد الدوري قال قال يحيى بن معين قُدِّمَ عاصمُ بنُ ضمرةَ على الحارث الأعور، نا عبد الرحمن نا محمد بن أحمد بن البراء قال قال علي يعني بن المديني :عاصم بن ضمرة ثقة .
    قلت : فحديثه حسن على الراجح إن لم يكن صحيحاً في أدنى درجات الصحيح .
    وحجاجُ بن أرطاة :
    ففي تقريب التهذيب[ ج1 - ص 152 ](1119 ) حجاج بن أرطاة بفتح الهمزة بن ثور بن هبيرة النخعي أبو أرطاة الكوفي القاضي أحد الفقهاء صدوق كثير الخطأ والتدليس من السابعة مات سنة خمس وأربعين بخ م 4
    وفي الكاشف[ ج1 - ص 311 ](928 )حجاج بن أرطاة الكوفي أحد الأعلام على لين فيه عن عكرمة وعطاء وعنه شعبة وعبد الرزاق وخلق قال الثوري: ما بقي أحد أعلم بما يقول منه ،وقال حماد بن زيد: كان أفهم لحديثه من سفيان، وقال أحمد: كان من حفاظ الحديث وقال القطان هو وابن إسحاق عندي سواء وقال أبو حاتم صدوق يدلس فإذا قال حدثنا فهو صالح وقال النسائي ليس بالقوي مات 145 م قرنه 4
    قلت : فحديثه حسن إذا تفرد ، وإذا دلَّسَ نتوقفُ فيهِ .
    وكلُّ راوٍ اختلفوا فيه جرحاً وتعديلاً فحديثه - على الراجح- حسنٌ ـ إلا إذا أنكرَ عليه ذاك الحديث أو أخطأ فيه، ولم يوجد ما يتابعه أو يشهد له ، والله أعلم
    ــــــــــــــ
    5- ضوابط لمعرفة الحديث الحسن
    الحديث الحسن قسمان: حسن لذاته، وهو: ما استوفى شروط الصحة سوى الضبط، فإن راويه أنزل من راوي الحديث الصحيح وأرفع من راوي الحديث الضعيف، وهذا هو الذي قرره الحافظ ابن حجر ومشى عليه المتأخرون بعده.
    وكذلك بالنسبة للحديث الحسن لغيره، وهو الضعيف الذي ينجبر بوروده من طرق أخرى، إذا تعددت طرق هذا الحديث، فإنه يكون حسنا لغيره، وكلا النوعين تختلف فيهما أنظار الحفاظ، فالحسن لذاته يختلف النظر من جهة قياس ضبط راوي الحديث الحسن لذاته، فمنهم من يرى أن الضعف مؤثر عليه، فلا يحكم له بالحسن، ومنهم من يرى أن هذا الضعف يحط من مرتبته قليلا فيحسن حديثه.
    ومنهم من يرى أن هذا الضعف لا يؤثر على مروياته، فيصحح حديثه، وأما بالنسبة للحسن لغيره، فإن نظر العلماء يختلف في نظرهم للجابر، ما هو؟، وفي نظرهم للمجبور، فبالنظر للمجبور، أو المشهود له أو المعضود أو المتابع، يختلفون في قياس الضعف الذي يتم به الانجبار، فبضع العلماء يقول: إذا لم يكن الراوي متهما، انجبر حديثه بتعدد طرقه، وبعضهم يقول: لا، إن كان كثير الغلط لم ينجبر هذا الحديث بتعدد الطرق، وأما بالنسبة للعاضد أو الشاهد أو المتابع، فهذا يختلف العلماء.
    فمنهم أحيانا من يرى أن هذا الحديث يحتاج إلى شاهدين أو يكفي في ترقيته إلى شاهد أو متابع واحد فقط، ومنهم من يرى أن هذا الشاهد أو المتابع يتقاعد عن أن يجبر هذا المتابع، لحاجة المتابع إلى مزيد مما يجبره ويعضده ليرقيه إلى الحسن لغيره؛ ولهذا يقع الاختلاف بين أهل العلم في هذا القسم، فمنهم من يبقي بعض الأحاديث على أصل ضعفها ولو تعددت طرقها، لاعتقاده وظنه أن هذه الطرق لا تكفي لترقية الحديث.
    ومنهم من يرى أن هذه الطرق تقوى هذا الحديث وتجبر الضعف الذي فيه فيحسنها، فتجد أن الحديث الحسن لغيره يتردد كلام العلماء فيه، بين تضعيفه وتحسينه تحسينا لغيره، والذي يعني: ينبغي التنبه له والتنبيه عليه هو مقياس ضبط الراوي بالنسبة للحسن لذاته.
    ومعرفة هذا المقياس لا يتم إلا بعد ممارسة طويلة لكلام أئمة الجرح والتعديل في الموثقين وفي المضعفين، وفي المحكوم على حديثهم بأنه حديث حسن؛ لأن الإنسان إذا تمرس في هذه الأشياء الثلاثة، تبين له الوسط منها، والوسط هو الذي يحكم على حديثه بأنه حديث حسن لذاته، وهناك بعض الضوابط، أو بعض الأمور التي قد يستعين بها الإنسان في بادئ الأمر على تحديد أو معرفة من يحسن حديثه من العلماء، فمن هذه الأشياء، ما نص الحافظ الذهبي أو الحافظ ابن حجر على أن حديثه حسن.
    وهذا نص في الباب؛ لأن الإنسان المطالع إلى تراجم هؤلاء الذين ينص على أن حديثهم حسن يجد فيه اختلافا كبيرا بين التوثيق والتضعيف، فإذا لم يكن لديه أهليته للنظر، احتاج إلى غيره من أئمة الفن، لترجيح أحد الجانبين، وهذا الترجيح يقع من الأئمة الحفاظ، وبخاصة الذهبي وابن حجر؛ لأنهما من المحققين المتأخرين في هذا الفن، فأحيانا الحافظ الذهبي وهو كثير، ينص على أن هذا الرجل حديثه حسن، وكذلك الحافظ ابن حجر- رحمه الله-، وإن كان الحافظ الذهبي أكثر تنصيصا من الحافظ ابن حجر.
    فإذا جدت رجلا نص الحافظ الذهبي على أن حديثه حسن، وورد عند الإسناد فإنك تحسن حديثه، وكذلك بالنسبة للحافظ ابن حجر- رحمه الله- إذا حكم على رجل بأنه حسن الحديث وكان معك فيه إسناد، فإنك تحسن الإسناد اعتمادا على هذا النص من الحافظ الذهبي، والحافظ ابن حجر- رحمهما الله-، فالحافظ الذهبي مثلا، نص على أن محمد بن عجلان حسن الحديث، فإذا ورد عندك بسند محمد بن عجلان تحسن الحديث بناء على اعتمادك على كلام الحافظ الذهبي، لعدم وجود الأهلية في الترجيح بين أقوال الأئمة المجرحين والمعدلين.
    وكذلك الحافظ الذهبي مثلا حسن حديث ابن إسحاق، وكذلك الحافظ ابن حجر حسن حديث ابن إسحاق، ونص على أن حديثه حسن، وكذلك حسن الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى- حديث شهر بن حوشب وحسن حديث أبي محريز وغيرهما، نصوا على أن حديثه حسن فإذا ورد عندك هذا الكلام، ووجدته في كلام الحافظين، وأنت غير مؤهل للنظر بين أقوال المجرحين والمعدلين، فإنك تعتمد هذا القول، وإنما اعتمد قول هذين الحافظين، أو اختير قول هذين الحافظين؛ لأنهما من أئمة التحقيق في هذا الشأن المتأخرين.
    ولأن لهما أقوالا كثيرة في الرجال، فغيرهما قد يكون له تحسين، ولكن تجده نادرا ليس لهم كلام طويل وكثير في الرجال، وكذلك اختيار كلام الذهبي والحافظ ابن حجر على اعتبار أن اصطلاح الحديث قد استقر عندهما، فهما قد استقر عندهما تعريف الحسن لذاته، وبناء على ذلك أي رجل حكموا بأن حديثه حسن فينزل على تعريفهما للحسن لذاته، وهو ما خفَّ فيه أو قصر فيه ضبط الراوي عن درجة الحفظ والإتقان المعتمدة في رجال الصحيح.
    فصار كلام الحافظ الذهبي والحافظ ابن حجر في التنصيص على أن هذا الرجل حسن الحديث، يعتمد عند عدم أهليته، وهذا يعني: أحد الأمور التي يعرف بها ضبط الراوي وخفته، فإذا وصفوا رجلا بأنه حسن الحديث وصفه الذهبي أو الحافظ ابن حجر، فالمراد أن ضبطه خفيف، أو أن درجته قاصرة عن درجة رجال الصحيح، ومرتفعة عن درجة حفظ من يضعف حديثه.
    والأمر الثاني: ما نص الحافظ ابن حجر على أنه صدوق أو لا بأس به أو ليس به بأس، لأننا نعتمد في هؤلاء المجرحين والمعدلين، يعني: المختلف فيهم على هذه الكتب المختصرة وأقوال العلماء المختصرة، فإذا قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: صدوق أو لا بأس به أو ليس به بأس، فهذا يدل على أن حديثه حسن طيب، قد يقول قائل: من أين عرف هذا الاصطلاح، وهذا استشكال أورده بعض المعاصرين، ويرى أن هذا الكلام يحتاج إلى دليل وهو إذا قال الحافظ ابن حجر: صدوق أو لا بأس به أو ليس بأس أن هذا حسن الحديث هو يقول يحتاج إلى دليل وهذا دليله ظاهر في ثلاثة أمور:
    الأمر الأول: أن الحافظ ابن حجر في مراتب الجرح والتعديل التي ذكرها في أول التقريب، ذكر المرتبة الثالثة، وهو من قال فيه ثقة، أو متقن، أو ثبت أو عدل، وهذه الألفاظ كما تقدم لنا، ألفاظ تدلُّ على ضبط الراوي وأنه من رجال الصحيح، أي الرجال الذين يصحح حديثهم، ثم جاء في المرتبة التي تليها، وذكر أن أصحاب هذه المرتبة من قصر عن درجة المرتبة الثالثة.
    وذكروا في هذه المرتبة هذه الأوصاف الثلاثة: الصدوق، وليس به بأس، أو لا بأس به، فهذا يدلنا على القاعدة التي ذكرها الحافظ ابن حجر في الحسن لذاته، وهو أنه الذي خف ضبطه عن درجة رجال الصحيح، والمرتبة الثالثة: هم رجال الصحيح بلا كلام بين أهل العلم، فمن قصر عن هذه المرتبة مباشرة هم أصحاب المرتبة الرابعة، ليس بينهم وبين أصحاب المرتبة الثالثة مرتبة أخرى.
    فها هم قد قصروا عن أصحاب المرتبة الثالثة الذين يصحح حديثهم، إذاً لم يبق إلا تحسين حديث أصحاب هذه المرتبة، فهذا كأنه تنصيص من الحافظ ابن حجر- رحمه الله- على أن من قال فيه صدوق، أو لا بأس به، أو ليس به بأس، أنه يحسن حديثه.
    والدليل الثاني: أن الحافظ ابن حجر- في النخبة وشرحها- لما ذكر أن زيادة راوي الصحيح والحسن مقبولة، بين أن هذا القبول ما لم تقع هذه الزيادة منافية، ثم بين أن هذه المنافاة أنها إذا وقعت منافية، فإنها تكون شاذة، والشاذ عرفه بأنه رواية المقبول عمن هو أولى منه، وكلمة المقبول هذه بيَّن في أثناء كلامه، أنها تنطبقُ على الثقة والصدوق.
    فالثقة والصدوق إذا خالفا سميت مخالفتها شاذة؛ لأنه يصدق عليها أنهما مقبول ، فإذا ربطته مع أن زيادة راويهما يعني: الحسن والصحيح مقبولة، تبين لك أن كلمة ثقة هذه راجعة إلى راوي الصحيح، وأن كلمة صدوق راجعة إلى راوي الحديث الحسن، فمجموع كلام الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في هذه المسألة في النخبة وشرحها، يبين أن كلمة صدوق عائدة إلى حسن الحديث ... ؛ لأن هذه كلمة صدوق فمن قال فيه صدوق فهو يحسن حديثه وهو مقبول.
    والثقة يصحح حديثه، وهو داخل تحت لفظ المقبول
    __________
    (1) - انظر ترجمته في : التهذيب 10/341(296)، والتقريب 2/282](1736).
    (2) - تهذيب التهذيب[ ج 10 - ص 203 ] (416) ولسان الميزان [ ج 7 - ص 393 ] (4884) والجرح والتعديل[ ج 8 - ص 280 ] (1282 )
    (3) - الترمذي في سننه : في الجهاد رقم (1659)
    (4) - تهذيب التهذيب[ ج 2 - ص 81 ](145) وتقريب التهذيب[ ج 1 - ص 140 ] (942) والكاشف[ ج 1 - ص 294 ] (792)
    (5) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 105)
    (6) - برقم (1577 ) -العزمة : الجد والحق فى الأمر بنت لبون : ما أتى عليه سنتان ودخل فى الثالثة فصارت أمه لبونا بوضع الحمل

  15. #55
    كاتب في "النسابون العرب"
    تاريخ التسجيل
    28-01-2010
    الدولة
    مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    العمر
    37
    المشاركات
    113

    افتراضي

    والدليل الثالث: التطبيق العملي لهذه القاعدة من قبل الحافظ ابن حجر نفسه، فهناك أحاديث كثيرة حسنها الحافظ ابن حجر- رحمه الله-، فإذا فحصت رجالها وجدت أن فيهم من وصفه الحافظ بأحد هذه الأوصاف الثلاثة، فمثلا حديث بُرَيْدَةَ ، قَالَ : خَرَجْتُ يَوْمًا أَمْشِي فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَظَنَنْتُهُ يُرِيدُ حَاجَةً فَعَارَضْتُهُ حَتَّى رَآنِي فَأَرْسَلَ إِلَيَّ فَأَتَيْتُهُ فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي جَمِيعًا فَإِذَا رَجُلٌ بَيْنَ أَيْدِينَا يُصَلِّي يُكْثِرُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : تُرَاهُ مُرَائِيًا ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَأَرْسَلَ يَدِي فَقَالَ : عَلَيْكُمْ هَدْيًا قَاصِدًا فَإِنَّهُ مِنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّينَ يَغْلِبْهُ.(1).
    هذا الحديث حكم عليه الحافظ ابن حجر بأنه حديث حسن، وإذا فتشت عن رجال إسناده وجدت أنهم ثقات، إلا عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن الغطفاني، فإن هذا إذا راجعت ترجمته عند الحافظ وجدته يصفه بصدوق، فإذا ربطته بين هذه الكلمة أو بين هذا الرجل ووصف حاله بأنه صدوق، مع تحسين الحافظ ابن حجر للحديث وليس فيه راو غير ثقة إلا هذا الراوي،تبين لك أن كلمة صدوق عند الحافظ تدلُّ على أن هذا الرجل حديثه حسن، وقد صححه غيره .
    وكذلك أيضا حديث معاوية -رضي الله عنه- في تفرق هذه الأمة، فعَنْ أَبِي عَامِرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى ، قَالَ : حَجَجْنَا مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ ، أُخْبِرَ بِقَاصٍّ يَقُصُّ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ مَوْلًى لِبَنِي فَرُّوخٍ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ : أُمِرْتَ بِهَذِهِ الْقِصَصِ ؟ قَالَ : لاَ ، قَالَ : فَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَقُصَّ بِغَيْرِ إِذْنٍ ، قَالَ : نُنْشِئُ عِلْمًا عَلَمَنَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : لَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ لَقَطَعْتُ مِنْكَ طَائِفَةً ، ثُمَّ قَامَ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ ، فَقَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ تَفَرَّقُوا فِي دِينِهِمْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةً وَهِيَ الْجَمَاعَةُ ، وَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَتَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ ، فَلا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلا مَفْصِلٌ إِلاَّ دَخَلَهُ ، وَاللَّهِ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ لَئِنْ لَمْ تَقُومُوا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم لَغَيْرُ ذَلِكَ أَحْرَى أَنْ لاَ تَقُومُوا بِهِ "(2)
    هذا الحديث رجاله ثقات إلا الأزهر بن عبد الله الهوزني، ومع ذلك حكم الحافظ ابن حجر على هذا الحديث بأنه حسن، والتحسين جاء؛ لأن هذا الراوي عبد الله بن أزهر؛ وصفه الحافظ ابن حجر بأنه صدوق، فإذا ربطت صدوق مع تحسين الحديث، ظهر لك أن كلمة صدوق عند الحافظ ابن حجر -رحمه الله- تدلُّ على تحسين حديث هذا الراوي.
    وكلمة لا بأس به، أو ليس به بأس، الحافظ ابن حجر جمعها مع كلمة صدوق في هذه المرتبة، فهي والصدوق سواء ، فكلمة صدوق، ولا بأس به، وليس به بأس، هذه درجة واحدة، فإذا كان يحسِّن للصدوق فهو أيضا يحسِّن لمن قيل فيه لا بأس به، أو ليس به بأس، وقد وقع التطبيق العملي لهذا من الحافظ ابن حجر- رحمه الله- في حديث مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى عَائِشَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ وَالإِمَامُ يَقْرَأُ؟ ». قَالُوا : إِنَّا لَنَفْعَلُ. قَالَ :« فَلاَ تَفْعَلُوا إِلاَّ أَنْ يَقْرَأَ أَحَدُكُمْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ »(3).
    هذا الحديث رجال إسناده ثقات إلا محمد بن أبي عاشة، فإن الحافظ ابن حجر قال فيه: ليس به بأس، فهذا تطبيقٌ عملي من الحافظ ابن حجر أيضا لهذه المرتبة، أو لهذه اللفظة ، فإن لفظة ليس به بأس تعطي تحسين حديث الراوي، وهذه النتيجة أشار إليها باقتضاب ولم يذكر أمثلة عليها الشيخ أحمد شاكر في الباعث الحديث،وإن كان أهل هذه المرتبة وهي الصدوق، أو لا بأس به، أو ليس به بأس أصحابها ممن يعني: يحسن حديثهم.
    والأمر الثالث: مما يستعان به على معرفة من يحسن حديثه الراوي الذي يصفه الحافظ الذهبي بأنه صدوق أو صالح الحديث، فهاتان المرتبتان عند الحافظ الذهبي يحسن حديثهما، لكن ينبغي أن ينتبه في الحافظ ابن حجر والحافظ الذهبي -رحمهما الله- أنا نشترط أن تكون هذه العبارات عبارة الحافظ نفسه، لا منقولة عن غيره، فلو نقل لنا الذهبي عن ابن معين أنه قال: ليس به بأس، أو نقل لنا عن ابن أبي حاتم أنه قال: صدوق أو غيرهما من الأئمة.
    فهذه الأحكام المذكورة لا تأتي هنا، وكذلك الحافظ ابن حجر، وإنما يعني: به من تلخص من حاله للحافظ ابن حجر بأنه صدوق، أو لا بأس به، أو ليس به بأس، أو تلخص من حال الرجل للحافظ الذهبي بأنه صدوق، أو صالح الحديث، وليس منقولا عن غيرهما من الأئمة الحفاظ ،فمن وصفه الحافظ الذهبي بأنه صدوق أو صالح الحديث فالتطبيق العملي في كتب الذهبي ظاهر جدا.
    فمثلا: يونس بن بكير حكم عليه في موضع أنه صدوق، ثم جاء في الكتاب الآخر وقال: حسن الحديث، فإذا ربطت بين هذه وهذه، تبين لك صدوق أنها بمعنى حسن الحديث، وإذا قال الذهبي حسن الحديث، فإننا نصرفه على ما قرره من خفة ضبط راوي الحسن وتقاعده عن رتبة راوي الصحيح، مع ارتفاعه عن رتبه راوي الحديث الضعيف.
    وكذلك في ترجمة الهوزني المتقدمة، ذكر الحافظ الذهبي -رحمه الله- أنه صدوق، ثم جاء في كتاب آخر وقال: إنه حسن الحديث، وفي ترجمة يحيى بن يمان العجلي ذكر في موضع: إنه صالح الحديث، ثم قال في موضع آخر: وحديثه من قبيل الحسن، فهذه التطبيقات العملية وهي كثيرة جدا من الحافظ الذهبي- رحمه الله-، تعطي أن هاتين اللفظين أي رجل يصفه الحافظ الذهبي بأحدهم، أو بهما فإن حديثه يكون حسنا، وهذه كما تقدم يستعان بها عند عدم القدرة على الترجيح بين كلام الأئمة.
    والأمر الرابع: وهو قاعدة ذكرها التهانوي في "علوم الحديث" وعليها تطبيقات لأهل العلم، وهي أن الرجل المختلف فيه، أو الراوي المختلف فيه بين التوثق والتضعيف يحسَّن حديثه، إذا اختلف في الراوي بين التضعيف والتوثيق، فإنه يحسن حديثه، وهذا الكلام ليس على إطلاقه، لكن ينبغي تقييده بشرطين.
    الشرط الأول: أن يكون كل من الجارح والمعدل ممن له اعتبار في هذا الشأن، فإذا قابل قول أبي زرعة يضعف رجلا، وأحمد يوثق رجلا، مثل هذا يحسن حديثه، لكن إذا كان المجرِّح أو الموثق ليس له اعتبار عند الشأن وخالف الأئمة، فإن قوله يعتبر شاذا، ولا التفات إليه، كما لو وثق الأزدي رجلا قد ضعفه الأئمة، فلا التفات إلى توثيقه، أو ضعَّف رجلا وثقه الأئمة، كذلك فلا التفات إلى تضعيفه.
    لو ضعفه يوسف بن عبد الرحمن بن خراش، فإنه لا يلتفت إليه، وكذلك ما يصنعه ابن حزم أحيانا، من أنه يخالف الأئمة فيضعف رجلا اتفقوا على توثيقه، أو العكس فهاهنا لا التفات؛ لأنه لا اعتبار لهذه الأقوال أو لأقوال هؤلاء، أو من كان مثلهم مع كلام الأئمة، وإنما المعتبر في هذا الباب كلام الأئمة، فهذا الشرط الأول: أن يكون الجارح والمعدل ممن لهم اعتبار في هذا الباب، ومن أئمة الشأن.
    والأمر الثاني: ألا يكون هناك مرجحٌّ ظاهر قويٌّ لأحد الجانبين، إما جانب التضعيف أو جانب التوثيق، بل يكون الأمر مترددا ولا مرجح.
    أما إذا وجد مرجح لأحد الجانبين، فإنه يحكم للجانب المرجح، أو الجانب الذي جاء له ما يرجحه مجيئا ظاهرا، فمثلا أحمد بن صالح هذا وثقه جمهور العلماء وضعفه النسائي- رحمه الله-، وإذا اطلعت على كلام أهل العلم، وجدت أن كلام الحافظ النسائي فيه تحامل وتعنت على أحمد بن صالح؛ لكونه أبعده من مجلسه، فهنا المرجح الظاهر لكلام الجمهور.
    أولاًً: لأن هذا الرجل واسع الرواية جدا، وبعد سبر مروياته من قبل الأئمة، تبين أنه ليس له مناكير تذكر، مع سعة روايته.
    والثانية: أن الإمام البخاري اعتمده في الصحيح وخرَّج عنه كثيرا في الاحتجاج.
    والثالث: أن كلام النسائي في هذا الرجل من باب التعنت والتحامل، ولا وجه له، وحينئذ في مثل هذه الحالة ها هنا يردُّه كلام أهل العلم بمطالبتهم بتفسير الجرح، والحافظ النسائي ليس عنده جرح مفسر ظاهر، ينزل به هذه الرجل عن هذه المرتبة، بل إن العلماء وصفوا هذا الرجل بأنه ثقة حافظ، وهذه من أعلى مراتب التوثيق.
    وكذلك مثلا الوليد بن شجاع اختلف الأئمة فيه، ولكن هناك مرجح ظاهر لتوثيقه، وهو أن الحافظ أو الإمام ابن معين- رحمه الله- ذكر: أنه يروي عن شيوخ ثقات مائة ألف حديث، فإذا قرنت هذا، مع قول الذهبي، وقلَّ أن يوجد له حديث منكر مع سعة روايته، دلَّ كذلك على أن كلام من تكلم فيه، فيه تشدد وغلظة، لا يصلح مع هذا الكلام، وهو كلام الحافظ الذهبي، وتقريره بأنه قلَّ أن يوجد له حديث منكر.
    وليس من شرط الثقة ألا يخطئ، بل الثقة يقع منه الخطأ، لكن يكون هذا الخطأ على وجه القلة والندرة، في المقابل إذا وجدنا في الرجل ما يرجح أنه ضعيف، وكان هذا الترجيح ظاهرا، حكمنا عليه بأنه ضعيف، مثل المؤمل بن إسماعيل هذا اختلف فيه أهل العلم منهم من يوثقه، ومنهم من يضعفه.
    لكن إذا نظرنا إلى المرجح الظاهر في تضعيفه لوجدنا أنه مرجحٌ قويٌّ، هذا المرجح ما هو؟ المرجح هو: أن سليمان بن حرب، وهو مشارك له في الطبقة وفي الأخذ عن الشيوخ، ذكر: إن مؤمل بن إسماعيل يروي عن شيوخهم الثقات المناكير، وهذا يدلُّ على أن ضبط المؤمل بن إسماعيل هو الذي حصل فيه أن هذا الخطأ.
    وهذه المناكير إنما هي من قبل ضبط المؤمل بن إسماعيل، فكان هذا قولاً فصلا في حال المؤمل بن إسماعيل ممن عرفه وعرف شيوخه؛ لأن سليمان بن حرب وهو ثقة حافظ يعرف ما يرويه شيوخه، وهؤلاء الشيوخ شيوخ المؤمل بن إسماعيل، فكون المؤمل بن إسماعيل يروي أحاديث مناكير عن هؤلاء الشيوخ لا يرويها إلا هو، يدلُّ على أن ضبطه فيه أو حفظه فيه شيء، وأن رواية هذه المناكير جاءت من قبل سوء حفظه، فترجَّح فيه جانب الضعف، فهذا لا يحكم لحديثه بأنه حسنإذا خالف الثقات،وإنما يحكم له بأنه ضعيف، كما في حديث وضع اليدين في الصلاة على صدره ، فهي ضعيفة من أوهامه ، بخلاف المثالين السابقين، يحكم لحديثهما بأنه صحيح، ولا يقال بأنه حديث حسن، وهذا طبعا الكلام كله باعتبار الناظر في أحوال الرجلين، وليس على سبيل العموم؛ لأنه قد يظهر لأحد الأشخاص أن- مثلا- حديث المؤمل حسن، أو أن حديث الوليد بن شجاع حسن أو غير ذلك، فالشاهد أن هذا الكلام إنما هو باعتبار الناظر في أقوال المجرحين والمعدلين.
    فهذه بعض الضوابط التي قد يستعان بها على فهم أو معرفة من خفَّ ضبطه، وهذه القاعدة الرابعة بالذات لها تطبيق عملي كثير عند الذهبي وعند الحافظ ابن حجر، وعند ابن القطان الفاسي وعند الحافظ المنذري وعند البوصيري في" مصباح الزجاجة" وقد أكثر من ذلك وعلل كثيرا بالاختلاف، علل تحسين الراوي بكونه مختلفا فيه، ومن أراد أن يطالع" مصباح الزجاجة" يجد ذلك ظاهرا جليا، والله تعالى أعلم.(4)
    قلت : الصواب من القول أن حديث المختلف فيه حسن إذا لم يكن أنكر عليه هذا الحديث بعينه ، وسيمر زيادة تفصيل لهذا(5)
    ـــــــــــــــ
    __________
    (1) - مسند أحمد(23665) ومسند الطيالسي(847) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 3 / ص 18) (4930) وفتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 94) وهو حديث صحيح لغيره
    (2) - المستدرك للحاكم(443) وهو صحيح لغيره
    (3) - مسند أحمد (18557) وصححه الشيخ شعيب والسنن الكبرى للبيهقي(ج 2 / ص 166) (3039) وقال : هَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ. و التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - (ج 1 / ص 566) وقال : إسْنَادُهُ حَسَنٌ ، وهو صحيح لغيره
    (4) - انظر مذكرة الجرح والتعديل أستاذ المقرر:د. عبد المحسن بن عبد الله التخيفي
    (5) - هذا وقد فصلت القول في الرواة المختلف فيهم ، في مبحث الجرح والتعديل ، وفي كتابي ((الخلاصة في علم الجرح والتعديل ))، وفي كتابي (( الحافظ ابن حجر ومنهجه في تقريب التهذيب)) أثناء الكلام على أصحاب المرتبة الخامسة ، وكلاهما في مكتبة صيد الفوائد ، ومشكاة

  16. #56
    كاتب في "النسابون العرب"
    تاريخ التسجيل
    28-01-2010
    الدولة
    مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    العمر
    37
    المشاركات
    113

    افتراضي

    - مرتبة قولهم: " حديث صحيح الإسناد " أو " حسن الإسناد "
    أ) قول المحدثين : " هذا حديث صحيح الإسناد " دون قولهم : " هذا حديث صحيح"
    مثال الأول كما في المستدرك للحاكم (241) حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ كُنْتُ إِمَامَ النَّبِيِّينَ وَخَطِيبَهُمْ وَصَاحِبَ شَفَاعَتِهِمْ غَيْرُ فَخْرٍ "
    هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ لِتَفَرُّدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَلِمَا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنْ سُوءِ الْحِفْظِ ، وَهُوَ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَئِمَّتِنَا ثِقَةٌ مَأْمُونٌ
    ومثال الثاني كما في سنن الترمذى برقم (156 ) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْحُلْوَانِىُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَهُوَ أَحْسَنُ حَدِيثٍ فِى هَذَا الْبَابِ. وَفِى الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ.
    ب) وكذلك قولهم: " هذا حديث حسن الإسناد" دون قولهم: " هذا حديث حسن "
    مثال الأول كما في المستدرك للحاكم برقم (1987) حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ حَمْدَوَيْهِ الْفَقِيهُ ، إِمْلاءً بِبُخَارَى ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ الْحَافِظُ الْبَغْدَادِيُّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ مَوْلَى الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَدْعُو : اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَوْسَعَ رِزْقِكَ عَلَيَّ عِنْدَ كِبَرِ سِنِّي وَانْقِطَاعِ عُمْرِي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنُ الإِسْنَادِ ، وَالْمَتْنِ غَرِيبٌ فِي الدُّعَاءِ مُسْتَحَبٌّ لِلْمَشَايِخِ إِلاَّ أَنَّ عِيسَى بْنَ مَيْمُونٍ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ
    ومثال الثاني كما في سنن أبى داود برقم (2720 ) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ - يَعْنِى يَوْمَ حُنَيْنٍ - « مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ ». فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلاً وَأَخَذَ أَسْلاَبَهُمْ وَلَقِىَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ وَمَعَهَا خِنْجَرٌ فَقَالَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا مَعَكِ قَالَتْ أَرَدْتُ وَاللَّهِ إِنْ دَنَا مِنِّى بَعْضُهُمْ أَبْعَجُ بِهِ بَطْنَهُ. فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَبُو طَلْحَةَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَرَدْنَا بِهَذَا الْخِنْجَرَ وَكَانَ سِلاَحَ الْعَجَمِ يَوْمَئِذٍ الْخِنْجَرُ. أبعج : أشق
    لأنه قد يصحُّ أو يحسنُ الإسنادُ .دون المتن لشذوذٍ أو علةٍ . فكأن المحدِّث إذا قال : " هذا حديث صحيح " قد تكفَّل لنا بتوفر شروط الصحة الخمسة في هذا الحديث أما إذا قال : " هذا حديث صحيح الإسناد " فقد تكفل لنا بتوفر شروط ثلاثة من شروط الصحة وهي : اتصال الإسناد ، وعدالة الرواة وضبطهم ، أما نفي الشذوذ ونفى العلة عنه فلم يتكفل بهما لأنه لم يتثبت منهما.
    لكن لو اقتصر حافظ مُعْتَمَد على قوله: " هذا حديث صحيح الإسناد " ولم يُذْكَرْ له علة، فالظاهر صحة المتن، لأن الأصل عدم العلة وعدم الشذوذ.
    كما فعل كثير من المتأخرين لتحرُّجهم من التصحيح المطلق ، كالهيثمي في مجمع الزوائد والمنذري في الترغيب والحافظ العراقي ونحوهم ، فيحمل قولهم (صحيح الإسناد أو حسن الإسناد ) على الصحة العامة والحسن العام ، الذي استوفى الشروط الخمسة المشار إليها أعلاه

  17. #57

    افتراضي

    اللهم أجعل هذا العمل خالصا لوجهك الكريم ، اجعله في ميزان حسناتنا يوم القيامة ، واجعل القرآن نور قلوبنا وربيع صدورنا
    واهدنا إلى الصراط المستقيم ، اللهم آمنين يارب العالمين

  18. #58

    افتراضي

    بارك الله فيك ـ

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. علوم يجب على الباحث بالأنساب دراستها
    بواسطة الحناوي في المنتدى مجلس علم الانساب و قواعده
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 23-10-2019, 06:00 AM
  2. فضل القرآن الكريم فى الكتاب والسنة ,,,
    بواسطة حسن جبريل العباسي في المنتدى الاسلام باقلامنا
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 20-05-2017, 07:09 AM
  3. حمل كتاب بنو اسرائيل فى القرآن والسنة لطنطاوى
    بواسطة محمد محمود فكرى الدراوى في المنتدى مجالس علوم الفقه
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 03-12-2014, 06:05 PM
  4. علم الوراثة في القرآن والسنة
    بواسطة صفيــــة في المنتدى مجلس السلالات العام
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 22-06-2011, 01:52 PM
  5. حمل كتاب بنو اسرائيل فى القرآن والسنة لطنطاوى
    بواسطة محمد محمود فكرى الدراوى في المنتدى مكتبة الانساب
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 03-10-2010, 09:22 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
MidPostAds By Yankee Fashion Forum