النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: خلافة المعتصم بالله

خلافة المعتصم بالله تولى المعتصم بالله الخلافة من رجب 218 هـ حتى ربيع الأول 227هـ، وعمره تسعة وثلاثون عامًا، وتمت البيعة للمعتصم ببلاد الروم فعاد بالجند إلى بغداد.

  1. #1
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    1 (7) خلافة المعتصم بالله

    خلافة المعتصم بالله

    تولى المعتصم بالله الخلافة من رجب 218 هـ حتى ربيع الأول 227هـ، وعمره تسعة وثلاثون عامًا، وتمت البيعة للمعتصم ببلاد الروم فعاد بالجند إلى بغداد.

    صفات المعتصم بالله
    صفات المعتصم بالله
    كان المعتصم ذا شجاعة وقوة وهمة يحب الشجعان، قوته خارقة هائلة يحمل أرطالاً تعجز عنها الرجال ويمشي خطوات، ويثني الحديد مرات بعد عجز الأبطال عنه، يقول وزيره أحمد بن أبي دؤاد: كان المعتصم يخرج ساعده إلى ويقول: يا أبا عبد الله عض ساعدي بأكثر قوتك، فأقول: والله يا أمير المؤمنين ما تطيب نفسي بذلك.

    فيقول: إنه لا يضرني، فأروم ذلك، فإذا هو لا تعمل فيه الأسنة فضلاً عن الأسنان. وكان مع ذلك شفوقًا غير أنه إذا غضب لا يبالي من قتل.

    وكان يقول عن نفسه: قد علمت أني دون إخوتي في الأدب، لحب أمير المؤمنين لي، وميلي إلى اللعب وأنا حدث، فلم أنل ما نالوا. وسبب ذلك أنه كان مع المعتصم غلام في الكُتاَّب يتعلم معه، فمات الغلام، فقال له الرشيد: يا محمد مات غلامك. فقال: نعم يا سيدي واستراح من الكُتاَّب.

    قال الرشيد: وإن الكُتَّاب ليبلغ منك هذا المبلغ؟! دعوه حيث انتهى لا تعلموه شيئًا ولذلك ورد أنه (كان يكتب كتابة ضعيفة ويقرأ قراءة ضعيفة).

    وصية المأمون للمعتصم
    وكانت وصية المأمون للمعتصم: (احمل الناس على القول بخلق القرآن، والخرمية فاغزهم بقوة وحزم وجلد، واحشد لهم الأموال والسلاح والجنود من الفرسان والرجالة، فإن طالت مدتهم فتجرد لهم بمن معك من أنصارك وأوليائك، واعمل في ذلك عمل مقدم النية فيه، راجيًا ثواب الله عليه)؛ لذلك انصبت جهود المعتصم، وأموال الخلافة على القضاء على حركة بابك.

    جهاده ضد الخرمية
    كان بابك من أبطال زمانه وشجعانهم، عاث في البلاد وأفسد وأخاف الإسلام وأهله وغلب على أذربيجان وغيرها وأراد أن يقيم ملة المجوس، وادعى الألوهية وأراد تحويل المُلك من العرب المسلمين إلى الفرس، فأثار ومن تبعه حربًا شعواء على الإسلام والعرب.

    فأرسل المعتصم الأفشين أعظم قواده حينئذ لمقاتلة بابك والقضاء عليه.. بيد أن الأمر قد طال رغم أن المعتصم أنفق على هذه الحرب الكثير، وأقام المعتصم البريد على مسافات قريبة ليأتيه خبر المعركة كل يوم وكان جميع من قَتَل بابك في عشرين سنة 250000 إنسان. وكانت نهايته في هذه المعركة.

    فتح عمورية
    كان بابك قد كتب إلى حليفه تيوفيل ملك الروم، عندما ضيق عليه الأفشين، يستنصره ويقول له إن الفرصة مهيأة للانتصار على المسلمين.. تأخر ملك الروم في التحرك فلم يتحرك إلا بعد ما قتل بابك.. فتحرك ملك الروم سنة 223 هـ وانقض على مدينة زِبَطرة وأعمل فيها السيف، وقتل الصغير والكبير وسبى النساء بعد ذبح أطفالهن.

    وفي ابن خلدون: وبلغ الخبر إلى المعتصم فاستعظمه، وبلغه أن هاشمية صاحت وهي في أيدي الروم: وامعتصماه، فأجاب وهو على سريره: لبيك لبيك، ونادى بالنفير العام ونهض من ساعته.

    خريطة فتح عموريةوعندما سار المعتصم باتجاه الثغور لتأديب تيوفيل تساءل قائلاً: أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقيل: عمورية، لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الإسلام، وهي أصل النصرانية وهي أشرف من القسطنطينية فسار باتجاهها بجهاز عظيم من السلاح والعدد وآلات الحصار والنفط ودارت المعركة بقيادة المعتصم وبعد حصار دام 55 يومًا، من سادس رمضان إلى أواخر شوال سنة 223 هـ. ودك عمورية واستنقذ المرأة الهاشمية.

    وأنشد بعدها أبو تمام قصيدته المشهورة في وصف المعركة وملابساتها:

    السيفُ أصدق أنباءً من الكتب *** في حدِّه الحد بين الجد واللعب

    وكان عدد جيش المسلمين 15 ألف فارس، وجيش الروم 200 ألف.

    المعتصم واعتماده على العنصر التركي
    المئذنة الملوية في سامراء والتي بناها الخليفة المعتصم لما جاء المعتصم ورأى أن من ببغداد من جنود لا يوثق بهم، لكثرة اضطرابهم وقيامهم على الخلفاء ورأى للأتراك من شدة البأس والنجدة فأراد أن يكون منهم جيشًا. فاستكثر من غلمان الأتراك وأحضر منهم عددًا عظيمًا فوق ما كان منهم في عهد المأمون وأسكنهم بغداد وكان هؤلاء القوم عُجمًا جفاة يركبون الدواب فيركضون في طرقات بغداد وشوارعها فيصدمون الرجل والمرأة والصبي فيقف لهم الجند من العرب ويجرحونهم.. حتى اشتكى الأتراك إلى المعتصم وتأذت العامة.. فاختط لهم مدينة تكون لهم معسكرًا سماها (سر من رأى) سامراء حاليًا، سكنها المعتصم مع العسكر.. وهي منطقة متميزة من بغداد..

    وكان من قواده الذين يعتمد عليهم: الأفشين حيدر بن كاوس، وهو تركي من أشروسنة، ومنهم إيتاخ وأشناس وعجيف بن عنبسة ووصيف وبغا الكبير أبو موسى، وغيرهم. كل هؤلاء القواد من الأتراك اختارهم المعتصم لشجاعتهم وسلَّمهم زمام ملك آبائه العرب، وأزال العرب عن قيادة الجيوش، وأسقط أسماءهم من الدواوين واعتز بهؤلاء المجلوبين، فجعل بذلك بنيه تحت سلطان هؤلاء الغلف قلوبهم، يتصرفون فيهم كما يشاءون ولم يكن لهم أنساب معروفة. حتى قال المؤرخون: "إن المعتصم وحده يتحمل تبعة أكثر ما حل بالعباسيين من بعده من اضطراب أمرهم وضعف سلطانهم وما حل بالأمة العربية من غلبة هؤلاء على الأمر. لم يكن الرجل بعيد النظر في العواقب، وإنما كان شجاعًا جسورًا يحب الشجعان ويعتز بهم مهما كان شأنهم، سواء كانت لهم أحساب يحمونها أم ليست لهم أحساب وسواء كان يهمهم شأن الدولة وبقاؤها أم لا؟".

    يروى أن أهل بغداد اشتكوا إلى المعتصم إساءة غلمان الأتراك وقالوا له: تحول عنا وإلا قاتلناك، قال: وكيف تقاتلوني وفي عسكري ثمانون ألف دارع!

    قالوا: نقاتلك بسهام الليل، وسهام الأسحار، فقال: لا طاقة لي بذلك.

    الإمام أحمد ومحنته في عهد المعتصم
    ينقل لنا عبد الله ابن الإمام أحمد على لسان أبيه ما ابتلى به في عهد المعتصم فيقول: لما أحضرني المعتصم من السجن زاد في قيودي، فلم أستطع أن أمشي بها فربطتها في التكة وحملتها بيدي، ثم جاءوني بدابة فحملت عليها فكدت أسقط على وجهي من ثقل القيود وليس معي أحد يمسكني، فسلم الله حتى جئنا المعتصم، فأُدخلت في بيت وأغلق على وليس عندي سراج، فأردت الوضوء فمددت يدي فإذا إناء فيه ماء فتوضأت منه، ثم قمت ولا أعرف القبلة، فلما أصبحت إذا أنا على القبلة ولله الحمد.

    ثم دعيت فأدخلت على المعتصم، فلما نظر إلى وعنده وزيره أبو دؤاد قال: أليس قد زعمتم أنه حدث السن وهذا شيخ مكهل؟ فلما دنوت منه وسلمت قال لي: ادنه، فلم يزل يدنيني حتى قربت منه ثم قال: اجلس، فجلست وقد أثقلني الحديد، فمكثت ساعة ثم قلت: يا أمير المؤمنين إلام دعا ابن عمك رسول الله ؟

    قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، قلت: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، ثم تكلم ابن أبي دؤاد بكلام لم أفهمه، وذلك أني لم أتفقه كلامه ثم قال المعتصم: لولا أنك كنت في يد من كان قبلي لم أتعرض إليك، ثم قال: يا عبد الرحمن ألم آمرك أن ترفع المحنة؟ فقلت: الله أكبر، هذا فرج للمسلمين، ثم قال: ناظره يا عبد الرحمن، كلمه، فقال لي عبد الرحمن: ما تقول في القرآن؟ فلم أجبه، فقال المعتصم: أجبه. فقلت: ما تقول في العلم؟ فسكت، فقلت: القرآن من علم الله، ومن زعم أن علم الله مخلوق فقد كفر بالله، فسكت، فقالوا فيما بينهم: يا أمير المؤمنين كفرك وكفرنا، فلم يلتفت إلى ذلك، فقال عبد الرحمن: كان الله ولا قرآن، فقلت: كان الله ولا علم؟ فسكت.

    فجعلوا يتكلمون من ههنا وههنا فقلت: يا أمير المؤمنين أعطوني شيئًا من كتاب الله وسنة رسوله حتى أقول به، فقال ابن أبي دؤاد: وأنت لا تقول إلا بهذا وهذا؟ فقلت: وهل يقوم الإسلام إلا بهما؟وجرت مناظرات طويلة، حتى قال ابن أبي دؤاد: هو والله يا أمير المؤمنين ضال مضل مبتدع، وهنا قضاتك والفقهاء فسلهم، فقال لهم: ما تقولون؟ فأجابوا بمثل ما قال ابن أبي دؤاد، ثم أحضروني في اليوم الثاني وناظروني أيضًا في اليوم الثالث وفي ذلك كله يعلو صوتي عليهم وتغلب حجتي حججهم.

    فإذا سكتوا فتح الكلام عليهم ابن أبي دؤاد وكان من أجهلهم بالعلم والكلام، وقد تنوعت بهم المسائل في المجادلة ولا علم لهم بالنقل، فجعلوا ينكرون الآثار ويردون الاحتجاج بها، وسمعت منهم مقالات لم أكن أظن أن أحدًا يقولها، وقد تكلم معي ابن غوث بكلام طويل ذكر فيه الجسم وغيره بما لا فائدة فيه، فقلت: لا أدري ما تقول، إلا أني أعلم أن الله أحد صمد، ليس كمثله شيء، فسكت عني.

    وقد أوردت لهم حديث الرؤية في الدار الآخرة فحاولوا أن يضعفوا إسناده ويلفقوا عن بعض المحدثين كلامًا يتسلقون به إلى الطعن فيه، وهيهات، وأني لهم التناوش من مكان بعيد؟ وفي أثناء ذلك كله يتلطف بي الخليفة ويقول: يا أحمد أجبني إلى هذا حتى أجعلك من خاصتي وممن يطأ بساطي.

    فأقول: يا أمير المؤمنين يأتوني بآية من كتاب الله أو سنة عن رسول الله حتى أجيبهم إليها. فلما أعيتهم الحجج قال إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد: يا أمير المؤمنين ليس من تدبير الخلافة أن تخلي سبيله ويغلب خليفتين، فعند ذلك حمى المعتصم واشتد غضبه وكان ألينهم عريكة وهو يظن أنهم على شيء فقال لي: لعنك الله، طمعت فيك أن تجيبني فلم تجيبني.

    ثم قال: خذوه واخلعوه واسحبوه.. فأخذت وسحبت وخلعت وجيء بالعقابين والسياط وأنا أنظر، وكان معي شعرات من شعر النبي مصرورة في ثوبي، فجردوني منه وصرت بين العقابين، فقلت: يا أمير المؤمنين أذكر وقوفك بين يدي الله كوقوفي بين يديك، فكأنه أمسك.

    ثم لم يزالوا يقولون له: يا أمير المؤمنين إنه ضال مضل كافر، فأمر بي فقمت بين العقابين وجيء بكرسي فأقمت عليه وأمرني بعضهم أن آخذ بيدي بأي الخشبتين فلم أفهم، فتخلعت يداي وجيء بالضرابين ومعهم السياط فجعل أحدهم يضربني سوطين ويقول له المعتصم: شد قطع الله يديك، ويجيء بالآخر فيضربني سوطين ثم الآخر كذلك، فضربوني أسواطًا فأغمى على وذهب عقلي مرارًا، فإذا سكن الضرب يعود على عقلي، وقام المعتصم يدعوني إلى قولهم فلم أجبه وجعلوا يقولون: ويحك! الخليفة على رأسك، فلم أقبل وأعادوا الضرب ثم عاد إلى فلم أجبه، فأعادوا الضرب ثم جاء إلى الثالثة، فدعاني فلم أعقل ما قاله من شدة الضرب، ثم أعادوا الضرب فذهب عقلي فلم أحس بالضرب، وأرعبه ذلك من أمري وأمر بي فأطلقت ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت، وقد أطلقت الأقياد من رجلي، وكان ذلك في اليوم الخامس والعشرين من رمضان في سنة 221هـ، وكان ثم أمر الخليفة بإطلاقي إلى أهلي)، وكان جملة ما ضرب نيفًا وثلاثين سوطًا وقيل ثمانين سوطًا، لكن كان ضربًا مبرحًا شديدًا.

    ولما حمل من دار الخلافة إلى دار إسحاق بن إبراهيم وهو صائم أتوه بسويق ليفطر فامتنع من ذلك وأتم صومه.

    ويروى أنه لما أقيم ليضرب انقطعت تكة سراويله، فخشي أن يسقط سراويله فتكشف عورته، فدعا الله: يا غياث المستغيثين، يا إله العالمين، إن كنت تعلم أني قائم لك بحق، فلا تهتك لي عورة. فعاد سراويله كما كان.

    ولما رجع إلى منزله جاءه الجرايحي فقطع لحمًا ميتًا من جسده وجعل يداويه والنائب في كل وقت يسأل عنه، وذلك أن المعتصم ندم على ما كان منه إلى أحمد ندمًا كثيرًا.. فلما عوفي فرح المعتصم والمسلمون بذلك. ولما شفاه الله تعالى جعل كل من آذاه في حل إلا أهل البدعة.

    وكان يقول: (ماذا ينفعك أن يُعذَّب أخوك المسلم بسببك؟).

    ثم توفي المعتصم 17من ربيع الأول سنة 227هـ، وولي عهده ابنه هارون.


    oghtm hglujwl fhggi


  2. #2
    رئيس مجلس الإدارة الصورة الرمزية د ايمن زغروت
    تاريخ التسجيل
    01-10-2009
    الدولة
    مصريٌ ذو أصولٍ حجازية ينبعية
    المشاركات
    12,200

    افتراضي

    [align=right]
    بارك الله فيك اخي الكريم الاستاذ عبد المنعم فقد اتعبت م بعدك في نشاطك و جهدك ...
    و الان حتى ننتقل من نصوص التاريخ الى دراسة ما توحي و تفيد من حكم و اشارات ,
    المعتصم كان قائدا عسكريا عظيما و مجاهدا بسيفه في الروم و الخرمية حتى رحل الى ربه , و السؤال الان , هل كان اقتناء المعتصم للمماليك الاتراك بغزارة مفيدا ؟ و ما اثر ذلك على الاسلام و اهله الى اليوم ؟
    [/align]

  3. #3
    مشرف عام مجالس التاريخ وكنانة - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    05-02-2010
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    1,327

    1 (7)

    اخي العزيز واستاذي الفاضل د أيمن
    جزاك الله خيرا على المتابعة والمشاركة الرائعة
    اقتناء الخليفه المعتصم بالله للمماليك الأتراك بغزاره لم يكن صائبا ولا مفيدا
    فقد سيطرالقادة والجند الترك على الخلفاء
    فإذا كان عصر القوة العباسي الأول قويًّا فلم تقم فيه سيطرة عسكرية أو زعامة ذات قوة تعتمد عليها في حكمها للمنطقة، وإذا ما تمَّ وحدَّثت نفسُ بعض القادة بذلك فقد كان يُقضَى عليها بسرعة، وهذا ما حدث لعبد الله بن علي، وأبي مسلم الخراساني، ولم تقم في ذلك العصر سوى دولة واحدة هي دولة الأغالبة في تونس، إذ كان إبراهيم بن الأغلب أمير المنطقة، واعتمد على نفوذه، وجنده فأسس دولته، وسكت عنه العباسيون لتقف إمارته هذه في وجه الإمارات الأخرى الخارجة على العباسيين، والمخالفة لهم، وهي إمارات الخوارج في "تاهرت" و"سِجِلْماسة"، وإمارة الأدارسة في المغرب الأقصى في فاس، ودولة الأمويين في الأندلس، وبهذا فلم تقم سوى دولة واحدة في عصر القوة العباسي اعتمدت على الجند.

    وشعر الخليفة المأمون أن بعض القادة الذين أصبح لهم نفوذ لم يعد بالإمكان وضع حدٍّ لهم بسهولة، وخاف مغبة الأمر؛ لذا فقد طلب من أخيه المعتصم الإكثار من جلب الأتراك من بلاد ما وراء النهر على شكل مماليك، فحياة المدن لم تُفسد طباعَهم بعدُ، ويمكن تدريبهم تدريبًا عسكريًّا كي يكونوا أداةً طيعةً بيد الخليفة تحمي بهم الثغور، وتضرب بهم خصوم الدولة في الداخل، وبدأت أفواج الترك تفد إلى بغداد حتى ضَجَّ منهم سكانها، وما أن أصبحوا جنودًا لهم نفوذ حتى كثرت تعدياتهم فقد أفسدتهم حياتهم الجديدة، وحدث الخلاف بينهم وبين البغداديين، واضطر المعتصم إلى بناء مدينة "سامراء" والانتقال بهم هناك، ومع الزمن أصبح منهم قادة اشتهر منهم "الأفشين" و"بغا" و"وصيف" وغيرهم, وزاد نفوذهم في الدولة, وأخيرًا تآمروا مع المنتصر على قتل أبيه المتوكل عام 247هـ/ 862م.

    ومع مجيء هؤلاء الجند إلى مركز السلطة أصبحت الأمور بأيديهم، وبقي الخليفة اسمًا أو صورة في قصره ليس عليه سوى التوقيع على التعليمات في كثير من الأحيان, أو إصدار الأوامر حسب رأي القادة، حتى وصف الخليفة أحد الشعراء فقال:
    خليفة في قفـصٍ بين وصيـف وبُغا *** يقول ما قالا له كما تقول البَبُّغا

    وأصبح الحكم بالسيف لا بالرأي, والتنفيذ بالسوط لا بالحكمة، والناس مجبرون على الخضوع سواءٌ أكان الأمر حقًّا أم باطلاً، وقد قال أحد الشعراء معبرًا عن هذا الوضع:
    لله دَرُّ عصــابةٍ تـركيةٍ *** جعلوا نوائب دهرهم بالسـيف
    قتلوا الخليفة أحمد بن محمد *** وكسوا جميع الناس ثوب الخوف

    وهكذا فسد الوضع فلم يأمن الناس بعد ذلك على أرواحهم، ولا على أموالهم، ولا على أعراضهم، وهُدِرَت الكرامة، وفَقَدَ الناس حريتهم، وضاعت العزة، وأصاب الأمة الذل، ومتى وقع ذلك فقدت الأمة مقوماتها، ولم تعد قادرة على القتال، ولا على المجابهة، وأصبح المجتمع مضطرًّا للخضوع للقادة المتسلطين، وقبول كل رأي يقوله العسكريون، وهذا ما يريدونه عادة، ولم يعرفوا نتائجه، وإنما يعرفون مصالحهم، وبسط نفوذهم وسيطرتهم, وإشباع رغبات نفوسهم؛ هذا في الداخل، وهو نفسه ما يريده أعداء الإسلام في الخارج، ولا يختلف الوضع العسكري في أي زمان ولا أي مكان عن هذا أبدًا.

    وليس معنى هذا أنه لا يوجد قادة عسكريون صالحون على مدار التاريخ، فقد وُجِدَ أمثال: نور الدين محمود زنكي، وصلاح الدين الأيوبي وغيرهما، ولكن هذه نسبة قليلة، وما أن ينتهي الضابط الصالح حتى يرجع العرف العسكري، بل إن العسكري الصالح قلَّما يطول أمره لأنه يقف أمام أهواء الذين دونه، فيشعرون بالضغط والكبت فيعملون على إزاحته بصورة أو بأخرى، ومن هنا كان أصحاب القوة من العسكريين في العصر العباسي الثاني من أسباب الضعف الذي أصاب الأمة سواءٌ أكانوا عربًا أم تُركًا أم فُرسًا، فالسيف واحد بأية يدٍ كان.
    وفي الحلقات القادمة بإذن الله سيتضح كل شيء وخاصه العصر العباسي الثاني .
    بارك الله فيك
    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالمنعم عبده الكناني ; 19-03-2016 الساعة 11:12 AM

  4. #4
    نائب رئيس مجلس الادارة الصورة الرمزية حسن جبريل العباسي
    تاريخ التسجيل
    01-05-2010
    المشاركات
    8,466

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د ايمن زغروت مشاهدة المشاركة
    [align=right]
    بارك الله فيك اخي الكريم الاستاذ عبد المنعم فقد اتعبت م بعدك في نشاطك و جهدك ...
    و الان حتى ننتقل من نصوص التاريخ الى دراسة ما توحي و تفيد من حكم و اشارات ,
    المعتصم كان قائدا عسكريا عظيما و مجاهدا بسيفه في الروم و الخرمية حتى رحل الى ربه , و السؤال الان , هل كان اقتناء المعتصم للمماليك الاتراك بغزارة مفيدا ؟ و ما اثر ذلك على الاسلام و اهله الى اليوم ؟
    [/align]

    الاتراك هم سكان بلاد ماوراء النهر وتركستان، ويمتازون بالقوة والشجاعة،
    و المعتصم اول من اكثر من استخدام الاتراك في الجيش في الجيش والبلاط ،
    فقد جلب عام 220هـ / 835 م قوما من بخارى وسمرقند وفرغانة ...
    وبلغ عددهم مايقارب الثمانية عشر الفاً .

    وهناك تقارب بين طبيعة المعتصم العسكرية حيث أنه مولعًا بالحرب والفروسية ويبن ثقافة الاتراك ،
    فالأتراك لم يكن لهم ميولًا نحو امور الحضارة وتقاليدها بقدر ميلهم إلى امور الحرب والسلاح،
    وولائهم (الاتراك) للخليفة العباسي دون غبره ... وليس لقبيلة او شخص اخر.

    وقد اراد المعتصم استغلال مواهبهم العسكرية ...
    للحفاظ على الدولة في ظل الصراع العربي الفارسي،
    واحكام السيطرة على بلاد ماوراء النهر والاقاليم المجاورة لها،
    والعمل على نشر الاسلام ,

    وقد اطلق عليهم الجاحظ اسم (اعراب العجم) بقوله ...
    (وكذلك الترك اصحاب عمد وسكان فياف وارباب مواش،وهم اعراب العجم) .
    ************

  5. #5
    مشرف عام مجالس الادب و التاريخ - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    30-08-2012
    العمر
    47
    المشاركات
    2,865

    افتراضي

    سلمت وسلمت اناملك استاذي عبدالمنعم على جميل ما طرحت ونقلت حفظك الله ورعاك

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. أبو إسحاق محمد المعتصم بالله
    بواسطة حسن جبريل العباسي في المنتدى مجلس الاشراف العباسيين العام
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 21-09-2015, 09:33 AM
  2. المعتصم بالله .. أعلام المسلمين
    بواسطة د ايمن زغروت في المنتدى موسوعة التراجم الكبرى
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 14-05-2013, 02:08 AM
  3. المعتصم بالله
    بواسطة ابن خلدون في المنتدى موسوعة التراجم الكبرى
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-02-2013, 08:06 PM
  4. المعتصم بالله
    بواسطة ابن خلدون في المنتدى موسوعة التراجم الكبرى
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-02-2013, 12:54 AM
  5. أبو إسحاق محمد المعتصم بالله
    بواسطة حسن جبريل العباسي في المنتدى موسوعة التراجم الكبرى
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 14-12-2012, 12:15 AM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
MidPostAds By Yankee Fashion Forum