نصوص ابن خلدون عن جهينة
تناولت نصوص ابن خلدون عن قبيلة جهينة ثلاثة جوانب مهمة تمثل مفاتيحاً أساسية لفهمنا ودراستنا للإسلام في السودان، وهي: انتشار قبيلة جهينة في السودان وسقوط مملكة مقرة ونظام الوراثة الأمومي. وقد تناولت الجانبين الأول والثاني في موضوع نشر في مجلة دراسات سودانية (العدد 18، 2009) أُلَخِّصُه فيما يلي، ثم اتناول بعدة موضوع الوراثة الأمومي.
أورد ابن خلدون بعض المعلومات عن قبيلة جهينة يبدو فيها الكثير من الخلل والاضطراب، وربما رجع السبب في ذلك إلى بعض الأخطاء فى النقل، أو سقوط بعض أجزاء النصوص من نسخة إلى أخرى. وربما رجع السبب أيضا إلى بعض أحكام ابن خلدون العامة عن النوبة والتي توحي بأن معرفته بما جرى في المنطقة لم تكن دقيقة، مع العلم بأن ابن خلدون حضر لمصر عام 784 هـ/1382 م ويكون بذلك على عهد قريب بالكثير من الأحداث المهمة التي صاحبت وأعقبت اعتلاء أول ملك مسلم عرش مملكة مقرة عام 713 هـ / 1316 م، فقد توفي ابن خلدون في مصر عام 808 هـ/ 1406م.
ذكر ابن خلدون (العبر ص 280) أن قبيلة جهينة كانت لا تزال موجودةً في الجزيرة العربية على سواحل البحر الأحمر الشرقية حتى عصره حيث قال: "فجهينة ما بين الينبع ويثرب إلى الآن في متسع من برية الحجاز وفى شماليهم إلى عقبة ايلة مواطن بلى وكلاهما على العدوة الشرقية من بحر القلزم." ثم أضاف إنهم عبروا إلى الضفة الغربية بأعدادٍ كبيرة وخاضوا حروباً كثيرة استمرت حتى عصره، فقد قال:" وأجاز منهم أمم إلى العدوة الغربية وانتشروا ما بين صعيد مصر وبلاد الحبشة وكثروا هنالك سائر الامم وغلبوا على بلاد النوبة وفرقوا كلمتهم وأزالوا ملكهم وحاربوا الحبشة فأرهقوهم إلى هذا العهد ".
ومن المعروف أن بَلي وجهينة عبرتا إلي مصر عند دخول العرب مصر في مرحلة الفتوحات في أول القرن الأول الهجري. ولم يذكر المؤرخون والنسابة الذين كتبوا قبل وبعد ابن خلدون عن عبور لاحق لقبيلة جهينة في القرون التالية والقيام بما ذكره ابن خلدون من توسعات وحروب. فليس هنالك ما يؤيد هذا النص في المصادر العربية، بل أشار ابن بطوطة (تحفة النظار ص 253) الذي مر بالمنطقة في أول القرن الثامن الهجري (14م) إلى وجود جهينة مع غيرها من القبائل العربية، وأن عددهم كان قليلاً لأنهم كانوا تحت طاعة البجة ويتحدثون لغة البجة.
وقد نقل القلقشندي (قلائد الجمان ج 1 ص 4) عن ابن خلدون عن أحد فروع قبيلة قضاعة ما يلي:
"العمارة الرابعة: من الموجودين من بقايا قضاعة: بهراء، بفتح الباء الموحدة، وهم: بنو بهراء بن الحافي بن قضاعة. قال في العبر: وكانت منازلهم شمالي منازل " بليّ " من الينبع إلى عقبة أيلا. ثم جاوز خلق كثير منهم بحر القلزم وانتشروا ما بين صعيد مصر وبلاد الحبشة وكثروا هناك وغلبوا على بلاد النوبة."
وفي مكان آخر ذكر ابن خلدون (العبر ص 279) "وبالصعيد الاعلى من اسوان وما وراءها إلى أرض النوبة إلى بلاد الحبشة قبائل متعددة وأحياء متفرقة كلهم من جهينة احدى بطون قضاعة، ملؤا تلك القفار وغلبوا النوبة على مواطنهم وملكهم، وزاحموا الحبشة في بلادهم وشاركوهم في أطرافها والذين يلون اسوان هم يعرفون بأولاد الكنز."
ويمثل هذا النص الاسلوب العام الذي عالج به ابن خلدون تاريخ النوبة، فهو في هذا النص جعل بنو الكنز الذين ينتمون إلى قبيلة ربيعة من جهينة، كما جعل كل قبائل الصعيد الأعلى من جهينة. فالقبائل التي كانت في الصحراء الشرقية كما ذكرها ابن بطوطة الذي مر بالمنطقة بعد نحو خمس عشرة عاما من اعتلاء أول ملك مسلم عرش مملكة مقُرة هي: بني كاهل ودغيم ورفاعة إلى جانب عرب جهينة. وذكر ابن بطوطة أن قبيلتي جهينة وبني كاهل كانتا تحت طاعة البجة، وأن بني كاهل يتحدثون لغة البجة كما ذكرنا أعلاه
ويضيف ابن خلدون (العبر ص 278) عن انتشار جهينة في بلاد النوبة بعد هزيمة مملكة المقرة عام 716 هـ/1316 م قائلاً: "ثم انتشرت أحياء العرب من جهينة في بلادهم واستوطنوها وملكوها وملأوها عبثاً وفسادًا، وذهب ملوك النوبة إلى مدافعتهم فعجزوا، ثم ساروا إلى مصانعتهم بالصهر فافترق ملكهم وصار لبعض أبناء جهينة من أمهاتهم على عادة الاعاجم في تمليك الاخت وابن الاخت، فتمزق ملكهم واستولى اعراب جهينة على بلادهم وليس في طريقه شيء من السياسة الملوكية للآفة التي تمنع من انقياد بعضهم إلى بعض، فصاروا شيعا لهذا العهد ولم يبق لبلادهم رسم للملك وانما هم الآن رجالة بادية يتبعون مواقع القطر شأن بوادي الاعراب، ولم يبق في بلادهم رسم للملك لما أحالته صبغة البداوة العربية من صبغتهم بالخلطة والالتحام والله غالب على أمره والله تعالى ينصر من يشاء من عباده"
والمصادر العربية لم تشر قط إلى اشتراك قبيلة جهينة في غزو النوبة أو مصاهرة الأسرة الحاكمة أو المشاركة في الأحداث التي تلت اسلام ملوك المقرة، بل حدث ذلك من قبيلتي بني الكنـز وهم من ربيعة وبني جعد وهم من لخم. ولم يكن لجهينة أي حضور في ذلك. ويبدو واضحاً أن معلومات ابن خلدون عن مملكة مقرة جاءت مختصرة اختصاراً شديداً وتفقد الدقة والمصداقية. ولعل أهم ما يلاحظ على هذا النص أنه خلا من دور بني الكنـز في تلك الأحداث، إذ لم يرد ذكرهم في كل ما كتبه ابن خلدون عن تلك الفترة ما عدا ذكر اسمهم ضمن العربان الذين شاركوا في حملة 686هـ أي قبل ثلاثين سنة من الحملة التي نصبت ملكاً مسلم على مملكة مقرة. كما ان مملكة مقرة ام تسقط ويُزال ملكها كما ذكر ابن خلدون. ففي عام 800 هـ/1397 م أي قبل وفاة ابن خلدون في مصر بثمان سنوات وصل ملك مملكة مقرة نفسه فاراً إلى القاهرة من ابن عمه طالبا المساعدة من السلطان المملوكي. كما سنتناوله في موضوعنا التالي.
فمعلومات ابن خلدون عن ممالك البجة والنوبة مقتضبة وكثير منها يفقد المصداقية، وكان من الممكن أن تظل تلك الأحكام العامة كغيرها من أحكام بعض الكتاب الذين كتبوا عن تاريخ النوبة بصورة مقتضبة وغير دقيقة، ولكن المشكل فيما أصدره ابن خلدون من أحكام أن المؤرخين غربيين وشرقيين بنوا عليها دراساتهم في تاريخ السودان وتفسير واقع مجتمعنا المعاصر. ولذلك فأنه ينبغي علينا التعامل مع نصوص ابن خلدون عن جهينة والنوبة بحذر شديد، وعدم الاستشهاد بها وضرورة مراجعة ما تم الاستشهاد به من تلك النصوص.
نظام الوراثة الأمومي
جاء في معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية (ص 260) أن النظام الأموميMatriarchy "يدل على شكل مفترض من أشكال المجتمع تتمتع فيه المرأة بالسلطة العائلية والسياسية فينسب الأولاد للأم، وتنحصر السلطة في الأم، كما ينحصر حق الميراث في فرع الأم في سلسلة النسب، كذلك يسكن الزوج مع عشيرة الأم. وينتشر هذا النظام في المراحل البدائية حيث يسود الزواج الجماعي ولا يعرف من هو والد الطفل بينما يمكن معرفة أم الطفل وحدها" ويرى محمد عوض محمد (السودان الشمالي ص 44) أن نظام وراثة العرش الأمومي كان عادة قديمة متبعة عند كثير من الشعوب خاصة الشعوب الحامية.
سادت وجهة النظر القائلة بالنظام الأمومي كثيرا بين الكتاب الذين اهتموا بصفة خاصة بكتابة تاريخ السودان الوسيط، بل إن منهم من تحمس لها وجعلها قاعدة انطلق منها، وأكد بها أن ملوك النوبة المسيحية كانوا يقلدون ملوك الممالك السودانية القديمة في كيفية تولي العرش، متخذين من نسب الأم قانونا لمنح الحق الشرعي للملوك كوسيلة للوصول للعرش. وسنتناول هنا - بإيجاز - بعض ما ورد عن النظام الأمومي في دولة كوش ثم ننتقل إلى ما ورد عن البجة والنوبة.
تناول موضوع النظام الأمومي لوراثة العرش في السودان القديم عدد من الباحثين منذ مطلع القرن العشرين مثل رايزنر ومكادم ودنهام وهكوك. كما عالجت سامية بشير دفع الله (1993) هذا الموضوع في بحث مستقل. وقد اتفقت آراء هؤلاء الباحثين أن وراثة العرش في ممالك السودان القديمة لم تتبع النظام الأمومي. فعلى سبيل المثال يقول رايزنز (Reisner, P 59) "إن وراثة العرش عند الكوشيين لم يكن من الأب للابن، إنما كان من الملك المتوفى إلى زعيم الأسرة أو أقواها، وأن القرار كان شكليا يصدر من الإله آمون، وفعليا من هيئة كهنة آمون في البركل فقد كان للإله آمون أهمية كبيرة في وضع قرارات الدولة."
وقد تناولت المصادر اليونانية والرومانية موضوع وراثة العرش في السودان القديم، وأتت بعدد من الآراء في ذلك ليس من بينها النظام الأمومي. "يقول هيرودوت (التواريخ ص 54) في القرن الخامس قبل الميلاد عن عاداتهم في اختيار ملوكهم "يختاروا من يرون أنه الأطول قامة والأقوى بالنسبة لطوله". ونقل ديودورس الصقلي (ببليوتيكا ص 89) ما ذكره أجاثرخيدس في القرن الثاني قبل الميلاد "أما فيما يتعلق بانتخاب الملوك، في البداية يختار الكهنة من بين صفوفهم أحسن مرشحهم، ثم يقوم جمع من الناس باختيار الملك الذي يختاره الإله أثناء موكب احتفالي تقليدي يطوف بالإله وهو محمول، ومن ثم ينبطحون على بطونهم أمام هذا الرجل ويقدسونه كما لو كان إلاهاً معتقدين أن الحكم وضع على يديه عن طريق العناية الالاهية" ويواصل ديودورس (ص 89) عن أجاثرخيدس:
"لكن في عهد بطلميوس الثاني كان الملك الأثيوبي أرقاماني الذى درس الفلسفة الإغريقية هو اول من وجد في نفسه الشجاعة ليرفض تنفيذ أوامر الكهنة. وبمضاء وعزم الملوك جاء بقوة مسلحة الى المكان المحرم دخوله حيث يوجد معبد الاثيوبيين الذهبي فقتل كل الكهنة وأبطل هذه العادة وشرع قوانين جديدة من اختياره هو."
ويضيف اجاثرخيدس (ص 96) أن " بعض القبائل تعطي الملك لأجمل رجل في القبيلة إذ أنهم يعتبرون أن الملك والهيئة الجميلة من ضربات الحظ. آخرون يعهدون بالملك لرعاة الماشية الممتازين لاعتقادهم أنهم وحدهم القادرين لتوفير أخسن رعاية لرعاياهم. قبائل أخرى تعطي الملك لأغنى الرجال لاعتقادهم بأن هؤلاء هم وحدهم القادرون على مساعدة الرعايا لأنهم يمتلكون الوسائل الكفيلة بذلك. هنالك أيضاً جماعات تجعل مقياس اختيار الملوك هو الشجاعة، لاعتقادهم أن المقتدرين في القتال هم وحدهم الأحق بالاستحواذ على منصب الزعيم." ويرى سترابو (ص 115) في القرن الأول قبل الميلاد أن الأثيوبيين كانوا يعينون في منصب الملك من تميز بجمال هيئته أو بمهارته في تربية الماشية أو بالشجاعة أو بالثراء.
ورغم اجماع المصادر اليونانية والرومانية واتفاق آراء الباحثين في تاريخ السودان القديم أن النظام الأمومي في وراثة العرش م يكن مستخدماً في السودان القديم، إلا أن نقولا الدمشقي (سامية ص 106 و Eide et. al. Vol. 2 p 684) الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد انفرد برواية عن ملوك السودان القديم حيث ذكر أنه "يكِنُّ الاثيوبيون إجلالاً خاصاً لأخواتهم، فالملوك يورثون من لأبنائهم بل لأبناء أخواتهم. وعندما لا يوجد وريث يختارون للمنصب أجمل رجالهم وأميزهم في الحروب".
عاش نقولا الدمشقي في سوريا وتنقل بين دمشق وروما. ويبدو ما ذكره في كتابة "غرائب العادات" غريباً ويخالف ما ورد في المصادر الأخرى، وربما قصد نقولا بالاثيوبيين المعنى العام للكلمة أي سكان افريقيا السود. كما يبدو مقبولاً أن تكون المصادر العربية قد اعتمدت عليه وبخاصة المصادر القبطية.
فقد تعرضت المصادر العربية للنظام الأمومي في مجتمعي البجة والنوبة لكنها لم تتفق فيما روته من معلومات. ذكر ابن حوقل (صورة الأرض ص 73) اباع ملوك علوة لهذا النظام فذكر أنه "ومن سنة جميع السودان إذا هلك الملك أن يقعد ابن اخته دون كل قريب وحميم من ولد وأهل" وذكر ابن سليم (كتاب أخبار النوبة ص 105) عن البجة "أنسابهم من جهة النساء ... وهم يورثون ابن البنت والن الأخت دون ولد الصلب، ويقولون إن ولادة ابن الأخت وابن البنت أصح، وأن يكون من زوجها أو من غيره فهو ولده على كل" وسلك أبو صالح الأرمني (تاريخ ص 244) "وذُكر أن عادتهم جارية بأنه إذا مات ملك وخلف ولد وكان له ابن أخت فيملك بعد خاله دون ولد الملك، وإن لم يكن له ابن أخت يملك ولده بعده".
بينما ذكر المسعودي (مروج الذهب ص 71) أنه أُخبِر أثناء وجوده في مصر أن " "الملك للنوبة في مدينة دنقلة كبري بن سرور، وهو ملك بن ملك بن ملك فصاعداً" ويفهم من قوله هذا أن وراثة العرش لا تتبع النظام الأمومي بل يرث الأبناء آباءهم أباً عن أب فصاعداً. كما أشار إلى هذا المعنى ابن بطوطة (ص 254) الذي زار بلاد البجة وقال عنهم "وهم لا يورثون البنات" وهذا يتعارض مع ما ذكره ابن سليم الذي لم يدخل بلاد البجة.
وقد أحصى محمد مصطفى مسعد (1960 ص 81) 35 مكاً من ملوك مملكة مقُرة، وأضفت أنا (السودان الوعي بالذات ج 3 ص 142) إلى ذيل قائمته بعض الأسماء الأخرى فأصبحت القائمة تضم أسماء 43 ملكاً. ولا تتوفر معلومات عن صلة القرابة بين كل الملوك الذين وردت أسماؤهم في القائمة، بل توفرت عن 18 فقط منهم. واتضح أن عدد الملوك الذين ورد أنهم ورثوا آباءهم أو اخوانهم أو أبناء إخوانهم من هؤلاء الثمانية عشر بلغ 14 ملكاً، وأن عدد الملوك الذين ورد أنهم ورثوا أخوالهم (أبناء الأخوات) 4 فقط، واتضح أن ثلاثة من هؤلاء الأربعة (أرقام 24 و27 و28 في القائمة) توصلوا للسلطة نتيجة صراع على العرش وتدخل ملوك المماليك.
وتوضح هذه الأرقام بصورة جلية أن النظام الذي كان سائداً هو النظام الأبوي وليس الأمومي، فنسبة النظام الأبوي مثلت 77.7% بينما بلغت نسبة النظام الأمومي 22.2%. ويبدو أن آدمز (ص 414) قد لاحظ ذلك حيث ذكر أن نظام انتقال وراثة العرش في الممالك المسيحية النوبية في العصور الوسطى الأولى كما يبدو من المدونات المعاصرة وحتى فترة القرن الحادي عشر من الأب إلى الابن بالتقليد المسيحي المعتاد.
ورغم اتفاق المصادر القديمة على عدم اتباع النظام الأمومي في وراثة العرش في السودان القديم، وعدم اتفاق المصادر العربية على تطبيقه في ممالك البجة والنوبة، ورغم اتضاح أن النظام الأبوي هو الذي كان سائداَ في مملكة مقرة وليس النظام الأمومي، إلا أن كل مصادر معرفتنا بتاريخ الاسلام في السودان استخدمت أو اعتمدت على مفهوم النظام الأمومي في وراثة العرش واستخدمته كحقيقة مسلم بها.
يقول بول (Paul p 64) عن البجة أن "ابن البنت أو ابن الأخت هو الذي يرث السلطة لو كان ابن أبيه حقيقة أو ابن رجل آخر فهو ابن البنت" وقد نقل بول – كما فعل ماكمايكل –عن بوركهارت الذي اعتمد على ابن سليم الأسواني. ويرى يوسف فضل (Yusuf Fadl p 14, 59, 85, 128) أن "العرب ورثوا السلطة في بلاد البجة عن طريق التزاوج معهم حسب نظام الأمومة الذي كان سائداً في السودان في ذلك الوقت، وأن قبيلة ربيعة اكتسبت سيادتها عن طريق هذا النظام، وأن العرب تصاهروا مع الحداربة وسادوا، وأن بعض البجة أصبحوا عرباَ بالتزاوج مع العرب، وأن تزاوج العرب ومصاهرتهم مع السكان الأصليين جعلهم يسيطرون سريعا على السكان المحليين وعلى بلادهم في آخر الأمر وفقاً لمبدأ الوراثة القائم على نسب الأم.
وأخيراً فإن النظام الأمومي في وراثة العرش والسلطة لم يكن مطبقاً في السودان القديم، وأن المصادر العربية لم تتفق في تطبيقه في ممالك البجة والنوبة، وأن المعلومات التي توفرت عن صلة القرابة بين ملوك مملكة مقرة وضحت أن النظام الأبوي هو الذي كان سائداً، ولذلك فإن كل ما ورد في كتب التاريخ عن انتشار النظام الأمومي في وراثة العرش والسلطة وما تأسس عليه من نتائج وأحكام لا تمثل حقائقاً تاريخية بل هي مجرد آراء اختارت ووظفت بعض المعلومات التاريخية التي تسند وجهة نظرها وتجاهلت بصورة كاملة الجانب الآخر من المعلومات التاريخية التي تخالف اطروحتها. وعليه فإنه كما رأينا ضرورة مراجعة وتقييم ما أورده ابن خلدون عن قبيلة جهينة، كذلك ينبغي مراجعة وتقويم كل من تأسس على مفهوم تطبيق النظام الأمومي في وراثة السلطة والعرش في المجتمعات السودانية.
ونواصل .. ما ورد عن سقوط مملكة مقرة
المراجع
- ابن بطوطة، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، في مصطفى محمد مسعد، المكتبة السودانية العربية، الخرطوم: دار المصورات للنشر والطباعة والتوزيع 2014.
- ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن جاورهم من ذوي السلطان الأكبر، في مصطفى محمد مسعد، المكتبة السودانية العربية، الخرطوم: دار المصورات للنشر والطباعة والتوزيع 2014. الخرطوم: دار المصورات للنشر والطباعة والتوزيع 2014.
- ابن سليم الأسواني، كتاب أخبار النوبة والمقرة وعلوة والبجة والنيل، في مصطفى محمد مسعد، المكتبة السودانية العربية.
- أبو صالح الأرمني، تاريخ الشيخ أبي صالح الأرمني، في مصطفى محمد مسعد، المكتبة السودانية العربية.
- آدمز، وليام، النوبة رواق افريقية
- أحمد الياس حسين: " قبيلة جهينة: هل تكاثرت وتغلبت على النوبة وازالت ملكهم كما روى ابن خلدون، أم كانت غائبة تماما عن تلك الأحداث؟" مجلة الدراسات السودانية، معهد الدراسات الافريقية والآسيوية جامعة الخرطوم عدد 18 اكتوبر 2009.
- أحمد الياس حسين، الوعي بالذات وتأصيل الهوية، الخرطوم: مركز بناء الأمة للبحوث والدراسات 2012.
- أحمد زكي بدوي، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، بيروت: مكتبة لبنان 1982.
- ديودورس الصقلي، ببليوتيكا، في سامية بشير دفع الله، السودان في كتب اليونان والرومان، الخرطوم: جامعة
- السودان المفتوحة 2008.
- سترابو، الجغرافيا، في سامية بشير دفع الله، السودان في كتاب اليونان والرومان.
- القلقشندي، قلائد الجمان في التعريف بقبائل أهل الزمان، موقع الوراق warraq.com
- المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، في مصطفى محمد مسعد، المكتبة السودانية العربية.
- محمد عوض محمد، السودان الشمالي سكانه وقبائله ط 3، الخرطوم: دار المصورات للنشر 2013.
- مصطفى محمد مسعد، الاسلام والنوبة في العصور الوسطى، القاهرة: مكتبة الانجلو المصرية. 1960.
- هيرودوت، التواريخ، في سامية بشير دفع الله، السودان في كتاب اليونان والرومان.
- Eide et al, (eds.) 1994-2000, Fontes Historiae Nubiorum 4 volumes, University of Bergen.
- Paul A, A History of the Beja Tribes of the Sudan, London: Frank Cass and Com. Ltd. 1971.
- Reisner, G. A. (1919) “Outline of the Ancient History of the Sudan, Part IV, The First Kingdom of Ethiopia, its Conquest of Egypt and its Development into a Kingdom of the Sudan "Sudan Notes and Records, Vol. 2, Part 1, pp. 35 - 67.
- Samia Beshir Dafa،alla, (1993) “Succession in the kingdom of Nabata 900 – 300 BC” International Journal of African Historical Studies, No. 1, 167 – 174.
- Yusuf Fadl Hasan, The Arabs and the Sudan, Khartoum: Khartoum University Press 1973.
بقلم أحمد الياس حسين



lh rhg hfk og],k uk [idkm