كتاب : المساليت
بقلم : ابراهيم يحيى عبد الرحمن
المساليت ، عن مطبعة حصاد للطباعة والنشر ـ 2009م . ويقع في (610) صفحة من القطع المتوسط . ويتضمن خمسة فصول . والمؤلف هو الأستاذ إبراهيم يحي عبد الرحمن ، المولود في دار مساليت في أربعينيات القرن الماضي . وهو خريج كلية الآداب جامعة الخرطوم ، ويحمل دراسات فوق جامعية . عمل في بداية حياته بالتعليم في مختلف أنحاء السودان لاسيما دارفور . مما أكسبه معرفة عميقة بجغرافيتها ، وثقافتها . ثم دخل حقل السياسة والإدارة ، فتقلد أعلى المناصب الدستورية في نواحي السودان المختلفة ، منها منصب والي ولاية غرب دار التي تشكل دار مساليت معظم مساحتها . وهو رجل مخضرم تنوعت تجاربه السياسية ، بما فيها المعارضة المسلحة في دارفور , فتقلد أهم المواقع القيادية في الحركات المسلحة فيها . وهو فوق كل هذا وذاك باحث ، ومهتم باللغويات .وذلك كله يضفي أهمية خاصة على مؤلفه هذا ، والذي اختار له عنوان (المساليت) وهو اسم قبيلة معروفة في السودان . يقول المؤلف في مقدمة كتابه (المساليت) ، والذي بدأ في عام 1963م :( لقد دهشت للتاريخ العظيم لقبيلة المساليت , والذي لم يدون ولم تعرفه مناهج الدراسة في السودان) .

يتناول المؤلف أصل قبيلة المساليت , ويناقش ويحلل كل الآراء المختلفة التي تناولته ، والتي أرجعت أصلهم إلى الزنوج والعرب والبربر . وفى الأصل العربي للمساليت ، نسبوا إلى عمرو بن هشام القرشي والمعروف بأبي جهل . وذلك غريب جداً عن أصول أهل السودان العربية ، والتي يرجعونها دائماً إلى البيت النبوي الشريف ، أو إلى أعيان صحابة الرسول الكريم (ص) . ويذكر المؤلف أن المساليت خرجوا من جزيرة العرب أيام حروب الردة ، عهد سيدنا أبي بكر رضي الله عنه ، وأنهم من العرب الذين رفضوا دفع الزكاة . ويخلص إلى أن أصل المساليت خليط من الزنوج العرب والبربر . وأورد الكتاب معلومات دقيقة عن بطون القبيلة ، وأحصى منها (119) بطناً مبيناً موطن كل بطن في دار مساليت .

ويسكن المساليت الشريط الممتد من بحيرة تشاد غرباً ، إلى حدود السودان مع أثيوبيا شرقاً . ويتمركزون طبعاً في دارمساليت في ولاية غرب دارفور حالياً ، والتي تعرف بدارمسليت تاريخياً . وفي ولاية جنوب دارفور في مناطق قريضة وجوغانة ، وفي جبال النوبة بولاية جنوب كردفان ، ومنطقة الجزيرة بين النيلين ، وفي ولاية القضارف جنوباً وشرقاً ، في قري متصلة إلى حدود أثيوبيا .

أما تاريخ الساليت فيركز عليه المؤلف من خلال الذي لعبته منطقة دارفور في تاريخ أفريقيا عامة ، والسودان خاصة . فيتناول الممالك الإسلامية الثلاث المهمة في المنطقة . والتي سبقت سلطنة المساليت ، وهي ممالك الداجو التنجر والفور . ثم يذكر الظروف التي قامت عليها السلطنة الأولى للمساليت ، على يد السلطان هجام حسب الله ، المؤسس الأول للسلطنة ، في عهد الأتراك ، وفي أعقاب سقوط سلطنة الفور على يد عملائهم من السودانيين .

واصطدم المساليت بالثورة المهدية ، وهي في قمة عنفوانها وقوتها وتمددها غرباً ـ رغم أن مؤسسي سلطنتهم الأوائل كانوا من أنصارها الذين هاجروا إلى عاصمة المهدية أمدرمان ـ وكان أهم أسباب الصدام أن سياسة المهدية لم تعجب المساليت . وكانت تقوم علي تهجير قبائل بأكملها من مواطنها وحواكيرها ، إلى أمدرمان ، وتنصب عليها زعماء جدد يوالون المهدية ، ويتبعون نهجها . وقد ذكر المؤلف أهم المعارك التي دارت بين المساليت والمهدية ، منها ثورة أبوجميزة . وكان المساليت هم قادتها العسكريون . وقد هزمت تلك الثورة دولة المهدية في كل المعارك التي دارت بينهما ، فأجبرتها على الانسحاب من دارفور كلها ، حتى انحصرت في الفاشر فقط . وأورد المؤلف غزيرة وجديدة عن الثورة وقائدها أبوجيزة الرجل الغامض .

وكانت قيادة المساليت قد انتقلت من مؤسس السلطنة السلطان هجام حسب الله ، إلى الفكي إسماعيل عبد النبي الذي نقلها باختياره إلى ابنه السلطان أبكر ، الذي أوصل المملكة الوليدة إلى مكان الصدارة من قريناتها من السلطنات القديمة . وذلك بعد قضاء الإنجليز على دولة المهدية . وقد فوجئ الإنجليز بوجود سلطنة مستقلة في دارفور هي سلطنة المساليت ، بعد قضائهم على السلطان علي دينار آخر سلاطين الفور سنة 1916م . وكانت سلطنة المساليت قد صمدت في وجه زحف الإستعمار الفرنسي القادم من الغرب ، مبتلعاً الممالك والسلطنات الواحدة تلو الأخرى بما فيها مملكة وداي العظيمة . وقد وجد الفرنسيون في سلطنة المساليت سداً منيعاً حال دون تقدمهم شرقاً إلى أراضي جمهورية السودان الحالية . وخاض المساليت معاركهم ضد فرنسا تحت قيادة السلطان العظيم محمد تاج الدين الذي خلف أخاه السلطان أبكر . ودارت المعركة الأولى بين المساليت وفرنسا في سهل كريندنق Krinding في 4/1/1910م ، فانتصر المساليت رغم التفوق الفرنسي في السلاح والعتاد. وقتل المساليت قائد الحملة الكابتن (نقيب) فلقنشو ، وغنموا سلاحاً كثيراً وعتادا . لم تصدق فرنسا هزيمتها من قبيلة . وشكل الشعور بالعار ، و الضغط الكبير من الشعب الفرنسي , أن تعيد فرنسا الكرة ضد المساليت ، في نفس السنة ، بجيش أكبر عدداً وأكثر عتاداً . وعقدوا لواءه لقائد برتبة كولونيل (عقيد) ، هو الكولونيل مول . ودارت المعركة الثانية في دروتي في 9/11/1910م . وانتصر المساليت على فرنسا في هذه المعركة أيضاً . وقتلوا الكولونيل مول . وغنموا ما غنموا , ولكن بثمن باهظ جداً من الرجال الشجعان ، الذين حصدتهم أحدث الأسلحة النارية التي أنتجتها مصانع أوروبا . ولكنهم أنقذوا بلادهم الاستعمار الفرنسي . واستشهد السلطان محمد تاج الدين ، أشجع سلاطين أفريقيا . فخلفه ابن أخيه السلطان محمد بحر الدين (أندوكة) , الذي عقد اتفاقاً مع الفرنسيين ،أصبحت بموجبه دار مساليت مستقلة تحت حكم سلطانها . وقد أقر الإنجليز الذين استعمروا السودان ذلك الاتفاق . فجعلوا لدار مساليت وضعاً خاصاً من الاستقلال والحكم الذاتي ، مما يتيح لهم خيارات ، إقامة دولة مستقلة ، أو الانضمام إلي تشاد ، أو الانضمام إلى السودان . وفضل المساليت الانضمام إلى السودان . فأضافوا لأرضه مساحات شاسعة من الأراضي الغنية .

تناول الكتاب بتفصيل دقيق حدود دار مساليت ووداي (تشاد الحالية) . وكذلك تناول النظام الإداري لسلطنة المساليت . الذي يقوم علي القبيلة ، والمتمثل في الحواكير والدناقر والفئوس . وتناول كذلك مواضيع أخرى كالتعليم والقضاء .

ولعل من أهم ما تناوله الكتاب ، العلاقة بين سلطنة المساليت والقبائل المجاورة مثل القمر في الشمال، والداجو في الجنوب . والقبائل العربية التي احتضنتها السلطنة , ووفرت لها المراعي ، وأقطعتها الحواكير . فطاب لها المقام ، فعاشت في سلام وإخاء, تحت زعاماتها من العمد والمشايخ ، في كنف السلطنة .

وزخر الكتاب بكم هائل من الكلمات ، والمصطلحات المحلية , والأشعار والأغاني التي تمجد بطولات المساليت ومعاركهم . ووثق كثيراً من الأحداث المهمة للنضال السودان والإفريقي . وتضمن صوراً وخرائط ووثائق نادرة ثمينة . وقد عرض المؤلف مادة الكتاب في وضوح وسلاسة . وبلغة فصيحة بسيطة .

وكما أسلفنا فإن المؤلف ذكر أنه بدأ تأليف هذا الكتب سنة 1963م ، ولما يزل طالباً في المراحل الأولية . وامتد التأليف قرابة نصف قرن من الزمان . واعتمد على عشرات المصادر والمراجع العربية الأجنبية . والشهادات الشخصية لمعمرين شهدوا تلك الأحداث . كل ذلك يجعل لهذا الكتاب أهمية خاصة .



hglshgdj > hfvhidl dpdn uf] hgvplk