النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: مسألة:نداء الخادم المجهول الاسم بـ"مـحمـد"

مسألة:نداء الخادم المجهول الاسم بـ"مـحمـد"

  1. #1

    افتراضي مسألة:نداء الخادم المجهول الاسم بـ"مـحمـد"

    مسألة:نداء الخادم المجهول الاسم بـ"مـحمـد" السبت 10 ذو القعدة 1432 الموافق 08 أكتوبر 2011


    د. أحمد يوسف الزمزمي مكة المكرمة


    الحمد لله رب العالمين الذي امتنَّ علينا ببعثة سيد الأنبياء والمرسلين، وأفضل خلق الله أجمعين، صاحب اللواء والحوض والشفاعة والمقام المحمود يوم الدين، فما من خير في الدين والدنيا إلا وعلى يديه تحقق، وببركته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه تدفق، بجَّله ربه وعظَّمه وأشاد بفضله وأخذ العهد على النبيين والمرسلين إن بُعث وهم أحياء أن يتبعوه ويكونوا أفرادا من أمته صلى الله عليه وآله وسلم، وأخذ العهد عليهم جميعا أن يأخذوا العهد على أممهم أن يتبعوه إن بعث وهم أحياء. وأمر بتبجيله وتعظيمه وتوقيره غاية التوقير والتعظيم فقال : " لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزِّروه وتوقِّروه وتسبحوه بكرة وأصيلا " فالتسبيح لله تعالى، والتعزير- أي النصرة- والتوقير لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم. بل وهدد الذين يرفعون أصواتهم فوق صوته بإحباط العمل ولو لم يقصدوا عدم توقيره، ولو كانوا ما كانوا في التقوى والفضل :"يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون". نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، تجادلا فارتفعت أصواتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الوعيد باق بعد موته، فمن يرفع صوته متعمدا عند قبره الشريف متوعَّدٌ بإحباط عمله؛ لأن حرمته ميتا كحرمته حيا صلى الله عليه وسلم، كما هو إجماع العلماء، ويدل عليه أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه قال للرجلين اللذين رفعا أصواتهما في المسجد وليس عند القبر -وهما من أهل الطائف-: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا. يعني: لولا أنهما غريبان من أهل الطائف ولا يعرفان هذا الحكم. وحرَّم سبحانه وتعالى مناداته باسمه فقال:"لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم لبعض" فيحرم إجماعا أن يقال له صلى الله عليه وسلم: يا محمد. بل يجب أن يقال: يا رسول الله، يا نبي الله. صلى الله عليه وآله وسلم. بل إن ربه سبحانه وتعالى لم يناده في القرآن باسمه بل ناداه بيا أيها النبي. يا أيها الرسول. مع أنه نادى غيره من النبيين والمرسلين بأسمائهم فقال: "وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة"، وقال:"يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك"، وقال:"وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا"، وقال :"يا موسى إني اصطفيتك على الناس "، وقال:"يا عيسى إني متوفيك"، وقال:"يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض"، إلا خاتمهم وأفضلهم ليس في القرآن كله: يا محمد. وهذا فيه من التبجيل والتوقير من الرب سبحانه ما لا يدرك العقل البشري مداه، فتعظيم الرب سبحانه ليس كباقي التعظيم، ومبالغة الله تعالى ليس كمبالغة غيره جل جلاله وتقدست أسماؤه. فكل شيء فيه صلى الله عليه وسلم موقَّر مقدس مبجل محترم : ذاته الشريفة الزاكية أفضل الذوات على الإطلاق، وأخلاقه العظيمة الهائلة التي تمثل كمالَ اصطفاء الله تعالى، فإذا كان الكليم عليه الصلاة والسلام قال له الرب جل جلاله:"واصطنعتك لنفسي" فما الظن بالخليل الحبيب الذي رفعه فوق رتبة الكليم درجات. وأسماؤه العظيمة التي اختارها له ربه سبحانه وتعالى موقرة مبجلة معظمة؛ لأنها تدل على شرف وكمالِ مسماها، واصطفاءِ الله تعالى له في ذاته وصفاته وأسمائه صلى الله عليه وآله وسلم، فكما حصل الاصطفاء في الذات والصفات، حصل الاصطفاء في الأسماء والصورة الظاهرة الكاملة المكمَّلة من كل نقص وعيب صلى الله عليه وآله وسلم. فمحمد وأحمد والماحي والحاشِر والعاقِب والمقفِّي أسماءٌ له اختارها الله تعالى واصطفاه بها، واصطفاه بكنيته أبو القاسم صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولذا نهى حبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن التسمي باسمه مع التكني بكنيته حتى لا يقع التشبه من كل وجه، فهذه خصوصية له صلى الله عليه وآله وسلم اصطفى الله له هذه الأسماء مع الكنية الشريفة، أما مجرد التسمي باسمه فالجمهور على استحبابه رغبةً في نيل بركات هذا الاسم العظيم للمسمَّى، إلا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فقد ذهب إلى حرمة التسمي باسم محمد، حتى لا يهان هذا الاسم فيُسب الشخص المسمى بذلك الاسم، فيهان اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكيف لو رأى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه الإهانة الحقيقية لهذا الاسم المبجَّل كما هو حاصل بيننا، ونراه على مسمع منا ولا حراك ولا إنكار ولا استغراب ولا استفظاع!!! فقد سئل بعض المفتين هداه الله تعالى إلى الحق: ما حكم مناداة الشخص المجهول الاسم بمحمد؟ فقال: لا بأس. فقال السائل: ولو كان كافراً؟ فقال: ولو كان كافراً. وهذه فتوى سمعتها بأذني ولم يروها لي أحد. فهذا الاسم عند هذا المفتي ليس فيه قداسة ولا اصطفاء، فلا فرق بينه وبين زيد وعمرو وصخر وأسد ونحوها، فما المانع أن ننادي الشخص باسم محمد ولو كان كافراً؛ لأنه لا خصوصية لهذا الاسم. ولو سُلِّم هذا الجهل والجفاء الظاهر، وسوء الأدب المخجل: لكان من حق نبينا صلى الله عليه وسلم أن نبجله فنمتنع من تسمية أي شخص مجهول بمحمد، تعظيما لاسم حبيبنا وسيدنا وقدوتنا وقائدنا صلى الله عليه وآله وسلم، والذي يمثل جزءاً من شهادة التوحيد، وهي تمثل غاية القداسة لنا كمسلمين، لا سيما إذا كان المنادَى لا يمثل جلالة هذا الاسم كفاسق أو كافر أو جاهل وضيع أو خادم مبتذل. أرأيتَ ملكا من ملوك الأرض هل يرضى من شعبه أن يجعلوا اسمه حرف نداء لكل وضيع أو مبتذل، حتى يُنادَى باسمه الزبال والكناس وصانع الأحذية وسقط الخلق!! ألا يَعُدُّ ذلك استخفافا عظيما بمقامه ومنزلته (1)!! فيا سبحان الله كيف وصل الجفاءُ بنا وسوءُ الأدب مبلغا عظيما، وحتى أصبحنا لا نحس بالجفاءِ الظاهر وسوءِ الأدب القبيح الذي لا يرضاه بعضنا لنفسه، فقد وصل الحال ببعض السعوديين إذا ناداه شخص بمحمد لا يرد عليه ويستنكف عن الرد؛ لأنه يعتبر هذه المناداة تدل على أنه في طبقة الخدم غير السعوديين الذين يُنادَون عادةً بمحمد من قبل عامة السعوديين. فانظر كيف وصل الحال بنا في إهانة اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن بعضنا يستنكف من مناداته بمحمد؛ لأن هذا الاسم يدل على طبقة الخدم!!!! إذ أكثر السعوديين اليوم ينادون الخادم أو العامل المجهول الاسم بمحمد. أما السعودي المجهول الاسم فينادونه: يا طيب يا أخوي، ونحوها من ألفاظ النداء؛ لأن اسم محمد أصبح علامة على الخدم. ولن أنسى من عشر سنوات تقريبا يوما خرجت فيه من المسجد وإذ بشخص سعودي ينادي عامل النظافة وهو يكنس الأرض: يا محمد يا محمد. ووالله لقد أصابتني قشعريرة ودهشة شديدة، من شدة الفاجعة التي تطرق أذني، فمحمد اسم عادي ليس له أي قداسة ولا تعظيم، فيبتذل لعامل النظافة!!! ثم انتشر هذا المنكر الفظيع انتشارا هائلا حتى أصبحنا نسمع صباح مساء مناداة عامة العمال بمختلف المهن الوضيعة: يا محمد يا محمد. فأين مكانة النبوة!! وأين اصطفاء الرسالة!! وأين خلة رب العالمين له صلى الله عليه وآله وسلم!! وأين اجتباؤه بمرتبة المحبة والرؤية!! وأين التفضيل على أهل السماء وأهل الأرض، بل على كل خلق الله أجمعين!! كل هذه لا تقدِّس هذا الاسم الأوحد لأفضل خلق الله تعالى أجمعين عند هذا المفتي وأمثاله من عامة الجفاة. لا يقولن قائل: إن هؤلاء الذين ينادون الخدمَ باسم محمد لا يقصدون إهانة الاسم، بل يقصدون تكريم المنادَى واحترامَه بهذا الاسم المبجل _ لأنا نقول: تكريم المنادَى بما يستحقه من الأسماء أو الأوصاف لا بما لا ينطبق عليه، ولا بما يلزم منه الاستخفافُ بمقام مَنْ كان منطبقا عليه، وإلا لو جوزنا هذا التكريم المزعوم بالإطلاق لصح لنا أن ننادي المجهول مِنْ خادم وعامل: بالملك، أو بصاحب السمو، أو بمعالي الوزير، أو بسماحة الشيخ، أو الدكتور، إلى غير ذلك من الألقاب المحترمة التي لا يليق إطلاقها إلا على أربابها، وإطلاقها على غيرهم هزءٌ باللقب واستخفافٌ بأربابه. فإذا كان هذا حالَ ألقاب البشر الاحترامَ والتوقيرَ وعدمَ الاستخفاف بها، فما الظن بلقبٍ اختاره ربُّ العالمين بنفسه لأحب مخلوق عنده، جل جلاله وتقدست أسماؤه، وخصه من بين سائر أحبابه وأنبيائه بذلك اللقب وذلك الاسم، ألا يستحق ذلك اللقب التوقير والتنزيه عن كل صور الاستخفاف والتحقير؟!. لا شك أن الجواب: من باب أولى، فألقاب جميع الأنبياء سواءٌ أسماؤهم أو صفاتهم ليست كغيرهم، فكيف بالرسل صلوات الله عليهم أجمعين، فكيف بأولي العزم، فكيف بأفضل أولي العزم وأفضل مخلوق في الوجود!!! وأما عدم قصد الإهانة فهذا لا يخرج الفعل عن كونه إهانة، فالإهانة تارة تكون بقصد وتارة بغير قصد، ولكلٍّ حكمه، نسأل الله تعالى العافية والسلامة من كل تعدٍّ على حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومقامه العظيم.

    وأود بعد هذا الكلام الوجيز لهذا المقام العظيم تتويجَ المقال ببعض الأدلة الأخرى – إضافة إلى ما ذكر - المحرِّمة لهذا الفعل القبيح الشنيع، مع ذكر نماذج من توقير السلف لاسم الحبيب عليه الصلاة والسلام وكلِّ ما له صلة به صلى الله عليه وآله وسلم.أما الأدلة المحرمة: فمنها قوله تعالى:"والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم". فإذا كان بعض سفهائنا يَعُد إهانةً له أن يُنادَى بمحمد؛ لأنه شعار للخدم عندهم، فكيف لا يكون هذا الابتذال الصارخ والإهانة المتكررة لهذا الاسم المقدس أذيةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم!!! وأذيته أذيةٌ لرب العالمين، وإهانته إهانةٌ لرب العالمين الذي ربط تبجيلَه صلى الله عليه وسلم بتبجيله، وتوقيرَه بتوقيره، فقال جل جلاله:"إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ". ومَنْ يتأمل سباق هذه الآية وهو النهيُ عن أذية النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالدخول إلى بيوته من غير إذنه صلى الله عليه وسلم، والنهيُ أيضا عن المكوث عنده بعد الفراغ من الطعام؛ لأن ذلك يؤذيه صلى الله عليه وسلم، وهو يستحي أن يظهر هذا الأذى صلى الله عليه وسلم، وربُّه جل جلاله الذي تولى الدفاع عنه لا يستحي من الحق، وكذا النهيُ عن سؤال زوجاته متاعا إلا من وراء حجاب، ثم ختم الآية بقوله:"وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما". أقول: من يتأمل هذا السباق مع الآية اللاحقة له والتي فيها لعْنُ وتوعُّدُ مؤذيه صلى الله عليه وسلم بالعذاب المهين - يدرك أن من صور ذلك الأذى المستَحَق عليه هذا الوعيد العظيم : هو المكوث بعد الفراغ من الطعام مع العلم بأن ذلك يؤذيه. فأيهما أشدُّ أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم : المكوث بعد الطعام، أم الاستخفاف باسمه الذي هو علامةٌ على ذاته المقدسة - صلى الله عليه وسلم - بإطلاقه على كل مبتذل مهان بما فيهم الخدم والفساق والجهال وسقَطُ الناس، بل والكفار!!!

    ومنها: قوله تعالى:"ورفعنا لك ذكرك". وهذه الآية نص صريح قاطع في تقديس اسمه -وكلِّ ما له صلةٌ به- ورفْعِه على باقي الأسماء؛ لأن ذكره هو اسمه، كما ذكرت عامة كتب التفسير. قال ابن جزي في التسهيل في تفسير هذه الآية: أي نوَّهنا باسمك وجعلناه شهيرا في المشارق والمغارب. وقيل معناه: اقتران ذِكْره بذِكْر الله في الأذان والخطب والتشهد وفي مواضع من القرآن، وقد روي في هذا حديث أن الله قال له: إذا ذكرتُ ذكرتَ معي. التسهيل ص 796. وكلا المعنيين صحيح قطعا: التنويه: وهو التعظيمُ والتفخيمُ والإشادةُ باسمه وإشهارُه بين العالمين، وقَرْن اسمه باسم الرب سبحانه وتعالى؛ لبيان أن تفخيم اسمه من تفخيم اسم الله تعالى، وأنه أقرب أحبابه إليه وأجلُّهم عنده، فلا يذكر اسم الله تعالى إلا وذكر معه اسم حبيبه ومصطفاه. قال الحافظ ابن حجر: أخرج الطبري وصححه ابن حبان من حديث أبي سعيد رفعه:" أتاني جبريل فقال: يقول ربك: أتدري كيف رفعتُ ذكرك؟ قال: الله أعلم. قال: إذا ذُكرتُ ذكرتَ معي". وهذا أخرجه الشافعي وسعيد بن منصور وعبد الرزاق من طريق مجاهد قولَه. انظر: فتح الباري 8/712. قال الألوسي في تفسير هذه الآية : " ورفعنا لك ذكرك "بالنبوة وغيرها، وأيُّ رَفْع مثل أنْ قَرَن اسمَه عليه الصلاة والسلام باسمه عز وجل في كلمتي الشهادة، وجعل طاعتَه طاعتَه، وصلى عليه في ملائكته، وأمر المؤمنين بالصلاة عليه، وخاطبه بالألقاب كـ "يا أيها المدثر" "يا أيها المزمل" "يا أيها النبي" "يا أيها الرسول" وذكَره سبحانه في كتب الأولين، وأخذ على الأنبياء عليهم السلام وأممِهم أن يؤمنوا به صلى الله تعالى عليه وسلم..... أخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال:"أتاني جبريل عليه السلام فقال: إن ربك يقول أتدري كيف رفعتُ ذكرك ؟ قلتُ: الله تعالى أعلم. قال: إذا ذُكِرتُ ذُكِرتَ معي". وكان ذلك من الاقتصار على ما هو أعظم قدراً من أفراد رفع الذكر. انظر: روح المعاني 10/ 216-217. ويقصد الألوسي رحمه الله تعالى بأن الحديث الشريف اقتصر على أجل أفراد الرفع وهو قرن اسمه صلى الله عليه وآله وسلم باسم ربه تعالى، وإلا فرفْع ذكره يشمل أمورا كثيرة منها ما ذَكَره، ويشملها والله تعالى أعلم : رَفْعُ كلِّ شيء له به صلة صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا؛ لأن ما له صلةٌ به من ذكره صلى الله عليه وسلم.

    فاقتران اسم محمد باسم الله تعالى العظيم الجليل أعلى مراتب الرفع، وهو دليل قاطع على أن اسم محمد اسمٌ مقدس له من تعظيم اسم ربِّه حظٌّ وافرٌ لا يبلغه اسمُ أحد من المخلوقات غيره، فالله عظيم لا يقرن باسمه إلا أعظم مخلوقاته عنده جل جلاله، فمَنْ يستهين باسم محمد ويجعله اسما عاديا فقد استخف بالله تعالى واسمِه الذي جعل محمدا قرينا لاسمه جل جلاله وتقدست أسماؤه، فالاستخفاف باسم محمد استخفافٌ بما قارنه وهو اسم الله تعالى لا محالة، كما أن الاستخفاف باسم القرآن أو باسم الإسلام استخفاف بالله تعالى لا محالة؛ لأنهما آتيان من عند الله تعالى، وتعظيمهما تعظيم لمن أوجب علينا الإيمان بهما. واقترانُ اسم محمد باسم الله تعالى دليل على أنه ليس بعد اسم الله تعالى وصفاته وآياته اسمٌ أعظمَ من اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم (2). هذه لوازم قطعية للمقارنة الدائمة المستمرة بين الاسمين العظيمين المقدَّسين والتي لم تتحق لاسم آخر من أسماء النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (3). وقد انضاف إلى المقارنة الدائمة دلائلُ الكتاب والسنة وإجماعُ الأمة على أن نبيها أعظم مخلوقات الله تعالى على الإطلاق صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا

    وانعقد الإجماعُ أن المصطفى*** أفضلُ خلقِ الله والخُلفُ انتفى

    فمن كان ذاتُه أفضلَ كان اسمه أعظم بالإطلاق أو في حقه؛ لأن الذات المرفوعة المبجلة عند رب العالمين يرتفع بارتفاعها اسمها، ويكون شعارا مقدسا لها، فمكة اسم مقدس، وبيت المقدس اسم مقدس، وطيبة اسم مقدس، وإبراهيم وموسى وعيسى – صلوات الله وسلامه عليهم - أسماءٌ مقدسة، وهكذا بقية أسماء الذوات المعظمة عند رب العالمين. فمحمد - صلى الله عليه وسلم - اسم مقدس؛ لأنه شعار على أفضل ذات في الوجود؛ ولأن العظيم سبحانه وعده برفع ذكره فلا يذكر اسم الله إلا وذكر اسمه صلى الله عليه وسلم.

    ومن المعاني المهمة في رفع ذكره صلى الله عليه وآله وسلم : هو أنه كلما ذُكر اسمُه الشريف شُرعت الصلاة والسلام عليه (4)، وتاركُ ذلك بخيل محرومٌ مكتوبٌ عليه الذلة والصغار ومخطئٌ طريقَ الجنة، كما وردت بذلك أحاديث، بل إن رب الكون وجميعَ الملأ الأعلى يصلون عليه باسمه على الدوام، ومعهم خلائق من الجن والإنس لا يحصون، فاسمٌ يصلي عليه ربُّه مع خلقه دائما وأبدا غيرُ مبجل!! ومَن لا يصلي عليه كلما ذُكر متوعَّد بتلك العقوبات، هل اسمه اسمٌ عاديٌّ لا قداسة له عند رب العالمين!! فاسم اقترن باسم الرب جل جلاله، واقترن بالصلاة عليه من ربه وخلقِه على الدوام، لا يكفي أن نقول فيه مقدس، بل هو أقدس اسم في الوجود بعد اسم الله تعالى وصفاته جلَّ جلاله. أظن أن الأمر أوضح من الشمس في رابعة النهار، ولولا شيوع هذا المنكر، واستسهال كثير من الناس له، وسكوت أهل العلم عنه، بل وفتوى بعضهم بجوازه – لكان لا حاجة إلى هذا الإسهاب؛ لأن المنازعة في مقدسات الدين لا تكون إلا من حديث عهد بالإسلام ومَن في حكمه، أو زنديق متحلل عن الشريعة وأحكامها.

    ومنها: قوله تعالى:"لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا". ومن معاني الآية لا تنادوه باسمه: يا محمد، كما ينادي بعضكم بعضا بأسمائكم، بل ميِّزوه في ندائه فقولوا مفخِّمين معظِّمين بصوت مخفوض: يا نبي الله، يا رسول الله. وتحريم ندائه باسمه حتى لا يستوي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع باقي أمته في النداء، وما ذاك إلا لجلالة مقامه العظيم عند ربه سبحانه وتعالى، فأوجب تفخيمه عند ندائه ومنع من مناداته باسمه العظيم محمد. فإذا حرَّم الشارع الحكيم مناداته باسمه العظيم حفظا لحرمة ذاته صلى الله عليه وآله وسلم، فلا ريب أن يحرِّم مناداة سقطِ الناس باسمه الشريف حفظا لحرمة اسمه العظيم؛ لأن اسمه عظيم وهو دال على ذاته العظيمة، فهَتْكُ هيبةِ الاسم وابتذالُه ككلمة نداء لجميع الخدم ومن في حكمهم هتك لهيبة ذاته العظيمة؛ وقد يكون هذا الهتك في بعض الصور غاية في الشناعة يقارب شناعة مناداة ذاته الشريفة باسمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم، كمن ينادي كافرا فاجرا بمحمد عياذا بالله تعالى، لأن مناداته صلى الله عليه وآله وسلم باسمه جفاءٌ وسوء أدب قبيح؛ لمساواته بعموم الناس في النداء، وتنقيصه عن مناداة العظماء الذين لا ينادون بأسمائهم، فكذا جَعْل اسمه كلمةَ نداءٍ للخدم فيه تنقيصٌ لاسمه عن أسماء بقية الناس - سيما الملوك والعظماء الذين تحترم أسماؤهم ولا تبتذل - وابتذالٌ فاحش له، فتحريم مناداته باسمه لأجل المساواة والتنقيص في النداء، تدل قطعا على تحريم مناداة الخادم باسمه؛ لأجل تنقيصه وتحقيره، قَصَد الفاعل لذلك أو لم يقصد، فليس من شرط التحقير قصده. وتحقير وتنقيص الاسم يلزم منه تحقير وتنقيص المسمى به عياذا بالله تعالى.

    هذا قياس قطعي جلي واضح للعاميِّ المحب الصادق في حبه وتبجيله - وللحب فقه وذوق لا يعرفه فاقدي الأدب من أهل الجفاء - قبل الفقيه المتمرس في أقيسة النصوص وعللها ومصالحها، ومن يجادل فهو إلى الضلال والهوى أقرب منه إلى الجهل؛ وهو بين الوقوع في الجفاء المحبط للعمل، أو الوقوع في قصد التنقيص فيخرج من الملة لا محالة. قال ابن تيمية رحمه الله تعالى:" ترك الاحترام للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسوءُ الأدب معه مما يُخاف معه الكفر المحبط ". وقال أيضا:"ومما ينبغي أن يُتفطن له أن لفظ الأذى في اللغة هو لما خف أمره وضعف أثره من الشر والمكروه، ذكره الخطابي وغيره، وهو كما قال.... ثم إن الأذى الذي لا يضر المؤْذَى إذا تعلق بحق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإن صاحبه من أعظم الناس كفرا وأشدهم عقوبة، فتبين بذلك أن قليل ما يؤذيه يكفر به صاحبه ويحل دمه. والفعل إذا آذى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غير أن يعلم صاحبه أنه يؤذيه ولم يقصد صاحبه أذاه فإنه يُنهى عنه ويكون معصية كرفع الصوت فوق صوته. فأما إذا قصد أذاه وكان مما يؤذيه وصاحبُه يعلم أنه يؤذيه وأقدم عليه مع استحضاره هذا العلم فهذا الذي يوجب الكفر وحبوط العمل، والله سبحانه أعلم". انظر: الصارم المسلول على شاتم الرسول ص57-59، مع اختصار.

    ومنها: قوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون". نزلت هذه الآية في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لما قدم ركب بني تميم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأشار عمر بأن يولي عليهم الأقرع بن حابس، وأشار أبو بكر برجل آخر، فاختلفا وارتفعت أصواتهما بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فنزلت الآية تحذرهما من هذا العمل الخطير الذي كان عارضا مرة واحدة في حياتهما، ولم يقصدا به سوء أدب ولا غيره، بل ارتفعت الأصوات لعارض الخلاف، فكان هذا التأديب من رب العالمين والتوعد بحبوط العمل لو وقع مرة أخرى. فكان عمر رضي الله عنه بعد ذلك يخفض صوته جدا ولا يُسمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صوته من شدة الخفض حتى يستفهمه. فإذا كان رفع الصوت فوق صوته بغير قصد ولا استهانة يخشى منه حبوط العمل في حق أفضل الصحابة رضي الله عنهم، فكيف بمن يرفع اسم غيره على اسمه!! أليس جعل اسمه – صلى الله عليه وآله وسلم - علامةً على الخدم والعمال من ذوي المهن الممتهنة خفض لاسمه ورفع لاسم غيره عليه كأسماء الملوك والعظماء الذين لا تبتذل أسماؤهم!! أليس جعل اسمه كلمة نداء خفضٌ له حتى يكون أقل وأهون من الألقاب المحترمة كالملك والأمير والوزير والدكتور ونحوها!!! إن اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم أرفع بكثير جدا من هذه الألقاب الدنيوية وأسمى، وأحق بالتبجيل والتعظيم وأعلا، فهو لقب رب العالمين عليه، اختصه به من بين سائر أنبيائه ورسله صلوات الله وسلامه عليهم جميعا تترى، فهو الحميد سبحانه وأحب خلقه إليه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فما أجمله من اسم وما أعظمه من اشتقاق!!.

    لطيفة: تأملت قوله تعالى:"إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون" فهؤلاء أعراب جفاةٌ الأقرعُ بن حابس وقومُه جاؤوا إلى المدينة في الظهيرة وقتَ القيلولة ينادونه بصوت عال من وراء حجراته: يا محمد يا محمد. فنعى القرآن عليهم هذا الفعل الشنيع، وبين أن ذلك من قلة عقلهم وأدبهم. أقول: أليس من ينادي العمَّال اليوم باسم محمد يناديه من ورائهم وإن لم يشعر لقلة عقله وأدبه، من جهة أن هذا الاسم اسمه يخصُّه ويمسُّه وهو أشرف أسمائه صلى الله عليه وآله وسلم، فها هو أصبح بفعل هؤلاء المنادين اسمَ الخدم والطبقة المهينة، فإذا سمعتَ مناديا ينادي مجهولا به علمت أن المنادَى خادم. وإني لأحس أن هذا الفعل البالغ الغاية في الشناعة ما شاع في مجتمعنا المسلم إلا بمكر خفي من المنافقين الذين ينطقون بلغتنا ويعيشون بيننا يقصدون به مع الزمن رفعَ حرمته صلى الله عليه وسلم برفع حرمة اسمه الشريف، ومن ثم الاستخفاف به صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يُعرف عن الآباء القدماء مثل هذا الفعل الشنيع الخبيث، بل لا يُعرف في أي مجتمع آخر سوى مجتمعنا الحالي، وعنا قام بعض جهلاء الشعوب الأخرى يقلدوننا فيه وهم لا يشعرون بخطورته وعواقبه؛ لأنه مع قلة العلم والجهل بسيرته صلى الله عليه وآله وسلم من أبناء هذا الجيل، فسيصبح مع الزمن اسمُ محمدٍ مدعاةً للسخرية بالشخص وجَعْلِه خادما يُستهزأ عليه بهذا الاسم، ومَن ينظر في أسواقنا الآن كيف يصيح الناس بأصوات عالية على الخادم أو العامل باسم محمد - لا يملك إلا أن يذرف الدموع الساخنة على حال الأمة، وما وصلت إليه من الجهل بحق نبيها ومقامه العظيم، وما يستحقه من التبجيل والتوقير صلى الله عليه وآله وسلم. ومسلسل الاستهزاء والتنقيص للرموز العظيمة صراحة أو تلويحا أهم وأخطر طرق الأعداء في القضاء على الدين؛ إذ بقاؤه مرتبط ببقاء رموزه في قلوب أتباعهم معظمةً مبجلة، وما نحن عن جرائم الدانمرك وغيره ببعيد، بل وقد رأيت حديثا في بعض المواقع صناعة جزمة رياضية بأمريكا مكتوب عليها : لا إله إلا الله محمد رسول الله. عياذا بالله تعالى، وليس هذا الفعل الخبيث بأول مرة لهم، بل فعلوه مرارا وتكرارا. وقريبا سُميت في أمريكا حانة خمور باسم مكة. وكيف تكون هذه الظاهرة الخطيرة التي تحمل في طياتها الكفر والاستهزاء بالمقدسات أمرا عاديا ليس وراءها أيدي الخبثاء مع كون بعض الخبيثات الكافرات سمت كلبها محمدا !! تنزه وتقدس اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كل سوء ونقص وعيب أراد الملحدون إلصاقه به، وهو عال على كل أسماء المخلوقات؛ لأنه مقترن باسم خالقه ومصطفاه صلى الله عليه وآله وسلم. ولعنة الله على هذه الكلبة الوقحة وقبحها وأخزاها خزيا عظيما. فأعظم المؤامرات هي المؤامرة على الرموز العظيمة؛ لأن بسقوطها يسقط الدين جملة وتفصيلا، فلا بقاء للدين بدون رموزه المؤسِّسة له، فكيف بأعلى الرموز وأصلها فداه روحي ودمي وأهلي ومالي صلى الله عليه وآله وسلم!! ومن المعلوم أن نداء مجهول الاسم يتحقق باسم عبدالله فتقول: يا عبدالله. أو بوصفه فتقول: يا أخي يا حبيبي. وإن أردت مزيد احترام فتقول: يا سيدي أو نحو ذلك. فهل أغلقت اللغة العربية أبوابها دوننا حتى نستخدم اسم نبينا حرف نداء ونبتذله لحقرائنا ثم نقول بكل صفاقة: لا بأس لأننا لا نقصد الإهانة. وعليه يمكن إهانة كل الرموز العظيمة ما دام النية حسنة!!! وأي فرق بيننا وبين من يرتكب الفواحش ويقول نيتي حسنة والإيمان في القلب!!! قال النووي رحمه الله تعالى في الأذكار ص416: باب نداء من لا يعرف اسمه : ينبغي أن يُنادى بعبارة لا يتأذى بها، ولا يكون فيها كذب ولا ملق (يعني زيادة تودد ودعاء فوق ما ينبغي) كقولك: يا أخي، يا فقيه، يا فقير، يا سيدي، يا هذا، يا صاحب الثوب الفلاني، أو النعل الفلاني، أو الفرس، أو الجمل، أو السيف، أو الرمح، وما أشبه هذا على حسب حال المنادَى والمنادِي. ثم قال النووي:"وروينا في كتاب ابن السني عن جاريةَ (5) الأنصاري الصحابي رضي الله عنه قال:" كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان إذا لم يحفظ اسم الرجل قال: يا ابن عبدالله". وانظر الحديث في عمل اليوم والليلة لابن السني ص355، تحقيق أبي محمد البرني.

    ومنها قوله تعالى:"وذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب". فتعظيم شعائر الله تعالى أي: أعلام دينه، وكلُّ ما له صلة بهذا الدين - تعظيم للمشرِّع سبحانه وتقديس له، وأيُّ صلةٍ أعظمُ من صلة رسول الله صلى الله عليه وسلم بربه، فهو الرسول وهو المبلِّغ، فهو ليس مجردَ شعيرةٍ دينية، بل هو رأس الشعائر الدينية وأسُّها وأساسها صلى الله عليه وسلم، فإذا كان تقدير بيوت الله تعالى من الدين؛ ولذا شرعت تحية المسجد عند دخولها، وحَرُم على الحائض والجنب دخولها والمكث بها. وتقدير مكة من الدين؛ ولذا شرعت العمرة عند دخولها، وضوعفت حسناتها وفحشت سيئاتها، وحرم فيها إرادة الإلحاد من غير فعله، وحرم فيها أذية كل مَنْ دخلها حتى الحيوان والطير حرم تنفيرهما وأذيتهما، بل والشجر النابت فيها حرم قطعه من غير حاجة، فكيف بمن يؤذي عمارها وزوارها وسكانها !!! وتقدير بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدين؛ لأنها مهاجَرُه صلى الله عليه وسلم ومهبط الوحي، ولذا كُره تسميتها يثرب؛ لأنه مأخوذ من التثريب وهو الملامة والحزن، فكان هذا الاسم قبيحا لا يليق بمكانة بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغيَّر اسمها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وسماها طابة وطيبة. وفي صحيح مسلم:"يقولون يثرب وهي المدينة "، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:" من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله عز وجل هي طابة هي طابة " رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله ثقات. مجمع الزوائد3/300. وهذا ظاهر في كراهة تسميتها بيثرب؛ لأنه اسم جاهلي، ولذا حكاه القرآن على لسان المنافقين، فلا يعد وروده في القرآن إقرارا له. وعن تقدير أهلها وعظيم حرمتهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أراد أهلَها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء". أخرجه مسلم. وتقديرُ المصحف من الدين؛ ولذا حرم مسه لغير المتطهر، وتقدير كتب السنة من الدين، وإلقاؤهما في الأرض استخفافا كفر وردة عن الدين. وتقدير الصحابة من الدين؛ ولذا اعتبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتقاصَهم انتقاصا له صلى الله عليه وسلم فقال:"اللهَ اللهَ في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم،ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه " أخرجه الترمذي وأحمد؛ ولذا وجب الكف عن الخوض فيما دار بينهم رضي الله عنهم من الخلافات، حتى لا يجد مرضى القلوب طريقا للطعن فيهم، فيطعنون بذلك في الدين الذي نقل إلينا بواسطتهم. وتقدير العلماء العاملين من الدين، وتقدير الصالحين من الدين، وتقدير الحجر الأسود والركن اليماني من الدين، بل وتقدير الكعبة كلها من الدين؛ ولذا حرم استقبالها واستدبارها من غير حاجز عند قضاء الحاجة ولو من مشرق الأرض أو مغربها ؛ لأن الجميع شعائر وأعلام للدين - فكيف بالرسول المبلِّغ والواسطة بين الحق سبحانه والخلق: ألا يكون كل شيء فيه يمثل شعيرة من شعائر الدين يجب احترامها وتقديرها من باب أولى، فأسماؤه صلى الله عليه وسلم كلها شعائر دينية يجب احترامها وتقديسها؛ لأن ذلك من تقديس رسول الله صلى الله عليه وسلم واحترامِه الواجب، وأيُّ إهانةٍ لها ولو بغير قصد إهانةٌ لذاته صلى الله عليه وسلم، وإهانته إهانة لرب العالمين عياذا بالله تعالى من ذلك.

    ومنها : قوله تعالى مخبرا عن عيسى عليه الصلاة والسلام:"ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد".وقد أخبر القرآن عن ورود اسمه في التوراة والإنجيل فقال سبحانه: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر". وهذا التنويه المخصوص في التوراة والإنجيل بسبب وجود أتباع هذين النبيين الكريمين عليهما الصلاة والسلام، فذكَر القرآن أن اسمه مشادٌ به في هذين الكتابين، وفيهما ذكر أوصافه وأوصاف أتباعه، فما لهم لا يتبعونه صلى الله عليه وسلم!! وإلا فلا شك أن اسمه المعظم ورد على ألسنة جميع الأنبياء وعلى ألسنة جميع الأمم؛ لأن الله أخذ العهد عليهم جميعا أن يؤمنوا به لو بعث وهم أحياء، وأمرهم بأخذ العهد على أممهم بذلك، كما قال جل وعلا في سورة آل عمران:"وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتُؤْمِنُنَّ به ولتنصُرُنَّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون". يقول علي رضي الله عنه: لم يبعث الله نبيا مِنْ آدمَ فمَنْ بعده إلا أخذ عليه العهدَ في محمد صلى الله عليه وسلم لئن بُعث وهو حيٌّ ليُؤمِنَنَّ به ولينصُرَنَّه، ويأخذ العهد بذلك على قومه. أخرجه ابن جرير في تفسيره 3/ 332. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:" قال علي بن أبي طالب وابن عمه ابن عباس رضي الله عنهما : ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق لئن بَعَث اللهُ محمدًا – صلى الله عليه وسلم -وهو حي ليؤمِنَنَّ به ولينصُرَنَّه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بُعث محمدٌ – صلى الله عليه وسلم - وهم أحياء ليؤمِنُنَّ ولينصُرُنُّه. قال طاوس والحسن البصري وقتادة: أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدِّق بعضهم بعضا. وهذا لا يضاد ما قاله علي وابن عباس ولا ينفيه بل يستلزمه ويقتضيه، ولهذا رَوَى عبدالرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه مثل قول علي وابن عباس". انظر: تفسير ابن كثير1/378.

    فهذا يدل على أن أسماءه الشريفة قد اختارها الرحمن له قبل أن يختار له جدُّه عبد المطلب، وأن اختيار عبد المطلب له اسمَ محمدٍ كان توفيقا من الله تعالى وإلهاما له؛ ليتحقق له صلى الله عليه وسلم الاصطفاء بهذا الاسم العظيم الذي اشتق من اسم الحميد سبحانه - فعيل بمعنى المفعول أو الفاعل – ومعناه: المحمود؛ لأنه حمد نفسه أزلا وحمده عبادُه أبدا، ويكون بمعنى الحامد لنفسه ولأعمال الطاعات، فهو سبحانه الحامد والمحمود، فهو محمود في كل أفعاله وأقداره وأحكامه، وكذا نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم محمود في كل أحواله وأفعاله وأقواله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أحمد الحامدين لربه سبحانه وتعالى.

    ويدل على إلهام الله تعالى لجده هذا الاسم أنه اسم غير معروف عند العرب، ولذا لما قيل لجده عبد المطلب: كيف سمَّيت باسم ليس لأحد من آبائك وقومك ؟ قال جده: إني لأرجو أن يحمده أهل الأرض كلهم. وذكر ابن إسحاق في السيرة أن آمنة قيل لها حين حملته: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذ وقع إلى الأرض فقولي: أعيذه بالواحد من شر كل حاسد، ثم سميه محمدا. ورأت حين حملت به أنه خرج منها نور رأت به قصور بصرى من أرض الشام. انظر: الروض الأنف 1/ 180، 182. فهذا إلهام وتوفيق واضح حصل للحفيد، ولم يحصل لأبناء الصلب من عبد المطلب، مع رأيا أمه عليه الصلاة والسلام. ولذا قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:

    وضم الإله اسمَ النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذنُ أشهدُ

    وشَقَّ له من اسمه ليُجِلَّهُ فذو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ

    قال الحافظ ابن حجر عن حديث البخاري:"إن لي خمسةَ أسماء" : والذي يظهر أنه أراد إن لي خمسة أسماء أخْتَصُّ بها لم يُسم بها أحد قبلي، أو معظَّمة، أو مشهورة في الأمم الماضية، لا أنه أراد الحصر فيها. قال عياض: حمى الله هذه الأسماءَ أن يُسمى بها أحد قبله، وإنما تسمَّى بعضُ العرب محمدا قرب ميلاده، لما سمعوا من الكهان والأحبار أن نبيا سيبعث في ذلك الزمان يسمى محمدا فرجوا أن يكونوا هم، فسموا أبناءهم بذلك. انظر: فتح الباري 6/ 556.

    وما دام أن اسمه الشريف اختاره له ربه واصطفاه به فهو اسم مقدسٌ مصانٌ معظمٌ لا يجوز جَعْله كباقي الأسماء فيهان بمناداة الخدم به، وكأنه حرف نداء أو كلمةٌ نكرة تصلح لكل أحد، سبحانك هذا بهتان عظيم.

    ومما يدل على أن الله تعالى يصطفي أنبياءه في أسمائهم قوله تعالى:" وبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب"فهو سبحانه يبشره بالابن وحفيده وبأسمائهما. وقوله تعالى:"يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا". فهذا يدل على تنويهٍ بشرف اسم يحيى وأنه اصطُفي بهذا الاسم الذي لم يسبقه به أحد من بني آدم، ونبينا صلى الله عليه وسلم أولى بهذا الاصطفاء فهو أشرفهم وأكرمهم على ربه سبحانه وتعالى. وقوله تعالى:"إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ". فهذا تبشير بالسيد المسيح عليه الصلاة والسلام وبأن اسمه اختيارٌ من الله تعالى، ولا شك أن اختيار الله تعالى لهذه الأسماء فيه اصطفاءٌ حتى يتوافق الاسم مع المضمون المقدس المطهَّر، ومن ينازع في هذا فهو إلى العجماوات أقرب وأشبه؛ لأن المنازعة في الضروريات الواضحات دأب مَنْ بعقله أو بقلبه مرض.

    ومنها : ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها قالت:"استأذن حسانُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين. قال: كيف بنسبي؟ فقال حسان: لأسلَّنَّك منهم كما تُسَلُّ الشعرة من العجين". أخرجه البخاري. ومحل الشاهد من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر هجاء قريش يشمل آباءه الذين يجتمع فيهم مع باقي قريش، والنقيصة في آبائه نقيصةٌ له صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه هذا نَسَبُه، فالوقيعة فيهم تحقير لنسبه الشريف الذي هو أشرف نسب في الوجود صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا والعياذ بالله تعالى تحقير له صلى الله عليه وآله وسلم وهو كفر إجماعا، بالإضافة إلى أن آباءه عليه الصلاة والسلام كانوا كرماء نبلاء شرفاء ليس فيهم من يستحق الذم أو الهجاء فهو صلى الله عليه وآله وسلم خيار من خيار. فإذا كان المساس بأسماء آبائه بطريق غير مباشر مساسا له، فكيف لا يكون المساس باسمه الشريف مساسا له صلى الله عليه وآله وسلم، هذا من باب أولى. وما تحريم عمر رضي الله عنه التسمي باسمه إلا لأن المساس باسمه وإن كان المقصودُ غيرَه مساسٌ له صلى الله عليه وآله وسلم. والجمهور من الصحابة ومن بعدهم المبيحون للتسمي باسمه غير غافلين عن هذه العلاقة الوطيدة المقصودة بالتسمي باسمه: وهو نيل بركة هذا الاسم المحبوب عند رب العالمين، ولكنهم لم يقولوا بالتحريم؛ لأن سبَّ مَن اسمه محمد غير غالب في تلك العصور المعظِّمة لرسول الله تعالى صلى الله عليه وسلم، بل نادر جدا، فلا يُحرم المتقون الخير العظيم، بفعلٍ نادرٍ من السفهاء الجاهلين. والجميع متفقون على إجلال هذا الاسم والبعد عن ذكره إذا اضطُّر صاحب الحق لسب من تسمَّى به، فيذكره بكنيته أو بأيِّ وصف يتحاشى معه ذكر اسمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم.

    ومنها: حديث أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "يسمونهم محمدا ثم يلعنونهم ". أخرجه البزار وأبو يعلى وابن جرير الطبري. قال ابن حجر: إسناده لين. فتح الباري 10/572. والحديث وإن كان ضعيفا إلا أن معناه صحيح قطعا، وهو التحذير من لعن من اسمه محمد، حتى لا يُلعن اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويشهد لصحة معناه الحديثُ السابق وما قبله من الأدلة، ويشهد له أيضا قول عمر رضي الله عنه: لا تسموا أحدا باسم نبي. أخرجه ابن جرير. وأمر رضي الله عنه جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم محمد، حتى ذَكَر له جماعةٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم في ذلك وسماهم به فتركهم.قال القاضي عياض: والأشبه أنَّ فِعْل عمر هذا إعظامٌ لاسم النبي صلى الله عليه وسلم لئلا ينتهك الاسم كما سبق في الحديث:"تسمونهم محمدا ثم تلعنونهم". وقيل سبب نهي عمر أنه سمع رجلا يقول لمحمد بن زيد بن الخطاب: فعل الله بك يا محمد. فدعاه عمر فقال: أرى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُسب بك، والله لا تُدعى محمدا ما بقيت، وسماه عبد الرحمن. انظر: شرح النووي على مسلم 14/113، فتح الباري 10/572-573. وفي مجمع الزوائد 8/48:"إذا سميتم محمدا فلا تضربوه ولا تحرموه". أخرجه البزار عن أبي رافع، والحديث ضعيف كما قال الألباني في ضعيف الجامع 1/197.

    فهذا الحديث وما بعده يدل دلالة قاطعة على تعظيم اسم محمد، وأن أيَّ مساس به مساس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذا قال السيوطي في الخصائص الكبرى 2/201:"باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بفضل التسمي باسمه ووجوب توقيره وتعظيمه واحترامه" ثم ساق الحديثين السابقين في النهي عن لعن من اسمه محمد وضربه وحرمانه. وما نحن بصدد إنكارِه والتشنيعِ عليه أسوأ من مجرد سب شخصٍ تسمَّى بمحمد؛ لأن السب يقع نادرا، وهو متجه للذات لا للاسم، فمن يسبه لا يستهزئ بهذا الاسم ولا ينتقصه، بل ينتقص الشخص بعينه أيا كان اسمه. أما ما نحن بصدده فهو انتقاص صريح صارخ للاسم بعينه باستخدامه لكل أحدٍ مبتذل أو حقير أو ساقط أو كافر، وهذا من الشناعة والضلال بحدٍّ لا يوصف، ولا يُتخيل من مسلم فعلُه مع حبيبه صلى الله عليه وآله وسلم، لكنه الجهل والجفاء، وقلة التنبيه من أهل العلم على صور الأدب معه، وتوقيرِه في كل شيء يمسه أشدَّ التوقير بما يفوق توقيرَ الملوك وجميعَ العظماء بأضعافٍ مضاعفة، والبعد عن تنقيص كلِّ ما له صلةٌ به ولو بشكل غير مباشر، كما هو حال الصحابة وجميع السلف رضي الله عنهم جميعا، وقصصهم في ذلك كثيرة مشهورة، فمنزلته أكبر من الملوك والعظماء بكثير، ولا نسبة بينه وبينهم البتة، فلا حق بعد حق الله تعالى أعظم من حقه صلى الله عليه وسلم، فكيف لا يُبجل كلُّ شيء فيه فوق تبجيل كل أحد، فمن مقتضى الإيمان به الإيمانُ بأنه ليس بعد الله تعالى أحدٌ من الخلق يعلوه، فكل موقَّر بتوقير فرسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أحقُّ وأولى بأكثر من ذلك التوقير صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا.

    ومنها : أن الاسم يدل على مجموع الذات والصفات، ومتضمِّنٌ لمعانيهما، فارتفاعه من ارتفاعهما، كما أن انخفاض اسم إبليس من انخفاض ذاته وصفاتِه عليه اللعنة والغضب. وفي لسان العرب 14/402: قال أبو إسحاق: إنما جُعل الاسم تنويها بالدلالة على المعنى؛ لأن المعنى تحت الاسم اهـ. فارتباط الاسم بالمسمى كارتباط الجسد بالروح، وارتباطِ المداد والأوراق بالقرآن، فالتعرضُ للجسد تعرض للروح، وكذا المداد والأوراق للقرآن أصبحا مقدسين مبجلين لتبجيل ما اختلطا به ولابساه، فاسم محمد -صلى الله عليه وآله وسلم – اختلط بالنبوة والرسالة والخلة والمحبة وسائر كمالاته صلى الله عليه وسلم بل وباسم ربه سبحانه وتعالى، وأصبح دليلا عليها جميعا، فكيف نقدِّس الحبر والورق ولا نقدس الاسم الدال على المعنى، والمعنى فرع اللفظ بلا انفكاك، فمن يريد زوال حرمة اسم محمد فليزل حرمة كلمة النبي والرسول وخليل الرحمن وحبيبه ولا فرق، صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا. إن فصل الاسم عن مسماه وزعم عدم قداسة الاسم لقداسة مسماه يلزم عنه عدم قداسة كل الأسماء المقدسة كأسماء النبيين – صلوات وسلامه عليهم أجمعين - واسم الإسلام والقرآن وغيرها، وهذا هدم لجميع المقدسات، وهذا يخشى منه الكفر مع التعمد عياذا بالله تعالى. على أن الفقهاء نصوا على قداسة اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد ذكر جمهورهم كراهة قضاء الحاجة مع حمل شيء فيه ذكر الله تعالى أو اسم محمد أو غيره من النبيين إلا أن يُغطى بالكف إن كان خاتما، أو يوضع في الجيب مثلا حماية له من رائحة المرحاض ونحوه. قال الغزالي في الوسيط في بيان أدب قضاء الحاجة:" وأن لا يستصحب شيئا عليه اسم الله - عز وجل - ورسوله عليه الصلاة والسلام ". قال ابن الصلاح معلقا:" قد صرحوا بأن هذا الأدب مستحب، وليتهم قالوا: يجب. والله أعلم ". الوسيط 1/298. وانظر: الديباج في توضيح المنهاج للزركشي1/51. وفي الشرح الصغير على أقرب المسالك للدردير1/92:" وأن لا يدخل الكنيف أو يقضي حاجته بفضاء ومعه مكتوب فيه ذكر الله أو درهم أو خاتم مكتوب فيه ذلك، وكذا اسم نبي، وليُنَحِّه قبل دخوله ندبا أكيدا، إلا القرآن فيحرم قراءته والدخول بمصحف أو بعضه ولو آية ما لم يكن حرزا مستورا بساتر. ومن الساتر جيبه فوضعه في جيبه مثلا يمنع الحرمةَ في المصحف والكراهةَ في غيره". وفي شرح الزرقاني على خليل1/78:" واسم نبي من الأنبياء كاسم الله تعالى على الأصح ورواية الجواز عن مالك فيما عليه اسم الله أو اسم نبي منكرة كما في المدخل حاشاه من قولها ". وانظر: كشاف القناع للبهوتي 1/59.

    وأود منك أيها القارئ العاقل الكريم بعد سماعك لكل ما سبق أن تعود بذهنك وتقارن بين مشهدين لتتجلى لك الحقيقة : مشهدِ تبجيل الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : لا يناديه في القرآن كله باسمه، بل يناديه بصفة التبجيل: يا أيها النبي، يا أيها الرسول. يحرِّم على أمته أن تناديه باسمه تبجيلا له وتفخيما. يحرم عليهم رفع الصوت بحضرته، ولو لعارض وبغير قصدِ عدمِ توقيره وإجلاله، فالشيخان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما هما أشد الناس توقيرا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان رفع صوتهما لعارض وبغير قصد، ومع ذلك كان العتاب والتوعد بحبوط عملهما لو تكرر ذلك مرة أخرى.

    أشاد باسمه وفخَّمه فقرنه باسمه في الشهادتين، وفي التشهد، وفي مواطن كثيرة جدا من القرآن، بل وعظَّمه وفخَّمه فوق جميع النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فأخذ العهد عليهم أن يتبعوه ويكونوا من أمته وأنصارا له، لو بعث وهم أحياء، وأمرهم بأخذ العهد على أممهم كذلك. والمقصِدُ من هذا العهد هو إشهاره وإعلاءُ شأنه وشأنِ اسمه الشريف بأن يبقى اسما عاليا مفضلا على أسماء جميع النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، لأن الباري يعلم بأنه لن يبعثه وهم أحياء؛ إذ هو خاتمهم صلى الله عليه وآله وسلم.

    يصلي سبحانه وتعالى على نبيه محمد- صلى الله عليه وسلم - دائما وأبدا، وكذا جميع مَنْ في الملأ الأعلى. أوجب الباري الصغار والذلة والحرمان على من سمع اسمه الشريف ولم يصل عليه صلى الله عليه وآله وسلم، فوظيفة المسلم كلما سمع اسمه الشريف الصلاةُ والسلام عليه؛ ليحوز الأجر العظيم؛ وليبقى مبجِّلا له معظِّما موقِّرا، فهذا اسم غير عادي، حقُّه التبجيل دائما وأبدا بكل صور التبجيل. يقسم الباري بحياته وما أقسم بحياة أحد كما يقول ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:"لعَمْرُك إنهم لفي سكرتهم يعمهون" أي: وحياتك يا محمد. صلى الله عليه وسلم، إلى غير ذلك مما لا يحصى من صور التكريم، وإنما اعتنيتُ بما له صلة باسمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم.

    ثم تأمل مشهد: مَن يعتبر اسمه الشريف ليس له خَصِيصة، فيجوِّز مناداةَ كل أحد به: الفاسق، والجاهل، والضال، بل والكافر. وتأمل مشهد الناس اليوم وهو ينادون باسمه العظيم المبجل المقدس: الحمالَ والكناس والعامل وطبقة الخدم. ينادونهم بأعمالهم المحتقرة: يا محمد اكنس البيت وارفع الزبالة. وفي كثير من الأحيان ترى النداء بمحمد لهم بصوت عال، وبطريقة فيها إزراء واستخفاف باسم محمد تناسب الشخص الذي يخاطبونه الذي هو من طبقة الخدم والعمال، بل وأحيانا ترى النداء بعمل محرم: يا محمد عطني الدخان. لترى فظاعةَ الضلال الذي نحن عليه، وبشاعةَ هذا الجفاء القبيح، وسوءَ الأدب معه صلى الله عليه وآله وسلم، الموجبِ لأذيته، وتنقيصِه، وإهانةِ ذاته الشريفة بإهانة اسمه، بتحقير ذلك الاسم العظيم ونزع تعظيمه وهيبته وجلالته في النفوس بإنزاله منزلة النكرات التي تُستعمل لنداء كل أحد، أو حرف النداء الذي يصلح لمناداة أحقر إنسان في الوجود. لا شك في أن ما دون هذا الفعل بكثير يوجب حُبوط العمل، فكيف بهذا الفعل الشنيع!! ولا شك في كفر من يستهزئ باسمه ولا يبالي بحفظ حرمته. ويا خيبة من يكابر ويغالط في قداسة اسم محمد: الله يقرنه باسمه، والمكابر يقرنه بالخدم، فما أشد ضلالهم، وأعظم بجرمهم وفضيحتهم يوم لقائه صلى الله عليه وآله وسلم في عرصات الساعة وهو سيد ذلك الجمع الهائل كله، لا يتقدم بين يدي ربه سواه في مقامه المحمود العظيم الذي يتجلى فيه رفعته على كل الخلائق!!! فمحمد اسم سيد السادات، وإمام الخليقة والبريات، كلُّ شيء فيه مصطفىً مجتبىً مختارٌ مرتضىً من رب الأكوان والسماوات، كيف وقد أعطاه منزلة وشرفا أفضل من كل الخلائق، وجعل اسمه علامةً على ذلك العطاء والاصطفاء.

    وأختم بحثي هذا بنقول عن الإمامين الجبلين القاضي عياض وتقي الدين السبكي رحمها الله تعالى في تعظيم اسمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم، ففي الشفاء للقاضي عياض رحمه الله تعالى: قال مالك بن أنس عن أيوب السختياني رحمهما الله تعالى:كان إذا ذَكَر النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى أرحمه. وكان مالك بن أنس إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يتغير لونه وينحني – أي يميل ظهره – حتى يصعب ذلك على جلسائه، فقيل له يوما في ذلك فقال: لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم عليَّ ما ترون، ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر وكان سيد القراء لا نكاد نسأله عن حديث أبدا إلا يبكي حتى نرحمه. ولقد كنت أرى جعفر بن محمد وكان كثير الدعابة والتبسم فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم اصفر وما رأيته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة..... ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم (6) يَذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيُنظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم وقد جفَّ لسانه في فمه هيبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقد كنت آتي عامر بن عبدالله بن الزبير فإذا ذُكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع. ولقد رأيت الزهري وكان من أهنأ الناس وأقربهم فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه ما عرفك ولا عرفته. ولقد كنت آتي صفوان بن سليم وكان من المتعبدين المجتهدين فإذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى يقوم الناس عنه ويتركوه. انظر: الشفا للقاضي عياض بشرح ملا علي قاري2/72-73. ونقل هذه القصص عنه ابن تيمية في الفتاوي1/226-227. ويقول تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى: ومن فضائله صلى الله عليه وسلم أسماؤه، وقد جاء في الصحيح أنه قال:" لي خمسة أسماء " ولم يجعل العلماء ذلك للحصر بل ذكروا غيرها. انظر: السيف المسلول ص502. وقال أيضا في ص522: ومن علامات محبته كثرةُ ذكره وكثرةُ شوقه إلى لقائه، وتعظيمُه وتوقيرُه عند ذكره، وإظهارُ الخشوع والانكماش مع سماع اسمه، ومحبتُه لمن أحبَّ، ولمن هو من آل بيته وصحابته من المهاجرين والأنصار، وعداوةُ من عاداهم، وبغضُ من أبغضهم وسَبَّهم، فمن أحب شيئا أحب من يحب : حبيبٌ إلى قلبي حبيبُ حبيبي.

    وقال أيضا في ص 524-525:" فواجب على كل مؤمن متى ذَكَره أو ذُكِر عنده أن يخضع ويخشع ويتوقَّر ويُسَكِّن مِنْ حركته، ويأخذ في هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسَه لو كان بين يديه، ويتأدب بما أدبنا الله به. وهذه كانت سيرة السلف الصالح والأئمة الماضين رضي الله عنهم. وكان صفوان بن سُليم (الذي قال فيه أحمد بن حنبل: من الثقات يُستشفى بحديثه، وينزل القطر من السماء بذكره. سير أعلام النبلاء 5/ 365) : إذا ذُكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى، فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه ويتركوه.

    وكان مالك بن أنس لا يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو على وضوء لإجلاله. وروي أنه كان يغتسل ويتطيب ويلبس ثيابا جُدُدا وساجَة ( طيلسان أخضر أو أسود) ويتعمم ويضع على رأسه رداءه، وتُلقى له مِنَصَّة فيخرجُ فيجلس عليها وعليه الخشوع، ولا يزال يُبَخَّر بالعود حتى يفرغ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يجلس على تلك المنصة إلا إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.... وأفتى مالك فيمن قال: "تربة المدينة رديئة " بضربِ ثلاثين دِرةً وأمر بحبسه، وقال: ما أحوجه إلى ضرب عنقه، تربةٌ دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم يزعم أنها غير طيبة ". اهـ.

    أقول: يقول إمام دار الهجرة هذا الكلام في حق مَن امتهن تربة بلده صلى الله عليه وآله وسلم، فما عساه أن يقول فيمن امتهن اسمه الشريفَ المقدس!!! وهذا يدل على أن السلف رضي الله عنهم يعظمون غاية التعظيم كلَّ ما له علاقة بمحمد صلى الله عليه وسلم، فهذا كلام مالك في تربته صلى الله عليه وسلم، وحاله عند رواية حديثه صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج الدارمي(1/ 40) عن عمرو بن محمد عن أبيه قال :" ما سمعت ابن عمر يذكر النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قط إلا بكى ". وهذا أنس بن مالك رضي الله عنه يقول:" ما مِنْ ليلة إلا وأنا أرى فيها حبيبي، ثم يبكي ". طبقات ابن سعد7/20. وهؤلاء الصحب الكرام رضي الله عنهم يستشفون بعرقه الزكي الطيب الذي كانت رائحته أطيب من الطيب، ويقتتلون على ماء وَضوئه، ويتمسحون بنخامته وبصاقه الشريفين المباركين صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يسقط شعر منه إلا التقطوه. وكل هذا ورد في صحيح البخاري ومسند أحمد وسيرة ابن إسحاق (فتح الباري5/329-330، مسند أحمد4/323-324)، وهذا سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه يقول: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه فابتدر الناسُ شعره (أي: أسرعوا إلى التقاطه)فسبقتهم إلى ناصيته، فجعلتها في هذه القَلَنْسُوة، فلم أشهد قتالا وهي معي إلا رزقت النصر. أخرجه الحاكم 3/299، قال البوصيري: رواه أبو يعلى بسند صحيح (محقِّق سير أعلام النبلاء 1/375) وهذه أم أيمن تشرب بوله في الظلام وهي عطشى تظنه ماءً، فلما أصبح الصباح أمرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تُهريق الفخارة التي بها بوله. فقالت: قد والله شربت ما فيها. فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال:" أما إنك لا يُفْجَعُ بطنُك بعده أبدا " فلم تشتكي بطنُها بعد ذلك أبدا (7). أخرجه الحاكم4/63-64، وهذا حديث صحيح صححه الدارقطني والنووي وغيرهما. (المجموع 1/234)، وعبدالله بن الزبير يشرب دمه الطاهر الزكي النقي المقدس حين احتجم صلى الله عليه وآله وسلم. وسند القصة لا بأس به (تلخيص الحبير 1/30)، فكان ببركة دمه الشريف من أقوى الناس حتى كان يواصل الصوم سبعة أيام متوالية لا يضعف، ويكون في اليوم السابع كالليث قوةً. هذا حبهم وتبجيلهم فأينا من بعض هذا الحب والتبجيل !! وهذا ثابت البناني كان إذا رأى أنس بن مالك رضي الله عنه يقبل يديه ويقول: بأبي هاتين اليدين اللتين مستا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويقبل عينيه ويقول: بأبي هاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير عبدالله بن أبي بكر المقدَّمي وهو ثقة. مجمع الزوائد 9/325. ورواه أحمد في مسنده، والدارمي 1/31. قال الذهبي معلقا على فعل ثابت رضي الله عنه :" فنقول نحن إذ فاتنا ذلك: حجرٌ معظَّم بمنزلة يمين الله في الأرض مسته شفتا نبينا صلى الله عليه وسلم لاثماً له. فإذ فاتك الحج وتلقيت الوفدَ فالتزم الحاج وقبَّل فمه وقل: فمٌ مسَّ بالتقبيل حجرا قبله خليلي صلى الله عليه وسلم". سير أعلام النبلاء 4/43. وهذا سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم بيدي هذه. قال عبدالرحمن بن رزين: فقبلناها (أي: قبلها من كان حاضرا) فلم ينكِر ذلك. قال الهيثمي في المجمع8/42:" رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات". وأخرجه أحمد في المسند 4/54 ولفظه:" فقمنا إليه فقبلنا كفيه جميعا ". وهذا حنظلة بن حذيم التميمي رضي الله عنه مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه وهو غلام صغير وقال له : بورك فيك. أو قال : بارك الله فيك. فكان حنظلة رضي الله عنه يؤتى بالشاة الوارم ضرعُها، والبعير والإنسان به الورم، فيتفل في يده ويمسح بصلعته ويقول: بسم الله على أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمسحه فيذهب عنه (8). أخرجه البيهقي في الدلائل 6/214، وأحمد في المسند 5/68، وسند أحمد صحيح. انظر: تهذيب الخصائص لعبدالله التليدي ص266، وقال الهيثمي في المجمع 9/408: رجال أحمد ثقات. وانظر: الإصابة في تمييز الصحابة 1/359. وهذا أحد الصحابة يسأله شملةً لبسها صلى الله عليه وآله وسلم وجعلها إزاره وكان محتاجا إليها فقال الصحابي:"اكْسُنِيها ما أحسنَها. فقال الصحابة: ما أحسنتَ لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها ثم سألتَه وعلمتَ أنه لا يَرُد. فقال: إني والله ما سألته لألبسَها إنما سألتُه لتكون كفني. فكانت كفنه"أخرجه البخاري(9). وهذا إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يضع شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فيه يقبِّلها ويضعها على عينه ويغمسها في الماء ويشربه يستشفي به، وأخذ قصعة النبي صلى الله عليه وسلم فغسلها في حُب الماء (10)ثم شرب فيها. قال الذهبي في الرد على من أنكر على أحمد فِعْلَه: قلت: أين المتنطع المنكر على أحمد وقد ثبت أن عبدالله سأل أباه عمن يلمس رمانةَ منبر النبي صلى الله عليه وسلم ويمس الحجرة النبوية فقال: لا أرى بذلك بأسا. أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج ومن البدع " سير أعلام النبلاء11/212. ففضلاته وآثاره وكل ما مسته ذاتُه العظيمة معظمةٌ مباركة مقدسة عند أصحابه رضي الله عنهم وعند سائر السلف (11)، واسمه العظيم – المتضمن لمعنى الذات والصفات - الذي سماه به ربه واصطفاه له، وجاء على ألسنة جميع الأنبياء والرسل وفي الكتب السماوية كلها، وعلى ألسنة ملائكة الله أجمعين - غيرُ مقدس عند بعض مفتينا وكثيرٍ منا معشرَ السعوديين !!!

    إن اسم محمد يعني اسم النبي الرسول الخليل الحبيب المجتبى المرتضى المصطفى وخير خلق الله أجمعين. قال القاضي عياض: وقد سماه الله في كتابه محمدا وأحمد، فمن خصائصه تعالى له أن ضمَّن أسماءه ثناءه... فأما اسمه أحمد فأفعل التفضيل مبالغة من صفة الحمد ؛ لإفادته ثبوت زيادة الحمد، ومحمد مفعَّل مبالغة من كثرة الحمد، فهو صلى الله عليه وآله وسلم أجلَّ مَنْ حَمِدَ وأفضلُ مَنْ حُمِد، وأكثرُ الناس حمدا، فهو أحمد المحمودين وأحمد الحامدين، ومعه لواء الحمد يوم القيامة؛ ليتم له كمالُ الحمد، ويشتهر وتظهر هيبته وتنتشر في تلك العَرَصات بصفة الحمد، ويبعثه ربُّه هناك مقاما محمودا كما وعده يحمَدُه فيه الأولون والآخِرون بشفاعته لهم، ويَفتح عليه في ذلك المقام من المحامد كما قال عليه الصلاة والسلام ما لم يُعْطِ غيرَه، وسمَّى أمتَه في كتاب أنبيائه بالحمَّادين، فحقيقٌ أن يُسمى محمدا وأحمد؛ لأكثرية حامديته وأظهرية محموديته. ثم في هذين الاسمين من عجائب خصائصه وبدائع آياته فنٌّ آخرُ وهو أن الله جل اسمه حمى أن يُسمى بهما أحد قبل زمانه. أما أحمدُ الذي أتى في الكتب وبشرت به الأنبياء : فمنع الله تعالى بحكمته أن يُسمى به أحدٌ غيره، ولا يُدعَى به مَدْعُوٌ قبله، حتى لا يدخل لبسٌ على ضعيف القلب أو شك. وكذلك محمد أيضا :لم يُسَمَّ به أحد من العرب ولا غيرهم، إلى أن شاع قبيل وجوده عليه الصلاة والسلام وميلاده أن نبيا يبعث اسمه محمد، فسمَّى قومٌ قليلٌ من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدُهم هو، و"الله أعلم حيث يجعل رسالته". الشفا مع شرح الملا علي قاري 1/ 486-488، مع زيادة قليلة إلى كلام القاضي من شرح الملا علي القاري. قال السهيلي: وهذا الاسم (يقصد محمدا) منقول من الصفة، فالمحمد في اللغة هو الذي يُحمد حمدا بعد حمد، ولا يكون مفعَّل مثل مضرَّب وممدَّح إلا لمن تكرر فيه الفعل مرة بعد مرة. وأما أحمد فهو اسمه صلى الله عليه وسلم الذي سُمي به على لسان عيسى وموسى عليهما السلام، فإنه منقول أيضا من الصفة التي معناها التفضيل، فمعنى أحمد أي: أحمد الحامدين لربه، وكذلك هو في المعنى؛ لأنه تفتح عليه في المقام المحمود محامد لم تفتح على أحد قبله، فيَحْمَدُ ربَّه بها، ولذلك يُعقد له لواء الحمد. وأما محمد فمنقول من صفة أيضا، وهو في معنى محمود، ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار، فالمحمد هو الذي حُمد مرة بعد مرة... فاسم محمد مطابق لمعناه، والله سبحانه وتعالى سماه به قبل أن يُسمي به نفسَه، فهذا علَم من أعلام نبوته؛ إذ كان اسمه صادقا عليه، فهو محمودٌ عليه السلام في الدنيا بما هُدي إليه ونَفَع به من العلم والحكمة، وهو محمود في الآخرة بالشفاعة، فقد تكرر معنى الحمد كما يقتضي اللفظ. ثم إنه لم يكن محمدا حتى كان أحْمَدَ مَنْ حَمِد ربَّه، فنبأه وشرَّفه؛ فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد، فذكَره عيسى صلى الله عليه وسلم فقال:"اسمه أحمد". وذكره موسى صلى الله عليه وسلم حين قال له ربه :" تلك أمة أحمد". فقال:"اللهم اجعلني من أمة أحمد". فبأحمد ذُكر قبل أن يُذكر بمحمد... وكذلك في الشفاعة يَحمد ربَّه بالمحامد التي يفتحها عليه، فيكون أحْمَدَ الحامدين لربه، ثم يشفع فيُحمد على شفاعته. فانظر كيف ترتب هذا الاسم قبل الاسم الآخر في الذكر والوجود، وفي الدنيا والآخرة - تَلُحْ لك الحكمة الإلهية في تخصيصه بهذين الاسمين. وانظر كيف أُنزلت عليه سورة الحمد وخُص بها دون سائر الأنبياء، وخُص بلواء الحمد، وخُص بالمقام المحمود. وانظر كيف شرع لنا سنةً وقرآنا أن نقول عند اختتام الأفعال وانقضاء الأمور: الحمد لله رب العالمين. قال الله سبحانه:"وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين". وقال أيضا:"وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين"، تنبيها لنا على أن الحمد مشروع لنا عند انقضاء الأمور، وسَنَّ صلى الله عليه وسلم الحمدَ بعد الأكل والشرب، وقال عند انقضاء السفر: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون. ثم انظر لكونه عليه الصلاة والسلام خاتمَ الأنبياء ومُؤْذِنا بانقضاء الرسالة وارتفاعِ الوحي، ونذيرا بقرب الساعة وتمام الدنيا، مع أن الحمد كما قدمنا مقرون بانقضاء الأمور مشروعٌ عنده - تجد معاني اسميه جميعا وما خُص به من الحمد والمحامد مشاكلا لمعناه مطابقا لصفته، وفي ذلك برهانٌ عظيم وعلَم واضح على نبوته، وتخصيصِ الله بكرامته، وأنه قَدَّم له هذه المقدمات قبل وجوده تكرمةً له وتصديقا لأمره صلى الله عليه وسلم وشرَّف وكرَّم. انظر: الروض الأنف 1/182-183.

    فهل نعي خصوصيةَ هذا الاسم، وقداستَه، واصطفاءَ الله تعالى له لأشرف مخلوق عنده، وأنه مشتق من اسمه جل جلاله، وأنه مقترن باسمه العظيم، وأنه مقترن بالصلاة والسلام عليه من ربه ومن خلقه على الدوام، وأنه فيه معاني ذاته وصفاته العظيمة المبجلة صلى الله عليه وآله وسلم : فيكون هذا الوعي موجبا لنا تعظيمَ هذا الاسمِ ورفعَه على كل اسم بعد اسم الله تعالى وصفاته، وموجبا لنا تنزيهه صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون اسمه مبتذلا لعامة الناس ككلمة نداء، أو حرفٍ يُنادى به كل ممتهن. سبحانك هذا بهتان عظيم، وخسران كبير، وحبوطُ عمل محقَّق لمن نُبِّه ولم يتأدب، بل وكفر صراح من المتلاعب المستهزئ المتمادي في غيه وضلاله. أين التوحيد وأين العقيدة من ابتذال اسم صاحب الرسالة والمبلِّغ عن الله تعالى!! وابتذالُ اسمه ابتذالٌ لاسم الذي اصطفاه واجتباه ورفعه وأعلاه. رحماك ربي رحماك من الكفر والضلال، وحبوط الأعمال، ومن حرمان شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم.

    فهل من هبَّةٍ صادقة من علمائنا ودعاتنا وأهل المنابر والأقلام فينا وجميع الغيورين على حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتحذير الناس من هذا المنكر الشنيع القبيح الفظيع المحبط للعمل، والذي يُخشى على مَنْ علم حكمَه واستمر في هذا الفعل القبيح الكفر والردة؛ لأن أيَّ تصغير لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو أيَّ أذية له كفر بالإجماع، كما قال تعالى:" قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ". وإذا حذَّر الباري جل جلاله شيخي الأمة أبا بكر وعمر رضي الله عنهما بحبوط عملهما بسبب رفع أصواتهما في جدالهما مع بعضهما عند النبي صلى الله عليه وسلم لو تكرر ذلك منهما مع أن هذا حصل منهما مرة واحدة ومن غير قصد، فما الظن بالذي يستهين باسمه الشريف ويجعله دون أسماء الملوك والقادة فينادي به كلَّ أحد من سقط الخلق، هذا رفع لأسمائهم فوق اسمه المبجل المعظم وهو يقتضي حبوط العمل لا شك ولا ريب. وهذا الرفع يتضمن انتقاصا واستخفافا واضحا باسمه وإزالةً لقداسته وحرمته صلى الله عليه وآله وسلم، فإن قصد الفاعل ذلك كفر إجماعا. فقد ذكر العلماء كلهم في كتاب الردة أن تنقيصه بأيِّ منقِّصٍ كان كفرٌ، وذكر الحنفية والشافعية من صور ذلك التنقيص تصغير اسمه مريدا تحقيره، أي: يقول: محيمد. وهذا لا يختلف عليه العلماء لأنهم ذكروا القاعدة، وعدم ذكر البعض لهذه الصورة لا يعني أنه لا يعدها كفرا؛ لأن قاعدة التنقص تشملها. انظر: الإعلام بقواطع الإسلام لابن حجر الهيتمي ص 143-144، تحفة المحتاج9/87، نهاية المحتاج 7/395، حاشية إعانة الطالبين 4/218. وذكر بعض الحنفية والشافعية من صور الكفر أن يشتم رجلا اسمه من أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ذاكرٌ اسمَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ومعنى هذا: أن يتذكر أثناء السب أن المسبوب اسمه موافق لاسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يراعي السَّابُّ حرمةَ اسم النبي صلى الله عليه وسلم فيسب الشخصَ باسمه، فيكون مستهينا بهذا الاسم غير مراعٍ لحرمة النبي صلى الله عليه وسلم، فيكفر بذلك. انظر: الإعلام بقواطع الإسلام ص162، حاشية أعانة الطالبين 4/233. وليتنبه إلى قيد هؤلاء العلماء الذين قيدوا الكفر بتذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يُعترض عليهم بأن عمر لم يعد السابَّ لابن أخيه كافرا؛ لأنهم حملوا ذلك الفعلَ على عدم الاستهانة باسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأن حال الناس في تلك الأزمان التوقيرُ المفرط لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما إذا تذكَّر أثناءَ السبِّ وعَلِم أن هذا الاسمَ محترمٌ مبجلٌ لا يجوز المساس له بأدنى مساس، ثم لم يبالِ بالحرمة والقداسة فهذا يعد منه استهانة واستخفافا فجعلوا فعلَه ردة. قال محمد بن سحنون: أجمع العلماء أن شاتم النبي عليه السلام المتنقص له كافر، والوعيد جارٍ عليه بعذاب الله، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر. قال مالك: من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شتمه أو عابه أو تنقصه قُتل مسلما كان أو كافرا ولا يستتاب. (يعني سواء صدر التنقص من كافر أو مسلم فإنه يقتل ردة ولا يستتاب) انظر: السيف المسلول ص127،120.

    قال تقي الدين السبكي رحمه الله : أجمعت الأمة أن الاستخفاف بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو بأي نبي كان من الأنبياء، أو قَتْلَه أو قِتالَه : كفرٌ، سواء أقال فاعلُ ذلك إنه استحله أم فعله معتقدا تحريمه، ليس بين العلماء خلاف في ذلك، والذين نقلوا الإجماع فيه وفي تفاصيله أكثر من أن يُحصوا. وممن نقل الإجماع في القتل إسحاق بن راهويه، وممن نقل الإجماع في الاستخفاف ونحوه إمام الحرمين وغيره. قال القاضي عياض: اعلم أن جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو ألحق به نقصا في نفسه، أو نسبه، أو دينه، أو خصلةٍ من خصاله، أو عرَّض به، أو شبَّهه بشيء على طريق السب له، أو الإزراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه، أو العيب له : فهو ساب له، والحكم فيه حكم الساب يُقتل، ولا نستثني فصلا من فصول هذا الباب على هذا المقصد، ولا نمتري فيه تصريحا كان أو تلويحا. وكذلك من لعنه، أو دعا عليه، أو تمنى مضرة له، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهُجْر ومنكر من القول وزور، أو عيَّره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو غمَصَه (أي: عابه واستصغره) ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه. وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضي الله عنهم وإلى هلم جرا.

    وعن مالك: من قال إن رداء النبي صلى الله عليه وسلم – ويروى زِرَّ النبي صلى الله عليه وسلم – وسخٌ، أراد بذلك عيبه : قُتل. (تأمل عبدَ الله : هذا حكمُ من يعيب الزِّرَّ الردةُ والقتل، فكيف من يبتذل الاسم العظيم ويُهِينُه!!!). وأفتى أبو الحسن القابسي فيمن قال في النبي صلى الله عليه وسلم : الجمَّال يتيمُ أبي طالب، بالقتل. ( تأمل رعاك الله تعالى: أيهما أشد في الاستخفاف والازدراء : مَنْ يقول: الجمَّال، اليتيم. فأشعر قولُه بتنقيصٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه صلى الله عليه وسلم كان راعيا يتيما. أو من يُزيل حرمة اسمه بالكلية فيجعله لفظ نداء يصلح لسقط الناس فينادي به الزبال والكناس والخادم والفاسق والكافر!!! وربِّ الكعبة والذي أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وآله وسلم لو فُعل هذا عند المتقدمين لقامت قيامتهم، وللهجت ألسنتهم بالنكير والنذير الشديد من المساس بصاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلم، ولعدوا المصر على هذا الفعل الشنيع بعد التنبيه والتحذير مستهزئا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والمستهزئ به مرتد إجماعا).

    وقال أحمد بن أبي سليمان صاحب سحنون: من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أسودَ يُقتل. وقال في رجل قيل له: لا وحقِّ رسول الله. فقال: فعل الله برسول الله كذا وكذا، كلاما قبيحا. فقيل له: ما تقول يا عدو الله؟! فقال أشدَّ من كلامه الأول. ثم قال: إنما أردت برسول الله العقرب. فقال ابن أبي سليمان للذي سأله: اشْهَدْ عليه وأنا شريكُك في قتلِه وثوابِ ذلك. وقال حبيب بن الربيع: لأن ادعاءه التأويل في لفظٍ صُراح لا يُقبل؛ لأنه امتهان، وهو غير معزِّر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا موقِّر له فوجب إباحة دمه. وأفتى فقهاء الأندلس بقتل ابن حاتم المتفقه الطليطلي وصَلْبِه بما شُهد عليه به من استخفافه بحق النبي صلى الله عليه وسلم وتسميته إياه أثناء مناظرته باليتيم، وخَتَن حيدرة، وزعْمِه أن زهده لم يكن قصدا ولو قَدَر على الطيبات أكلها، إلى أشباه ذلك. وقال حبيب بن ربيع القروي: مذهب مالك وأصحابه أن من قال فيه - عليه الصلاة والسلام - ما فيه نقصٌ قُتل دون استتابة. وقال ابن عتاب: الكتاب والسنة موجبان أن من قصد النبي صلى الله عليه وسلم بأذى أو نقصٍ معرِّضا أو مصرِّحا وإن قلَّ فقتله واجب. فهذا الباب كله مما عده العلماء سبًا وتنقصًا يجب قتل قائله،لم يختلف في ذلك متقدمهم ولا متأخرهم، وإن اختلفوا في حكم قتله(12). وكذلك أقول: من غَمَصه، أو عيَّره برعاية الغنم، أو السهو، أو النسيان، أو السحر، أو ما أصابه من جرح، أو هزيمة لبعض جيوشه، أو أذى من عدوه، أو شدةٍ من زَمَنِه، أو بالميلِ إلى نسائه، فحُكْم هذا كله لمن قَصَد به نقصَه القتل. انتهى كلام القاضي عياض. قال تقي الدين السبكي مبينا الاتفاق على ما قاله القاضي عياض رحمهما الله تعالى: ونصوص الشافعية والحنفية والحنابلة متفقة موافقة على أن ذلك سبٌّ وردةٌ موجب للقتل، وإن اختلفوا في قبول التوبة منه. انظر: السيف المسلول على من سب الرسول 405-410. وانظر: ص119-133.

    _________________________
    (1) لا نقصد بهذا تحقير أصحاب هذه المهن، فكل عملٍ نافعٌ شريفٌ ولا عيبَ في مزاولته، والشرف يحوزه الإنسان بدينه وأخلاقه لا بماله ومنصبه، لكن سنة الحياة الدنيا أن يكون فيها من هو دون غيره في المال والمنصب، وحال الناس تعظيم ذوي المال والمنصب وتحقير من كان ضد ذلك، وهذا واقع الناس إلا القليل، فالغالب من الناس تحقير الفقير والاستهزاء بالخادم الضعيف، فمن جعل اسمه صلى الله عليه وسلم نداء للخدم فقد جعله محتقرا مستهزءا به - عياذا بالله تعالى - قصد أو لم يقصد .
    (2) لا يقال إن أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن، فهي بنص الحديث أعظم من اسم محمد؛ لأن بعض العلماء قالوا :" تفضيل التسمية بهما محمول على من أراد التسمي بالعبودية؛ لأنهم كانوا يسمون عبد شمس وعبد الدار فلا ينافي أن اسم محمد وأحمد أحب إلى الله تعالى من جميع الأسماء، فإنه لم يختر لنبيه إلا ما هو أحب إليه . وهذا هو الصواب ولا يجوز حمله على الإطلاق ". حاشية ابن عابدين 5/ 268. وبعض العلماء قالوا: هي أعظم من محمد في حق غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما في حقه فمحمد هو أفضل من عبد الله وعبد الرحمن؛ لما فيه من الإشارة إلى حيازته مقام الحمد وموافقته لاسم الحميد من أسمائه تعالى . ولأنه اسم اختاره له رب العالمين وسماه به قبل وجوده في الكتب السابقة، والله لا يختار لأحب الخلق إليه إلا أكمل الأمور صلى الله عليه وآله وسلم،وهذا أمر قطعي مجمع عليه يخصَّص به العموم الظني الذي هو عموم حديث:" أحب الأسماء إلى الله عبدالله وعبدالرحمن " أخرجه مسلم . على أن من أسمائه صلى الله عليه وسلم عبدالله، لكن من غير شك أن أشرف أسمائه صلى الله عليه وآله وسلم محمد . انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي 1/168_ 169.
    (3)يتعمد بعض المعاصرين عدم كتابة اسم محمد مقارنا لاسم الله تعالى إلا في الشهادتين أو ما ماثلها من المأثور، أما في غيرها إذا كتبوا على مكان أو لوحة اسم الجلالة لم يكتبوا بجوارها اسم محمد ، زعما منهم أن هذا ينافي التوحيد وهو عدم مساواة الله تعالى بأي مخلوق . وهذا وللأسف خطأ ظاهر، يستنكره الجاهل اللبيب قبل العالم، فمقارنة اسم النبي المخلوق لاسم الخالق من الموحِّد المسلم الذي يتشهد الشهادتين ليل نهار ويقر فيها بأنه صلى الله عليه وآله وسلم عبدٌ لله لا غير: تعني التشريف والتعظيم، وأن هذا الشرف مأخوذ من الله تعالى، وأن تعظيم هذا المخلوق العظيم عند ربه تعظيمٌ للخالق سبحانه، فضلا أن هذه المقارنة حاصلة في القرآن والسنة في مواطن لا تعد ولا تحصى، ونحن مأمورون بهذه المقارنة تحقيقا لوعد الله تعالى له بالرفعة والتي منها قرن اسمه باسمه، ثم اقتداءً به تعالى في هذه المقارنة في سائر آيات القرآن، ثم اقتداء بسلف الأمة وعلمائها فلا يعرف عن أحد منهم أنه يرى هذا الفصل المزعوم عياذا بالله تعالى . فتعمد الفصل بدعة وضلالة، وتشبه باليهود والنصارى في التفريق بين الله ورسله كما قال الله تعالى:" إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا. والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما " . قال ابن جزي رحمه الله تعالى: ومعنى التفريق بين الله ورسله: الإيمان به والكفر برسله، وكذلك التفريق بين الرسل: هو الكفر ببعضهم والإيمان ببعضهم، فحكم الله على من كان كذلك بحكم الكفر الحقيقي الكامل . انظر: التسهيل ص162. فأهل الكتاب كفروا لأنهم فرقوا بين الله ورسله ، وفرقوا بين الرسل أيضا فآمنوا ببعض وكفروا ببعض . وهذا تفريق في الإيمان بالله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم جميعا، وأصل الإيمان بالله ورسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم هو شهادة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فلا يجوز التفريق قصدا بين جزأيها وهو كفر أيضا. والاسمان العظيمان:" الله محمد " اختصار لشهادة التوحيد فلا يجوز قطعا التفريق بينهما، لأنهما أصل كلمة التوحيد: فالألوهية لله والرسالة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وباقي كلمات الشهادة شرح لهما لا غير، فهما الكلمتان الأصيلتان في الشهادة والباقي تابع لهما، فكما لا يجوز الفصل في حالة وجود التابع لا يجوز في حالة حذفه لأنه مقدر، ولأن الكلمتين أصل له وهما المقصودان بالاقتران والتابع شارح لهما، وإلا فماذا يفهم المسلم من لوحة مكتوب عليها : " الله محمد " سوى ما يقوله ليل نهار: الهي ربي وإلهي ومحمد نبي ورسولي، فالربوبية والألوهية لله تعالى، والنبوة والرسالة لمحمد، فالاسمان العظيمان يدلان على معنييهما كما تدل الشمس على النهار، وهل لهذا الأمر الجلي الضروري من خلاف أو مقصد آخر، وهل يوجد على ظهر الأرض مسلم يعتقد سوى ذلك، من يقول بخلاف هذا فهو زنديق كافر، ومن يتهم المسلمين الموحدين بذلك - مع كونهم كلهم برآء من ذلك - فهو أعمى البصيرة جاهل معاند، أو منافق مندس بين صفوف المسلمين عدو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومبغض له لا محالة، يريد بذلك طمس هذه المقارنة العظيمة التي تبعث في القلوب الموحدة جلال نبيها ورسولها صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه أشرف خلق الله أجمعين ولهذا استحق هذه المقارنة، فما هذه المقارنة إلا صميم التوحيد، وصدق الحب والإيمان الموجب له صلى الله عليه وآله وسلم كل تعظيم يليق به، وهذه المقارنة ورب الكعبة تليق به؛ لأنه أرادها ملك الملوك، وشرَّفه بها بصريح القرآن والسنة، وإجماع الأمة، فتعمد الفصل ضلال مبين، يفرح له أعداء الدين عليهم لعائن الله تترى، فضلا عن كونه جهلا فاضحا بالتوحيد الذي يوجب تعظيم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بكل ما ورد، ومنها قرن اسمه صلى الله عليه وآله وسلم باسم مولاه ومرسله سبحانه وتعالى لا فرق بين مأثور وغير مأثور، فالمقارنة بين الاسمين دائمة ثابتة في كل الأحوال كما وردت في صريح الحديث:" إذا ذكرتُ ذكرتَ معي ". والفعل في سياق الشرط يفيد العموم، والمعنى: أنه سبحانه كلما ذكر يُسن ذِكره صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه مقارنة دائمة للتشريف سواء كان الذكر على الألسن أو على الألواح والقراطيس، وكلمة " معي " في الحديث تدل قطعا على المساواة في الذكر الشامل للذكر على القرطاس، كما تقول: جاء فلان معي، ذُكر فلان معي، وهي مساواة مقصودة من رب العالمين لإظهار وإشهار عظيم شرفه صلى الله عليه وآله وسلم عند ربه، وبيان ذلك للخلق على الدوام . ثم بعد كتابة هذا التعليق بمدة وقفت على قول معاصر يستدل على هذا الفصل الباطل بحديث حذيفة:" أن رجلا من المسلمين رأى رجلا من أهل الكتاب في المنام فقال: نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشاء محمد . فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد " أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه . انظر: فتح الباري 11/540. وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن قولوا : ما شاء الله ثم شاء فلان ". أخرجه أبو داود 5/259، وابن السني ص616. وانظر:الفتح الرباني للساعاتي1/38، 14/166،وقال هذا المعاصر: بأن هذا الحديث يدل على حرمة مساواة اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم باسم الله في الكتابة مقترنين: الله محمد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مساواة الله بغيره في المشيئة في العطف بحرف الواو وأمر بالعطف بثُم لبيان عدم المساواة بينهما في المشيئة، ومن ثَمَّ فاقتران الاسمين في الكتابة تعني المساواة بينهما فهي محرمة لا تجوز . وهذا استدلال غريب مقتضاه حرمة اقتران اسم النبي صلى الله عليه وسلم باسم الله في الشهادتين لأننا نكتب لفظ الجلالة ولفظ محمد فيها مقترنين متساويين في الخط لا فاصل بينهما، فإن قال: يجوز هذا الاقتران لأننا أفصحنا عن مرادنا بمحمد وهو قولنا: رسول الله، فرسول الله نفت المساواة بلفظ الجلالة – قلنا: ونحن لا نقصد باقترانهما اسمين مجردين غير ذلك، فالاقتران لا يعني المساواة في كل الأحوال، بل يعني التشريف والتكريم أيضا تقول: جاء الأمير والوزير. والله تعالى يقول:" وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " ويقول:" ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون " ويقول:" ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين" إلى غير ذلك مما لا يحصى، فهل هذا العطف والاقتران في الكتابة مساواة أم تشريف وتكريم !! على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه في حديث حذيفة عن مقارنة اسمه لاسم الله تعالى ، بل نهى عن مساواة مشيئته لمشيئة الله تعالى التي دل عليها حرف الواو، لأن المشيئة منصرفة لله تعالى حقيقة ونسبتها إلى غيره مجاز، فمحل الإنكار المساواة في المشيئة لا المقارنة في الذكر، ولذلك أمرهم أن يقولوا: " ما شاء الله ثم شاء محمد " وهذه مقارنة في الذكر لا فرق بين الواو وثم فيها، وإنما " ثم " تدل على التراخي في المشيئة فقط، أما مقارنة الاسمين فهي والواو فيها سواء، ولذلك ورد عطف اسمه على اسم ربه بالواو فيما يكون حقيقة في حق الله تعالى وحقيقة في حق رسوله صلى الله عليه وسلم كما في الآيات المذكورة كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 11/540. وقد قال بعض العلماء :" من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجوز الجمع في الضمير بينه وبين ربه تعالى كقوله:" أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما ". انظر تعليق عزت الدعاس وعادل السيد على سنن أبي داود 1/659. فالجمع بين الاسمين العظيمين بالضمير الواحد أبلغ في الاقتران والتشريف من الجمع بينهما بالعطف أو بغير عطف؛ لأن الأول جمع في كلمة واحدة، والثاني جمع في كلمتين، ففي الأول تشريف زائد على الثاني ومبالغة في التعظيم، ولذا عده البعض من خصائصه التي لا تجوز لغيره صلى الله عليه وآله وسلم، وهو صريح في جواز بل استحباب اقتران الاسمين الظاهرين جزما . على أن تقديم اسم الله تعالى على اسم محمد صلى الله عليه وسلم في الكتابة: ( الله محمد ) فيه أدب مع الله تعالى بالتقديم والرفعة، وفيه شرف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالاقتران، وليس هناك ما يدل على المساواة البتة عياذا بالله تعالى . فما قاله هذا المعاصر باطل مصادم للواقع الذي يفهمه العوام، ومضى عليه أزمان بلا إنكار من جميع علماء الإسلام، ومصادم لنصوص الكتاب والسنة التي لا تحصى والتي ورد فيها مقارنة اسم النبي صلى الله عليه وسلم باسم ربه سبحانه وتعالى، بل ومصادم للنص الصريح برفع ذكره الذي وعده ربه به : وهو مقارنة اسمه باسم ربه دائما . وهي خصيصة لم تكن لأحد قبله ولا لأحد بعده . وهو تشبه باليهود والنصارى في التفريق بين الله تعالى ورسله وإن كان بغير قصد؛ لأنه مع القصد كفرٌ بواح بنص القرآن، وبغير قصد ضلال مبين، وسوء أدب عظيم مع سيد المرسلين – صلى الله عليه وآله وسلم - بفصل اسمه عن اسم ربه والله يخصه بمزيد اقتران عن إخوانه المرسلين بجعل مقارنة اسمه لاسم ربه دائمة في كل الأحوال .
    (4)ذهب الطحاوي وجماعة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم كلما ذكر اسمه الشريف . انظر: حاشية ابن عابدين 1/346.
    (5)صحابي اسمه جارية رضي الله عنه .
    (6)هو عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم جميعا .
    (7) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : تكاثرت الأدلة على طهارة فضلاته صلى الله عليه وسلم ، وعد الأئمة ذلك في خصائصه . انظر: المواهب اللدنية بالمنح المحمدية 2/318، حاشية ابن عابدين 1/212، كشاف القناع 5/31، مغني المحتاج للشربيني 1/131.
    (8)يعني يمسح حنظلة على رأسه في مكان مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسه ثم يمسح حنظلة بيده على مكان المرض من المريض فيبرأ ببركة يد رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لامست رأس حنظلة فبقيت بركتها طوال حياتة يستشفي الناس بذلك المكان من الرأس .
    (9)انظر: فتح الباري 3/143. قال العيني في عمدة القاري 6/426:" وفيه بركة ما لبسه مما يلي جسده " .
    (10)الحُبُّ: الجرة صغيرة كانت أو كبيرة أو هي الضخمة منها . تاج العروس1/397. والجرة هي إناء من خزف .
    (11)قال الحافظ ابن حجر في حديث عِتبان بن مالك رضي الله عنه حين طلب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يأتيه في بيته ويصلي في مكانٍ من البيت يتخذه مالكٌ مصلًّى يصلي فيه : وفيه التبرك بالمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم أو وطئها . فتح الباري 1/522 .
    (12)يعني باختلاف أحواله من كافر أو مسلم، تائب أو غير تائب، وغيره . فأصل القتل ثابت وجوبه، أما خلافهم ففي التفصيلات بعد ذلك .



    lsHgm:k]hx hgoh]l hgl[i,g hghsl fJ"lJplJ]"


  2. #2

    افتراضي

    مقال نشر في الاسلام اليوم
    الدكتور احمد الزمزمي , جامعة ام القرى , مكة المكرمة
    في الصميم
    اتمنى ارى رايكم احبتي
    هذا هو الرابط للمقال
    http://islamtoday.net/bohooth/artshow-86-157191.htm

  3. #3
    مشرف مجلس قبائل فلسطين الصورة الرمزية عبدالرازق مصاروة
    تاريخ التسجيل
    30-01-2010
    العمر
    76
    المشاركات
    1,007

    افتراضي

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

  4. #4
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
    مقال قيم ومميز ولا غنى عن العلم به لكل مسلم حتى نضع اسمه ( محمد ) صلى الله عليه وسلم في المكانة التي وضعها الله له .

  5. #5

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جرى العرف في بلاد المسلمين بمخاطبة بعضهم بعضا أثناء حديثهم بمحمد ..ووقع الاتفاق على استعماله في مخاطبة من لا يعرف اسمه . سواء كان كريما أو وضيعا. غنيا أو فقيرا . عالما أو جاهلا.. لكونه اسم نبيهم . لايراد به الاساءة ولا يفهم منه خلاف التكريم والاحترام . وعليه فمن استعمله في غير ما جرى به العرف والعمل وسلك به غير سبيل المومنين فقصد به الاساءة والقدح . فإن الله سيوله ما تولى ويكله إلى ما اختار من الاساءة والقدح في عباد الله باسم أشرف خلق الله .. فيستدرجه من حيث لا يعلم أنه يسعى في هلاك نفسه بسوء أدبه على نبيه .. وفي الحديث { إذا لم تستح فاصنع ما شئت }. فليحذر الذين يتخذون <محمدا> سبة وعارا أن تصيبهم فتنة..!

  6. #6
    مشرف مجلس قبيلة بني عقبة و واصل الصورة الرمزية محمد الواصلي
    تاريخ التسجيل
    28-07-2010
    المشاركات
    1,029

    افتراضي

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اصول عائلة "فراج" أو "أبو زيد" ساحل سليم وعائلة "القاضي" البداري بمحافظة أسيوط
    بواسطة OmarMansour في المنتدى البحث عن الاصول.. اصول و انساب العائلات و القبائل
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 13-09-2017, 03:35 AM
  2. تفسير قوله تعالى "وجاء ربك والملائكة صفا صفا" آيات وعبر
    بواسطة عتيبة في المنتدى الاسلام باقلامنا
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 22-04-2017, 05:48 AM
  3. نداء الى عائلة عياد "كافة" على مستوى العالم العربى والاسلامى وبمصر
    بواسطة سالم محمد سالم عياد في المنتدى سجل نسب عائلتك في جمهرة انساب العرب الحديثة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 01-11-2012, 08:43 PM
  4. نداء الى عائلة عياد "كافة" على مستوى العالم العربى والاسلامى وبمصر
    بواسطة سالم محمد سالم عياد في المنتدى السجل العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 01-11-2012, 08:43 PM
  5. مسألة:نداء الخادم المجهول الاسم بـ"مـحمـد"
    بواسطة السوري في المنتدى الصالون الفكري العربي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 27-10-2011, 03:47 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
MidPostAds By Yankee Fashion Forum