"إن العالم الإسلامي ثابت بن قرة هو العالم الذي أفاد علماء
الغرب فيما بعد في تطبيقاتهم وأبحاثهم الرياضية في القرن السادس عشر والتي كانت أساساً لظهور الحضارة الغربية المعاصرة"
(المؤرخ الأوروبي يورانت وول )


لا شك أن تحامل وإجحاف كثير من المؤرخين الغربيين على التراث العربي الإسلامي كان سبباً مهماً لضياع تاريخ علماء أمة الإسلام ، إلا أنني أعتقد جازمَا أن إهمال المسلمين أنفسهم لتراثهم وتاريخهم كان السبب الرئيسي الأول لذلك الضياع !
فقبل أن نتطرق لسيرة هذا العبقري الفذ ينبغي على كل واحدِ فينا أن يسأل نفسه سؤالاً
بسيطا: هل سمعت في حياتك ولو لمرة واحدة عن العالم الإسلامي ثابت بن قرة ؟
الحقيقة التي لا يعلمها الكثير منا أن هذه الأمة لن تعيد أمجاد تاريخها وفيها أناسٌ لا يعرفون تاريخهم أصلُّا!
فلن يرضع أطفالنا إلا حليب الذل والهوان طالما بقي تاريخ عظمائنا في طي النسيان .
ففي الوقت الذي يحلم به الطفل المسلم أن يصبح فيه مثل البطل المزيف سوبر مان، نجد أن ذلك الطفل لا يعرف شيئَا بالأساس عن بطل أسطوري حقيقي اسمه القعقاع بن عمرو ! وفي الوقت الذي نجد فيه شبابنا متيَّمين
بقصة بطلين مزيَّفيْن اسمهما الأخوان رايت نجد أن أحدا من شبابنا لم يسمع البتة عن
بطليْن حقيقيَّن اسمهما الأخوان بربروسا ! ! وفي الوقت الذي تعظم فيه مناهجنا الدراسية المتعفِّنةسيرَ أديسون وآنشتاين، نجد أن نفس تلك المناهج لا تذكر شيئاًعن عالمِ إسلامي مثل (ثابت بن قرة )! هذا مع الوضع في الحسبان أن العلوم التي برع
فيها هذا العالم الإسلامي العظيم في مرحلة مراهقته فقط تفوق كل العلوم التي قضى أولئك العلماء الغربيّون سنين عمرهم كلها في تحصيل بعضاً منها
لذلك . . . . . سنحاول جاهدين من خلال الصفحات القليلة القادمة أن نختار نماذح
مشرقة من علماء هذه الأمة العظيمة لنسبر أغوارها، ونقدّمها بشكلٍ ممتعٍ لشباب الصحوة الإسلامية ، لتكون هذه الصفحات مجرد حافزٍ لأولئك الشباب الذين يريدون إعادة مجد أمّتهم من جديد.
أما إذا سألني أحد الفشلة المثبّطين : لماذا تبكي على
الماضي وتذكر تاريخ علماء سابقين أكل الزمان عليهم وشرب ، في الوقت الذي نتذيل
نحن فيه قاع السلم الحضاري محاطين بالتخلف والأمراض من جميع الاتجاهات ؟!
وقتها سأقول لهذا المثبط الفاشل أن التخلف لم ينتشر في أوصال أمتنا إلا بسبب أمثاله من الإنهزاميين المكسورين داخليًا! أما أنا فسأحاول في هذا الكتاب أن أشعل شمعة،وليبقى هو وأمثاله ليلعنوا الظلام ألف مرة !
الغريب أنني لاحظت من خلال دراستي التاريخية لعلماء الإسلام أن جميع العلماء المسلمين يشتركون في ثلاث خصائص اجتماعية ميَّزتهم عن باقي علماء الأرض عبر التاريخ ، هذه الخصائص الثلاث هي:
(الخلفية الدينية)
لا تجد عالمًا من علماء المسلمين في مجالات الفلك أو الرياضيات أو الأدب أو حتى الطب ، إلا وتجده حافظًا لكتاب اللّه ، وعالمًا بأصول الحديث ، وذا حظٍ كبير في علوم الفقه والشرع ! ولعل هذا من أهم أسباب تخلف الأمة في الوقت الحالي ، فكثيرًا ما
تجد طبيبًا أو مهندسًا لا يعرف قراءة آيتين من آي الكتاب الحكيم ، فاللّه سبحانه وتعالى
لا يوفق إلا من كان مخلص العمل له وحده ، والذي لا يعرفه الكثيرون أن كبير علماء آل
عثمان الدينيين الشيخ الشامي (شمس الدين آق) والذي كان هو من غرس في وجدان
(محمد الفاتح ) روح البطولة وحثه على فتح " القسطنطينية" ، كان في نفس الوقت مخترعًا
عظيمًا من مخترعي أمة الإسلام ، فلقد كان كان هذا الشيخ الجليل هوأول إنسان يكتشف الميكروب"
(التنوع المعرفى)
من الأشياء التي كنت أسمعها سابقًا في أيام الدراسة عند سوالي لأحد الزملاء عن
عاصمة إحدى الدول ، أنه كان يقول لي : " لا أعرف ، فأنا أدرس في القسم العلمي وليس في الأدبي!" والحال نفسه مع طلاب القسم الأدبي اذا سُئلوا عن درجة غليان الماء مثلًا!
أما علماء الإسلام فلم يكونوا بهذا التخاذل ، فلقد برع العالم الواحد في الفقه والحديث
والفلك والشعر والجبر واللغة والفلسفة والكيمياء في ان واحد.
(التميز الاْدائى)
كان الشعار الموحد لعلماء المسلمين هو: إذا غامرت في شرفٍ مروم . . . . فلا تقنع
بما دون النجوم
فالعلماء المسلمون تميزوا عن باقي علماء البشر بأنهم على الرغم من انفتاحهم على علوم من قبلهم دون تعصب ، فإنهم لم يقلدوا، بل ابتكروا ،فابتكر
المسلمون علومًا جديدًا لم تكن معروفة قبلهم (كما سنرى)!
وثابت بن قرة جمع في عبقريته الفذة هذه الصفات الثلاث ، فكانت بدايته كبداية !لى
عالم مسلم بالمساجد والكتاتيب ، فتعلم اللغة العربية (أساس البداية الصحيحة)
والشعر والفقه والحديث وعلوم القران الكريم .
وعندما أتم ثابت الخامسة عشرة من عمره ، التحق بحلقات العلم في المسجد الجامع بحرّان ، ليتلقى تعليمه العالي وليتعلم
بجانب العربية اللغتين السريانية واليونانية ، ثم تلقى ثابت بحلقات هذا المسجد دروس
الفلسفة والرياضيات والفلك والمنطق والطب بهذه اللغات الثلاث ، ودرس الكتب المعتمدة في العلوم البحتة ، وهي كتب : أرسطو وأفلاطون وإقليدس وجالينوسا ثم برز ثابت بين أقرانه في المسجد الجامع الكبير، وتميز بعقليته الموسوعية في الفلسفة والرياضيات خاصة ، فأجيز ثابت في العلم والتدريس ، فصار له الحق في كشف أسرار
العلم ، وتفسير كتب أرسطو وأفلاطون وإقليدس وغيرهم ، ليتصدر ثابت بن قرة التدريس بالمسجد الجامع الكبير وهو في العشرين من عمره فقط عام 203هـ، فذاعت شهرته في الآفاق ، وأخذ يدرِّس طلاب العلم بالمسجد الجامع كتاب "المخروطات" لأبولونيوس الصوري ، وكتاب الإيقاع الهرموني " لأرستكسينوس التارنتي . وبرع ثابت
في علم الهندسة حتى قيل عنه أنه أعظم هندسي مسلم على الإطلاق ، وقال عنه المؤرخ
العالمي المشهور "يورانت ول" : "ثابت بن قرة أعظم علماء الهندسة المسلمين ، فقد
ساهم بنصيب وافر في تقدم الهندسة ، وهو الذي مهد لإيجاد علم التكامل والتفاضل،
كما استطاع أن يحل المعادلات الجبرية بالطرق الهندسية ، وتمكن من تطوير وتجديد نظرية فيثاغورس ، واستطاع أن يعطي حلولا هندسية لبعض المعادلات التكعيبية التي عجز عنها علماء الإغريق العظام ".
كما كان ثابت بن قرة من المولعين بالفلك ، فأخذ يدرس الشمس وحركتها دراسة دقيقة ، فقد كتب عنه المؤلف سيدني فيس في كتابه "الشرق الأوسط " درس العالم الإسلامي ثابت بن قرة حركة الشمس وحسب طول السنة الشمسية فوجدها 365 يومًا و 6 ساعات و 9 دقائق و 10 ثوان بالضبط ، أي أكثر من الحقيقة بأقل من نصف ثانية !".
وبرع عالمنا الإسلامي أيضًا في الرياضيات بجميع فروعها، وأضاف إليها إضافات عظيمة أثارت إعجاب علماء الغرب ودهشتهم ، والجدير بالذكر أن تعميم نظرية فيثاغورس وابتكار قانونين أحدهما في إيجاد الأعداد المتحابة ، والأخر للمربعات السحرية ، لا يرجع إلى لأي عالم غربي ، بل يعود في الأساس إلى عالمنا العظيم ثابت بن قرة . والشيء الذي لا يعلمه الكثيرون من أبنائنا من المنبهرين بالحضارة الغربية وعلمائها أن أساس نظريات جاليليو وجاوس ونيوتن و اويلر وفارادي مستمدة بالكلية من نظريات العالم الإسلامي العظيم ثابت بن قرة الذي لم يسمعوا عنه في حياتهم ! فقد اكتشف ابن قرة قبل حوالي 1200 سنة من الاَن نظرية حيَّرت العلماء إلى يوم الناس هذا! فلقد اكتشف هذا العالم المسلم في ذلك الوقت المتقدم من التاريخ الظاهرة الفلكية المعروفة باسم "هزة الاعتدالين "، وقد فسر ثابت بن قرة هذه الظاهرة بأن محور دوران الأرض يهتز أو يترنح كما تترنح النحلة ، وهي تقف وتدور حول محورها، فتروح متمايلة هنا وهناك ! وقال بأن ترنح محور الأرض له دورة كاملة تستغرق نحوًا من ستٍ وعشرين ألف سنة ، بمعنى أن المحور لا يشير دائما إلى النجم
القطبي .
أكد علماء وكالة الفضاء الأمريكية "ناسالما قبل عدة سنوات فقط وبواسطة أجهزة الكمبيوتر العملاقة صحة هذه النظرية. ولثابت أعمال جليلة وابتكارات مهمة فْي الهندسة التحليلية التي تطبق الجبر على الهندسة ، وُيعزى إليه العثور على قاعدة
تستخدم في إيجاد الأعداد المتحابة ، كما يعزى إليه تقسيم الزاوية ثلاثة أقسام متساوية
بطريقة تختلف عن الطرق المعروفة عند رياضيي اليونان ا وأبدع العالم الإسلامي ثابت
بن قرة في الطب أيضًا، فكان أول إنسان على وجه الأرض يشرِّح العين تشريحا علمي
تفصيليَا، فكان ثابت وبجدارة أبا طب العيون على مر العصور، وقد أحصى مؤرخو العلوم والعلماء في موسوعاتهم لثابت بن قرة 180 كتابا في علوم : الرياضة ، والطب، والطبيعة ، والفلسفة ، والفلك ، وا لأخلاق ، والفقه ، والحديث ، وا لأحياء ، والهندسة، وا لجبر ، وا لتفا ضل. وبعد أن استعرضنا بعض منجزات هذا العالم الإسلامي العملاق ، ينبغي علينا أن نقف قليلَا مع أنفسنا لكي نتأمل أحوالنا قليلًا، فكم منّا يعرف أساسا ما هو علم التفاضل
والتكامل ؟ أما اَن الأوان لكي نخجل من أنفسنا قليلأ ونبدأ بتنفيذ أول أمر إلهي إلى أمة
محمد . . . "اقرأ"؟


كتاب مائة من عظماء الاسلام جهاد الترباني


i.m hghuj]hgdk>>>>ehfj fk rvm