حديث
" القلوب بين أُصبعين من أصابع الرحمٰن يقلّبها كيف يشاء "
قد يستشهد البعض بهٰذا الحديث الشريف لدعم مقولتهم بخلق الأعمال فيقول "
تقليب القلوب
مادام بمشيئة الله بنصّ الحديث فهو وحده المتصرّف فيها يقلّبها
بين الكفر والإيمان وبين الطاعة والمعصية واختيار الخير أو الشرّ كيف يشاء هو فالفعل
فعله وحده بمشيئته لا بمشيئة العبد فكان مفعولاً مخلوقاً لله " .
والجواب عليه من وجوه
:
أوّلا
: المشيئة كما بيّنّا مرتبطة بالحكمة والعدل وأفعال الله تعالى كُلّها حكيمة لا عبث
فيها وعادلة لا ظلم يعتريها
ثانيا : القلب محلّ النيّة والنيّة هي العزم على الفعل بعد الإرادة
والإرادة مخلوقة على الإختيار ومجبورة عليه
ثالثا : الجبر على الإختيار يُصاحبه الإذن في الاختيار بين ممكنين أو أكثر
رابعا
: القلب محلّ اللّمّتين لمّة المَلَك ولمّة الشيطان وهو قوله تعالى( فألهمها فجورها
وتقواها )
خامساً
: الملَك يلقي بلَمَّته بأمر الله والشيطان يلقي بلَمّته بإذن الله وسواساً من غير
سلطان
(قال تعالى ( إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان سادساً: اللّمّتان متساويتان فلا يترجّح اختيار بهما, إنما المرجِّح للفعل المختار إرادة
العبد
فإمّا أن يرجّح الإنصياع للمّة الشيطان وهو قول الله تعالى ( إلاّ من اتّبعك من الغاوين )،
وإمّا أن يُرجّح العمل بلمّة المَلَك وهو قوله تعالى( ونهى النفس عن الهوى )
سابعاً: القلب يتقلب بين قضائين لله تعالى قبل النيّة وقضاءين بعد النيّة۔۔۔
أمّا قبل النيّة فهو يتقلّب بين قضائين ابتلائيين أحدهما نعمة( لمّة ملَكية بأمر الله )
والأُخرى مصيبة
( لمّة شيطانية بإذن الله)،
وأمّا بعد النيّة فالقضاءان جزائيّان ,إمّا( التثبيت ) وإمّا ( الإزاغة ) .
قال عليه الصلاة والسلام
( يا مقلّب القلوب ثبِّت قلبي على طاعتك )
وقال الراسخون في العلم كما أخبر الله عنهم
( ربّنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ).
ثامناً
: بيّن الله تعالى لمن القضاء منه بالتثبيت ولمن قضى له بالإزاغة ,
قال تعالى
( يُثبِّتُ الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة )
فالتثبيت جزاء على الإيمان مترَتَّب عليه وليس سبب الإيمان المُرجِّح له
,
وكذٰلك الإزاغة فهي جزاء على زيغ بدأ من العبد باختياره وأصرّ عليه فتركه الله وشأنه
ووكله إلى نفسه ومنع عنه لطفه ورفع عنه مدده وحفظه ومن وكله الله إلى نفسه حرم
نفسه إعانة المَلَك و لعبت به الشياطين كما تشاء وكان لها عليه سلطان وِفق السنّة
القَدَرية والقانونالإلٰهي الذي قضاه الله
( إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان !! إلاّ من
اتّبعك من الغاوين ) .
فبالغواية رجّح العبد سلطان الشيطان عليه ولولا ذٰلك لبقي كيده وسواساً ضعيفا
,
قال تعالى
( إنّ كيد الشيطان كان ضعيفاً ) .
تاسعاً
:مقَلِّب القلوب لا يَقلِب المؤمن المتمسِّك بإيمانه كافراً كما لا يقلِب كافراً مُصِرّاً
على كفره مؤمناً ,ذٰلك ظنّ الجبرية الضُلّال وليس سنّة الله في قدَرِه ,
قال تعالى
( إنّ الله لا يُغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم ) .
عاشراً
:الطبع على القلب والختم عليه وإغفاله عن ذكر الله وجعله قاسياً كلها عقوبات
كالإزاغةوالإضلال يُرجِّحها العبد على نفسه باختياره وغوايته وكفره وإصراره وإعراضه
فهي جميعاً من القضاء الجزائي المُتَرَتَّب وليست قضاء ً جبرياً مبتدأًعلى العبد مخلوقاً
فيه ,
قال سبحانه و تعالى
( ألا بذكر الله تطمئن القلوب )
وقال عزّ وجلّ
( بل طبع الله عليها بكفرهم ) و (جعلنا قلوبهم قاسية ) ( ذٰلك بأنّهم
آمنوا ثُمَّ كفروا فطبع الله على قلوبهم )
وقال جلّ شأنه
( أفرأيت من اتّخذ إلٰهه هواه وأضلّه الله على علم وختم على سمعه وقلبه
) .
وقال سبحانه
( ولا تُطِعْ من أغفلنا قلبه عن ذِكرِنا ) .
وهٰكذا فالقلب بين أُصبعين من أصابع الرحمٰن بين قضائين من أقضية الرحيم بعباده
الذي
قدّر فهدى ابتداء ً ولم يبتدئهم بإضلال ولا إزاغة بل شملهم جميعاً
بلطفه وإعانته ، وهداهم النجدين وبيّن لهم الطريقين ، وأمددهم بملائكة كرامٍ بررة ،
يحثّونهم على الخيرويُذكِّرونهم بالله ، وجعل كيدالشيطان ضعيفا محصوراً بوسواسٍ
من غير سلطان ، وجعل مفتاح القَدَر بأيديهم فإن أزاغوا أزاغ الله قلوبهم ، وإن تمسّكوا
بإيمانهم ثبّتهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وألزمهم كلمة التقوى
وكانوا أحقّ بها وأهلها ، أولٰئك هم الراشدون فضلاً من الله ونعمة۔
فاللهمّ يا مُقلّب القلوب ثبّت قلوبنا على طاعتك
ربّنا لا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا
وهب لنا من لدنك رحمة , إنّك أنت الوهّاب
مواقع النشر (المفضلة)