مساكن قوم عاد
بقلم قسطاس ابراهيم النعيمي
مقدمة:
ذكر الله تعالى في كتابه الكريم أخباراً عن بعض الأمم البائدة، وجاء أيضاً الإخبار عن منازلهم ومساكنهم، وكيف كانت نهاية هؤلاء المكذبين، ومن هؤلاء الأقوام قوم عاد، الذين أرسل الله إليهم نبيه هوداً عليه السلام، فدعاهم إلى عبادة الله وحده، فكذبوه واتهموه بالسفاهة والطيش، فأهلكهم الله تعالى بعد أن كذبوا رسوله ولم يؤمنوا به.
وفي هذا البحث سنتطرق إلى الآيات التي جاء فيها ذكر قوم عاد، والأوصاف التي وصفهم القرآن الكريم بها، وبقية أخبارهم، وكيف كانت نهايتهم، وبعد ذلك سنشير إلى الكشوف الحديثة التي وصل إليها العلم الحديث بشأن مساكن قوم عاد، وسنجلّي وجه الإعجاز في هذه المسألة، والآن نبدأ في الآيات القرآنية التي ذكرت أخبار قوم عاد.
الآيات التي جاء فيها الإخبار عن قوم هود:
1. قال تعالى: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ * أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: 65-72].
وقد جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَة﴾: أي زاد طولكم على الناس، (بسطة): أي جعلكم أطول من أبناء جنسكم(1). وفي هذه الآيات ذكر الله عز وجل قصة نبيه هود مع قومه، وأنه دعاهم إلى عبادة الله وحده، وذكرهم بالنعم التي ميزهم الله بها عن غيرهم، فقد أعطاهم زيادة في الأجسام والطول، لكنهم كذبوه واتهموه بالسفاهة والكذب، وأصروا على ذلك، فأخذهم الله بالعذاب، وأنجى الله هوداً ومن معه.
2. وقال تعالى: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ * يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ﴾ [هود: 50-52]. وفي هذه الآيات دعاهم نبي الله هود عليه السلام للاستغفار وهو هنا بمعنى الإيمان(2)، ثم دعاهم إلى التوبة من كل الذنوب، ووعدهم إن هم فعلوا ذلك أن الله تعالى سيرسل عليهم الأمطار الكثيرة، وأنه سيزيدهم قوة بالإضافة إلى القوة التي يتمتعون بها.
3. وقال تعالى على لسان نبيه هود: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الشعراء: 128-135].
ففي هذا السياق جاء الوصف للبناء الذي كانوا يبنوه، ومعنى (ريع): كل مكان مشرف من الأرض مرتفع أو طريق أو واد(3)، وقال ابن كثير: يبنون هناك بنياناً محكماً هائلاً باهراً، ولهذا قال ﴿أتبنون بكل ريع آية﴾، أي معلماً بناءاً مشهوراً، ﴿تعبثون﴾ أي وإنما تفعلون ذلك عبثاً لا للاحتياج إليه بل لمجرد اللعب واللهو وإظهار القوة، ولهذا أنكر عليهم نبيهم عليهم السلام ذلك لأنه تضييع للزمان وإتعاب للأبدان في غير فائدة، واشتغال بما لا يجدي في الدنيا ولا في الآخرة، وقيل هي بروج الحمام(4).
ومعنى قوله تعالى: ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾، المصانع هي القصور المشيدة، وقيل هي الحصون المرتفعة، وفي قول آخر هي الأحواض التي يجمع فيها ماء المطر(5).
ومعنى ﴿لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾: أي لكي تقيموا فيها أبداً، وذلك ليس بحاصل لكم بل زائل عنكم كما زال عمن كان قبلكم(6)، وقيل أن (لعل) استفهام بمعنى التوبيخ أي فهل تخلدون(7).
ومعنى ﴿وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾: البطش هو الأخذ بعنف ظلماً، وهذا وصف لهم بالغلظة والقوة والجبروت(8). ثم دعاهم نبي الله هود عليه السلام للإيمان بالله وطاعته؛ لأن الله تعالى قد أنعم عليهم بكثرة الأبناء والأنعام، وأعطاهم البساتين والعيون والأنهار والآبار.
4. وقال تعالى: ﴿وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ [العنكبوت: 38].
5. وقال تعالى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ * إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاء رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ﴾ [فصلت: 13-16].
في هذه الآيات أخبر الله تعالى عن إهلاكهم بالصاعقة، والصاعقة هي كل ما أفسد الشيء وغيّره عن هيئته، وقيل في هذا الموضع عني بها وقيعة من الله وعذاب(9)، ثم بيّن الله عز وجل نوع هذه الصاعقة المهلكة، وهو إهلاكهم بالريح الصرصر التي استمرت عدة أيام، واختلف العلماء في معنى الصرصر، فقيل: هي الريح الشديدة الهبوب والسموم، وقيل هي الريح الباردة، وقيل الصرصر هي الريح ذات الصوت الشديد، ولا مانع من حمل الكلمة على جميع هذه المعاني، فقد كانت ريحاً باردة شديدة الهبوب ولها صوت مخيف(10).
6. وقال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ * فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾ [الأحقاف: 21-26].
هذه الآيات أخبرت عن المكان الذي كانت به مساكن قوم عاد، وهي الأحقاف، والأحقاف: جمع حقف وهو ما استطال من الرمل ولم يبلغ أن يكون جبلاً(11)، وهو وادٍ بأرض حضرموت(12)، وقيل هو وادٍ بين عمان والمهرة(13).
وذكرت الآيات أن العذاب جاءهم في صورة عارض المطر ثم نزل بهم العذاب، والعارض هو السحاب الذي يأتي بالمطر ويكون معترضاً في الأفق(14)، وبعد مجيء هذا العارض وفرحهم به فاجأهم العذاب، وهي الريح التي دمرت كل شيء ورمت كل شيء على بعضه، وقد نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما في ذلك أنه قال: أول ما رأوا العارض قاموا فمدوا أيديهم، فأول ما عرفوا أنه عذاب رأوا ما كان خارجاً من ديارهم من الرجال والمواشي تطير بهم الريح ما بين السماء والأرض مثل الريش، فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم فقلعت الريح الأبواب وصرعتهم، وأمر الله الريح فأمالت عليهم الرمال فكانوا تحت الرمال سبع ليال وثمانية أيام حسوماً ولهم أنين، ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمال واحتملتهم فرمتهم في البحر(15)، ولم تبق إلا آثار لبعض المساكن التي كانوا يسكنونها.
7. وقال تعالى: ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ [الذاريات: 41-42]. وهنا وصفت الريح بوصف جديد وهو العقم؛ لأنها لا فائدة منها فلا تلقح شجراً ولا تثير سحاباً، أي أنها لا بركة فيها ولا رحمة ولا منفعة، أو لأنها أهلكتهم وقطعت دابرهم(16).
8. وقال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ * تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ [القمر: 18-21]. وهذه الآيات تصف عمل الريح في قوم عاد، فقد كانت ترفع الواحد منهم إلى السماء ثم تطرحه على رأسه في الأرض فتدق رقبته، وتبين رؤوسهم من أجسادهم، وقيل أنها كانت تقلعهم من الأرض من تحت أقدامهم اقتلاع النخلة من أصلها(17).
ومعنى ﴿أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ﴾: الأعجاز: جمع عجز، وهو مؤخر الشيء،والمنقعر: المنقلع من أصله(18).
9. وقال تعالى: ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ﴾ [الحاقة: 6-8]. وفي هذه الآيات زاد وصف جديد للريح وهو وصفها بأنها (عاتية) أي قوية وشديدة على قوم عاد فلم يستطيعوا ردها(19).
10. وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ* الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾ [الفجر: 6-8]. أما هذه الآيات فقد وصفت إرم هنا بأنها ذات العماد.
وقد اختلف المفسرون في معنى ﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ على عدة أقوال، وأقرب الأقوال في ذلك: هو أن إرم اسم لقبيلة عاد، وذلك نسبة لأحد أجدادهم، أو أن إرم هو اسم لبلدتهم(20).
وأما معنى ﴿ذَاتِ الْعِمَادِ﴾: أي ذات الطول، وقيل أن الوصف بالطول هو عائد على قوم عاد، أي أنهم كانوا أصحاب أجسام طويلة، فشبهت قاماتهم بالأعمدة، وقيل أن الوصف بالطول عائد على منازلهم، فقد كانت بيوتهم ترفع بالأعمدة الطويلة(21)، ولا مانع من حمل معنى الآية على القولين، وذلك لعدم التعارض بينهما. ومعنى قوله تعالى: ﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾: عائد على (إرم)، فقيل أن قبيلة عاد لم يخلق مثلها في ذلك الزمان، أي أنه لم يكن لهم مثيل في القوة وطول الأجسام، وقيل أن مدينة إرم كانت أعظم مدينة في ذلك الزمان فلم يكن يشابهها أي بلد (22).
فمن خلال هذه الآيات نعلم أن عاداً سكنوا الأحقاف من أرض حضرموت، وأنهم كانوا أصحاب أجسام طويلة، وقد أعطاهم الله تعالى أنواعاً من العطايا مثل كثرة الأبناء، والأنعام والبساتين والأنهار، واتصفوا بأنهم كانوا يبنون القصور الشاهقة والحصون العالية وأحواض الماء هناك، ولهذا قال تعالى فيهم: ﴿أتبنون بكل ريع آية تعبثون﴾، ومن ذلك بناؤهم لمدينة (إرم) التي وصفها القرآن الكريم بأن مبانيها كانت ذات أعمدة ضخمة، ولم يكن لها مثيل في ما جاورها من المدن في ذلك العصر، وكانوا أيضاً أصحاب عبث ولهو وكفر، فأرسل الله إليهم نبيه هوداً عليه السلام، فدعاهم إلى الإيمان بالله وحده، والتوبة إليه، والاستغفار من ذنوبهم، وذكّرهم بنعم الله عليهم، فرفضوا دعوته وكذبوه واتهموه بالسفاهة والكذب، ثم أخذ يرغبهم ويعدهم بما عند الله لعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة، فوعدهم إن هم آمنوا بالله بالزيادة في القوة والنعم التي أنعم الله بها عليهم من قبل، فلما لم يستجيبوا له انتقل من الوعد والترغيب إلى الوعيد والترهيب، فهددهم وخوفهم من عذاب الله وانتقامه، لكنهم اغتروا بقوتهم وقالوا ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾، ونسوا ﴿أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾، وبعد هذا جاءهم عذاب الله، فأهلكهم الله بريح صرصر عاتية، فأهلكتهم ودفنتهم ومساكنهم تحت الرمال، فصاروا عبرة لمن جاء بعدهم، ممن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
lsh;k r,l uh] lsh;k r,l uh] hg;at uk l,ru hvl hehv hvl hvl hvl `hj hgulh] r,l uh]
مواقع النشر (المفضلة)