يُعَد الجمل من الحيوانات الأكثر التصاقًا بالموروث العربي، وبالبيئة العربية، وقد تم التعارفُ على أن الجمل رمز الصحراء والشرق الأوسط، وفي كثير من الأحيان تتداول المجتمعاتُ الغربية صورة موازية للمجتمعات العربية على أنها مجتمعات رعوية، يُعَد الجمل فيها وسيلة المواصلات الأكثر صلاحية، والجمل يتشابه في كثير من خصائصه مع سيكولوجية العربي؛ فهو حيوان صبور، قادر على تحمُّل المشاق، ومصاعب بيئته الصحراوية، وهو أيضًا حيوان خجول، ذو حس مرهف للأصوات الجميلة، ولكن عندما يُستثَار من جانب أصحابه يصبح حيوانًا خطيرًا للغاية، متحفزًا للانتقام بأي وسيلة، وتتداول المجتمعاتُ البدوية مثلًا شائعًا عن الشخص الذي لا يسامح المخطئين في حقه؛ بأنه مثل الجمل "يعبِّئ العداوة"، ويتداولون في ذلك حكاية من موروثهم عن بدويٍّ كان يسيء معاملة جَملِه، ويضربه بقسوة، مع حرمانه من الطعام، وفي إحدى رحلاته، وبعد توغُّله في الصحراء، ثار عليه جملُه، فاضطر البدوي إلى مكان عالٍ منتظرًا أن تهدأ ثورة جمله حتى ينزل ويستأنف رحلته، ولكنَّ الجملَ الراغب في رد الصاع صاعين ظل ينتظر نزول البدوي ثلاثة أيام بدون أن يُبارحَ مكانه، ومع شدة جوع البدوي وعطشه اضطر للنزول، وسرعان ما التقم الجملُ رأسه بين أسنانه!
صدر عن "المجمع الثقافي - كلمة" لهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث الطبعةُ الأولى من كتاب "الجمل: التاريخ الطبيعي والثقافي" للباحث "روبرت إيروين"، وهو جزء من سلسلة علمية باللغة الإنجليزية تحت عنوان: "سلسلة الحيوانات - Animal Series"، تولَّت ترجمتَها ونشرَها الدارُ ضمن مشروعها الثقافي، وطُبعَ هذا الكتاب في نسخته الإنجليزية أول مرة عام 2010 بلندن.
وقد تناول الكتاب الجَمَل من منظورين شائقين: التاريخ الطبيعي للجمل؛ حيث أبرزت أنواع سلالاته المختلفة، وأماكن وجوده، وتكاثره، ودورة حياته الطبيعية، كما اهتمت الدراسةُ بالتاريخ الثقافي للجمل؛ حيث ألقت الضوء على أهم المعتقدات والأساطير والخرافات التي مثَّل فيها الحيوان عنصرًا رئيسًا في تكوينها وانتشارها، وأيضًا أبرزت تداخل الجَمَل في النتاج الأدبي والفني لأشهر الأدباء والفنانين.. وغيرهم، وتداخله في الموروث الشعبي للمجتمعات المختلفة.
يستعرض الكاتب في دراسته سبب افتتان ثقافات كثيرة بالجمل، بما في ذلك المناطق التي لم يكن الجَمَلُ من حيواناتها المحلية، ويبحث في الأسئلة الفضولية الشائعة عن الجمل، وما الذي يهم القارئ العاديَّ معرفتُه عن الجَمَل والبيئة الصحراوية ككل، وقد بذل الكاتب أقصى وُسعه لجعلِ الكتاب سهلًا سلسًا غيرَ متبحِّر في الأمور العلمية التي أثارت جدلًا بين علماء الحيوان حول الخصائص المختلف فيها بشأن الجمل؛ حيث يرى الكاتب أن الغموض وتشوُّش الأبحاث ساد إلى وقت قريب الدراسةَ العلمية للجمل، ويبحث الكاتب في دراسته الشائقة عن إجابات أسئلة من نوعية:
"ما معنى أن تكون جملًا؟ كيف يعيش الجَمَل الحياة؟ هل يفكر في الغد؟ ما هي طبيعة حياة الجَمَل في المكان الذي يتحدد ويتشكل، بشكل أساسي، من روائحه؟ كيف ستكون الحال عند قضاء معظم السَّنة دون أن يشغل الجَمَل نفسه بتاتًا بالجنس، ثم يقضي جزءًا من موسم الشتاء مهووسًا به على نحو عنيف؟ ما نوع الحياة الجنسية للجَمَل التي لِشَمِّ البول فيها دورٌ كبير؟ كيف يمكن أن يكون الأب غير مبالٍ بوليده بتاتًا؟ لماذا تحب الجمال قضاء وقت مع غيرها من الجِمال؟ ما الذي يجعلها تستجيب للأغاني والموسيقا؟ ما هو الشيء الذي في الجَمَل ويجعله يخضع بسهولة لأوامر البشر؟ ما مقدار ما يحتفظ به الجَمَل من تجربته في ذاكرته؟ هل يعي الجَمَل أنه سيموت في يوم من الأيام؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يرى الموت؟ وهل تتساءل الجِمال عن معنى أن يكون المرء إنسانًا؟!".
وقد استعرض الكاتب كيف أثار الجَمَل فضول وتطلعات البشر على مدى قرون بشكل جعله أكثر من مجرد حيوان صحراوي، ويُعَد هذا الكتابُ أول مسح يناقش دور الجَمَل في المجتمع والتاريخ في أنحاء العالم، ويضم ما يزيد عن مائة صورة ملونة تربط المعلومة بالصورة لكمال استفادة القارئ
ومؤلف الكتاب هو "روبرت إيروين" محرر الشرق الأوسط في الملحق الأدبي بجريدة "التايمز"، درس التاريخ العربي في جامعات لندن وكمبردج وأكسفورد، ويكتب لعددٍ من الصحف والمجلات في بريطانيا والولايات المتحدة، كما أنه زميل الجمعية الأدبية الملكية، وقد قام برحلات مكثفة إلى الشرق الأوسط والهند، وهو خبير بارز في الثقافة العربية، ومؤلِّف ومترجم، وأسهَم مؤخرًا في كتابة مقدمة الترجمة الجديدة التي أصدرتها دار "بنجوين" لألف ليلة وليلة.
hg[lg uhwtm hgwpvhx - sgsgm hgl,hqdu hg.vhudm ksf hg.,hd]m fhg[fgh,
مواقع النشر (المفضلة)