*** ليس للزواج إلا إقرار طبيعة الرجل وطبيعة المراة في طبيعة ثالثة تقوم بالإثنتين معاً , وهي طبيعة الشعب , فمن سقوط النفس ولؤمها ودناءتها أن يفِرّ الشاب القوي من تبِعة الرجولة , فلا يحمل ما حمل أبوه من واجبات الانسانية , ولا يقيم لوطنه جانبا من بناء الحياة في نفسه وزوجه وولده , بل يذهب يجعل حظ نفسه فوق نفسه , وفوق الانسانية والفضيلة والوطن جميعا , ولا يعرف أن انفلاته من واجبات الزواج هو إضعاف في طبيعته لمعنى الاخلاص الثابت , والصبر الدائب , والعطف الجميل في أي أسبابها عَرَضَت .
*** ومن فُسولة الطبع ولؤمه ودناءته أن يهرب هذا الجندي من ميدانه الذي فرضت عليه الطبيعة الفاضلة أن يجاهد فيه لأداء واجبه الطبيعي متعلّلاً لفراره المُخزي بمشقّة هذا الواجب وما عسى أن يعاني فيه كما يحتجّ الجبان بخوف الهلاك وعناء الحرب .
*** ومن سقوط النفس أن يرضى الشبان كساد الفتيات , وبوارهن على الوطن , وأن يتواطأوا على نبذ هذه الأحمال , وإلقائها في طُرُق الحياة , وتركها لمقاديرها المجهولة , كأنهم " أصلحهم الله " لا يعلمون أن ذلك يضيع بأخواتهم بين الفتيات , ويضيع بوطنهم في أمّهاته الجيل المُقبل , ويضيع بالفضيلة في تركهم حمايتها وتخليهم عن حمل واجباتها وهمومها السامية ... إن الجمل إذا استنوق تَخَنّثَ ولان وخَضَع , ولكنه يحمل , وهؤلاء إذا استنوقوا تَخَنّثوا ولانوا وخضعوا وأبوا أن يحملوا ...!
*** ومن سقوط النفس في الرجل النّكس العاجز المقصّر أن يحتجّ لعزوبته بعلمه وجهل الفتيات , أو تمدّنه وزعمه أنّهن لم يبلغن مبلغ الاوروبية , ولا يدري هذا المنحط النفس أن الزواج في معناه الانساني الاجتماعي هو الشكل الآخر للإقتراع العسكري , كلاهما واجبٌ حتمٌ لا يُعتذر منه إلا بأعذارٍ معيّنة , وما عداها فجُبن وسقوط وتخاذل ولعنة على الرجولة .
- ومن سقوط النفس أن يَغْنَى الشاب عن الزواج لفجوره فيقرّه , ويُمكّن له , وكأنه لا يعلم أنه بذلك يَحْطِم نفسين , ويُحدِث جريمتين , ويجعل نفسه على الدنيا لعنتين .
*** ومن سقوط النفس أن يَغْتَرّ الشاب فتاة حتى إذا وافق غِرّتها مَكَرَ بها وتركها بعد أن يلبسها عارها الأبدي , فما يحمل هذا الشاب إلا نفس لصٍّ خبيثٍ فاتك , هو أبداً عند من يسرقهم في باب الخسائر والنكبات , لا في باب الربح والمكسب , وعند المجتمع في باب الفساد والشر , لا في باب المصلحة والخير , وعند نفسه في باب الجريمة والسرقة , لا في باب العمل والشرف ...!
*** فسقوط النفس وانحطاطها هو وحده نكبة الزواج في أصلها وفروعها الكثيرة التي منها المغالاة والشطط في المهور , ومنها بحث الشاب عن الزوجة الغنيّة , وإهمال ذات الدين والأصل الكريم لفقرها , ومنها ابتغاء الزوجة رجلاً ذا جاهٍ أو ثراء , وعزوفها عن الفاضل ذي الكفاف أو اليسير على غنىً في رجولته وفضائله , كأنما هو زواج الدينار بالسبيكة , والسبيكة بالدينار , وكأن الطبيعة قد ابتُلِيَت هي أيضاً بالسقوط , فأصبحت تعتبر الغنى والفقر , فتجعل في دم أولاد الأغنياء روح الذهب واللؤلؤ والماس , وتُلقي في دم أولاد الفقراء روح النحاس والخشب والحجارة ... على حين أن الجميع مُستَيقنون لا يتدافع اثنان منهم في أن الطبيعة لا تُبالي إلا بوراثة الآداب والطباع .
*** وأعظم أسباب السقوط في رأيي هو ضعف التربية الدينية في الجنسين , وخاصة الشبان , ظنّاً من الناس أن الدين شأن زائد على الحياة , مع أنه هو لا غيره نظام هذه الحياة وقوامها في كل ما يتصل منها بالنفس , وليست المدنية الصحيحة " كما يحسب المفتونون " هي نوع المعيشة للحياة ومادتها , بل نوع العقيدة بالحياة ومعانيها , والى هذا ترمي كل مبادىء الاسلام , فإن هذا الدين القوي الانساني لا يعبأ بزخارف كهذه التي تتلبّس بها المدنيّة الأوروبية القائمة على الاستمتاع , وفنون اللذّات , وانطلاق الحرية بين الجنسين , فهذا بعينه هو التحطيم الإنساني الذي ينتهي بتهدّم تلك المدنيّة وخرابها ... وإنما يعبأ الاسلام بالعقيدة التي تُنظّم الحياة تنظيماً صحيحاً مُتَساوقاً وافياً بالمنفعة , قائماً بالفضيلة بعيداً من الخلط والفوضى .
*** ويقابل ضعف التربية الدينية مظهر آخر هو سبب من أكبر أسباب السقوط , وهو ضعف التربية الاجتماعية في المدرسة , والى هذا الضعف يرجع سبب آخر هو تَخَنّث الطباع واسترسالها الى الدّعَة والراحة , وفرارها من حمل التّبِعة " المسؤولية " التي هي دائما أساس كل شخصية قائمة ٍ في موضعها الاجتماعي .
*** وبذلك الضعف وذلك السقوط وُضٍعت المرأة البَغِيْ العاهرة في الموضع الطبيعي للأمْ , ونزل الرجل السافل المنحط في المكان الطبيعي للأبْ , وتحللت قوى الوطن بانحراف عنصريه العظيمين عن طبيعتهما , وجعلت فضيلة الفتيات المسكينات تتأكّل من طول ما أهملت , وأخذ سوس الدم يتركها فضائل نَخِرَة .
*** ولا عاصم ولا دافع إلا قوة القانون وسطوته , ما دامت الفضيلة في حكم الناس وتصريفهم قد تَركت مكانها للقوانين , وما دامت قوة النفس قد أخْلَت موضعها للقوة التنفيذيّة .
لقد قُتِلت روحية الزواج , وهي على كل حال جريمة قتل , فمن القاتل يا صاحبنا المحامي ؟
- قال الشاب : هو كل رجلٍ عزب .
- قلت : فما عقابه ؟
- فسكت ولم يرجع أليّ جواباً .
- قلت : كأني بك قد تأهّلت وخلاك ذم .. فما عقابه ؟
- قال : الى أن تبلغ الحكومة أو أن تعاقب هؤلاء العزاب , فليعاقبهم الشعب بتسميتهم " أرامل الحكومة " .. وأحدهم .. رجلٌ أرملة الحكومة ...
- ثم قال : اللهم يسّرها ولا تجعلني رجلاً بغلطتين : غلطة في نساء الأمّة , وغلطة في ألفاظ اللغة ...
اللهم لا تجعل شبابنا وفتياتنا من " أرامل الحكومة "
وعدناكم " بالمسامرة " فهل سامرنا الكرام ؟
مواقع النشر (المفضلة)