صفحة 1 من 4 1 2 3 4 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 40 من 121

الموضوع: الأدب العربي

الأدب عموما الدرس الأول:- فنٌّ انسانيٌّ جميل يعني "التهذيب" لغةً ومنها قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : "أدَّبني ربي فأحسن تأديبي" الادب نوعان: خيالي يتناول سرداً موضوعيا من خيال

  1. #1
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي الأدب العربي

    الأدب عموما
    الدرس الأول:-
    فنٌّ انسانيٌّ جميل
    يعني "التهذيب" لغةً
    ومنها قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : "أدَّبني ربي فأحسن تأديبي"
    الادب نوعان:
    خيالي يتناول سرداً موضوعيا من خيال الأديب "الأديبة" قد يتناول شخصية او حدثا حقيقيا لكن بثوب خيالي على شكل روايةٍ أو قصةٍ أو شعرٍ او ملحمةٍ "اسطورة" او سجعٍ نثريٍ أو رجزٍ أو مسرحية أو مقالة..
    واقعي "غير خيالي" وهو الذي يتناول شخصية او حدثاً واقعياٍ لكن السرد فيه من الواقع وليس من الخيال ويبرز في الشعر، النثر التاريخي، القصص التاريخي، السير والمقالات والمؤلفات باختلاف أنواعها والمذكرات اليومية...
    الأدب يقسم الى:
    أدب الشعوب
    أدب الأمم "الأمة مجموع شعوب" لكن بتميز عرقي أو ديني أو إثني
    أدب العصور
    الأدب له شكلان هما:
    1. النثر
    2. الشعر
    الأدب له أقسام:
    منها على سبيل المثال لا الحصر:
    1. الرسالة
    2. القصة بأنواعها
    3. المقالة
    4. الرواية
    5. القصيدة
    6. الملحمة "الأسطورة"
    7. القصص أو الحكاية
    8. السير والتراجم
    9. المذكرات..
    وله موضوعات منها مثلا:
    1. الغزل والحب و...
    2. الوصف والبيان و...
    3. الرثاء والمديح والهجاء
    5. الحماسة والهيجان والإندفاع الوطني...
    6. المآثر والحكم والأمثال و...
    وغير ذلك كثير كثير...
    وله عناصر منها:
    1. الشخصية والحدث والدوافع والأسباب
    2. الحبكة
    3. الموضوع
    4. الأسلوب
    انتهى الدرس الاول
    والى الدرس الثاني بإذنه تعالى


    hgH]f hguvfd


  2. #2
    ضيف شرف النسابون العرب الصورة الرمزية الشريف محمد الجموني
    تاريخ التسجيل
    19-06-2010
    الدولة
    بلاد العرب اوطاني
    المشاركات
    6,876

    افتراضي

    ونتابع كأننا قعود للدرس.
    ونسمع.

  3. #3
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    هيّا ... أكملوا المشوار !!!
    الدنيا مدرسة ... أليس كذلك ؟؟؟

  4. #4
    المطور العام - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية أبو مروان
    تاريخ التسجيل
    18-02-2015
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    3,295

    افتراضي

    مشكور على هذا الموضوع الشيق ، و المجال السيد في الثقافة عامة .
    والأدب فضاء ثقافي و فني فسيح جدا ، و الأديب هو الشخص المتضلع في الفنون و المعارف على اختلاف ألوانها ، و خيرُ مَن عرَّف الأدبَ العربُ بقولهم :{ الأدب ؛ هو الأخذ من كل فنٍّ بطرف} .

  5. #5
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    نعم ... تعريف جميل !!!
    سلمك الله أخي عبدالقادر
    ونتابعكم ...

  6. #6
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس الثاني
    مفهوم الأدب وتغيراته؟
    تغير مفهوم كلمة "أدب" بتغير وبتطور الحياة العربية من الجاهلية حتى أيامنا هذه عبر العصور الأدبية المتعاقبة ، فقد كانت كلمة "أدب" في الجاهلية تعني:الدعوة الى الطعام
    بينما في العصر الأسلامي استعمل الرسول صلى الله عليه وسلم،كلمة "أدب" بمعنى جديد:هو التهذيب والتربية .ففي الحديث الشريف"أدبني ربي فأحسن تأديبي"أمافي العصر الأموي.،أكتسبت كلمة "أدب "معنى تعليميا يتصل بدراسة التاريخ ،والفقه،والقرأن الكريم،والحديث الشريف . وصارت كلمة أدب تعني تعلم المأثور من الشعر والنثر. وفي العصر العباسي .نجد المعنين المتقدمين وهما:التهذيب والتعليم يتقابلان في استخدام الناس لهما. وهكذا بدأمفهوم كلمةالأدب يتسع ليشمل سائر صفوف المعرفة وألوانها ولا سيما علوم البلاغة واللغة أما اليوم فيطلق كلمة "الأدب" على الكلام الانشائي البليغ الجميل الذي يقصد به التأثير في عواطف ومشاعر وأحاسيس القراء والسامعين. بل تعدَّى الشكل التقليدي وتطور ليدخل في أشكاله ما يسمى بالمقروء والصورة والمسموع وأقصد بذلك وسائل النشر والأعلام، فأصبح "التلفاز" والإذاعة "الراديو" والأنترنت شكلاً من أشكال الأدب فالتمثيلية والأفلام والمسلسلات والبرامج الوثائقية وغير ذلك أشكالاً مضافة الى الأشكال التقليدية الأدبية؟!
    مشاكل مسيرة الأدب
    يعاني الأدب مشاكل عديدة وهي ما يسمّى وسائل النقل والتدوين والنشر والحفظ؟! وما وصل الى الأمم مممن سبقها إما عن الحفظ السماعي والرقع الجلدية وغيرها يكاد لا يذكر من نشاط أمة أو شعب أو عصر أدبي؟! ولا ننسى المؤثرات الخارجية والداخلية على الأدب من تغيرات وتقلبات سياسية وهجرات ونكبات وكوارث وحروب... وحتى الأستعمار ولا ننسى اضمحلال الثقافة ونسيان اللغة الأم ودخول الألفاظ الأجنبية الى اللغة الأم...ولا ننسى ضائقة العيش التي تمس بالخصوص الأدباء... الخ
    تاريخ الأدب وتدوينه
    يعني تاريخ الأدب بالتأريخ للأدب ،ونشأته،وتطوره،وأهم أعلامه من الشعراء،والكتاب وغير ذلك
    فتجد أنّ كتاب تاريخ الأدب ينحون مناحي متباينة في كتابتهم عنه .فمنهم مثلاً من يتناول العصور التاريخية عصراً عصراً .ومنهم من يتناول الأنواع الأدبية ،كالقصة والمسرحية والمقامة. ومنهم من يتناول الظواهر الأدبية ،كالنقائض والموشحات .ومنهم من يتناول الشعراء في عصر معين أو من طبقة معينة
    حتى إذا جاء العصر العباسي الثاني .أخذ الأدب يستقلّ عن النحو واللغة ،ويعنى بالمأثور شرحا وتعليقا والأخبار التي تتعلق بالأدباء أنفسهم
    وفي العصر الحديث انبرى عدد كبير من الأدباء والمؤلفين والدارسين فكتبوا تاريخ الأدب العربي في كتب تتفاوت في احجامها ومناهجها فجاء بعضها في كتاب والبعض الأخر في مجلدات؛ مثل كتاب "تاريخ الأدب العربي "للسباعي
    تقسيمات تاريخ الأدب العربي وعصوره
    درج مؤرخو الأدب العربي على تقسيم العصور الأدبية تقسيما يتسق مع تطور التاريخ السياسي لما بين تاريخ الأدب وتاريخ السياسة من تأثير متبادل .ولكن هذا التقسيم لايعني أن الظواهر الأدبية تتفق مع العصور التاريخية اتفاقا تاما ،وذلك أن الظواهر الأدبية تتداخل قليلا أو كثيرا في العصور التاريخية
    فقد وزعوا حديثهم عن الأدب على خمسة عصور أساسية هي:-
    1- العصر الجاهلي :-
    وقد حدده المؤرخون بمئه وخمسين سنة قبل بعثة النبي (صلى الله عليه وسلم )
    2-العصر الاسلامي :-
    ويمتد من بداية الدعوة الاسلامية الى سقوط الدولة الأموية عام عهد صدر الاسلام :-ويشمل عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم (132ه،750م) ويقسم هذا العصر الى عهدين :
    -عهد صدر الإسلام :-ويشمل عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم ) والخلفاء الراشدين .
    -عهد الدولة الأموية .
    3- العصر العباسي :
    -يستمر حتى سقوط بغداد في يد التتار عام(656ه\1258م)
    4-عصر الدول والممالك المتتابعة :-
    ويجعله معظم المؤرخين في عهدين هما :-
    5- عصر الدولة العثمانية
    5- عصر الأستعمار الأجنبي والعصر الحديث :-
    ويمتد الى أيامنا الحاضرة.
    وفيما يلي سوف نناقش كل عصر على حدة :-
    الأدب الجاهلي
    أولا :- الحياة السياسية والأجتماعية والدينية والفكرية في الجاهلية:
    كانت القبيلة هى الوحدة السياسية في العصر الجاهلي ،تقوم مقام الدولة في العصر الحديث .
    وأهم رباط في النظام القبلي الجاهلي ؛هو العصبية ؛وتعني النصرة لذوي القربى والأرحام ان نالهم ضيم أو اصابتهم هلكة.
    وللقبيلة رئيس يتزعمها في السلم والحرب .وبنبغي أن يتصف بصفات أهمها :البلوغ،الخبرة،سداد الرأى،بعد النظر ،والشجاعة ،الكرم ،والثروة.
    -ومن القوانين التي سادت في المجتمع الجاهلي ،الثأر ،وكانت القبيلة جميعها تهب للأخذ بثأر الفرد،أو القبيلة.ويعتبر قبول الدية عارا .
    وقد انقسم العرب في الجاهلية الى قسمين:-
    -وعرف النظام القبلي فئات في القبيلة هي : -
    - أبنائها الخلّص ، الذين ينتمون إليها بالدم وهم السادة
    -الموالي ، وهم أدنى منزلة من أبنائها . وهم من التف من القبائل الصغير ببطانة الكبيرة للحماية و..
    -العبيد من أسرى الحروب ،أو من يجلبون من الأمم الأخرى .
    -وكانت الخمره عندهم من أهم متع الحياة وكذلك الأستمتاع غير الشريف بالمرأة الي كانت ترفع أعلاماً لهذه الغاية ونساء هذه البيوتات من قضاء الوطر والترفيه لسن من بنات السادة؟!
    - وقد إنتشرت في الجاهلية عادة وأد البنات أي : دفنهن أحياء .
    - واعتمد العربي في جاهليته على ما تتنجه الإبل والماشية والزراعة وبشكل محدود والتجارة . ولم يكن المجتمع العربي يعرف الحرفة او الصنعة بل كان يحتقرها ويحتقر مزاوليها وفي العادة ليسوا من ابناء المجتمع الواحد بل من الداخلين عليه من أقوام أُخر؟!
    عبادة الأوثان:-
    - لقد عرف العرب من المعارف الإنسانية ما يمكنهم من الإستمرار في حياتهم ، وعبدوا أصناماً أعتقدوا؛ خطأ؛ أنها تقربهم إلى الله زلفى. وكان تكل قبيلة أو أكثر تختص وتقوم على صنم واحد الهاً لها ترعاه وتقدم اليه القرابين و.... ، ومن هذه الأصنام : هبل و اللات والعزى ومناة و... .
    انتهى الدرس الثاني والى الثالث إن شاء الله في قادم الأيام بأمره وتوفيقه

  7. #7
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    نعم المتابعون والدارسون والتلاميذ أنتم ونحن
    بارك الله بجمعكم
    ما اجتمعتم إلاّ على خير فأسأله سبحانه أن يجمعكم وإيانا على خير من ذلك جنةٍ عرضها ... وأهلها نبي الأدب والهدى والتقى محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه رضوان الله عليهم والذين اتبعوهم بإحسان
    والى الدرس الثاني يا صحبي الكرام وبحفظ الله وتوفيقه
    والسلام
    التعديل الأخير تم بواسطة م مخلد بن زيد بن حمدان ; 09-12-2015 الساعة 04:07 PM

  8. #8
    المطور العام - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية أبو مروان
    تاريخ التسجيل
    18-02-2015
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    3,295

    افتراضي

    و أنت أكرم ، و خير ، أخي الكريم المهندس بن زيد، كما قلت في تعليقي السابق على الدرس الأول ، إنك تطرق مجالا هاما جدا ، ألا و هو الأدب ، و يدخل تحت هذا الاختصاص اليوم ، في كل ثقافات العالم اللغة ،و بعدها كل العلوم الانسانية ، و هذه الفئة النخبوية ، هي التي تتولى دراسة تراث الأمة و تثبيت هويتها ، و تنشئة الأجيال الصاعدة على دين الأمة و على أسس و ثوابت ثقافتها عبر التاريخ الممتدة جذوره في الزمن الماضي ، و يقول الحكماء : (مَن لا ماضي له فلا حاضر له ، و من لا حاضر له فلا مستقبل له). لذا تجد الأمم التمقدمة ، و الحريصة على صيانة أبنائها و حفظهم من الاستيلاب الثقافي ،تولي عناية متميزة لهذا الجانب ، فتوجه إلى الشعب الأدبية في المجال التعليمي خيرة التلاميذ ، مستوىً و سيرةً ، و أنجبهم في التحصيل العلمي ، لتخرج إطارات ذات كفاءة علمية و حصانة تربوية و قناعة تامة بالأصالة و الغيرة على التراث ، و الحرص على صيانته و تدعيمه و حمايته من كل الطوارئ ،متشبع بروح ولاؤها كله للأمة . فهذه النخبة هي التي يُعبَّر عنها في لغة السياسيين و الاجتماعيين اليوم بـ(المواطن الصالح)، الذي سيتولى قيادة زمام الأمور في البلاد مستقبلا . و ما نراه اليوم في بعض البلاد العربية ، و خاصة تلك التي عانت من ويلات الاستعمار الغربي ردحا من الزمن كالجزائر ، العكس تماما ، إذ يعمل أذناب الاستعمار و حزبه المندس في الشعب ، على توجيه اضعف التلاميذ و أسوئهم سيرة إلى الشعب الأدبية ، و أحيانا كثيرة يُسند تعليمهم إلى المبتدئين و قليلي الخبرة التربوية من المعلمين و الساتذة ، لتخريب الاختصاص ، و لمنع تخريج عناصر وطنية قوية ، مهزوزة في تكوينها ، و يتم التركيز على الشعب العلمية البحتة ، التي هي غير قادرة على تعويض النخب الأدبية بسبب عدم تلقيها تكوينا كافيا و مركزا في الجوانب الأدبية ، التي لها صلة مباشرة بالهوية الوطنية و التاريخ القومي و اللغة و الدين ...إذ تَمَّ التركيز في تكوينهم على الجانب العلمي البحت . و من هنا يبدأ الاختلال في المجتمع العربي الاسلامي ، و الذي يصطنعه الغربيون بأيدي المتغربيين من ذوي النفوس الضعيفة . إن المؤامرة على الأمة كبيرة و خطيرة ، و متعددة الأوجه في هذا الزمان . لذلك قلتُ لك إن الموضوع هذا هام جدا جدا جدا .

  9. #9
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    تنبيه لكل غافل عن ما تعنيه كلمة " أدب " ...
    حفظكم الله

  10. #10
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    والآن إلى الدرس الثالث
    ثانياً:مصادر الشعر الجاهلي :
    المعلقات ، والمضليات ، والأصمعيات ، وحماسة أبي تمام ، ودواوين الشعراء الجاهليين ، وحماسة البحتري ، وحماسة إبن الشجري ، وكتب الأدب العامة ، وكتب النحو واللغة ومعاجم اللغة ، وكتب تفسير القرآن الكريم
    - ثالثاً : أغراض الشعر الجاهلي :
    -لقد نظم الشاعر الجاهلي الشعر في شتى موضوعات الحياة ومن أهم أغراض الشعر الجاهلي :
    أ-الفخر والحماسة :-
    الحماسة لغة تعني : القوة والشدة والشجاعة .ويأتي هذا الفن في مقدمة أغراض الشعر الجاهلي ،حيث يعتبر من أصدق الإشعار عاطفة .
    ب- الغزل :-
    وهو الشعر الذي يتصل نالمرأة المحبوبة المعشوقة .والشعر هنا صادق العاطفة ،وبعضه نمط تقليدي يقلد فيه اللاحق السابق .
    ج- الرثاء :-
    وهو الشعر الذي يتصل بالميت . وقد برعت النساء في شعر الرثاء .وعلى رأسهن الخنساء ،والتي أشتهرت بمراثيها لأخيها صخر .
    د- الوصف :-
    اقد تأثر الشعراء الجاهليون بكل ما حولهم ،فوصفوا الطبيعة ممثلة في حيوانها ، ونباتها .
    ه- الهجاء :-
    فن يعبر فيه صاحبه عن العاطفة السخط والغظب تجاه شخص يبغضه .
    رابعاً:خصائص الشعر الجاهلي :-
    • يصور البيئة الجاهلية خير تصوير.
    • الصدق في التعبير .
    • يكثر التصوير في الشعر الجاهلي .
    • يتميز بالواقعية والوضوح والبساطة .
    خامساً:النثر في العصر الجاهلي :-
    النثر هو الصورة الفنية الثانية من صور التعبير الفني ،وهو لون الكلام لا تقيده قيود من أوزان أو قافية .ومن أشهر ألوان النثر الجاهلي :-
    • الحكم والأمثال .
    • الخطب .
    • الوصايا .
    • سجع الكهان .
    الأدب الإسلامي
    أولا : تحديد العصر .
    نستطيع أن نميز عهدين في هذا العصر .وهما :-
    1. العهد النبوي والراشدي.
    2. العهد الأموي .
    -ويمتد العصر الأول من البعثة النبوية ،ويستمر حتى إنتهاء الخلافة الراشدية .أى أنه يمتد قرابة أربعين عاماً.
    -أما العهد الثاني ،يمتد من عام (40ه-132ه) .
    ثانياً: الشعر :-
    - الشعر في العهد النبوي والراشدي:
    فقد أزدهر الشعر في الخصومة التي حدثت بين المسلمين في المدينة والمكيين من قريش ، وكذلك أستمع النبي "صلى الله عليه وسلم " وأصحابه إلى الشعر والشعراء . وحث النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة والخلفاء الشعراء على المضي في قولهم الشعر دفاعا عن الإسلام .
    انتهى الدرس الثالث وسيليه إن شاء الله الدرس الرابع في قادم الأيام بإذنه ومنِّه وفضله وحوله وتوفيقه
    والسلام

  11. #11
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    والآن الى الدرس الرابع
    -خصائص الشعر في عهد النبوي والراشدي :-
    -الشعر في عهد بنى أمية :-
    تميز العصر الأموي بأمرين : أولهما ، تلك الفتوحات التي أثرت في الشعر .فقد ولدت الغربة إحساساً عميقاً بالحنين إلى الأصل والديار .
    وثانيهما ، تلك الثورات والفتن التي تثور هناوهناك في أجزاء الدولة .وكان اهذه الثورات أثرها في نفسية الشاعر .
    ويلاحظ في هذا العصر ذلك الترف والغنى ، وذلك بسبب اتساع الدولة للمسلمين ، والأستقرار في البلاد التي فتحت .
    -موضوعات الشعر الأموي . وخصائصه :-
    أ- شعر المديح :-
    كان الشاعر الأموي اذا مدح ،فأنه يمدح الممدوح لأتصافه بالسيادة ،والأشراف ، والفرسان الخلفاء والولاة . وكانت رغبة الشاعر الأموي اذا مدح هى نيل العطاء ، أو طلب العفو عنه . ولم يقتصر المدح على الولاة فحسب ، بل تعداعهم إلى نوابهم . مثل أبناء القادة .
    ب-شعر الهجاء :-
    ازدهر الهجاء في هذا العصر بسبب عوامل عدة منها : تأثير العصبيات القبلية التي إشتعلت نيرانها ، وكثرة الفرق والأحزاب الإسلامية .
    ج- شعر الغزل :-
    تميز هذا العصر بالغزل العذري .وكذلك الغزل الذي عرف منذ عرف الرجل المرأة .
    د- شعر الزهد :-
    ويسند إلى الدعوة التى تتردد في القرآن الكريم . وهى دعوة تحث على التقوى والعمل الصالح . وكذلك الدعوة إلى العمل والكسب.
    ه- شعر الطبيعة :-
    في هذا العصر لم يهمل الشاعر الطبيعة التي ورثها عن أجداده .في الصحراء ، والواحات ، والنخيل .وكذلك وصف ما وجد من مناظر طبيعية في البلدان المفتوحة ،أنهارها ومدنها وجمالها وثمارها.
    -ثانيا: النثر .
    -ألوان النثر في العصر الإسلامي :-
    أ- الخطابة :
    ب- الكتابة والمراسلة
    ج- التوثيق والتدوين
    د- النقول والترجمات
    ه- القصص والروايات والملاحم
    انتهى الدرس الرابع والى الخامس فس قادم الأيام بأمر الله وتوفيقه وبإذنه تعالى

  12. #12
    مشرف عام مجالس الادب و التاريخ - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    30-08-2012
    العمر
    47
    المشاركات
    2,865

    افتراضي

    نعم تظل النفس نهمة لقرض المزيد من العلوم
    متعنا استاذي فكلنا أذان صاغية وللعلم طالبة
    سلمت وسلمت اناملك علي جميل ما طرحت

  13. #13
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    والآن الى الدرس الخامس
    الأدب في العصر العباسي "عصر الشعر الجزيل والنظم المتين والمقامات وعلم الكلام.."
    كان في مقدمة ماتطلع إليه بنو العباس التمركز في حاضرة جديدة بعيداً عن دمشق موطن الأمويين، وفي منأى عن الكوفة معقل الشيعة، وقد آثر الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور لذلك موقع قرية على دجلة تدعى بغداد على مقربة من مدينة بابل القديمة، واتخذها عاصمة لملكه وأطلق عليها لقب دار السلام مقتبساً ذلك من القرآن الكريم. وانصرف المنصور إلى إعمار حاضرته على خير وجه، فابتنى فيها القلاع والجسور، وأقام حولها الأرباض والسدود، ونشر في ربوعها الشوارع والأسواق. ثم ما لبثت المدينة أن عمِّرت بمئات المساجد والمكتبات، والأسواق والمنتزهات، فأمها العلماء والأدباء، والمهندسون والصناع. ثم تعاظم شأن بغداد حتى بلغت في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، أوج ازدهارها، وغدت أهم مركز حضاري في العالم، وأصبحت موئل الحركة الفكرية والعلمية والأدبية بلا منازع
    وقد ظلت البادية حتى ضحى هذا العهد ترفد المدن والحواضر بمواد اللغة والأخبار، والخطب والأشعار، بوصفها موطن الأصالة ومنبع الإبداع. ثم أخذ الرواة واللغويون ينتشرون في حواضر العراق ويتجمعون في مدنها، حتى اكتظت بهم الكوفة والبصرة فضلاً عن بغداد. وفي هذه المراكز العلمية والأوساط الأدبية قامت حركة تدوين رائدة لم يكن لمثلها نظير. فنشط الرواة وكثر المؤلفون وراجت سوق الوراقين. وقد واكب ذلك على صعيد الأدب نبوغ عدد من الشعراء والكتَّاب الذين احتضنتهم هذه المدن، واتسم نتاجهم المنظوم والمنثور بكثير من ملامح الجدة والطرافة.
    وما من ريب في أن الاستقرار السياسي، ولاسيما بعد انقضاء طور الفتوح والقضاء على الفتن، قد ساعد على الالتفات إلى شؤون الأدب والعلم وقضايا الفلسفة والفكر، وجعل الظروف ملائمة لتدفق العطاء وتفجر الإبداع. وكان من المعهود أن يولي الخلفاء كل ذلك اهتمامهم ويحرصوا على تشجيع ذوي المواهب، يعينهم على ذلك ثراء كبير تجمع في خزائنهم من موارد البلاد الواسعة. بل إن من الخلفاء أنفسهم من كان معروفاً بميله إلى الأدب وحبه للعلم مثل المهدي والرشيد، والأمين والمأمون، والمعتصم والمتوكل. كذلك سار أمراء بني العباس وولاتهم ووزراؤهم على غرار خلفائهم، فكان لكل منهم بلاط يقارب بلاط الخليفة أو يضارعه، من مثل ما كان لآل برمك، وطاهر بن الحسين، وعبد الله بن طاهر، ثم الصاحب بن عبّاد وابن العميد وعضد الدولة والمهلبي وسيف الدولة الحمداني
    ويعد العصر العباسي أزهى العصور العربية حضارة ورقياً، كما أنه أطولها زمناً، إذ امتد حتى سنة 656هـ/1258م، حين تمكن هولاكو المغولي بجحافله اللجبة من اجتياح بلاد العراق والشام والقضاء على الدولة العباسية في بغداد التي دامت ما يزيد على خمسة قرون.
    وبوسع الباحث أن يتبين عهدين كبيرين في هذه الحقبة العباسية المديدة: عهد قوة ومنعة عاش فيه الخليفة عزيز السلطان مهيب الجانب، ويعرف بالعهد الذهبي الذي يصادف القرن الثاني وبعض القرن الثالث الهجري (القرنين الثامن والتاسع للميلاد)، وعهد انحلال سياسي، تخاذل فيه الخلفاء وضعفت في أيامهم هيبة الحكم. فما أطل القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، حتى غدت بلاد فارس في حوزة بني بويه، والموصل وديار بكر وديار ربيعة ومضر في أيدي بني حمدان، ومصر والشام في قبضة محمد بن طغج ثم الفاطميين.
    على أن التفكك السياسي لم يصحبه بالضرورة تقهقر حضاري ولا تخلف علمي، بل إن الفكر العربي الإسلامي، بما أوتي من قوة دافعة أكسبته إياها القرون الأولى الوطيدة، استطاع أن يمضي في طريق النضج والازدهار ويغمر الأرض بنور المعرفة وألق الإبداع. فقد تعددت مراكز الإشعاع الحضاري، إضافة إلى مدن العراق، فكانت مكة والمدينة في الحجاز، والفسطاط والقاهرة في مصر، وحلب ودمشق في الشام، والري وهمذان في فارس ثم بخارى وسمرقند في ما وراء النهر،وغزنة في أفغانستان وجرجان في خرسان.
    وكان طبيعياً في غمار هذا الوضع السياسي والاجتماعي أن ينطوي ذلك المجتمع الجديد على تمازج في العادات والثقافات، وأن يفرز هذا العصر أصنافاً من العلوم وألواناً من الآداب، وأن يعكس ذلك على كل صعيد في الحياة العامة وفي جملتها الحياة الأدبية
    الشعر:
    شهدت بواكير العصر العباسي نبوغ عدد وفير من الشعراء المبدعين الذين اتسمت أشعارهم بملامح الجدة وانطوت على رواء الحداثة، وبدا جلياً أن الغلبة لم تعد لمنازع القديم ونماذجه الموروثة، وهكذا أخذت الأنظار تتجه إلى بشار بن برد وأبي نواس وأبي العتاهية ومسلم بن الوليد والحسين ابن الضحاك وعلي بن الجهم وأمثالهم ممن فاضت قرائحهم بشعر جديد بات مهوى أفئدة الجيل. وقد تجلى هذا الانعطاف على لسان أبي عمرو بن العلاء (ت154هـ/770م) وطبقته المحافظة من الرواة واللغويين الذين كانوا قيمين على حركة النقد والتأليف حين قال: «قد حسن هذا الشعر وكثر، حتى لقد هممت بروايته.
    ثم توالى ظهور الشعراء النوابغ في العصر العباسي المديد، ومنهم أبو تمام والبحتري وابن الرومي وابن المعتز ودعبل ..ومن بعدهم أبو الطيب المتنبي وأبو فراس الحمداني والشريف الرضي وأبو العلاء المعري ، وسواهم، وكان أن اتسع مجال القول، وارتقت أساليب التعبير وعرف الشعر العربي أزهى عهوده.
    انتهى الدرس الخامس والى الملتقى إن شاء الله في السادس

  14. #14
    المطور العام - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية أبو مروان
    تاريخ التسجيل
    18-02-2015
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    3,295

    افتراضي

    و الله ، إننا لنخجل من أنفسنا ونحتقرها في حاضرنا السقيم ، كلما قرأنا عن ماضينا المجيد .هل صدق على جيلنا الحالي المثل الشعبي الجزائري :(النار تلد الرماد) . فنحن الرماد ، و آباؤنا كانوا يتقدون بين الناس كالنار، الويل لمن يحاول المساس بهم .

  15. #15
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    تفاءلوا بالخير تجدوه ...
    ما من شكٍّ بأن المستقبل لنا " لغة وأمّة " وهذا وعد الله ...
    ومن أصدق من الله قيلا ؟؟؟

  16. #16
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    والآن الدرس السادس: وهو تكملة ل
    الأدب في العصر العباسي "عصر الشعر الجزيل والنظم المتين والمقامات وعلم الكلام.."

    أغراض الشعر:

    حرص شعراء العصر العباسي ونقاده بوجه عام على أن يدور شعرهم في فلك الأغراض الموروثة، وأن تنتسج أغراضه على منوال الفحول المتقدمين. فحافظ المديح على منزلته السالفة تبعاً لارتباطه الوثيق ببلاط الخلفاء والملوك، ومجالس الأمراء والولاة، ولكونه السبيل الأول للحظوة عند أولي الأمر، والطريق الأقصر لبلوغ الشهرة المنشودة وكسب المال والحصول على المنافع والبقاء قريبا من صاحب المنح والعطاء مع الإغراء في الخصوم !!!.
    المديح
    وكما اقترن شعر المديح بالموقف السياسي في العصر الأموي، حين كان للخليفة شعراؤه الذين يمدحونه وينالون عطاياه، بقي الحال على هذا الغرار في ظل الحكم العباسي، فاصطنع خلفاؤه شعراء موالين لهم لزموهم في حلهم وترحالهم، وخصوهم بمدائحهم وذادوا عن حقهم في حكم المسلمين. وقد ظهر في عهد الخلفاء الأوائل عدد وفير من هؤلاء الشعراء مثل بشار وأبي العتاهية والسيد الحميري وأبي نواس والفضل الرقاشي وسلم الخاسر وأبي دلامة ومروان بن أبي حفصة ومطيع بن إياس وأشجع السلمي ومنصور النمري. وقد فاق الخليفة المهدي سلفيه في تقريب الشعراء وإكرامهم، فأكثروا فيه القول وغالوا في الثناء.
    ومضى الخليفة هارون الرشيد بعد ذلك إلى مدى أبعد في رعاية الشعر وتقريب الشعراء طوال حكم قوي زاهر دام اثنتين وعشرين سنة. ويقول الرواة إنه لم يجتمع بباب أحد ما اجتمع ببابه من الشعراء، ومن مداحه ابن مناذر وأبو الشيص ومروان بن أبي حفصة والعماني ومسلم ابن الوليد وربيعة الرقي.. فضلاً عن أبي العتاهية وأبي نواس وسلم الخاسر، وأصبح لإطراء الممدوح حيز أكبر لدى شعراء هذا العصر.
    وقد غاص عدد من الشعراء عهدئذ في حمأة السياسة وخاضوا بشعرهم معركة ولاية العهد بني الأمين والمأمون، فانتصر بعضهم لهذا وبعضهم لذاك في قصائد تداخلت فيها المعاني المدحية والآراء السياسية.
    كذلك ظل الشاعر في العصر العباسي حريصاً على رسم الخصال الرفيعة والقيم المثلى في شخصية الممدوح، إذ ما زالت سجايا الكرم والشجاعة، والحلم والحزم، والنجدة والمروءة، والعفة والشهامة، موضع إجلال المجتمع العربي الإسلامي. ومضى الشعراء يبدون أضرب البراعة والفن ضمن هذا الإطار الرحيب من الصفات الأصيلة المثلى. وكان ما قام به خلفاء بني العباس وقادتهم وولاتهم من جلائل الأعمال، وتصديهم لخصوم الدولة المتمردين عليها في الداخل، ولأعدائها المتربصين بها في الخارج، خير ما أثار قرائح الشعراء وأذكى مدائحهم بعناصر البطولة والبأس. وقد تجلى ذلك لدى الشاعر أبي تمام (ت231هـ/846م) الذي ارتفع ببعض قصائده إلى مستوى يقارب الملاحم، وآخى فيها بين شعر المديح وشعر الحرب، مقدماً بذلك للأدب العربي نموذجاً جديداً متطوراً من الشعر الحماسي الأصيل.
    وعلى هذا الغرار مضى أبو الطيب المتنبي (ت354هـ/965م) بعد قرون من الزمان، مشيداً بانتصارات سيف الدولة الحاسمة ومعاركه المظفرة في قتال دولة الروم المتاخمة.
    غير أن موضوع المديح لم يبرأ من بعض العيوب التي شابتها في هذا العصر، وفي مقدمتها المبالغة والتهويل، فلم يعد ما قاله الأوائل مثلاً في صدد شعر زهير بن أبي سلمى من أنه «لم يكن يمدح الرجل إلا بما فيه» منحى مطلقاً، بل أسرف الشعراء على أنفسهم في ذلك، وغالوا أحياناً في إسباغ الصفات الخارقة على ممدوحيهم.
    ومن هذا القبيل قول أبي نواس في الخليفة الأمين:
    وأخفـت أهــل الشــرك حتى إنــه لتخافــك النطـف التي لــم تخلق
    الهجاء
    أما الهجاء، وهو الغرض الذي يقابل عادة غرض المديح، فقد انعطف في مساره عما كان عليه في العصر الأموي، فخفتت فيه نزعة تحقير الخصم بسبب وضاعة أصله ونسبه، أو خمول مكانة أبيه وجده، أو ضآلة شأن عشيرته وقبيلته. إذ لم تعد للأنساب تلك الأهمية البالغة التي كانت لها في سالف العهد، بعد همود حدة العصبيات القبلية وانصهار أكثر القبائل في بوتقة المجتمع المتحضر الحديث. فتركز الهجاء أو كاد، في إبراز المعايب الشخصية اللاصقة بذات المهجو وما تنطوي عليه نفسه من مثالب. وهذا المنحى أدخل في رحاب التصوير والفن، وأبعد عن مجال القذف والشتم.
    وكثيراً ما كانت المهاجاة تستعر بين الشعراء أنفسهم فيكثر في قصائدهم ذكر المثالب والمعايب، وقد يتجاوزون الحدود إلى التحقير والتسفيه. وقد عرف بذلك بشار بن برد وأبو نواس وأبو عيينة المهلبي وابن الرومي ودعبل الخزاعي وعبد الصمد بن المعذل، حتى إن الأمر بلغ ببعضهم حد التعرض للخلفاء أنفسهم، شأن الشاعر الهجاء دعبل (ت246هـ/860م) الذي لم يتورع عن هجاء الرشيد والمأمون والمعتصم والواثق. وقد قرن الخليفتين الأخيرين معاً في قوله:
    خليفة مــات لــم يحزن له أحــد وآخر قام لم يفرح به أحـــد
    كذلك تنوعت أنماط الهجاء تبعاً لتعدد أوجه الحياة في هذا المجتمع العباسي المتحضر. فابن الرومي (ت283هـ/896م) الذي عاش في عصر اكتظ بالجواري والقيان مثل جلنار وبستاق وبدعة وشاجي ودريرة وغناء وظلوم ووحيد وغيرهن من مطربات مجالس الولاة والوزراء، تعرض في شعره لهؤلاء وغيرهن كما تعرض معاصره البحتري وسواه، وكان طبيعياً أن يقرظ بعضهن إعجاباً بأصواتهن وأن يهجو أخريات لم يجد في غنائهن ما يروقه.
    الرثاء
    أما غرض الرثاء فمن الطبيعي أن تظل له منزلته السامية في النفوس لانبثاقه من عاطفة الحزن الواري في كل زمان ومكان. غير أن فن الرثاء ارتقى في هذا العصر، واكتسب غنى وعمقاً، بفضل شعراء كبار أبدعوا فيه وفي سائر أغراض الشعر، وفي طليعة شعراء الرثاء أبو تمام الذي قيل عنه «مداحة نواحة»، ومن بعده ابن الرومي الذي عرف برثاء أولاده.
    كذلك افتن الشعراء في هذا الغرض تبعاً لتشابك العلاقات الاجتماعية في ذلك العصر، وتوطد صلاتهم مع أولي الأمر. إذ لم يمت خليفة ولا وزير، ولا قائد ولا عظيم، إلا رثوه رثاء حاراً وأبَّنوه تأبيناً رائعاً، مبرزين في قصائدهم كل ما كان يتحلى به الفقيد في حياته من مناقب وما كان له من فضل.
    وكم ألمت بهذا العصر العباسي المديد أحداث جائحة وفتن طاغية وجدت لها في النفوس صدى أليماً وتجلت على ألسنة الشعراء مراثي دامعة. وحدث أن اجتاح الزنج البصرة في فتنة هوجاء حين زحفوا إليها من ظاهر المدينة، فاستباحوها وأعملوا فيها يد التخريب والتنكيل. وراع هذا النبأ الفاجع ابن الرومي فقال في رثاء المدينة المنكوبة قصيدة تعد من أروع الشعر مطلعها:
    ذاد عــن مقلتي لذيــذ المنـــام شـــغلها عنه بالدموع الســـجام
    ولم يكن هذا النمط من رثاء المدن معهوداً في الشعر العربي،ولكن أحوال ذلك العصر المتفجر اقتضت مواكبة الشعر لها. ولعل هذه القصيدة باكورة رثاء الممالك الذي أخذ في الظهور فيما بعد ولاسيما إثر سقوط بغداد بيد التتار القساة، وإثر تساقط دويلات المسلمين في الأندلس بيد الفرنجة.
    وقد تستدعي حقيقة الموت من الشاعر أن يتأمل في طبيعة الحياة وحال الدنيا،فيكون له من ذلك نظرات وآراء،ولاسيما بعد أن تشبع الشعراء بأفكار ثقافات أغنت معارفهم وعقولهم، ومن هذا القبيل كثير من شعر أبي العتاهية في الوجود والعدم، والحياة والموت، والبقاء والفناء.
    ولأبي العلاء المعري (ت449هـ/1058م) فلسفة أعمق في هذا الصدد تبعاً لغنى فكره ونفاذ بصيرته، حين عمد إلى رثاء صديقه الأثير أبي حمزة الفقيه في قصيدته المشهورة التي مطلعها:
    غير مجــد فـي ملتي واعتقـادي نـــوح بــاك ولا ترنـــم شـــــاد
    فقد استطاع أبو العلاء أن يحلق في أجواء علوية سامية وينظر من خلالها إلى الكون والحياة نظرة كلية شاملة وبذلك ارتفع في رثائه من نطاق الحادثة الفردية المحدودة إلى رحاب الإنسانية الشاملة.
    كل ذلك يعني أن هذه المراثي تغاير في كثير من ملامحها معهود شعر الرثاء الذي يغلب عليه النواح وتبلل قوافيه الدموع.
    الغزل
    وقد اكتسب الغزل في العصر العباسي غنى ومضاء لارتباطه بعاطفة الحب الغلابة في النفس الإنسانية. وأقبل الشعراء إقبالاً كبيراً علىالنظم فيه، فكثر كثرة بالغة وازدهر ازدهاراً واسعاً. غير أن الاتجاهين اللذين غلبا في العصر الأموي وهما الغزل العفيف والغزل الصريح لم يسيرا في العصر العباسي على ذلك النحو المتوازن. فقد أخذ الغزل العفيف في التضاؤل، في عصر تكاثرت فيه النحل والآراء، واحتدمت المنازع والأهواء، وقلما عرف المجتمع العباسي طائفة من شعراء الحب النقي الطاهر كالذين عرفتهم من قبل بوادي الجزيرة وربوع الحجاز، مثل قيس بن ذريح وجميل بن معمر وعروة بن أذينة. ولعل العباس بن الأحنف وقلة من أمثاله الشعراء الذين تعذبوا في عشقهم يمثلون بقية ذلك المنحى، وإن لم يبلغوا فيه شأو العذريين قبلهم. فالعباس بن الأحنف (ت192هـ/808م) قصر شعره، أو كاد، على التغني بعاطفته ومشاعره.
    ولعلي بن الجهم غزل كثير أجاد فيه تصوير لواعج حبه. وقد برع في مقدماته الغزلية الرقيقة ولاسيما ما كان يستهل به مدائحه للخلفاء. ومن ذائع غزله في صدد مديحه للمتوكل:
    عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
    واشتهر البحتري بالغزل، لما اتسمت به ألفاظه من سهولة ورقة وعباراته من عذوبة وسلاسة، وقد أحب علوة الحلبية، وقال فيها جل غزله.
    وغزل الشريف الرضي (ت406هـ/1016م) على تأخر عهده من أبرز الشواهد على نبل الشعور وعفة اللسان، فضلاً عن سمو مكانة ورفعة نسب، وقصائده الجميلة التي اشتهرت بالحجازيات نفثات شجية أثارت كوامن نفسه المضطربة.
    أغراض أخرى
    ولعل أبرز انعطاف طرأ على الشعر العربي في العصر العباسي هو انبثاق غرضين آخرين أضيفا إلى سائر الأغراض المعهودة في الشعر العربي، وهما غرض المجون والزندقة، وغرض الزهد والتصوّف.ومع أن لهذين الغرضين جذوراً في الشعر العربي القديم، إلا أنهما بلغا في هذا العصر المدى من التطرف. لقد انطوى المجتمع الإسلامي في العصر العباسي على كثير من التعقيد، وعرض له كثير من الاختلال. وكان ذلك كله بسبب التبدل الشديد الذي أصاب الحياة الاجتماعية والفكرية والدينية. إذ التفت الناس إلى حياة الدعة واللهو نتيجة انقضاء مرحلة الجهاد والفتح، فازدهرت التجارة وحركة القوافل، وتكاثر المتمولون وتركزت الثروة في جيوب فئة من الأغنياء. ونشطت تبعاً لذلك حركة المتاجرة بالرقيق، وانتشرت أسواق النخاسة، وشاع اقتناء الجواري والغلمان، بعد أن انصبت عناصر أعجمية كثيرة على الحياة العربية من فرس وروم وترك، حاملة معها نزعاتها ونزواتها، وعاداتها وأهواءها، فكثرت عناصر الموالي، وتزعزعت القيم،وضعفت الأعراف والتقاليد. وهكذا برزت الزندقة لتغدو مظهراً من مظاهر المروق من الدين وفساد العقيدة، كما برز المجون مظهراً آخر من مظاهر التحلل في الأخلاق والسلوك، والاستهتار بالقيم والأعراف. وقد تطرّف الشعراء في ذلك،من أمثال بشار وأبي نواس ومطيع بن إياس، حين أطلقوا لأنفسهم عنان القول، وخرجوا عن نطاق الحشمة والوقار. ولم يفتقد الأدب ذلك الحب العذري أو العفيف، وما اتسمت به من ملامح الطهر والنقاء، بل ابتلي بنمط شاذ مستحدث من الشعر الهابط في مضمونه لم يعهده العرب من قبل، وهو التغزل بالمذكر. كما لم يعد الكثيرون يجدون حرجاً في شرب الخمرة وارتكاب المعاصي متحللين من كل خلق ودين.
    وثمة نزوات كثيرة اشتهر بها أبو نواس وتجلت في أقواله وأفعاله، إنه يخاطب ساقية في الحانة بكلمات طافحة بالاستهتار والتحدي:
    ألا فاسقني خمراً وقل لي هي الخمر ولا تســقني سراً إذا أمــكن الجهر
    حتى إن بعضهم جهر بالزندقة ومنهم بشار ابن برد وحماد عجرد والحسين بن الضحاك وصالح بن عبد القدوس وسواهم، وقد عرف أكثرهم بالمجون والتهتك. والملاحظ أن هذه النزعات المتطرفة قد برزت في مدن العراق كالبصرة والكوفة وبغداد نتيجة انصباب فئات كبيرة من الأعاجم على سكان تلك الحواضر، حاملة معها نحلها الغريبة، من بوذية وزرادشتية ومانوية وغير ذلك.
    وطبيعي داخل ذلك المجتمع الحافل الذي كان يضطرب بتيارات شتى أن تتعدد النزعات، وتتعارض الاتجاهات. ولم يكن بوسع مجتمع عميق الجذور ورث القيم العربية وتشبع بالروح الإسلامية أن يتقبل الزيغ والانحراف، ويرتضي الطيش والمروق. لقد هال الأتقياء وذوي الغيرة على الدين والأخلاق ما تعرض له ذلك الجيل من غزو لأفكاره ومعتقداته، وفساد في قيمه وسجاياه. ورأوا أن خير سبيل إلى النجاة من تلك الشرور العودة إلى جوهر الدين والتمسك بحبل الله. وهكذا اشتد تيار الزهد والتقشف في مقابل نزوع الآخرين إلى المجون والتحلل. وقد غلا بعض هؤلاء في التضييق على أنفسهم غلو أولئك في تحللهم واستهتارهم. فدأبوا على الوعظ والتعبد، وحضوا على حياة النسك ونبذ حطام الدنيا.
    ويعد الشاعر أبو العتاهية الذي عاش في صدر العصر العباسي ممثل تيار الزهد في الشعر العربي، حين أكثر من نظم قصائده الزهديات وبرع فيها، حتى إنه جعل من ذلك الشعر غرضاً جديداً انضم إلى سائر الأغراض المعهودة.
    وقد نظم في غرض الزهد شعراء كثيرون، منهم سفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك ومحمود الوراق ومالك بن دينار، إضافة إلى أبي نواس في أواخر حياته.
    ثم أخذ تيار الزهد يخرج عن بساطته ويزداد اتساعاً وتعقيداً، فلم يعد أعلامه يكتفون بالوعظ والتذكير بالموت، والإكثار من ذكر القيامة والنار، بل راحوا يرتكزون إلى أصول فكرية وفلسفية، انبثق منها في نهاية الأمر مذهب التصوف. وقد تجلى مفهوم الحب الإلهي في عصر مبكر لدى رابعة العدوية (ت135هـ أو 185هـ) الزاهدة العابدة، التي يقال إنها استعملت لأول مرة لفظة الحب للتعبير عن إقبالها على الله، وإعراضها عن كل ما سواه.
    وهذا الحب الإلهي هو المحور الذي دار حوله اهتمام المتصوفة لأنه الحب الأمثل الذي يفنون فيه فناء يحقق لهم السعادة والاطمئنان.
    ثم أخذ الفكر الصوفي ينطوي على كثير من التعقيد بفعل مؤثرات دخيلة على الإسلام من بوذية وإغريقية ومسيحية. وكان أن ظهر في السنين العباسية المتأخرة عدد من الشعراء الأعلام في التصوف مثل الحسين بن منصور الحلاج (ت309هـ/921م) الذي تم فيه تنفيذ حكم القتل، وكان يعتقد باتحاد الناسوت، أي الروح الإنساني، باللاهوت، أي الروح الإلهي. كما ظهر في أواخر العصر العباسي عدد من كبار المتصوفة الذين نظموا أشعاراً كثيرة عرضوا فيها مذهبهم بأسلوب رامز يعتمد تعابير العشاق وألفاظ المحبين، مثل ابن الفارض (ت632هـ/1234م) الذي يقول في إحدى قصائد ديوانه الصغير الشهير متغنياً فيها بخمرة الوحدة الإلهية:
    شــربنا على ذكر الحبيب مدامــة سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم
    وقد أفاض في عرض مذهبه في المجاهدة ونظرته في وحدة الوجود ضمن مطولة شعرية بلغت سبعمئة وستين بيتاً، وتعرف بنظم السلوك.
    خصائص الشعر
    اتسع مجال القول على صعيد الشعر والنثر في أدب العصر العباسي، تبعاً لاتساع مناحي الحياة وتشعبها في هذا الطور المتألق من حضارة العرب. فتكاثرت الموضوعات التي تناولها الشعراء فضلاً عن الأغراض الشعرية التي نظموا فيها. من ذلك توسعهم في وصف مشاهد الطبيعة المختلفة، مثل وصف الربيع لأبي تمام وللبحتري وكذلك ما وصف به أبو الطيب المتنبي شعب بوان في بلاد الفرس.
    وأوغل شعراء هذا العصر في وصف الأيك والحمائم، والرياض والحياض، والأزهار والثمار،حتى حفلت دواوين البحتري وابن الرومي وأبي بكر الصنوبري وأمثالهم بهذه الأوصاف الجميلة التي انطوت على التشبيهات الطريفة والألوان البهيجة.
    وقد عني أبو بكر الصنوبري (ت334هـ/945م) بوصف الحدائق والبساتين، والورود والرياحين، حتى اشتهر بأشعاره (الروضيات)، وهو يشير إلى هذا المنحى الأثير لديه في قوله:
    وصف الرياض كفاني أن أقيم على وصف الطلول، فهل في ذاك من باس
    وكان لوصف المدن والمنشآت العمرانية حيز آخر في قصائد الشعراء الذين عاش معظمهم في الحواضر، وعرفوا حياة البلاط ومجالس الأمراء، فوصفوا القصور والرياض وكثيراً من مظاهر الحضارة الجديدة ومناحي الحياة المستحدثة. فوصف البحتري قصر الجعفري الممرد، كما وصف بركة المتوكل التي كانت آية في الحسن بفضل إبداع هندستها.
    وفي الوقت نفسه التفت شعراء العصر العباسي في أحوال قليلة إلى شؤون تتصل بحياة عامة الناس بعيداً عن بلاط الخلفاء وقصور الأمراء.
    ومن الموضوعات الجديدة على هذا الصعيد الشعبي وصف ابن الرومي لبسطاء الناس وكادحيهم، وما كان يمتاز به بعضهم من براعة في مهنتهم، كوصفه للخباز وللحمال وقالي الزلابية.. في مقطعات شعرية حافلة بالصور الطريفة.
    ولعل في طليعة ما طرأ على معاني الشعر العباسي من تطور، على صعيد آخر، أنها جنحت للرقة والعذوبة، بفضل غلبة الحضارة وانصقال الأذواق، كما اتسمت في جانب منها بالابتكار والعمق، تبعاً لنضج العقل العربي وتوسع آفاقه. كذلك امتازت معاني الشعر بالجدة والطرافة بعد أن قيض لها شعراء أفذاذ عرفوا بقوة فنهم وشدة براعتهم وسعة ثقافتهم. وكان لشعر الغزل وشعر الوصف نصيب واف من ملامح الحداثة التي أغنت الشعر العربي وزادته رونقاً وبهاء.
    وتجلى الإبداع الشعري في هذا العصر من خلال اختراع المعاني وابتكار الصور ونفاذ الرؤية.
    وغلب على جانب من الشعر فكر الفلاسفة وعلماء الكلام، واقتحمته ألفاظهم واصطلاحاتهم، كالجوهر والعرض والشك واليقين، مثل شعر أبي العتاهية الذي ينم على آثار المانوية الفارسية وعقيدتها الثنائية:
    لكــــل إنســـــان طبيعتـــان خير وشـر وهمــا ضــدان
    وكل شيء لاحق بجوهره أصــغره متصــل بــأكبــره

    أو مثل شعر بشار الذي تظهر فيه أصداء مذاهب العصر وأفكاره مثل قضية الجبر والاختيار:
    طبعــت علــى ما فيَّ غيـــر مخير هواي ولو خيرت كنت المهذَّبا
    أريد فلا أعطى، وأعطى ولم أرد وقصــر علمـي أن أنال المغيبا
    على أن هذا المنحى في التحديث لم يرق المحافظين الذين تمسكوا بعمود الشعر التقليدي، ونهج القصيدة الموروث، إذ الشعر في رأيهم لا يحتمل وطأة الحقائق الذهنية المجردة،والاصطلاحات الفلسفية المعقدة، والمنطق الذهني الصارم. ورأى البحتري في مثل ذلك بدعة في الأدب لم يعرفها فحول المتقدمين،ولم يجنح إليها امرؤ القيس إمام الشعراء:
    كلفتمـــونا حـــــدود منطقكــم والشعر يغني عن صدقه كذبه
    أما المبنى الشعري فقد تعرض لتغير ملموس في بعض نماذجه، سواء على صعيد الأوزان أو صعيد الأسلوب. فقد مالت القصائد إلى القصر وسارت المقطعات على الألسنة ولاسيما في مجال الغزل والهجاء والزهد والحكم... كذلك آثر الشعراء البحور القصيرة مثل بحر الهزج والمجتث والمقتضب، كما جنحوا للأوزان المجزوءة في بحور الوافر والكامل والبسيط والخفيف.
    كذلك جددوا في القوافي تخفيفاً من وطأة القافية الواحدة الغالبة، فأحدثوا نوعاً من النظم سموه «المزدوج»، وهو في الغالب من بحر الرجز يختص فيه كل شطرين في البيت بقافية واحدة، وتليها قافية مغايرة في البيت التالي وهكذا. وقد استعاره الفرس وسموه «المثنوي». وشاع المزدوج لدى أبي العتاهية الذي نظم مطولة بالغة الطول عرفت بذات الأمثال، وقد ضاع معظمها.
    وقد ساغ هذا النمط العروضي الميسر للنحاة والفقهاء وسائر العلماء، فأكثروا فيه المنظومات التعليمية، كما آثره أبان اللاحقي فيما نظمه من أقاصيص كليلة ودمنة، وسواه ممن نظموا في شؤون العلم والدين والتاريخ. ولا ريب في أن شيوع الغناء والرغبة في تلحين الأشعار في المحافل والأسمار من أهم ما أسهم في رواج هذه الأنماط الجديدة التي تعد من خفائف النظم.
    واستتبع هذا المنحى إيثار الألفاظ السهلة المأنوسة، حتى كادت تنحصر الغرابة اللفظية لدى فئة الرجاز البداة أول الأمر ثم آل أمرهم إلى الانزواء.
    ومن جهة أخرى على هذا الصعيد الأسلوبي غلبت الصنعة على مبنى الشعر، وأوغلت فيه أضرب التزويق والتزيين، فكثرت فيه الزخارف اللفظية والمحسنات البديعية، ويعد أبو تمام وابن المعتز في طليعة أصحاب هذا المذهب الفني، إذ جدا في طلبه وأكثرا منه حتى عرفا به.
    وازداد الشعراء إيغالاً في الصنعة مع مضي الزمن، وغدا الشعر لديهم معرضاً للتزيين والتلوين كقول الوأواء الدمشقي (385هـ/994م):
    فأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقيت ورداً، وعضت على العُنّاب بالبرد
    كذلك اكتسب الخيال غنى ومضاء، فغدت الصور الشعرية متسمة بالتلوين والتعقيد، وخرج التشبيه عن بساطته المعهودة وأطرافه الواضحة المحددة.
    فحين يود أبو تمام وصف الطبيعة يستخدم نوافر الأضداد، وعندما يتعاورها الصحو والمطر يكون لذلك في مرأى الشاعر منظر معجب:
    مطر يــذوب الصحــو منه وبعده صحو يكاد من النضارة يمطر
    وبالإجمال اكتسب الشعر العباسي تبعاً لمواكبته هذا العصر الحضاري كثيراً من ملامح الجدة والطرافة. حتى ليمكن القول إنه بفضل ما انطوى عليه من جمال التعبير، وطرافة التصوير، وسمو الخيال، وجدة المعنى، وسعة الثقافة وغنى الفكر...، غدا فناً مزدهراً وعاش عصره الذهبي
    انتهى الدرس السادس والى السابع إن شالله قريبا

  17. #17
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    والآن الدرس السادس: وهو تكملة ل
    الأدب في العصر العباسي "عصر الشعر الجزيل والنظم المتين والمقامات وعلم الكلام.."

    أغراض الشعر:

    حرص شعراء العصر العباسي ونقاده بوجه عام على أن يدور شعرهم في فلك الأغراض الموروثة، وأن تنتسج أغراضه على منوال الفحول المتقدمين. فحافظ المديح على منزلته السالفة تبعاً لارتباطه الوثيق ببلاط الخلفاء والملوك، ومجالس الأمراء والولاة، ولكونه السبيل الأول للحظوة عند أولي الأمر، والطريق الأقصر لبلوغ الشهرة المنشودة وكسب المال والحصول على المنافع والبقاء قريبا من صاحب المنح والعطاء مع الإغراء في الخصوم !!!.
    المديح
    وكما اقترن شعر المديح بالموقف السياسي في العصر الأموي، حين كان للخليفة شعراؤه الذين يمدحونه وينالون عطاياه، بقي الحال على هذا الغرار في ظل الحكم العباسي، فاصطنع خلفاؤه شعراء موالين لهم لزموهم في حلهم وترحالهم، وخصوهم بمدائحهم وذادوا عن حقهم في حكم المسلمين. وقد ظهر في عهد الخلفاء الأوائل عدد وفير من هؤلاء الشعراء مثل بشار وأبي العتاهية والسيد الحميري وأبي نواس والفضل الرقاشي وسلم الخاسر وأبي دلامة ومروان بن أبي حفصة ومطيع بن إياس وأشجع السلمي ومنصور النمري. وقد فاق الخليفة المهدي سلفيه في تقريب الشعراء وإكرامهم، فأكثروا فيه القول وغالوا في الثناء.
    ومضى الخليفة هارون الرشيد بعد ذلك إلى مدى أبعد في رعاية الشعر وتقريب الشعراء طوال حكم قوي زاهر دام اثنتين وعشرين سنة. ويقول الرواة إنه لم يجتمع بباب أحد ما اجتمع ببابه من الشعراء، ومن مداحه ابن مناذر وأبو الشيص ومروان بن أبي حفصة والعماني ومسلم ابن الوليد وربيعة الرقي.. فضلاً عن أبي العتاهية وأبي نواس وسلم الخاسر، وأصبح لإطراء الممدوح حيز أكبر لدى شعراء هذا العصر.
    وقد غاص عدد من الشعراء عهدئذ في حمأة السياسة وخاضوا بشعرهم معركة ولاية العهد بني الأمين والمأمون، فانتصر بعضهم لهذا وبعضهم لذاك في قصائد تداخلت فيها المعاني المدحية والآراء السياسية.
    كذلك ظل الشاعر في العصر العباسي حريصاً على رسم الخصال الرفيعة والقيم المثلى في شخصية الممدوح، إذ ما زالت سجايا الكرم والشجاعة، والحلم والحزم، والنجدة والمروءة، والعفة والشهامة، موضع إجلال المجتمع العربي الإسلامي. ومضى الشعراء يبدون أضرب البراعة والفن ضمن هذا الإطار الرحيب من الصفات الأصيلة المثلى. وكان ما قام به خلفاء بني العباس وقادتهم وولاتهم من جلائل الأعمال، وتصديهم لخصوم الدولة المتمردين عليها في الداخل، ولأعدائها المتربصين بها في الخارج، خير ما أثار قرائح الشعراء وأذكى مدائحهم بعناصر البطولة والبأس. وقد تجلى ذلك لدى الشاعر أبي تمام (ت231هـ/846م) الذي ارتفع ببعض قصائده إلى مستوى يقارب الملاحم، وآخى فيها بين شعر المديح وشعر الحرب، مقدماً بذلك للأدب العربي نموذجاً جديداً متطوراً من الشعر الحماسي الأصيل.
    وعلى هذا الغرار مضى أبو الطيب المتنبي (ت354هـ/965م) بعد قرون من الزمان، مشيداً بانتصارات سيف الدولة الحاسمة ومعاركه المظفرة في قتال دولة الروم المتاخمة.
    غير أن موضوع المديح لم يبرأ من بعض العيوب التي شابتها في هذا العصر، وفي مقدمتها المبالغة والتهويل، فلم يعد ما قاله الأوائل مثلاً في صدد شعر زهير بن أبي سلمى من أنه «لم يكن يمدح الرجل إلا بما فيه» منحى مطلقاً، بل أسرف الشعراء على أنفسهم في ذلك، وغالوا أحياناً في إسباغ الصفات الخارقة على ممدوحيهم.
    ومن هذا القبيل قول أبي نواس في الخليفة الأمين:
    وأخفـت أهــل الشــرك حتى إنــه لتخافــك النطـف التي لــم تخلق
    الهجاء
    أما الهجاء، وهو الغرض الذي يقابل عادة غرض المديح، فقد انعطف في مساره عما كان عليه في العصر الأموي، فخفتت فيه نزعة تحقير الخصم بسبب وضاعة أصله ونسبه، أو خمول مكانة أبيه وجده، أو ضآلة شأن عشيرته وقبيلته. إذ لم تعد للأنساب تلك الأهمية البالغة التي كانت لها في سالف العهد، بعد همود حدة العصبيات القبلية وانصهار أكثر القبائل في بوتقة المجتمع المتحضر الحديث. فتركز الهجاء أو كاد، في إبراز المعايب الشخصية اللاصقة بذات المهجو وما تنطوي عليه نفسه من مثالب. وهذا المنحى أدخل في رحاب التصوير والفن، وأبعد عن مجال القذف والشتم.
    وكثيراً ما كانت المهاجاة تستعر بين الشعراء أنفسهم فيكثر في قصائدهم ذكر المثالب والمعايب، وقد يتجاوزون الحدود إلى التحقير والتسفيه. وقد عرف بذلك بشار بن برد وأبو نواس وأبو عيينة المهلبي وابن الرومي ودعبل الخزاعي وعبد الصمد بن المعذل، حتى إن الأمر بلغ ببعضهم حد التعرض للخلفاء أنفسهم، شأن الشاعر الهجاء دعبل (ت246هـ/860م) الذي لم يتورع عن هجاء الرشيد والمأمون والمعتصم والواثق. وقد قرن الخليفتين الأخيرين معاً في قوله:
    خليفة مــات لــم يحزن له أحــد وآخر قام لم يفرح به أحـــد
    كذلك تنوعت أنماط الهجاء تبعاً لتعدد أوجه الحياة في هذا المجتمع العباسي المتحضر. فابن الرومي (ت283هـ/896م) الذي عاش في عصر اكتظ بالجواري والقيان مثل جلنار وبستاق وبدعة وشاجي ودريرة وغناء وظلوم ووحيد وغيرهن من مطربات مجالس الولاة والوزراء، تعرض في شعره لهؤلاء وغيرهن كما تعرض معاصره البحتري وسواه، وكان طبيعياً أن يقرظ بعضهن إعجاباً بأصواتهن وأن يهجو أخريات لم يجد في غنائهن ما يروقه.
    انتهى الدرس السادس والى السابع قريبا إن شاء الله

  18. #18
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    إثبات صريح بأن " الشعر ديوان العرب " !!!
    تفاصيل جميلة جهلها كثيرون ... وما زالت ؟؟؟
    فأين القائمون على الثقافة والتثقيف ؟؟؟
    جزاك الله الخير ورحم الله والديك .. بهذا حملت وأزحت عن كواهلهم ما أدّعوا بأنهم أهله !! وما كانوا ...
    ونسأل الله أن يكون جهدك هذا له الصدى الذي نبغيه بين من يتابعنا ويبغي المعرفة ... سلمت ودمت بخير

  19. #19
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس السابع : وهو إستمرار ل الأدب في العصر العباسي "عصر الشعر الجزيل والنظم المتين والمقامات وعلم الكلام.." وفيه بروز الترجمة بنقل آداب وثقافات الآخرين من الأمم الأخرى ولعلّ أبرزها ترجمة "كليلة ودمنة" وأبرز شخصية فيه "الجاحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ظ"
    .
    ملامح البيئة
    من الطبيعي أن تكون شخصية الأديب جماع عوامل ومؤثرات تسهم في تكوينه وتتجلى في نتاجه، في طليعتها جملة معارفه وموروثه الأدبي ومعطيات بيئته وعصره. إن انتشار العرب في الأمصار من بلاد خراسان والسند إلى أقصى المغرب والأندلس، نتيجة للفتوح الإسلامية، أدى إلى ظهور بعض الملامح القطرية في الشعر العربي، كما أن اختلاف البيئات المحلية أدى إلى خلق بعض الألوان والطعوم المتمايزة لدى بعض الشعراء. غير أن هذه الملامح لم تبلغ المدى الذي يفضي إلى إبداع أدب إقليمي. فقد ظلت عناصر التوحيد أقوى من عناصر التباين، وذلك لأسباب كثيرة، لعل أهمها طبيعة العرب المحافظة التي تتجلى في نزعتها السلفية وحرصها على سماتها القبلية وموروثها الشعري، ومنها سلطان اللغة العربية الذي ينطوي على معطيات ركينة من التفكير وأنماط خاصة من مناحي التصوير وأساليب التعبير، فضلاً عن الافتتان بالقرآن الكريم وهالته المقدسة في نفوس العرب على اختلاف جموعهم وتباعد بلدانهم، ثم ما يتصل بذلك من تعلق روحي بالحجاز، معقل الفصحى ومهبط الوحي وموئل الرسول. وهذا ما يفسر تحدث الشاعر العربي وهو في أقصى الأندلس عن الجمل والسراب وذكره البان والعلم.. وكثير من شعراء العصر العباسي كانت حياتهم قسمة بين دمشق وبغداد وحلب، أو بين الشام والعراق ومصر، أو بين أقطار المشرق وبلاد المغرب. وإن من أرّخوا للأدب العربي على أساس من التقسيم الإقليمي، وأسبقهم أبو منصور الثعالبي في كتابه المشهور «يتيمة الدهر»، ثم العماد الأصفهاني الذي مضى على غراره في كتابه «خريدة القصر» لم يلزموا أنفسهم بهذا الفصل الجغرافي بين هذه البلدان والأقاليم، فبدت لدى شعرائهم ملامح التشابه أوضح من ملامح التباين، وأكثر ما وصفت به أقاليم العرب لا يتعدى الافتتان بمواطن الحسن والجمال في كل منها ونحو ذلك مما يكاد يكون قاسماً مشتركاً بين كثير من البلدان.
    كما آثر الأندلسيون بلادهم الجميلة بحبهم ومحضوها إعجابهم، بل إن بعضهم كابن خفاجة وجد في ربوعها جنة أخرى:
    يــا أهــل أنـدلس لله دركـــم === ما جنة الخلد إلا في دياركم

    ولو تخيرت هذه كنت أختار === ماء وظل وأنهار وأشــجار

    من هذا القبيل شعر يبرز جمال ضفاف بردى ودجلة والنيل، ومفاتن غوطة دمشق وشعب بوان، ومحاسن قرطبة والزهراء... إذ قلّما يتعدى الأمر هذه الرؤى الجمالية لتلك الأقاليم. وذلك يفضي إلى القول إنه قلما يلمس لدى شعراء العصر العباسي - على اختلاف أقاليمهم وتباعدها - سمات فنية تلفهم وتميزهم على صعيد الصنعة والمعاني والصور وسائر العناصر الأسلوبية، إلا ما كان لديهم من مقومات شخصية ومعطيات ذاتية، أو من ملامح حضرية أو بدوية. وهكذا كان أبو تمام، الشامي المنبت، هو رائد الصنعة البديعية في الشعر العربي، ويشاركه في هذه الريادة أيضاً ابن المعتز العراقي أحد رؤوس مذهب البديع. كما أن البحتري صوّر الطبيعة في المشرق أو صنوه الصنوبري يقابله ابن خفاجة في الأندلس، ومثل هذا التشارك تجده أيضاً على صعيد سائر أغراض الشعر من مديح وغزل ورثاء، وعلى صعيد الأساليب وسائر الظواهر الفنية لدى شعراء كل إقليم من الأقاليم العربية. أعلام الشعر: حفل العصر العباسي بعدد وفر من الشعراء الأعلام لم يحظ بمثلهم أي عصر آخر ومنهم:
    بشار بن برد، وأبو نواس، وأبو العتاهية، ومسلم بن الوليد، وأبو تمام، ودعبل الخزاعي، والبحتري، وابن الرومي، وابن المعتز، وأبو فراس الحمداني، والمتنبي، والشريف الرضي، وأبو العلاء المعري، وابن الفارض.
    النثر
    ضروب النثر:
    الخطابة
    نشطت الخطابة السياسية في مطلع هذا العصر، إذ اتخذتها الثورة العباسية أداتها في بيان حق بني العباس في الخلافة. وكان من خطباء هذا العصر خلفاؤه الأوائل مثل أبي العباس السفاح وأبي جعفر المنصور والمهدي والرشيد، وآل بيتهم ومنهم داوود بن علي وأخوته عبد الله وسليمان وصالح وأبناؤهم. وقد وصفهم الجاحظ بأنهم «لم يكن لهم نظراء في أصالة الرأي وفي الكمال والجلالة... مع البيان العجيب والغور البعيد. وكانوا فوق الخطباء وفوق أصحاب الأخبار».
    وخطبهم، لا تكاد تختلف من حيث شكلها ومضمونها عن الخطابة في صدر الإسلام والعصر الأموي، إذ غدا من مقتضيات الحياة السياسية العربية أن يشهر اللسان في مثل هذه الأحوال إلى جانب السلاح.
    ولما تم الأمر لبني العباس وقضوا على أعدائهم الأمويين، ثم على شركائهم الشيعة، خفتت حدة القول، ولم يعد ثمة ما يحفز الخطباء على التصدي للناس، واصطناع الترهيب والترغيب.
    كذلك ضؤلت الخطابة في الجيوش بعد أن انقضى عهد الفتوح. وصار الكثير من الجنود من الجيش الإسلامي نفسه من الأعاجم، فرساً أو تركاً، لا يفقهون العربية ولا يتأثرون ببلاغتها. ولم يعد للخطابة في النفوس بوجه عام ما كان لها من منزلة في عصر الراشدين والأمويين، حين كانت الفن العربي الأصيل الذي كان قوامه البديهية والارتجال. وهكذا انحسرت الخطابة في ضحى العصر العباسي، وكاد شأنها يقتصر على فئة الوعاظ وأئمة المساجد، ولم تعد تتجاوز في غالب الأحوال نمط الخطابة الدينية.
    الكتابة
    وكان من الطبيعي تبعاً لذلك، ولاسيما في هذا الطور المتحضر، أن تحل الكتابة، مع توالي الأيام محل الخطابة، وأن يقوم كتاب الدواوين ومدبجو الرسائل بتحبير القراطيس وإعداد التقارير. ثم تشعبت أشكال التعبير، لتغدو أقدر على استيعاب مناحي الفكر المتعددة ومنازع الحياة المتجددة.
    كانت الترجمة إحدى ضرورات الحركة العلمية التي نشطت بفضل فئة نابهة من الأعاجم يتألف معظمها من السريان والفرس. وبذلك انصبت في بحيرة الثقافة العربية جداول شتى، مختلفة المذاق من تلك الثقافات الوافدة. وعادت حركة النقل بالخير على لغة العرب الأصيلة وأدت إلى ازدهار أنماط من النثر، كالنثر الفني والأدبي،والنثر العلمي، والنثر الفلسفي. وغدت الكتابة وعاء لعلوم العصر الكثيرة ومعارفه الغزيرة، بعد أن دخل العرب عوالم التدوين والتأليف والترجمة من أوسع الأبواب. وليس الغرض هنا التوقف عند الكتابة الديوانية التي شاع أمرها في الأوساط الرسمية والإدارية، مما يتصل بشؤون البلاغات والبيانات، والمواثيق والصكوك، والتولية والغزل.
    غير أن ما يعني الباحث منها هو نمط معين لعله أدخل في فن الأدب وهو المعروف بالتوقيعات، أي العبارات الوجيزة التي كان يعلق بها خلفاء بني العباس الأوائل على موضوع رفع إليهم، أو قضية في أيديهم، فيذيلون ذلك بقلمهم ويمهرونه بتوقيعهم. وكان طبيعياً في هذا الصدد أن تقصر الجملة وتختصر العبارة، تبعاً لضيق وقت الخليفة وغزارة المعروض عليه. من هذا القبيل ما وقع به الخليفة أبو جعفر لأهل الكوفة في ذيل رسالة تظلم تجاه واليهم: «كما تكونوا يولَّ عليكم». وما وقع به هارون الرشيد إلى عامله في خراسان وقد شكا إليه سوء الأحوال: «داو جرحك لا يتسع»، وما وقع به المأمون لوال فاسد: «قد كثر شاكوك، وقل شاكروك. فإما اعتدلت، وإما اعتزلت...».
    ومثل هذه العبارات المقتضبة أشبه ما تكون بجوامع الكلم التي امتاز بها فصحاء العرب الأوائل الذين اتسموا بالحرص على الإيجاز، وهي على أية حال منسوجة على منوال أنقى عبارات البلغاء.
    أما النثر الأدبي الحقيقي فلم يتوطد إلا بفضل الكاتب المنشئ عبد الله بن المقفع (ت142هـ/759م) بعد أن تسلم شعلة هذا الفن من صديقه الناثر الرائد عبد الحميد الكاتب، الذي لقي مصرعه في إثر الثورة العباسية، ولم يقيض له المضي إلى شوط أبعد في هذا المضمار. فقد تجلى فن النثر في أدب الرسائل أول الأمر في نهايات العصر الأموي وبدايات العصر العباسي، فكتب ابن المقفع رسائله على غرار رسائل عبد الحميد، وهي مقالات طوال تتناول موضوعاً معيناً، لعل أشهرها «رسالة الصحابة» أي في آداب الصحبة والمعاشرة والسلوك، ولاسيما مصاحبة السلطان والولاة، والحكام والقادة، والأعوان والبطانة. ثم ما للرعية والجند من حقوق يجب عطاؤها، وما عليهم من واجبات ينبغي أداؤها، فرسالة الصحابة، وهي بمنزلة خطاب مفتوح إلى الخليفة، ذات صبغة سياسية - إدارية، تهتم بشؤون الحكم وسياسة الدولة.
    إن فن الرسالة لا يختلف في جوهره عن فن الخطابة إلا من حيث الحجم، فللخطبة حيز محدود من الزمان على حين قد تطول الرسالة لتقرأ بأناة وتمعن. فهما نمطان أو لونان من النثر الأدبي، فقد درج العرب على أن يكتبوا الرسالة في المقصد الكبير، ويلقوا الخطبة في الحدث الجليل. ويمكن القول مع ذلك أن الكتابة انتسجت على منوال الخطابة، وإنه على طريق الخطباء مشى الكتاب، حتى غدت الكتابة آخر الأمر الوريث الشرعي للخطابة.
    وما لبث ابن المقفع أن خطا خطوة أخرى في مضمار النثر الأدبي الوليد حين دبج كتابيه الصغيرين «الأدب الصغير»، و«الأدب الكبير»، وهما في واقع الأمر أشبه برسالتين مطولتين، أو هما بتعبير آخر بمنزلة جسر بين الرسالة المحدودة والكتاب النثري الشامل.
    أما كتاب «كليلة ودمنة» الذي نقله ابن المقفع إلى العربية من لغة قومه البهلوية، فيعد لبنة أساسية وكبيرة في صرح النثر العربي الزاهر. وهو مثال بارز على ظاهرة تمازج الثقافات ولاسيما بين الآداب الهندية والفارسية والعربية. ومع أن الكتاب أعجمي الأصول وليس من إبداع العرب في معظمه، فقد انتزع إعجاب الأدباء والنقاد، برغم انتمائه إلى وثنية الهنود ومانوية الفرس. فأقاصيص كليلة ودمنة تضع قارئها في جو محبب، تتعانق فيه الحقيقة والخيال، في تآلف معجب شائق،حافل بالطرافة والغرابة، حيث الحيوانات الناطقة تملأ ربوعه وجنباته، بالحركة والحياة. ومن خلال الحديث بين كليلة وأخيه دمنة ينعقد الحوار المعهود، وتتوالى الأقاصيص واحدة في إثر واحدة، آخذاً بعضها برقاب بعض: فالحيوانات هي وحدها الشخصيات التي تدور من حولها الأحداث، ولكن هذه الحيوانات في الوقت نفسه كائنات تمثل البشر، وهو نماذج من الناس تحس وتفكر، وتحب وتبغض، وتنجح وتخفق.. إنها في حقيقة الأمر رموز للناس في خيرهم وشرهم، وقوتهم وضعفهم، وفطنتهم وغبائهم، وسعادتهم وشقائهم.
    وإزاء فيض العلوم وازدهار المعارف في ضحى العصر العباسي حفل المجتمع الإسلامي بأعداد وفيرة من العلماء والكتاب والقصاصين والوعاظ والمؤرخين والفقهاء وعلماء الكلام والفلسفة والمفسرين والمشرعين وأعلام الفكر وأنباه التأليف... واتسعت لذلك كله مناحي القول، ونشط الحوار، وحمي الجدال.
    وكان الجاحظ (ت255هـ/868م) أبرز ممثل لهذا الخضم الزاخر على صعيد الفكر الأدبي، وفي مجال الترسل والتأليف. وكتابه «البيان والتبيين» مرآه جلية وأمينة للحياة الأدبية الحافلة عند العرب، بما انطوت عليه من روائع الشعر وبدائع النثر وطرائف الأخبار. وكتابه «البخلاء» صورة متألقة لنماذج بشرية انطوت نفوسها على سمات وملامح برع الجاحظ في سبر أغوارها ورسم معالمها، وتصوير منازعها. وكتابه «الحيوان» نمط طريف بين موضوعات لم تكن معهودة لدى المؤلفين، فعالم الحيوان عالم واسع فسيح الأرجاء اقتحمه الجاحظ مزوداً بثقافة موسوعية عريضة، ونظر فاحص ثاقب، وفكر نقدي ناضج.
    وغدا طبيعياً في هذا العصر أن تكون الطوابع الذهنية غالبة في أكثر أنماط الكتابة ومضامينها، لأن النثر أصلاً وعاء العقل، والشعر ترجمان الشعور. فنشطت كتابات العلماء والفلاسفة والفقهاء وكذلك رؤوس الفرق من معتزلة ومرجئة وشيعة، وأيضاً المجوس والزنادقة والملاحدة. وفي غمار هذه الحياة الفكرية الموارة والبيئة الحضارية الحافلة، اشتد الحوار وحمي التناظر واحتدم الجدال، ولاسيما ما دار بصدد قضايا مهمة كالشعوبية والزندقة ومسائل خلق القرآن والجبر والاختيار... وقد اكتسب بعض هذه المناظرات شهرة واسعة وطابعاً حاسماً، كالذي احتدم في أواخر القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي بين الخوارزمي وبديع الزمان.
    كذلك امتد هذا المنحى إلى الأدباء والنقاد فظهرت كتب جمة اتخذت من الموازنة بين الشعراء محوراً لها، ككتاب الحسن بن بشر الآمدي (ت371هـ/981م) في «الموازنة بين الطائيين»: أبي تمام والبحتري، وكتاب القاضي الجرجاني (ت392هـ/1001م) في «الوساطة بين المتنبي وخصومه».
    واتخذت ظاهرة الموازنة بين أمرين أشكالاً كثيرة وتناولت موضوعات متنوعة،ومنها اهتمام المتكلمين بالموازنة بين مساوئ الديك ومحاسنه، وبين منافع الكلب ومضاره، أو المفاضلة بين الديك والطاووس. وفي خضم هذه الحياة الفكرية بدا أن الحقيقة غدت نسبية وأنه يمكن أن يكون لكل قضية وجهان، وفي كل مسألة قولان، وشاع لدى بعضهم أن يؤيد موضوعاً ويثبته، وأن يدحضه في الوقت نفسه وينقضه، وذلك فيما يشبه المنحى السفسطائي. من ذلك ما ترويه بعض كتب الأدب من أن الخليفة في مجلسه طلب مرة من أحدهم أن يصف له كأساً كانت في يده، فما كان منه إلا أن قال: «أبمدح أو بذم؟»، فقال الخليفة: «صفها بمدح» قال: «تريك القذى وتقيك الأذى» ومضى على هذا الغرار من ذكر محاسنها، وحين طلب إليه أن يصفها بذم، وصفها بقوله: «سريع كسرها، بطيء جبرها» مصوّراً على التو معايبها.
    وكان لمثقفي الولاة والوزراء تأثيرهم في إذكاء هذه الروح من تشجيع التباري والتنافس، فالوزير أبو عبد الله العارض يقول للكاتب أبي حيان التوحيدي (ب410هـ/1019م): «أحب أن أسمع كلاماً في مراتب النظم والنثر، وإلى أي حد ينتهيان، وعلى أي شكل يتفقان. وأيهما أجمع للفائدة، وأرجع بالعائدة، وأدخل في الصناعة، وأولى بالبراعة». وقد أورد أبو حيان في كتابه «الإمتاع والمؤانسة» صورة من هذه المفاضلة المسهبة. ولا ريب في أن هذه الحركة الفكرية الدائبة التي اتخذت عهدئذ من النثر وعاء رحيباً لها كانت مبعث اهتمام المناطقة والمتكلمين ومهوى أفئدة الناشئة والمتأدبين.
    على أن ارتقاء أساليب النثر في ظل ازدهار الحياة العقلية استتبع تكاثر المصطلحات المستحدثة كالهيولى والصورة والجوهر والعرض والحد والعنصر، والألفاظ الدخيلة مثل الترياق والآيين والاسطقس.. وكان متوقعاً إزاء فيض الأفكار الجديدة والألفاظ الدخيلة والأسماء الغريبة ألا تنطوي بعض النصوص والكتابات على اليسر المعهود، وأن يستغلق فهمها أحياناً على مدارك الكثيرين من أوساط الناس، حين كانت تصدمهم مظاهر التعقيد وملامح الغموض فيما يسمعون ويقرؤون. وكما ضاق البحتري ذرعاً في هذا العصر مزج حدود المنطق وقضايا الذهن في فن الشعر، واستنكر أحد الأعراب ما سمعه في مجلس بعض النحاة فقال ساخراً متعجباً: «أراكم تتكلمون بكلامنا، في كلامنا، بما ليس في كلامنا».
    وفي الوقت نفسه إبَّان القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي انبثق في الحياة الأدبية نمط نثري مستحدث عرف بالمقامات، وهو نثر قصصي يغلب عليه التأنق اللفظي والتزيين البديعي ويجنح أحياناً في مضمونه إلى السخرية والدعابة، ويمكن القول إن هذا الفن ولد كاملاً بفضل موهبة الناثر القدير بديع الزمان الهمذاني (ت398هـ/1007م)، فهو في مقامته المسماة «البغدادية» يسوق الحكاية على لسان الراوية الموهوم الذي اخترع شخصيته وأطلق عليه اسم عيسى بن هشام وقد يسند إليه أحياناً دور البطل بالإضافة إلى ذلك كما في مقامته البغدادية: «اشتهيت الازاد وأنا ببغداد، وليس معي عقد على نقد. فخرجت أنتهز محاله، حتى أحلني الكرخ. فإذا أنا بسوادي يسوق بالجهد حماره، ويطرز بالعقد إزاره. فقلت: ظفرنا والله بصيد. وحياك الله أبا زيد...».
    ومثل هذا النمط الشائق من فنون القول استهوى شباب ذلك الجيل، إذ وجدوا فيه مذاقاً طريفاً ينطوي على المرح والهزل، ويبتعد عن الرصانة والجهد. كما وجدوا في أسلوبه صياغة جميلة ترضي نزوعهم إلى التأنق اللفظي والزخرفة الأسلوبية. وهذا ما حفز ناثراً بارزاً آخر بعد ذلك على المضي قدماً في ممارسة هذا الفن النثري وهو القاسم بني علي الحريري (ت516هـ/1222م) ولكنه تمادى في اصطياد السجع وسائر المحسنات البديعية إلى حد التصنع والتكلف. كما أن مقاماته قصرت عن المقامات السالفة، لأن منشئها لم يكن يضارع بديع الزمان في موهبته، فأتت مقاماته قليلة الرونق أشبه بمتون لغوية مسجوعة
    انتهى الدرس السابع ويليه الثامن إن شاء الله تعالى

  20. #20
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    والآن مع الدرس الثامن ويبدأ بخصائص النثر الفنية في العصر العباسي
    .
    خصائص النثر الفنية
    وعلى صعيد الأسلوب في نثر العصر العباسي فقد اغتنت ملامحه وتنوعت أنماطه. فقوام التعبير عند ابن المقفع مشاكلة اللفظ للمعنى، مع توخي الاقتصاد في الألفاظ والوضوح في المعاني إذ البلاغة عنده «هي التي إذا سمعها الجاهل ظن أنه يحسن مثلها»، فكان همه جلاء الفكرة وإيصال المعنى، ولهذا لم يكن يلوي على صنعة أو تنمق ولا وشي أو تزيين. غير أن السنين التي أعقبت ذلك حملت مع التعقيد الحضاري ما يوازيه من التعقيد الأسلوبي، على غرار ما كان أيضاً من حال الشعر، فطالت العبارة لتكون أقدر على استيعاب الفكرة، وحل الإطناب في القول محل الإيجاز المعهود. وحرص الكتاب على أن تتسربل جملهم فيما بينها بإيقاع الازدواج أو التوازن، من مثل ما جنح إليه سهل بن هارون (ت215هـ/830م) والجاحظ، أول الأمر، ثم ما زاد فيه أبو حيان التوحيدي، وما استكثر منه ابن العميد (ت360هـ/830م)، والصاحب ابن عباد (ت385هـ/995م).
    ثم مضى الناثرون على هذا الصعيد من تدبيج كتاباتهم والتأنق في عباراتهم إلى المدى الأقصى، وذلك في أواخر القرن الرابع الهجري، وما تلاه من قرون. فجدّوا في طلب الزخرفة والتنميق. ولم يقتصر طلب السجع والزخرف على أصحاب المقامات بل كاد يشمل ذلك معظم الأدباء والناثرين. وقلما نأى كاتب منشيء في العهود العباسية المتأخرة عن هذه المظاهر التزيينية في النثر العربي. فأبو العلاء المعري في كتابه «الفصول والغايات» الذي كاد يقصره على مناجاة الخالق بعبارات طافحة بالغرابة اللفظية ومثقلة بالسجع الممجوج: «أقسم بخالق الخيل، والعيس الواجفة بالرحيل، تطلب بموطن جليل، والريح لهابة بليل، بين السوط ومطامع سهيل، إن الكافر لطويل الويل، وإن القمر لمكفوف الذيل، شعر النابغة وهذيل، وغناء الطير على الغيل...».
    ولم يحل القرن السادس الهجري حتى غلب التصنع على النثر العربي وبسط طابعه على معظم النتاج الأدبي في ذلك العصر. ولعل ما يبعث على الرضى أن بعض أنماط الكتابة النثرية لم تنجرف مع هذا المد التعبيري المتكلف، بل ظلت بريئة إلى حد بعيد من معظم هذه القيود اللفظية والزخارف البديعية، إلا قليلاًَ من السجع بين الألفاظ وبعضاً من التوازن بين الجمل فحافظت كتب المؤلفين ومصنفات العلماء بالإجمال على الأسلوب المرسل ولاسيما مؤلفات النقد الأدبي والتراجم والتاريخ وتقويم البلدان ونحوها. وخير مثال على هذا الترسل ما كتبه أبو الفرج الأصفهاني وعبد القاهر الجرجاني... وامتد هذا المنحى النثري المطلق إلى ما بعد العصر العباسي، وتجلى في نثر ابن خلدون وأمثاله من أصحاب الأسلوب المرسل.
    أعلام النثر
    ظهر في هذا العصر عدد جم من الكتاب والمؤلفين منهم ابن المقفع والجاحظ وابن قتيبة وأبو الفرج الأصفهاني وابن العميد وأبو حيان التوحيدي وبديع الزمان الهمذاني والحريري.
    إنتهى الثامن ويليه التاسع إن شاء الله ويبدأ ب "تطور النقد في العصر العباسي

  21. #21
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    والآ ن مع الدرس التاسع في الأدب العربي
    لقد تطور النثر في العصر العباسي تطوراً كبيراً. فعندما تدفقت ثقافات اليونان والفرس والهند، كان على العربية أن تستوعب كل ذلك وتعبر عنه. كما قام علماء العربية بوضع العلوم الشرعية واللغوية وتمكن النثر من حمل الفلسفة والعلوم والآداب في يسر وسلاسة، وأدى كل ذلك إلى تطور النثر في تراكيبه وأساليبه وصوره وتقنياته. ونذكر من أعلام النثر في هذا العصر: ابن المقفع والجاحظ وسهل بن هارون وابن الزيات وابن قتيبة... وغيرهم كثيرين ممن أبدعوا في النثر وطوروه أسلوبياً وفي صوره المختلفة.
    ومن العوامل التي أثرت في تطور النثر في العصر العباسي نجد:
    * ازدهار حركة الترجمة والتأثر بالآثار الأدبية والمناظرات والأفكار البلاغية لدى الفرس واليونان والهند.
    * انتشار الوعاظ والقصاص والنساك في المساجد والساحات والتفاف الناس حولهم.
    * ظهور المذاهب الفلسفية وأقوال الحكماء في الثقافات الأجنبية في الأدب العربي.
    * احتدام الجدل الديني وقيام المناظرات بين الفرق الإسلامية.
    الخطابة:
    ازدهر في بداية العصر العباسي فن الخطابة واضمحل شأنها في نهايته والسبب في ذلك أن الخطابة ازدهرت دفاعاً عن حق العباسيين في الخلافة وتمكينهم لدولتهم، واضمحلت بعد ذلك بسبب احتجاب الخلفاء عن العامة وزوال الداعي لها.
    الخطابة هي السلاح القوي والماضي لكل دعوة إلى مبدأ أو توجيه إلى إصلاح أو إقناع بفكرة. وهي الوسيلة التي تقود إلى تحقيق أهداف نبيلة. فهي تساهم في التخلص من سلطان غاشم وتوقظ الوعي إلى التحرر، وتنبه الأذهان إلى ما يجب أن يكون، وتعتمد في ذلك على فصاحة الكلام وبلاغة الأسلوب وإثارة الشعور واستمالة القلوب، والإيمان بالدعوة والدعاية المراد تحقيقها.

    ظهرت في العصر العباسي الكثير من المعاني داخل الأدب عامة، حيث اتسعت إلى ابتكار بلاغة رائعة وفصاحة نادرة، واستعارة قوية، وتشبيه دقيق. وكانت الحركة السياسية والاجتماعية سبباً في ظهور حركة ثقافية وفكرية خيالية ومعانٍ وأساليب لدى المتكلمين باللغة العربية

    والحديث عن الخطابة في العصر العباسي يجعلنا نؤكد أنها كانت الدعامة الأساسية في توطيد دعائم السلطان والحكم. حيث اعتمد أصحاب الدعوة على البيان والبلاغة والإقناع والتأثير في الناس وتوجيه الأنظار إليهم واستمالة القلوب والإيمان بدعوتهم والإذعان للإمام وإقبال الخاصة عليها والانضواء تحت راية السلطان الجديد في السر والعلن. وكانت لعروبة بني العباس الأصلية وملكتهم الناضجة ولسانهم المستقيم والمهارة في الإقناع الوقع الكبير في النفوس، وبذلك استطاعت الخطابة أن تكون الوسيلة المثلى لبني العباس لتحقيق الهدف والمراد وهو قيام خلافتهم ودولتهم.
    * عوامل انتعاش الخطابة:
    ونجد من العوامل التي ساهمت في انتعاش الخطابة:
    ـ قيام الدولة الذي اقترن بانقلابات كانت تؤجج نيرانها أكثر من جماعة، وأكثر من حزب واحد، كل واحد منها له دعاته الذين ينطقون باسمه، ويدعون له، ويرفعون رايته، ويهتفون باسمه، ويجمعون الناس من حوله، والبيان هو المعتمد الذي يعتمدون عليه، والفصاحة هي الأسلوب الذي يأخذون أنفسهم به، ويعتقدون أنه يصل بهم إلى الغاية المنشودة.
    ـ كانوا يجادلون خصوماً قد تكاملت لهم الملكة، وانقادت لهم البلاغة، وذل لهم عصيّ القول، واستجاب لهم نافره.
    ـ مخاطبة أقوام تأخذ الفصاحة بزمامهم، ويتملك البيان أفئدتهم، ويستولي القول الفصل على شغاف قلوبهم.
    ـ عدم الحجر على الحريات، أو الحظر على أصحاب الآراء والمبادئ.

    عرف العرب النثر في جميع عصورهم وعني به كبار كتابهم وأدبائهم وكانوا يهدفون من ورائه إلى التأثير في نفوس السامعين والقراء، ومن هنا كان اهتمامهم بالصياغة وجمال الأسلوب. ولم تصل إلينا وثائق تثبت أن العرب عرفوا في الجاهلية الرسائل الأدبية كما أبدعوا في الشعر

    لقد كانت الخطابة مجالاً آخر غير مجالها الرسمي للتوجيه العالي من الخليفة، أو الحث الباعث من القائد، أو الوعظ النافع من المرشد، أو التهديد الرادع من الوالي، وهو مجال استدرار العطف وتمكين الخطوة. قال الحسن بن سهل للمأمون: «الحمد لله يا أمير المؤمنين على جزيل ما آتاك، وسنى ما أعطاك، إذ قسم لك الخلافة، ووهب لك معها الحجة، ومكنك بالسلطان، وحلاه لك بالعدل، وأيدك بالظفر، وشفعه لك بالعفو، وأوجب لك السعادة، وقرنها بالقيادة، فمن فسح له في مثل عطية الله لك، أم من ألبسه الله من زينة المواهب ما ألبسك، أم من ترادفت نعمة الله عليه ترادفها عليك، أم هل حاولها أحد وارتبطها بمثل محاولتك. أم من حاجة بقيت لرعيتك لم يحدوها عندك، أم أي قيم للإسلام انتهى إلى عنايتك ودرجتك؟ تعالى الله تعالى، ما أعظم ما خص القرن الذي أنت ناصره، وسبحان الله أي نعمة طبقت الأرض بك، إن الله تعالى خلق السماء في فلكها ضياء يستنير بها جميع الخلائق، فكل جوهر زها حسنه ونوره فهل لبسته زينته إلا بما اتصل به من نورك؟ وكذلك كل ولي من أوليائك سعد بأفعاله في دولتك، وحسنت صنائعه عند رغبتك، وإنما نالها بما أيدته من رأيك وتدبيرك، وأسعدته من حسك وتقديرك...». .
    إن الخطابة في لفظها الفصيح ومعناها الرائع، وأسلوبها الجميل المعبر، وبلاغتها الخلابة تجعلها قادرة على تهذيب الأسلوب عند المتلقي وكشف الغرض وإثارة النفس وإهاجة عاطفة المستمع والمتلقي، والتوجيه النافع والإرشاد الصحيح من أجل المواقف والآراء الخاطئة عند البعض.
    * مميزات الخطابة:
    تتميز الخطابة التي عرفت الكثير من الأساليب في مختلف العصور الأدبية بالعديد من المميزات، وسنحدد هنا بعض المميزات التي تميزت بها في العصر العباسي على الخصوص:
    ـ حيث إن لغتها كانت تمتلئ بشيء من الكبرياء والعظمة، والإباء والشمم الذي يشعر به الخلفاء، خاصة أنهم هم الذين ينتهي نسبهم إلى دوحة منها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يؤمنون بأحقية الخلافة لهم وأنها حقهم الطبيعي، بحيث إن هذا الكبرياء كان يجعلهم في تلك القمة العالية وفرق بينهم وبين سائر الخلق.
    ـ محاكاة الخطابة للأساليب القوية والألفاظ العظيمة، والعبارات الجزلة والمنمقة التي كانت تعتمد على إعجابهم بالقرآن الكريم في كل استعاراته وتشبيهاته وكناياته وضربه للأمثال.
    ـ بعدها عن الحشو والغريب واللغو الذي ينحدر إليه أهل الخطابة والمحسوبين عليها ظلماً، والمتسمين بها تكلفاً.
    إنتهى الدرس التاسع ويليه العاشرإن شاء الله ويبدأ بنوع آخر من النثر وهو "النقل والترجمة"

  22. #22
    مشرف مجلس القصة العربية
    تاريخ التسجيل
    24-08-2015
    الدولة
    جمهورية مصر العربيه - القاهرة
    العمر
    30
    المشاركات
    428

    افتراضي

    سلمت يداك أستاذنا

  23. #23
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    بارك الله فيكم أخي الحبيب المهندس عبدالرحمن
    تاريخ الأدب العربي...ليس مادة مملة كما يتصوّر البعض..على العكس تماما فإنّه يتبين من خلالها تطوّر العصر وأثره على الأدب وأغراضه..وأسماء مشاهير الأدب بحسب أغراض الأدب الذي برعوا فيه...وغير ذلك كثير
    بوركت

  24. #24
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس العاشر: "النقل والترجمة
     النقل والترجمة
    تطور النثر في العصر العباسي الاول تطور خطيرا بسبب :
    تحولت اليه الثقافات اليونانية والفارسية والهندية وكل معارف الشعوب التي اظلتها الدولة العباسية فدخلت في تركيبه وتولد منه جديد تلوجديد
    تحولت هذه الثقافات للنثر عن طريقين :
    1) طريق النقل والترجمة وهوطريق عني به العباسيون ووزرائهم خاصة البرامكة
    2) تعرب شعوب الشرق الاوسط وانتقالهم الى العربية بكلما ورثوه من فنون المعرررفة
    شعب النثر وفروعه :
    تتعدت شعب النثرالعربي نثر علمي ونثرفلسفي ونثر تاريخي وشمل العلوم اللغوية والشرعية والطبيعية والكونية وليست الاسلامية والعربيه فحسب .
    حتى النثرالادبي الخالص اخذ يتاثر بملكات اللغات الاجنبية خاصة الفارسية
    مثل ابن المقفع الذي ترجم كثير من آداب الفرس الاجتماعية والاخلاقية ونظمهم السياسية
    فأثّر ذلك في الرسائل الديوانية ونشوء الرسائل الادبية التي تعنى بالكتابة في موضوع محدد تسمى الان المقالات
    واثرت في المجال الفلسفي خاصة في بيئات المتكلمين اذا مدوا مباحثهم الايمانية الى كل شعب الفلسفة خاصة المعتزلة كما في كتاب ا(الملل والنحل ) للشهرستاني
    وكل ذلك اثر في النثر العربي من حيث :
    الالفاظ والمصطلحات وذخائر الفكر الفلسفي واليوناني والعربي التي اجتمعت في النثر العربي فجعلته يعرف صوراً من الافكار وتركيبها لا عهد له بها .

    ظهور الاسلوب المولد
    1) اسلوب يحتفظ باللغة بكل مقوماتها
    2) الاسلوب المولد قام علىهجر كثير من الالفاظ البدوية الوحشية الجافة والارتفاع عن الالفاظ العامية المبتذلة
    3) العناية بفصاحة اللفظ وجزالته والملاءمة الدقيقة بين الكلمة والكلمة في الجرس الصوتي
    4) اتخذ لنفسه اصول بيانية تشيع فيـــــــــــــــه الرونق والجمال
    المعتزلــــــــــــــــــةاهم فرق المتكلمين في مسائل الدين والعقيدة:
    فقد اعتنوا في هذا العصر عناية واسعة بمعرفة اصول براعة القول واصول البيان والبلاغة العربية لانهم يقيمون المناظرات في المسائل الدينية والعقيدة والفلسفة بينهم وبين خصومهم ليفحموهم وينقضوا ادلتهم
    وليس فقط المتكلمين اعتنوا وتعمقوا في معرفة اصول البلاغة العربيه بل اهتم بها المتررجمون وكتاب الدواويين وخير من يمثلهم ابن المقفع الذي دعا للايجازفي الكلام ودعا للاطناب في خطب المحافل والصلح ووضع قاعدة براعة الاستهلال وهي ان يتضمن صدر الكلام مايدل على عرضه
    ووضع ابن المقفع قاعدة رد الاعجاز على الصدور وهي ان يتلاءم صدر البيت مع قافيته
    _ تحولت الدواوين الكثيرةالمعقدة الى مدارس بيانية كبيرة
    فالشبان الذين يعملون فيها لابد لهم من اتقان صياغة الكلام بحيث لا يدخله ضعف وابتذال ولا يصعب على افهام العامة
    وكان هؤلاء الشبان يقفون بابواب الدواوين متعرضين لامتحان قاس فمن اثبت كفاءته وظّفوه

    الخطابة والوعظ والقصص
    الخطابة السياسية
    نشطت في مطلع هذاالعصراذ اتخذتها الثورة العباسية اداتها فب بيان حق العباسين في الحكمولكنها ضعفت بعد ذلك ضعفا شديدالان الاحزاب السياسية فنيتبسبب بطش سلطان العباسين وعادت الخطابة للظهور اثناء فتنة الامين والمامون ولكن لمتعد قوتها كعهد بني امية ثم ضعفت وتضاءلت
    الخطابة الحفلية
    ضعفت الخطابة الحفليةلان وفودالعرب لم تعد تفد على قصور الخلفاء وبالتالي لم يفد الخطباء عليهم
    اقتصرت الخطابة الحفلية على مناسبات كتعزية الخليفة اولتهنئة خليفة جديدولذلك اصبحت الخطابة الحفلية نادرة حتى تضاءلت
    الخطابة الدينية
    الخطابة الدينية ظلت مزدهرة في هذا العصر
    الرشيد سنسنةاضعفت الخطابة الدينيةعلى السنة الخلفاء اذ امر الاصمعي انيعد خطبة للامين يخطب بها يوم الجمعه وبذلك سن للخلفاء ان يخطبوا بكلام غيرهم
    الولاة يجمعون بين الولاية والصلاة ,
    الخطابة الدينية ضعفت على السنة الخلفاء ولكنها نشطت على السنة
    الوعاظفي مساجد البصرة والكوفةوبغداد وكانوا خلاط من الزهاد والفقهاء والمتكلمين
    وكانو يستمدون منالقرانواحاديث الرسول واقوال الصحابة والوعاظ السابقين
    هناك وعاظ مزجواوعظهم بالقصص الديني وتفسير القران وهذا المزج قديم منذ صدر الاسلام
    مثل القصاص موسى بن سيار الاسواري
    ارتقى الوعاظ والقصاصبصناعةالنثر في المعاني التي يرددونها ودققو في هذه المعاني واعتنو باساليبهم عناية تقومعلى الدقة في الاختيار والاحساس وجودة الصياغة ومنهم من اعتنى بالسجع مثل الفضل بنعيسى الرقاشي ..
    ***المناظــــــــــــــــــــــــرات
    المناظرات من اهم الفنون النثرية التي شغلت الناسعلى اختلاف طبقاتهموقل الحديث عنها عند مؤرخي الادبالعباسيلانها كانت تنعقد في المساجد
    اهم طوائف المتناظــــرينالمعتزلةلانهم يجادلون اصحاب الفرق الاخرى وارباب المللالسماوية مما هيأ لظهور كبار من المناظرين في شؤون الدين والعقل
    من اشهرهمابو الهذيل العلاف 00ابن اخته النظام
    المعتزلة يؤثرون الجدل العقليعلى النسك والعبادة وجعلوه فوق الجهاد والحج
    برعوا في الجدلوتاليف الحجج والادلة ممايدل على رقي العقل العربي ويصور ذلك ماقاله الجاحظ من
    مذهب الجهجاه /تحسين الكذب في مواضع وتقبيح الصدق في مواضع وفي الحاق الكذببمرتبة الصدق وفي حط الصدق الى موقع الكذب
    مذهب صحصح /في تفضيل النسيانعلى كثير من الذكر وان الغباء انفع من الفطنة
    اصبح التحسين والتقبيح(الادب الفهلوي القديم ) نمطمن انماط الفكر العباسي مما هيأ لظهور كتبالمحاسن والمساوى
    تاثر العباسيون في جدلهمومناظراتهمبالتراث الفلسفي اليوناني ( اليونانعرفوا المناظرات قبل العرب )
    اسلوبالمناظــــــــــــرات
    دقةالمعاني
    وحسن سبك الاداء وجمال الصياغة
    عنايتهم بالسجع
    عنايتهم بالبلاغة مما ادى الى وضعهم اصولالبلاغة
    ***الرسائــــــــــل الديوانية والعهودوالوصايا والتوقيعات في العصر العباسي الاول :
    تعددت الدواووينفي هذا العصر وفوق هذه الدواويين
    ديوان الزمام /الذي ينظر في ضبطكل ديوان على حدة
    **نشطت الكتابة نشاطا واسعا في هذا العصر وكثرالكاتبينلانها تدر عليهم ارزاق واسعة وصاحبالمهارة يرأس الديوان وكانت تقام لهم امتحانات في مهارتهم العقلية والادبية ومناجتاز الامتحان لازم الخلفاء او الوزراء ورأسو دواويينهم
    **لنجاح الكاتب الناشئ لابد لهمن احسان صناعة الكتابة بأن يجمع بين المادةاللغوية والاسلوبية حتى يتقن كتابته من حيث الوضوح حتى يفهمها العامة الذين توجهاليهم ومن حيث الاسلوب لانها تكتب للخلفاء والزوراء فلابد ان يبهرهم ببلاغته وبيانه
    ثقافة الكاتب *****لابد ان يتقن الكاتب طائفة من المعارف اهمها علوم اللسان والفقةوالحساب لانهم يكتبون بديوان الخراج وان يلم بعلوم الكيمياء والطب والنجوم والفلسفة والمنطق
    وتثقفو بالثقافات الاجنبية اليونانية والفارسية والهندية من الكتب المترجمه عنها
    وتثقف الكاتب بحفظ القران والسنة واخبار العرب واشعارهم وكان بعضهم يحسن نظمالشعر ويستشهد به في رسائله ويقتبس كذلك من القران الكريم .
    **** المادة الفارسية السياسية والاخلاقية المترجمةمن اهم المؤثرات في رقيالكتابة الديوانية وتطورها وهذا انقل من الفارسية بدأه عبدالحميد الكاتب لكنه اتسعفي هذا العصر فنقلو في الاداب والاخلاق والانظمة السياسية وانظمة الحكم والحكايات عن الفارسية والهندية واليونانية
    ويليه الحادي عشر إن شاء الله

  25. #25
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس الحادي عشر: الأدب العربي في عصر الدول المتتابعة
    الأدب العربي في عصر الدول المتتابعة من العسير تحديد أطوار الأدب في عصر الدول المتتابعة بسنوات معينة، لتداخل بعضها ببعض. ويمكن تحديد إطار هذا الموضوع بالحكم الذي ساد في كل حقبة من حقب ذلك العصر، وهي:
    • أ‌. العهد الزنكي 521-579هـ/1126-1183م.
    • ب‌. العهد الأيوبي 579-648هـ/1183-1250م.
    • ج . العهد المملوكي 648-922هـ/1250-1517م.
    • د . العهد العثماني 922-1213هـ/1517-1798م.
    ذلك هو الإطار الزماني، أما الإطار المكاني، فهو موطن حكم هذه الدول، وهو بلاد الشام ومصر، في المقام الأول، وبعض أرجاء الجزيرة العربية كالحجاز واليمن. أما ما كان خارج هذه البلاد في العصر العثماني فلا يدخل في إطار البحث، لأن المراكز الثقافية والفكرية والأدبية الكبرى كانت في أرض الشام ومصر في الدرجة الأولى.
    بين دول هذا العصر المختلفة معالم مشتركة وأخرى متباينة.
    ولعل معالم العهد الزنكي والعهد الأيوبي والعهد المملوكي متقارب بعضها من بعض أكثر من قربها من معالم العهد العثماني.
    ومن هذه المعالم أن اللغة العربية ظلت لغة رسمية للزنكيين والأيوبيين والمماليك، مع أن أصولهم غير عربية، ولغاتهم الأصلية غير عربية. أما في العهد العثماني، فقد غدت التركية لغة الدولة الرسمية، وبها تكتب المراسلات والمعاهدات والمعاملات، ثم تأتي بعدها في المقام الثاني اللغة الفارسية، وتدرّس في المدارس، ويتحدث بها كثير من المثقفين والحكّام، ثم تأتي العربية في المقام الثالث، والدولة العثمانية لا تحاربها، ولا تقف عقبة في وجه من يسعى إلى تعلمها، لأنها لغة القرآن والإسلام، ولهما في النفوس أرفع مقام. يضاف إلى ذلك أن السلاطين العثمانيين استولوا من مصر والشام على خير ما في خزائن كتبهما كما أخذوا إلى العاصمة اصطنبول خيرة علماء العربية ومهرة الصناع والحرفيين. وكان ذلك سبباً في تراجع الاهتمام وتدهور اللغة وتفشي اللحن والعامية والجهل والأمية إذ خلا البلدان ممن يرفع من شأن العربية.
    اهتم الزنكيون والأيوبيون والمماليك بإنشاء المدارس، وحث الطلبة على العلم، ورصد المكافآت المغرية للمبرزين، وتكريم العلماء، وتوفير المناخ الطيب لإنتاجهم. وكان بناء المساجد يساير حركة بناء المدارس. والمساجد في عهدهم مواطن للعلم والدرس إلى جانب كونها للعبادة. وقد عرف الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي [ر] بولعه بإنشاء المدارس المنظمة، وعمارة المساجد، حتى إنه استقدم من سنجار أحد المهندسين المهرة ليبني له المدارس الفائقة في حلب وحماة وحمص وبعلبك ويشرف على صيانتها. كما عرف بحبه للحديث الشريف، فأنشأ له مدارس خاصة، وأوقف عليها أوقافاً كبيرة، وولى مشيختها أكابر المحدثين في زمانه، كالحافظ أبي القاسم علي بن عساكر [ر].
    وبذّ صلاح الدين الأيوبي [ر] سلفه نور الدين في الإنفاق على التعليم وإنشاء المدارس الكثيرة في مصر والشام، وقد حملت جميعاً اسم «المدرسة الصلاحية»، واشتهر صلاح الدين بأنه أعظم مشيد لدور العلم في العالم الإسلامي بعد نظام الملك السلجوقي، وأصبحت دمشق في عهده تدعى «مدينة المدارس». وقد وصف ابن جبير [ر]، في رحلته، هذه المدارس، ووجدها قصوراً أنيقة، ومن أحسن مدارس الدنيا منظراً.
    وسار خلفاء صلاح الدين على سنته، فابتنوا مدارس كانت كل منها تنسب إلى بانيها، مثل: الظاهرية والصاحبية والعادلية والأشرفية والناصرية، وحتى نساء بني أيوب شدن عدداً من المدارس، كان منها «الشامية» و«الخاتونية»، وكذلك فعل كبار تجار العصر.
    جاء عصر المماليك، وراح الحكام يتنافسون في إنشاء المدارس، حتى إن ابن بطوطة [ر] عجب من كثرتها، وذكر أنه لا يحيط بحصرها لكثرتها. وذكر من هذه المدارس: الظاهرية والمنصورية ومدرسة السلطان حسن، والسلطان برقوق، والمؤيد شيخ، وسواها.
    أما في العصر العثماني فقد انقطع إنفاق الدولة على هذه المدارس كلها، ولم يبتن الحكام مدارس جديدة، وإنما تركوا الحبل على الغارب، فذوت تلك المدارس وأخذ عددها يتناقص يوماً بعد يوم. وحل محلها كتاتيب صغيرة تعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب. كما تعلِّم القرآن الكريم وتجويده. حتى إذا أوغل الحكم العثماني في الزمن، ران الجهل على البلاد العربية المحكومة، وصار من النادر وجود من يحسن القراءة والكتابة فيها.
    وفي عهد الزنكيين والأيوبيين والمماليك، ازداد عدد العلماء والشعراء والكتاب والمؤلفين زيادة كبيرة لأسباب، منها هروب العلماء والأدباء من شرقي العالم الإسلامي إلى مصر والشام إثر اجتياح التتار، وهروب العلماء والأدباء من غرب العالم الإسلامي (الأندلس) إلى مصر والشام، بعد اجتياح الإسبان للدولة الأندلسية المسلمة، ومن تلك الأسباب الاستقرار الأمني الذي تمتعت به بلاد مصر والشام في عهد الأيوبيين والمماليك، ورعاية حكامها للعلماء والأدباء، وتوفير المناخ العلمي والحياة الكريمة لهم مع الإجلال والاحترام.
    وكان من نتيجة هذه العوامل أن استطاع العلماء تعويض المكتبة العربية الإسلامية بعض ما ضاع منها حرقاً أو إتلافاً أو سرقة، وكانوا في تأليفهم يعتمدون على ما وصل إليهم من العصور السابقة فيقومون بتصنيفه وترتيبه وتدوينه في كتب جامعة تقرب من الموسوعات. وكثرت في هذا العصر الشروح والذيول والحواشي، حتى سمي بعصر التحشية. لكن هذه الحقبة الخصبة نسبياً لم تستمر في عهد العثمانيين، وإنما اتخذ الشعر والتأليف مسار آخر، فيه من العقم أكثر مما فيه من الخصب. وكان لديوان الإنشاء، في عهد الأيوبيين والمماليك، أثر بالغ في النهضة العلمية، وازدهار الثقافة، لما كان فيه من إغراءات، وحوافز. وحين أبطله العثمانيون وأحلوا التزكية في الدواوين محله، تدهورت الثقافة، وانعدمت الحوافز، وساءت الكتابة بوجه عام.
    ويليه الثاني عشر ويبدأ بالشعر في هذا العصر

  26. #26
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    عادة العرب إذا أطربهم شاعر أن ينصتوا له بكل جوارحهم !!!
    وبين كل لازمة - خاصة مع الربابة - يقول الشاعر لعازف الربابة كلمة ما .. وهي ليست محصورة !!!
    لكن ما تستهوينا وتطربنا كلمة الشاعر لعازف الربابة في كل وقفة للشاعر يأخذ فيها نفسه .. هي قوله للعازف " سولف " وهي كناية عن أسمعنا وأطربنا .. ويمثلها الشاعر كأن العزف كلمات يرويها العازف !!!
    ونحن أبا عليّ لما أن أطربتنا بما رفعت وسطرت ... وأبدعت .. نقول لك " سولِف " واستمر بهذا العزف الشجيْ ...
    وأنت خير من يعقل هذه " السوالف " !!!
    زادك الله علماً ورفعة
    أخوك " ابو عمر الفاروق "

  27. #27
    باحث في الانساب
    تاريخ التسجيل
    26-10-2011
    المشاركات
    2,884

    افتراضي

    احسنت استاذنا م مخلد بورك علمك وعملك . ودروسك الناجحة في آدابنا العربية جزاك الله خيرا

  28. #28
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    بارك الله فيكم شيخنا ابوعمر
    بعد فترة سنتعرّف على الأدب العربي في الأندلس ثم العثماني حيث طُمِسَ الأدب وانحسر واتسمت المجتمعات العربية بالبداوة وإلى يومنا هذا ثم الأدب في عصرنا الزاخر بأغراض أكثر من سابق العصور..
    تابعونا..بارك الله فيكم

  29. #29
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    أشكر مروركم شيخنا البراهيم وأشكر مشاركتكم الطيبة
    بارك الله فيكم

  30. #30
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    أعلمناكم من قبل .. اننا نتابعكم .. وسنستمر !!
    وباستمرار المتابعة تزيد السعادة .. وتنتابنا الغبطة والسرور
    فتابع العزف ....... وسولف أبا عليْ

  31. #31
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس الثاني عشر
    الشعر
    كثر عدد الشعراء في هذا العصر كثرة تلفت النظر، ولكن هذه الكثرة العددية لم تكن تواكبها إجادة شعرية متميزة. فكان الشعراء المجيدون قلة، ولم يتوقف موكب الشعر أو ينقطع في الأعصر الأدبية كافة على تباين الظروف، واختلاف الحكام، بل ظل يحتفظ بمكانته التقليدية من الرعاية والعناية، وظل الناس يكرمون الشاعر ويقدرونه، مع أن هذه الظاهرة تبدو جلية في عصر الأيوبيين والمماليك، وتغيب في العصر العثماني، ولاسيما في بلاطات الحاكمين.
    صحيح أن نور الدين الزنكي كان يميل إلى تقريب رجال الحديث والعلماء أكثر مما كان يميل إلى الشعراء أو يغدق عليهم الأموال، لكن صلاح الدين كان أكثر تذوقاً للأدب من نور الدين، وألين حجاباً، وقد روي عنه أنه كان يحفظ «الحماسة» لأبي تمام،ويتمثل بالشعر، ويجيز الشعراء، حتى تقاطروا إلى بلاطه، ونظموا فيه القصائد الكثيرة، واتبع خلفاؤه سنته. وسار المماليك على النهج عينه.
    فنون الشعر
    لم تختلف موضوعات الشعر في هذا العصر عن موضوعات العصور السابقة، من مدح وهجاء وفخر وغزل ورثاء ووصف وشكوى وما إلى ذلك، كما وجدت في هذا العصر موضوعات جديدة.
    الموضوعات التقليدية
    أخذ شعراء هذه الحقبة معاني القدماء وصاغوها صياغة جديدة، وسبكوها في القوالب التقليدية المتداولة. فإذا وصف الشاعر القديم ممدوحه بأنه بحر أو غيث أو أسد أو شمس أو قمر أو متوج بتيجان الملوك أو تقي أو سليل أكارم وأماجد أو حام للدين وأهله، أو مذل للشرك وقومه.. جاء الشاعر اللاحق فاتبع سنن الشاعر السابق من دون أن يحيد عما جاء به قيد أنملة، كأن يضع نصب عينيه مقولة: «ما ترك الأول للآخر شيئاً».
    وكان أمام الشاعر المتأخر، اللاحق، رصيد من المعاني والصور خلفها القدماء، في المديح والفخر والغزل والهجاء.. وتقتصر مهمة هذا الشاعر المتأخر أن يتطفل على هذا الرصيد فيأخذ منه ما يحتاج، ويزعم بعد ذلك أنه جاء بقصيدة. كان السابق (الشاعر الأصيل) يتمثل الصورة الكلية لموضوعه، ويحيطها بدفء عواطفه وحرارة مشاعره، فتبدو حية نابضة متلألئة. أما اللاحق فهو أشبه ما يكون بالجزار يقطع من هذه الكتلة أو تلك، ويضم بعضها إلى بعض بعيداً عن خلجات قلبه وحرارة أنفاسه. مثل السابق قصيدة أبي تمام في فتح عمورية ومديح المعتصم، أو قصيدة أبي الطيب المتنبي في وصف معركة الحدث ومديح سيف الدولة، ومثل اللاحق قصيدة أبي منير الطرابلسي (ت548هـ) في مدح نور الدين وانتصاره على الصليبيين، وقصيدة ابن الساعاتي (ت604هـ) في فتح صلاح الدين بيت المقدس. وقد كان التفاوت كبيراً في جودة قصائد السابقين وقصائد اللاحقين وابتكار المعاني ومتانة الأسلوب.
    وقد تهافت شعر المديح في العصر العثماني، وانحط إلى دركة مزرية، ولم يعد الشاعر يجد من يتوجه إليه بقصائده.
    ولم يكن فن المديح في هذه العصور إلا كالفنون الأخرى من الشعر اتباعاً وتقليداً ووهناً، وإذا كان ثمة من فرق فهو في بعض مقدمات القصائد، إذ انحرفت إلى الغزل بالمذكر، أو قد يكون فخراً بمقتنيات كالدور والملابس والخدم والحشم، كفخريات منجك (ت1080هـ) أو قد يكون هجاء للبعوض والفئران والصراصير، كقصيدة جعفر البيتي (ت1052هـ) وقد أكثر هؤلاء الشعراء من وصف الأفيون وأثره في العقل والجسم.
    الموضوعات المستحدثة
    إلى جانب هذه الموضوعات التقليدية ظهرت موضوعات أخرى تتصل بسبب أو بآخر بما سبق من موضوعات وتتخذ لنفسها، في الوقت ذاته، مساراً مختلفاً له حدوده وقيوده، مما جعل المتأمل فيها يصفها بالجديدة المستحدثة. من هذه الموضوعات ما يلي:
    المدائح النبوية والاستغفار
    جاء الغزاة الأوربيون إلى الشرق محتلين باسم الصليب، وجاء المغول ودمروا معظم معالم الحضارة العربية والإسلامية، وعمت الأوبئة والطواعين مصر والشام مراراً، وعم خلاف سلاطين بني أيوب والمماليك بعضهم مع بعض، وكان استبداد الحاكمين في رقاب الناس بالغاً، والحياة الاقتصادية في انهيار واضطراب. كل ذلك شجع على انطواء كثير من الناس على أنفسهم، وانعزالهم عن مجتمعاتهم، ولجوئهم إلى الله داعين مستغفرين، ومتقربين إليه بمديح الرسول وآله وصحبه. وانتشرت القصائد الكثيرة في مدح الرسول والتشفع به، وكذلك القصائد الطوال في الابتهال والاستغفار،ومن قصائد مدح الرسول ما سمي بالبديعيات، ويعد صفي الدين الحلي (ت750هـ) أول من نظمها وأول من أضاف إلى كل بيت لوناً من ألوان البديع وذلك في بديعيته التي استوحاها من قصيدة البوصيري (ت696هـ) [ر] المشهورة بالبردة ومطلعها:
    أمــن تذكــر جيران بــــذي ســـــلم مـزجت دمعـاً جـــرى مـن مقلة بـدم
    فاستهل الحلي قصيدته بقوله:
    إن جئت سلعاً فسل عن جيرة العلم وأقر السلام على عزب بذي سـلم
    ولما كانت قصيدة البوصيري «البردة» قد اقترنت برؤيا الرسول الكريم e في المنام، وبأنه ألقى عليه بردته ونهض الشاعر بعدها معافى من فالج ألم به، استدل الناس والشعراء على رضا الرسول e عن القصيدة. ومن هذا الباب راح الشعراء ينظمون القصائد على منوال «البردة» تقرباً من الرسول وطمعاً في شفاعته وتدفق السيل، فإذا مئات القصائد على توالي العصور تظهر متقيدة بمعاني بردة البوصيري وبحرها العروضي وميم رويها المكسورة. حتى إن كثيراً من المسلمين كانوا يوصون أن تكتب بعض أبيات البردة أو إحدى البديعيات على شواهد قبورهم تقرباً إلى الله وزلفى. ولم يكن مدح الرسول بدعاً في الشعر في هذا العصر ولا مستحدثاً، ولكن الجديد في الأمر هو الإفراط، فقد فاق ما قيل في هذا الموضوع جميع ما قيل في الموضوعات الأخرى في العصر كله. ولقد اعتاد المدّاحون أن يستهلوا قصائدهم بالغزل وما يتصل بالشكوى من الفراق والهجر ونحو ذلك. أما في هذه المدائح فلهم استهلال آخر أوضحه ابن حجة في الخزانة فقال: «يتعين على الناظم أن يحتشم فيه ويتأدب، ويتضاءل ويتشبب مطرياً بذكر سلع ورامة وسفح العقيق والغدير ولعلع وأكناف حاجر، ويطرح ذكر محاسن المرد والتغزل في ثقل الردف ورقة الخصر وبياض الساق وحمرة الخد وخضرة العذار وما أشبه».
    هذا اللون من الشعر أكثر عافية، وأقوم أسلوباً، وأكثر صدقاً، وأجزل لغة من شعر العصر في الأغراض الأخرى. وكان من أعلام هذا الفن الإمام الصرصري (ت656هـ) والبوصيري وابن معتوق (ت707هـ) والشهاب محمود الحلبي (ت725هـ) وابن الوردي (ت749هـ) والإمام البرعي (ت803هـ) ومجد الدين الوتري (ت980هـ).
    الشعر الصوفي
    هو ضرب من الشعر الديني، بينه وبين المديح النبوي والبديعيات وشائج وصلات، لكنه يتخذ مساراً يختلف عن مساريهما معنى ومبنى، أما المعنى فيقوم على الحب الإلهي، وهذا الحب عماده وجوهره وغايته وثمرته. والحب، في عرف أصحابه، حالة ذوقية تفيض على قلوب المحبين، مالها سوى الذوق إفشاء، ولا يمكن أن يعبر عنها إلا من ذاقها، ومن ذاقها ذاهل عن كنهها، كمثل من هو طافح سكراً، إذا سئل عن حقيقة السكر الذي هو فيه لا يمكنه التعبير لأنه سكران. والفرق بين سكر المحبة وسكر الخمرة أن سكر الخمرة يمكن زواله، ويعبر عنه في حين الصحو، وسكر المحبة ذاتي لازم، لا يمكن لصاحبه أن يصحو منه حتى يخبر فيه عن حقيقته.
    أما المبنى فيقوم على ثلاث دعائم، هي الغزل العذري والخمريات والرمز وقد عرفت هذه العصور شعراء كباراً متصوفين، منهم السهروردي (ت587هـ) وابن الفارض (ت632هـ) وابن عربي (ت638هـ) وأبو العباس المرسي (ت686هـ) والعفيف التلمساني (ت690هـ) وابن عطاء الله السكندري (ت709هـ) وعائشة الباعونية (ت922هـ) وغيرهم.
    التأريخ الشعري
    ويقوم على «حساب الجمل» في ضبط تاريخ واقعة بحروف تتألف منها كلمة أو جملة أو شطر، يكون مجموع جملها يساوي تاريخ تلك الواقعة، ويأتي الشاعر بهذه الكلمة أو الجملة بعد كلمة «أرّخ» أو مشتقاتها.
    وترتب الحروف ترتيباً أبجدياً، أي: أبجد، هوز،حطي، كلمن، سعفص، قرشت، ثخذ، ضظغ، وكل من هذه الحروف له قيمته العددية، والجديد في هذا اللون أن العصر العثماني فاض به، حتى نظم به كل من كان ذا قدرة على النظم، وأن بعض الشعراء أتوا بالعجب العجاب.
    وفي كتاب «سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر» لابن معصوم قصيدتان في التأريخ الشعري كل منهما آية في بابها.
    الشعر التعليمي (نظم العلوم)
    شاع في العصر المملوكي والعثماني (نظم العلوم)، فعلم النحو يسبك في ألفية، والفقه كذلك، والفرائض والمنطق وسواها، وغالباً ما تكون هذه المنظومات من بحر الرجز ليسهل حفظها. وقد يأتي بعض العلماء إلى واحدة من هذه الأراجيز فينشئ عليها شرحاً، ويأتي آخر ويضع حاشية، وثالث يكتب حاشية على الحاشية، وخير مثال على ذلك ألفية ابن مالك.
    الأحاجي والألغاز
    لم يسلم منها شاعر، ولم يخل منها ديوان، وكانت عنواناً على قدرة الشاعر على اختراع صورة لفظية تتوارى المعاني وراءها، وهي وسيلة من وسائل التسلية في المجالس، وربما عمد صاحبها إلى مكاتبة إخوانه بها، وطلب منهم أن يحلّوها. وتذهب الرسالة الحاملة للقصيدة اللغزية من بلد إلى بلد، وغالباً ما يعود الجواب بحل اللغز في قالب شعري، ويكون متبعاً بلغز آخر يطالب صاحبه بحلّه، وهكذا. كان من أعلام هذا اللون صفي الدين الحلّي والشَّرف الأنصاري وابن عنين (ت630هـ) ومحيي الدين بن عبد الظاهر (ت692هـ) وإبراهيم بن عبد الله القبراطي (ت781هـ) وابن حجة الحموي (ت837هـ).
    شعر الحشيشة
    وقد أصبح هذا الغرض الجديد كالخمرة من أغراض الشعر، وأحد الموضوعات التي قالوا فيها القصيد.
    ويليه الثالث عشر ويبدأ بالنقد الإجتماعي

  32. #32
    مشرف مجلس القصة العربية
    تاريخ التسجيل
    24-08-2015
    الدولة
    جمهورية مصر العربيه - القاهرة
    العمر
    30
    المشاركات
    428

    افتراضي

    مجهود أكثر من رائع
    بارك الله فيكم

  33. #33
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    حياكم الله حبيبنا المهندس الأديب عبدالرحمن مشرفنا العزيز
    سعيد جدا بتعليقكم ومروركم

  34. #34
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس الثالث عشر
    النقد الاجتماعي
    اتخذ هذا اللون في الغالب، صورة الشعر الضاحك تارة والساخر أخرى والمر في ثالثة. فالوضع السيء الذي كان يعيش فيه الناس، والشعراء منهم، من فقر وبؤس ومصادرات واستبداد وقطع طرق وانتشار لصوص، واستيلاء أعاجم على حكم الأرض العربية، وفساد في الدوائر، وانتشار رشوة، وما أشبه ذلك، دفع الشعراء إلى التعبير عن هذه المآسي بشيء من التّقيّة حيناً، والصراحة حيناً آخر، بهذه القوالب المنظومة.
    ومن الشعراء الذين اشتهروا بالنقد ابن قلاقس (ت567هـ)، وابن عنين،وأبو الحسين الجزّار (ت679هـ)، والبوصيري، وابن دانيال (ت710هـ) والحلّي، وابن سودون اليشبغاوي (ت868هـ)، وعامر الأنبوطي.
    الخصائص العامة لشعر العصر
    ضعفت ثقافة الشعراء في ذلك العصر، وضحلت محفوظاتهم ومعلوماتهم، وانصرف الشاعر عن امتهان الشعر، واتخذه هواية وتسلية: فقد يكون قاضياً أو معلماً أو كحّالاً أو ورّاقاً أو جزّاراً، فهو ينصرف إلى مزاولة مهنته أولاً، ثم يعاني نظم الشعر، وقد انفصل الشاعر عن مجتمعه وحكّام زمانه، وكان هذا الانفصال نتيجة وليس سبباً، فقد كان ينظم بلغة، ويتحدث هو وأبناء عصره بلغة أخرى. وكان بين لغته ولغة الناس بون شاسع، حتى لتوشك لغة النظم أن تصبح لغة أجنبية لدى الناس، كذلك طغت الركاكة والتعبيرات العامية على الشعر. والركاكة غير العامية، فهي تنشأ عن عدم تمكن الشاعر من اللغة التي يكتب بها لافتقاره إلى معرفة أصولها وأسرارها ودقائق الفروق بين مفرداتها: إنها - أي الركاكة - العجز عن استعمال اللغة بدقة ومهارة، والاستعاضة عنها بالعامية والعبارات السوقية.
    وقد ارتبط شاعر العصر بالتراث والماضي، وكان يضع نصب عينيه مقولة: «ما ترك الأوائل للآخر شيئاً». ولذلك كان ينهج نهج السلف تفكيراً وتعبيراً. وافتقد العصر النقاد الفنيين الذين يقومون لكل شاعر إنتاجه. وكان علماء البلاغة أقدر من سواهم على أداء هذه المهمة، لكنهم انصرفوا إلى المنطق، وإلى جزئيات لا تسمن ولا تغني، فأضاعوا الغاية من البلاغة، كما أضاعوا البلاغة ذاتها. واستعاض شاعر العصر عن الابتكار والتجديد بالمبالغات الكبيرة التي تصل إلى حد الإغراق والغلو الذي يرفضه العقل وتأباه العادة، وينكره الذوق.
    واتكأ الشاعر على ألوان المحسنات البديعية بدلاً من أن يبدع فكرة، أو يجود في تعبير. ووصل اقتران البديع إلى أقصاه في البديعيات، وهي قصائد مطوّلة، تزيد على خمسين بيتاً، منظومة على البحر البسيط، تكون الميم المكسورة فيها روياً ويحمل كل بيت لوناً من ألوان البديع، مذكوراً صراحة أو ضمناً، ومعانيها تدور حول السيرة النبوية. وقد أوجدت هذه البديعيات حركة أدبية نشطة في اللغة والأدب وحركة التأليف فكثر شارحوها والمعلِّقون عليها، كما كثرت في الدراسات التاريخية إذ أظهر المؤرخون ما تضمنته من إشارات دينية وتاريخية. وأثرت في الحركة الأدبية، فكثر تشطيرها وتضمينها وتخميسها وتسبيعها، وتعشيرها ومعارضتها. وانتقلت البديعيات إلى لغات العالم الإسلامي فنظم الأتراك والفرس والهنود بديعيات بلغاتهم، ونظم النصارى بديعيات في عيسى عليه السلام. وزادت الصنعة ذلك عند بعض الشعراء فغدا كثير من الشعر ألاعيب لفظية من جناس وتورية وشعر محبوك وشعر منظوم من حروف مهملة أو حروف معجمة، أو موصولة أو مفصولة، أو تحتوي كل كلمة على حرف معين، أو تحمل الكلمة معنيين، معنى ظاهراً وآخر باطناً، هو اسم كتاب، أو لغز، أو واقعة، أو يقرأ البيت طرداً، وعكساً فإذا هو شيء واحد، أو تكون قراءة الطرد مدحاً وقراءة العكس ذماً، أو يكون فيه تشجير أو اقتباس أو تضمين أو رد أعجاز على صدور، أو غير ذلك من الألاعيب والشكليات. كذلك خرج عدد من شعراء العصر إلى أوزان جديدة، دفع إليها التعبير العامي والركاكة، ومن الأوزان: المواليا والزجل والقوما والكان كان ونحوها.
    أعلام الشعر في هذا العصر
    يعثر الباحث في هذه الحقبة من التاريخ العربي على أسماء للشعراء لا حصر لها. فقد ظهر إبان الحكم الأيوبي ابن قسيم الحموي، مسلم بن الخضر التنوخي (ت542هـ). ابن القيسراني، محمد ابن نصر (ت548هـ). ابن منير الطرابلسي، أحمد (ت548هـ). عرقلة الدمشقي، حسان بن نمير الكلبي (ت567هـ). ابن قلاقس نصر الله عبد الله (ت567هـ). سبط بن التعاويذي (ت583هـ). ابن المعلم، محمد ابن عبيد الله (ت592هـ). ابن الساعاتي، علي ابن محمد بن رستم (ت604هـ). ابن النبيه، علي بن محمد بن يوسف (ت619هـ). ابن عنين، محمد بن نصر بن الحسين (ت630هـ). ابن الفارض عمر بن علي (ت632هـ) الحاجري، عيسى بن سنجر (ت632هـ)، ابن عربي، محيي الدين (ت638هـ). ابن مطروح، يحيى بن عيسى (ت650هـ). البهاء زهير بن محمد المهلبي (ت656هـ).
    وتطالعنا في عصر المماليك أسماء كثيرة من أشهرها: شرف الدين الأنصاري، عبد العزيز ابن محمد (ت 662هـ). الصرصري، يحيى بن يوسف (ت656هـ). التلعفري، محمد بن يوسف (ت672هـ). الجزار، يحيى بن عبد العظيم (ت679هـ). الشاب الظريف، محمد ابن سليمان (ت688هـ). الوراق،عمر بن محمد (ت 688هـ). البوصيري، محمد بن سعيد (ت695هـ). ابن دانيال، محمد (ت710هـ)، ابن الوردي، عمر بن مظفر (ت749هـ). صفي الدين الحلي، عبد العزيز بن سرايا (ت750هـ). ابن نباتة، محمد بن محمد (ت768هـ). البرعي، عبد الرحيم بن أحمد (ت803هـ). ابن سودون، علي (ت868هـ). ابن مليك الحموي، علي بن محمد (ت917هـ). الباعونية، عائشة بنت يوسف (ت922هـ).
    أما أشهر شعراء العصر العثماني فهم: عبد الله بن أحمد باكثير (ت925هـ). شهاب الدين العناياتي (ت1014هـ). فتح الله النحاس الحلبي المدني (ت1052هـ). ابن معتوق، شهاب الدين الموسوي (ت1087هـ). منجك اليوسفي الدمشقي (ت1080هـ). ابن النقيب الحسيني (ت1081هـ). مصطفى الباني الحلبي (ت1091هـ). عبد الغني النابلسي (ت1143هـ). عبد الله الشبراوي (ت1171هـ). أحمد المنيني الطرابلسي (ت1172هـ). عامر الأنبوطي (ت1173هـ). جعفر البيتي المدني (ت1182هـ). عبد الله الأدكاوي المصري (ت1184هـ).
    ويليه إن شاء الله الدرس الرابع عشر ويبدأ بالنثر
    التعديل الأخير تم بواسطة م مخلد بن زيد بن حمدان ; 21-10-2015 الساعة 03:20 PM

  35. #35
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    جميل .. وممتع !!!
    تابع العزف أبا علي ... وسولف !!!
    كلمة سلمت يداك ... لا تكفي

  36. #36
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    حياكم الله وبياكم شيخي الحبيب ابوعمر
    سعيد بمتابعتكم لي..وهذا يدفعني إلى الإجادة ..والمواصلة برتم يليق بالمتابع ..
    بارك الله فيكم

  37. #37
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    الدرس الثالث عشر
    النثر
    كان الشعر في العصر العباسي في أزهى أيامه. ثم راح ينحدر قليلاً في العصور التالية، حتى إذا كان العصر العثماني كاد يلفظ أنفاسه.
    أما النثر الفني، والكتابة الأدبية، فقد بدأ انحدارهما منذ أيام العميد (ت360هـ) والصاحب بن عباد (ت385هـ) الذي كان يتساهل بضياع دولة ولا يتساهل بهروب سجعة من أسلوبه، والحريري (516هـ) الذي أشاع في مقاماته حب مطاردة السجع والجناس والزخارف في شتى صورها ليوقعها في شباك كتابته، حتى لا تند منه سانحة أو بارحة. ويقتفي الخطيب الحصكفي (ت551هـ) خطا أرباب التعقيد والتصنع واصطياد المحسنات اللفظية أو المعنوية من الذين سبقوه زماناً، فإذا هو يبذهم ويخرج إلى الناس برسائل وخطب ليس فيها إلا هذه القشور، أما اللباب والمعاني المبتكرة والأفكار المبدعة فلا وجود لها ولا أثر.
    فنون النثر
    مجالات النثر كثيرة، ولعلها أرحب مما هي في الشعر وأوسع دائرة وأكثر حرية، وبالنثر يستطيع الإنسان التعبير عما يريد بيسر وسهولة أكثر من الشعر المنظوم الموزون. وحصراً لمجالات النثر يمكن القول: إنها تدور في: رسائل وكتابات ديوانية رسمية، ورسائل ومكاتبات إخوانية، ومقامات أدبية، وخطب منبرية، ومؤلفات علمية. ويمكن القول كذلك: إن معظم الكتابات الديوانية، والرسائل الإخوانية، والمقامات الأدبية، والخطب المنبرية، طبعت بطابع العصر الذي كتبت فيه، وحملت سماته وصفاته، من كلفة وتصنع مقبول، إلى كلفة وتصنع ومبالغة في اصطياد المحسنات البديعية على حساب المعنى، سواء أكتبت تلك الآثار في العصر الأيوبي أم المملوكي أم العثماني. وإن في تقليب آثار هذه العهود شاهداً على هذا الحكم.
    أما المؤلفات العلمية، فإن أكثرها ما كان يعبأ بتلك المحسنات، لأنها تبعد القارئ عن فهم المراد من المعنى، وعن الوقوف على دقائق الأمور التي يتحدث الكاتب المؤلف عنها.
    وأنه لمن العسير في هذا المقام استعراض أسلوب كل مؤلفات هذه الحقبة وقد تجاوزت الآلاف عدداً، والمئات علوماً وفروعاً. وقد عوض مؤلفوها المكتبة العربية التي نهب الصليبيون كثيراً منها، ثم أحرق المغول ما تبقى فيها، وضاع منها ما ضاع بفعل الكوارث والخلافات الفكرية والمذهبية، كما أن هذه الحقبة تعد أغنى حقبة في الحركة التأليفية في العصور العربية.
    لقد ضاع أكثر الأصول التي نقلوا منها واعتمدوا عليها، ولم يبق إلا ما تركه أبناء هذه العصور، وخير مثل على ذلك تلك الأصول التي اعتمد عليها ابن منظور (ت711هـ) أو جلال الدين السيوطي (ت911هـ) أو مؤلفو الموسوعات كالقلقشندي (ت 821هـ) في مؤلفه «صبح الأعشى» أو العمري (ت748هـ) في «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار»، أو النويري (ت732هـ) في «نهاية الأرب في فنون الأدب»، وغير ذلك كثير. ويكفي القول إن كتاب حاجي خليفة «كشف الظنون» وحده، ذكر أسماء ثلاثمئة علم، في خمسة عشر ألف كتاب، ألفها عشرة آلاف عالم، معظمهم كان من أبناء هذه العصور.
    خصائص النثر وأعلامه
    كان من أشهر العلماء والكتاب الذين عاشوا في العصر الأيوبي والمملوكي القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني (ت596هـ) والعماد الأصبهاني (ت597هـ) وكلاهما كتب للأيوبيين، وإن كان القاضي الفاضل قبل ذلك قد كتب للفاطميين بمصر في ديوان الإنشاء. وقد تآلف هذان الرجلان في حياتهما وعقدت الصداقة بينهما أواصر المحبة، وقد تآلفا كذلك في أسلوبهما الأدبي، حتى لكأن هذا ذاك، وكتابة ذاك هي كتابة هذا. وربما جاز القول: إن القاضي والعماد طبعا العصر الأيوبي والمملوكي بطابعيهما، وكانا المثل الأعلى لكل كتّاب العصر الذي تلا. لقد ورثا من العصور السابقة، ولاسيما العصر العباسي، ما تواضع عليه أكابر الكتّاب كابن العميد والصاحب والحريري والمعري (ت449هـ) والتبريزي (ت502هـ) والحصكفي من تكلف وتصنع وتعقيد واصطياد للسجع أو الجناس أو غير ذلك من هذه الألوان البديعية، ثم زادا على ما ورثا ما أبدعته قريحة كل منهما: فبلغ الجناس المعكوس،على أيديهما، ذروته، ومالا يستحيل بالانعكاس يكثر ويتعاظم، والتلاعب اللفظي يعم ويطغى. إلى جانب ذلك كله كانت ترى بعض التعابير الرشيقة، والصور اللطيفة، وبعض الكتابات الخفيفة الظل، مما يشهد لهما بحسن الذوق ودقة الصناعة والقدرة على اجتذاب القارئ. وظلت مدرسة الرجلين في الأسلوب قائمة في عصر المماليك، وكان ديوان الإنشاء أكبر حافز لشداة الجاه والرزق والشهرة والوزارة والقرب من السلطان، وكان القلقشندي المعين الأكبر لهؤلاء الطلبة على معرفة ما يوجبه الانتساب إلى ديوان الإنشاء من علوم ومعارف وأساليب. وكان كتابه «صبح الأعشى في صناعة الإنشا» خير دليل على هذه المواصفات.
    وقد برز في هذا العصر صوت شاذ يحارب طريقة القاضي الفاضل والعماد الكاتب وينعى على المتكلفين طريقتهم، ويقف في وجه هذه الأساليب، ذلك هو صوت ضياء الدين بن الأثير الجزري (ت637هـ) ولاسيما في كتابه «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر»، وقد امتازت كتابته هو ممن ذكروا بالتجديد، وكانت أفكاره في كتابه المذكور ثورة في الإنشاء الأدبي في عصره، إذ خالف الأساليب المتبعة وحمل على أصحابها، ولدى التدقيق في أسلوب ابن الأثير يتضح اعتماده في شتى كتاباته العامة والخاصة والإخوانية والديوانية الرسمية أو التأليفية على أسلوبين اثنين: أسلوب مسجع، وأسلوب مطلق. أما السجع فغلب على نثره الديواني، وهو كتاب في الديوان، وعلى نثره الإخواني. وأما المطلق فقد استخدمه في تصانيفه، ولاسيما في «المثل السائر»، وفيه ابتعد عن السجع واللعب بالعبارات والإكثار من المحسنات اللفظية. لقد وظّف ابن الأثير الألفاظ في خدمة المعاني، وأتى بآراء جديدة، تكاد تكون اليوم معتمدة وأساسية لدى معظم النقاد المعاصرين، منها: أن السجع يكون مقبولاً إذا كان طبيعياً ومعتدلاً، وأن يكون فيه اللفظ تابعاً للمعنى، وأن غرائب الألفاظ تشين الكتابة الأدبية وينبغي تحاشيها، وأن الكلفة والتصنع في تأليف العبارة يوديان بقيمتها وأثرها. وفي الحق، إن ابن الأثير حاول أن يعدل بتلك الأساليب المنتشرة في ذلك العصر نحو الاتجاه السليم، لكن طغيان التقليد والتصنع جعل محاولته زوبعة في فنجان.
    أما في العصر العثماني، فقد سبق القول إن اللغة العربية انزوت في كتاتيب ومدارس صغيرة، وغدت اللغة الثالثة بعد التركية والفارسية، إضافة إلى إلغاء ديوان الإنشاء أصلاً، وإحلال اللغة التركية محل العربية، وعدم تشجيع السلاطين على العلم والأدب والإجادة في التعبير. وعم الفقر والجهل مختلف الربوع، مما أدى إلى تدهور الكتابة، بل تدهور العلم في شتى ألوانه وضروبه، اللهم إلا بعض قبسات مضيئة في هذا العصر القاتم.
    ويليه الرابع عشر ويبدا بعصر الأدب في الأندلس الغرّاء...ردّها الله إلى ديار الإسلام هي وغيرها مما أضعنا

  38. #38
    مشرف عام مجالس الادب و التاريخ - عضو مجلس الادارة
    تاريخ التسجيل
    30-08-2012
    العمر
    47
    المشاركات
    2,865

    افتراضي

    انظرني من حرفك انهل....سلمت أستاذي وسلمت اناملك

  39. #39
    مشرف عام المجالس الاسلامية - عضو مجلس الادارة - رحمه الله رحمة واسعة الصورة الرمزية م مخلد بن زيد بن حمدان
    تاريخ التسجيل
    07-04-2015
    الدولة
    الأردن
    المشاركات
    6,612

    افتراضي

    حياكم الله حبيبنا الغالي ابراهيم العثماني...كريم من كرام

  40. #40
    مراقب عام الموقع - عضو مجلس الادارة الصورة الرمزية الشريف ابوعمر الدويري
    تاريخ التسجيل
    12-01-2011
    الدولة
    الاردن - عمان
    المشاركات
    16,550

    افتراضي

    ونتابع عزفكم الجميل !!
    أسمعنا واطربنا ... وسولف !!!
    رحم الله والديك

صفحة 1 من 4 1 2 3 4 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. البروفسور د.مختار الغوث - نهضة الأدب العربي الحديث بدأت من بلاد شنقيط
    بواسطة عباد الصيمري المنج في المنتدى منتدى جغرافية البلدان و السكان
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-01-2017, 02:02 PM
  2. وقفة مع أحد روّاد الأدب العربي- م. مخلد بن زيد
    بواسطة م مخلد بن زيد بن حمدان في المنتدى مجلس الادباء العرب ( المستطرف من كل فن مستظرف )
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-02-2016, 03:42 PM
  3. كيفية الكتابة- تعليم وتدريب- مشرفوا مجالس الأدب العربي "اللغة العربية"
    بواسطة م مخلد بن زيد بن حمدان في المنتدى مجلس لغتنا الجميلة
    مشاركات: 23
    آخر مشاركة: 27-12-2015, 09:54 AM
  4. الأدب العربي.... وسيلة دعوية
    بواسطة محمد صلاح في المنتدى قهوة الحرافيش .اوتار القلوب
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 14-09-2010, 07:13 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
MidPostAds By Yankee Fashion Forum