نمر.. اخر ملوك شندي

وعدت القراء بالسعي إلى استدعاء سيرة المك نمر إلى دائرة الضوء بعد أن غشيتها عتمة ولغط كثير حول هذه الشخصية السودانية التي لا نعرف عنها إلا حريقه لود الباشا (إسماعين) وهجرته إلى الحبشة. وعثرت على سيرته بنفس عنوان المقال في ما أسميه (المجلة الكنز).. السودان في مدونات Sudan notes ans records بقلم E.A Robinson.
لا زال الجدال قائماً حول موقف المك ويعتبره البعض من المسكوت عنه ويرى فيه الكثيرون رمزاً قومياً يجسد البطولة مثل مهيرة وعزة الخليل وعبد اللطيف الماظ.
سأغني لك يا وطني
ومثلما صدحت مهيرة
تلهم الأجيال... جيلاً بعد جيل
ونغني (لحريق المك) في قلب الدخيل
للجسارة... حينما استشهد في مدفعه عبد الفضيل
وذكرت في إحدى يومياتي بالعدد الاسبوعي عن رحلة اقتفيت فيها أثر رحلة المك من شندي حتى (المتمة) و(غبته) في منطقة الاريحو عبر سهل البطانة ومضارب الشكرية والحسانية وتومات ود زايد على ضفاف ملتقى السيتيت مع الاتبراوي بالقرب من الشواك.. لم اقترب من (أصله وفصله) كما يقولون وها آنذا أكتب كما ذكرت مترجماً (بتصرف): كان نمر آخر ملوك الجعليين الذين تحكروا على صهوة قيادة القبيلة، فهو سليل أسرة بزغ نجمها في عهد سعد أب دبوس في القرن السادس عشر، شهدت تلك الفترة إنقساماً حاداً بين عرب الشمال واولئك الذين أقاموا في منطقة ملتقى النهرين الأزرق والأبيض.
والده محمد ود نمر ود المك عبد السلام ملك شندي الرابع في سلسلة ملوك الجعليين. وينتمي عبد السلام (الملك) إلى أسرة ود عجيب. تزوج نمر الكبير جد الملك نمر من بت برة Bint Burra بت الملك إدريس (حفيد المك عبد السلام) وبت بره هي شقيقة المك سعد ود ادريس. لم يعش المك نمر الكبير بشندي ولم يكن حاكماً على منطقة الجعليين ولكنه عرف بأنه كبير القوم وزعيم عشيرة النافعاب. وهم (خشم بيت) ذو ارتباط وثيق بنافعاب أبو دليق وكان المك نمر الكبيرثريا ذا بسطة في الرزق والزرع والضرع.
لم يكن المك سعد ملك شندي أخاً شقيقاً لنمر الكبير ولكنه كان الابن البكر للمك إدريس إذ توفى الوريث الشرعي قبل وفاة المك إدريس وكان وقتها ابنه الفحل ود إدريس قاصراً فتم تعيين عمه سعد ملكاً من قبل وزراء الهمج الذين كانوا يحكمون السيطرة على مفاصل الدولة آنذاك.
والدة إدريس ود الفحل هي شقيقة محمد الأمين ود عجيب وقد ذكر الرحالة «بروس» أنه التقى ثلاثتهم عام 1772م خلال رحلته الشهيرة من بلاد النجاشي إلى مصر عبر حاضرة سنار وأعمالها مروراً بشندي وبربر.
بعد استيلاء الهمج على سنار جاء نصر ود الأمين بالتعيين شيخاً على جبل قري خلفاً لعبد الله وكان طموح الهمج ابعد من الجبل الذي يقع بالقرب من جندل السبلوكة على النيل الكبير، بل وكان طموحهم شندي نفسها باعتبارها سوقاً كبيراً في المنطقة وأهم حاضرة في (دار الأبواب).
أعد سكان شندي أنفسهم للحرب وشحذوا سيوفهم ونبالهم واسرجوا خيولهم استعداداً (لأم لهيب) التي باتت وشيكة بعد أن اقتربت سنابك خيول الهمج على مشارف ود بانقا وشندي يقودهم عدلان.
بعث عدلان برسالتين لكل من المك محمد والمك سعد ينذرهما بالحرب ويغريهما بالوعود البراقة في حالة التحالف معه منها منصب ملك الجعليين في شندي ثمناً لهذا التحالف.
استطاع ان يغري محمد الذي تحالف معه لعدة سنوات ووجد المؤرخون له عذراً في سلوكه ذاك، إذ كان صبياً لم يشب عن الطوق، قليل الدراية والتجاريب، أما الملك سعد فقد كان له موقف مغاير تماماً عن رغبة الهمج وكان حريصاً على وصايته على أبناء أخيه (محمد) الصبي (نمر) واخوته وكان رد فعل الهمج على موقف سعد بأن وضعوه تحت الحبس ومعه وصيه وأهله وعشيرته رهائن ولكنه استطاع الهروب إلى شندي واصطحب معه عائلاته وواصل هروبه الى ابو دليق يرافقه الصبي (نمر) ويدعمهما مؤيدو محمد ود أمين من (النمراب).
أجيز المك سعد من قبل الهمج معاوناً لملوك الجعليين ووجد القرار قبولاً من سكان شندي وقفل جيش الهمج عائداً إلى سنار مصطحباً الأسرى والسجناء ولكن المك محمد فارق الحياة قبل أن تطأ قدماه أرض (المحروسة) (الخربانة من يوما) والتي شهدت تصفية الأسرى في مذبحة مشهودة. أما المك إدريس فقد (فدته) أمه بثلاثمائة وقية من الذهب مقابل إطلاق سراحه ونيل الحرية.
عاش سعد والفتى (نمر) بين البطاحين لبعض الوقت وكان سعد خير وصي ومرب وحارس ورقيب لابن أخيه (نمر) وظل سعد وفياً للفتى الذي أوفاه حقه بعد ذلك وجعله وزيراً وقائداً لجيش الجعليين حسب تقاليد وأعراف المنطقة.تزوج (نمر) لاحقاً من البطاحين وهي الزيجة الثانية بعد زوجته الأولى (شامة) وهي ابنة فارس الشكرية (عمارة ود دكين) وأنجب منها محمد (أحمد) عمارة، عمر وخالد الوريث الذي عرف من (النمراب).
لم يوقف البطاحين غاراتهم في المنطقة بل استهدفوا منطقة شندي، وفي إحدى المناسبات الاجتماعية غاروا على شندي وقاموا بسرقة بعض المواشي من ... واجبرهم فقام المك سعد بمطاردتهم لاسترداد الماشية التي نهبوها بل زاد على ذلك تعويض مالياً دفعوه مرغمين.
استوطن الجعليون جانبي نهر النيل وبلغ تعدادهم مطلع القرن التاسع عشر ثلاثين ألف نسمة وسكن عاصمتهم شندي حوالي12 الف نسمة.
وفي عام 1802 واثناء توغل جيش الهمج في براري كردفان هاجم النمراب والبطاحين شندي وتم طردهم من المدينة الى وادي العواتيب في المكان الذي هوجموا فيه من قبل السعداب وبعد ان خسر الجانبان الكثير من الأرواح واعتباراً لصلة القرابة بينهم نجح الشيخ المجذوب في الوساطة بينهم وكان أن تحرك السعداب باتجاه النهر إلى المتمة.
وهناك أسس الملك سعد لنفسه ملكاً في المتمة مع أهله السعداب واحتل المك نمر شندي والجزء الشرقي من النيل وانفصلت الدامر تحت حكم الشيخ المجذوب وأصبحت مركزاً رئيسياً للتعليم لقبائل الجعليين والشايقية والحسانية الخ..

بقلم احمد طه


klv>> hov lg,; ak]d