قراءة لربوع الأنصار في المدينة المنورة

لك يا منازلَ المدينة في القلوب منازلُ
د. تنيضب الفايدي
والموضوع لا يتناول تاريخ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الحجرات الشريفة، ولا الأماكن التي ارتبطت بنزول الوحي أو ورود حديث شريف، أو مكان مبيت، أو مقيل للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما الموضوع: قراءة لربوع الأنصار ومنازلهم تعيد للأذهان موقفهم المشرف من الحبيب صلى الله عليه وسلم فصارت مدينتهم باستقبالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مأرز الإيمان، ومهاجر النبي ومضجعه، وعاصمة الإسلام الأولى، ومنطلق النور الذي أتى به صلى الله عليه وسلم لتستنير به الأرواح والقلوب. والأنصار بـ (أوسهم، وخزرجهم) أحبهم صلى الله عليه وسلم وأكرمهم ووصلهم وبادلوه الحب ورضوا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً وحظاً، ويا له من قسم وحظ عظيم ذلك الذي ارتضوه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورهم في مواقعهم ويصلي في مساجدهم أو في منازلهم، ويؤدي بقاء كل قبيلة من قبائل الأنصار أو بطن من بطونها في مكانها إلى تلاحم أسر القبيلة، وإلى صلة الرحم، وإلى تعليم جاهلهم، ومساعدة فقيرهم، ومشاركة أعضاء القبيلة بعضهم لبعض في السراء والضراء ولقد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه القبائل على البقاء في مواقعها، وعدم مغادرتها، بل وطلب منهم ذلك فقد روى جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: (خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد، قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك، فقال: يا بني سلمة، دياركم تكتب آثاركم. دياركم تكتب آثاركم) رواه مسلم.

وما ذكر في هذا المقال من أسماء بعض قبائل الأنصار رضي الله عنهم وأماكنهم وما أتى بعدها من أحوشة (جمع حوش) أو أزقة تعتبر (رموزاً) يعشقها الجميع، كما أنها ترسيخ لحب الوطن ولها دلالات تربوية لأبنائنا وبناتنا.
مساكن الأنصار:
تحتضن المدينةَ المنورة حرتان، الحرة الشرقية (حرة واقم) والحرة الغربية (حرة الوبرة) وتلتقي هاتان الحرتان مع عدة حرار جنوب المدينة المنورة وهي: حرة بياضة في الجنوب الغربي، وحرة شوران في الجنوب وحرة قريظة في الجنوب الشرقي وقديماً كان دخول المدينة المنورة عن طريق الشمال وقد سكنت قبائل الأنصار في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في أطراف الحرتين مما يلي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم حيث سكنت قبائل الخزرج في أطراف الحرة الغربية شرقاً أي غرب وجنوب المسجد النبوي، ويبتعد بعضها ويقترب الآخر من المسجد ومن قبائل الخزرج: بنو سلمة وقد سكنوا في نهاية الحرة الغربية شمالاً ويوجد بموقعهم حالياً مسجد القبلتين، وهو في الأصل مسجدهم، وسكن بنو حرام أي: (معصومو الدماء والأموال والأعراض)، وهم فرع من بني سلمة في سفح جبل سلع الغربي، ويوجد حالياً مسجدهم (مسجد جابر بن عبدالله رضي الله عنه)، بنو دينار، ومسكنهم في (المغيسلة) حالياً حيث مسجدهم (مسجد بني دينار)، بنو عوف وهم أقرب إلى مسجد قباء، وفي منازلهم مسجد الجمعة حالياً، (حيث صليت أول جمعة في الإسلام)، بنو زريق وهم أقرب إلى مسجد قباء، بنو ساعدة وسكنهم غرب المسجد النبوي، حيث سقيفة بني ساعدة حالياً، بنو خدرة ومنهم (أبو سعيد الخدري رضي الله عنه)، وسكنهم جنوب المسجد النبوي.
أما قبائل الأوس فتسكن في الأطراف الغربية للحرة الشرقية (حرة واقم) مما يلي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قبائل الأوس بنو خطمة، بنو أنيف، بنو عامر، بنو ظفر، بنو معاوية، وهم بطن من الأوس، ولهم مسجد (مسجد بني معاوية) أو مسجد الإجابة حالياً. يليهم بنو عبد الأشهل، وبنو حارثة في الأطراف الشمالية للحرة الشرقية.
مساكن العقيق:
يعتبر العقيق من أشهر أودية المدينة المنورة والتي منها: (وادي بطحان، وادي الرانوناء، وادي شظاه، وادي قناة، وادي مهزور، وادي إضم)، وقد عمرت جوانبه بالدور الأنيقة والقصور الفخمة، بل وأصبح لكل دارة أو قصر تاريخ وامتاز وادي العقيق بجوه اللطيف، وبهوائه العليل، وأشجاره الباسقة، وتربته الصافية مما يولد في النفس الابتهاج والفرح لذلك تحدث عنه الشعراء والأدباء، وقد سكن من العصر الأول للإسلام وبقيت بعض آثار القصور إلى وقت قريب وتم الوقوف على بعضها من قبل كاتب المقال مراراً، ومنها: قصر عروة بن الزبير، قصر سعيد بن العاص، قصر عنبسة بن عمر بن عثمان، وقصر عاصم بن عمرو، وجزء من غرف هذه القصور مخصص للخيل (اسطبلات) وغرف لمن يخدمها، مشابه لمآرب (مواقف) السيارات حالياً في الفلل الكبيرة.
وقد أحيطت المدينة المنورة قديماً بجميع أحيائها بسور يوفر الأمن والحماية من هجمات الأعداء وأول سور كان عام 263ه وجدد عام 540ه ثم عمل سور أكبر من الأول مساحة وارتفاعاً عام 946ه ثم بدأت تخرج. بعض الحارات الأحوشة
ويقصد ب (الحوش) في المدينة المنورة: مجموعة من المنازل تحيط بساحة (باحة) واسعة لها مدخل له باب يمكن التحكم به بفتحة أو غلقه، وقد استمر استخدام الأحواش حتى عام 1411ه حيث أزيلت تلك الأحواش وأول ما ذكر نظام الأحواش قبل أكثر من مائة عام أي عام 1303ه.
وقد تم رصد مجموعة من أسماء الأحوشة والأزقة عام (1394ه) ومنها: أحوشة شارع زقاق الطيار: حوش درج، حوش خير الله، حوش الوقف، حوش وردة، حوش هتيم، حوش شلبية، حوش شلبي، حوش السمان، حوش سكر، حوش مسعود.
وهناك أحوشة باب الكومة (شمال زقاق الطيار) ومنها: حوش خميس، حوش الرشيدي، حوش السيد، حوش القائد، حوش كرباش.
وأيضاً أحوشة العريضية، جنوب زقاق الطيار، حوش القشاشي، حوش ميرمة، وحوش أبو شوشة.
وإذا انتهى شارع زقاق الطيار يأتي السيح غربه، وشارع العنبرية في جنوبه الغربي ومن أحوشته: حوش العبيد، حوش أبو ذراع، حوش الراعي (وهذه شمال شارع العنبرية)، أما في جنوب شارع العنبرية وغربه فهناك حوش عميرة، حوش مناع، حوش الخياري، حوش أبو جنب، حوش الجوهري.
وهناك مجموعة من الأحوشة في شارع الجنائز جنوب الحرم الشريف مثل: حوش دولات، وحوش الفقيه، حوش النورة، إضافة إلى أحواش في بداية شارع العوالي مثل: حوش الشريف، حوش المغربي، حوش الصعيدية.
وشارع الساحة أقرب إلى الحرم النبوي الشريف من جهة الشمال الغربي، ومن أحوشته حوش التكارنة، حوش فواز، حوش الجمال، حوش رماد، حوش الشامي.
وفي الجنوب والجنوب الغربي للحرم الشريف توجد عدة أحوشة مثل: حوش التاجوري، وحوش التاجورية وحوش محمود، وحوش المحمودية، وحوش منصور.
والزقاق (مصطلح في المدينة المنورة وبعض المدن الأخرى ولا سيما في الحجاز): عبارة عن شارع وعادة يكون ضيقاً والأزقة كثيرة جداً في المدينة المنورة قبل أكثر من ثلاثين عاماً حيث تقع المباني ذات الطوابق المتعددة على الجانبين وتضيق بعض الأزقة لدرجة أنها لا تسمح بالمرور إلا لشخص واحد لذلك تتبادل الجارة الحديث مع جارتها وكل واحدة منهما في بيتها، وإذا ما تم استثناء شوارع المدينة وهي شارع العينية وشارع سويقة، الساحة، شارع السحيمي، شارع العنبرية، شارع القشاشي، شارع السيح، شارع باب الكومة، شارع الحماطة، وما تبقى من شوارع المدينة تعتبر أزقة آنذاك مثل: زقاق الخزنة، زقاق الحبس، زقاق الطوال، زقاق الخياطين، زقاق سقيفة الرصاص، أزقة (سيدي مالك) عشرات الأزقة الأخرى ولا سيما في حارات: الأغوات والساحة، والمناخة.
هذه بعض مواقع منازل سكنها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم أجمعين وتشرفت بالخطوات المباركة عند زيارته صلى الله عليه وسلم لهم، تشتاق إليها وأنت فيها:
ومن عجب أني أحنّ إليهمُ
وأسأل عنهم من لقيتُ وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها
ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي



rvhxm gvf,u hgHkwhv td hgl]dkm hglk,vm