أميرة محمد محمد محمد
كنا نتوقع هذا الكلام الذي يُثار الآن ، حين نحيي ذكرى الأندلس من باب “حتى لا تكون بلادنا المحتلة أندلسات أخرى و ليس من باب اللطم و الصراخ و النواح على ماض انتهى” ، أن يخرج علينا بعض ممن يعرفون عن الأندلس أنها إسبانيا بلد برشلونة و ريال مدريد ، ليتهمونا بإحياء ذكرى الاحتلال العربي لبلد أوروبية و أننا هكذا لا نختلف عمن يحيون ذكرى احتلال اليهود لفلسطين ،،
قبل أن نتحدث عن الاحتلال نفسه يجب أن نذكر نبذة صغيرة عن الأندلس قبل الاحتلال الإسلامي المزعوم لها :
كان يحكم الأندلس قبل المسلمين ، القوط الغربيين ، و هؤلاء كانوا يُعتبرون بالنسبة لباقي أوروبا ، الهمج البرابرة الذين أدوا في النهاية لسقوط روما ،
كانت الصراعات لا تكف بين الرومان”الكاثوليك” و بين هؤلاء القوط الغربيين “المنتمين لديانة اسمها المسيحية الأريانية التي كانت أقرب للتوحيد و لا تؤمن بألوهية المسيح و انما تعتبره فقط نبي مرسل و ليس ابن اله أو إله” ،،
و قد تحولوا إلى الكاثوليكية قسرا حين وصل إلى الحكم ملك يسعى لعمل بعض المعاهدات مع الدولة الرومانية ، و لكن ظل كثير منهم على ديانتهم الأصلية و هذا الذي سهل دخولهم الإسلام فيما بعد”
ثم حين جاء الإسلام و وصلت الجيوش المسلمة إلى المغرب العربي ، لم يكن رودريك “لذريق” ملك القوط الغربيين بغافل عن خطورة وصول المسلمين إلى مشارف دولته ، و بدأت الحرب بينه و بين المسلمين و كان من الطبيعي أن ينتصر المسلمين ، ليس فقط لأنهم كانوا الأقوى حينها ، و لكن لأن المجتمع القوطي في الأندلس لم يكن يمتلك أي مقومات البقاء ، فما بين صراعات لا تنتهي مع باقي الدول الأوروبية من الذين يحتقرون القوط و قبائلهم المتخلفة ، و ما بين صراعات داخلية في الدولة نفسها و عدم وجود أي نظام اجتماعي عادل يحكم كل طبقات الشعب ،،
ثم دخل المسلمون الأندلس و بدأ الاحتلال كما يزعم البعض :
و من القراءات المتواضعة في تاريخ الأمم و مسارات الحروب ،
هذه أول مرة أرى احتلالا يبني حضارة في أرض غريبة عن طريق سكانها الأصليين بعد أن يعرض عليهم الدخول في دين جديد فإن لم يدخلوا لا يُبادوا و لا يُعذبوا و لا يُطردوا و إنما يظلوا في بيوتهم و دور عبادتهم معززين مكرمين مشاركين في الحضارة التي تضمن كل المتواجدين على رقعة هذه الأرض بالمرجعية التي تحكم ،،
لا يوجد احتلال يتعامل مع السكان الأصلبيين بعقلية البناء و الحرث ، بأنهم نفوس تحتاج أن تهتدي لهذه العقيدة التي يراها هؤلاء المحتلين حقا و صدقا ، فإن لم يقبلوا الهداية لا يتم حبسهم في سجون مظلمة و لا ترويعهم بالات تعذيب مرعبة و لا اضطهادهم كي ينضموا لهذه العقيدة قسريا ،،
لا يوجد احتلال يتعامل مع السكان الأصليين للبلد التي يتم احتلالها بعقلية التنمية و الاستهداف لزيادة المجهود الدعوي ، لا عقلية الترانسفير “transfer” التي تعاملت بها كل قوي الاحتلال الحداثية ، و التي تفترض أن السكان الأصليين مجرد مادة استعمالية يمكن نقلهم من مكانها و حشرهم في مكان حقير اخر ، كي تخلو الأرض الجديدة لهؤلاء المحتلين فيبنوا حضارتهم العظيمة التي لا تحتمل وجود أجناس أخرى متخلفة همجية تعكر عليهم صفو تقدمهم الا نهائي ،،
لا يوجد احتلال ، لا يساوم أهل الأراضي المستهدة على قوت يومهم تبعا لنظرية ، النفط مقابل الغذاء ، أو الأكل مقابل التنصير ، أو التعليم و العمل مقابل تشويه الهوية و المعتقدات ،،
لا يوجد احتلال يقبل بتواجد كل الأديان على أرضه ، مندمجين في ثقافته ، يستفيدون من علمه ، مخرجين منتوجهم الإنساني مزين بالإطار العريض لهذه الحضارة الجامعة ،،
لا يوجد احتلال ، يعامل أهل البلاد التي يحتلها على أنهم أصحاب الأرض و أن الوافدين عليهم ضيوف في المكان ، متآخين في العقيدة ، و بالتالي ، ربما يكون الحكم السياسي للمنتصر في المعركة لكن البقاء على الأرض يشمل المهزوم و المنتصر على السواء ،،
إذا أردتم أن تقرأوا عن الاحتلال فلتقرأوا عما فعلته أوروبا بالهنود الحمر ، بإبادتهم إبادة تامة ببطانيات الجدري و بسلخ رؤوسهم للاستفادة من شعورهم لتصنيع باروكات شعر النساء الأوروبيات ،،
اقرأوا عما فعلته ايطاليا بليبيا و فرنسا بالجزائر و انجلترا بمصر و السودان ،،
اقرأوا عما فعلته أمريكا بفتنام و باقي البلاد العربية ،،
و أيضا عن الفلسفات الامبريالية الحداثية مثل الصهيونية و عقلية الابادة التي تتحرك فيها بين الدول المتخلفة …
……………………………………………….
ثم إذا افترضنا رغم كل هذا أن المسلمين كانوا يمثلون احتلالا فعليا ، فهل الأندلس حين سقطت عادت لأهلها الأصليين ؟! ،
هل القوط الغربيين هم من حكموا الأندلس حين ذهب منها المسلمون ؟
أم أن أعداء القوط ، من الكاثوليك هم من حكموا الأندلس ؟
أي أنه لو كان هناك من سيعتبر المسلمين حضارة متطفلة على الأندس فبالتأكيد الكاثوليك المتعصبيين هم حكم دموي أكثر تطفلا على الأندلس ،
يعني الحجة القائلة بأن الأندلس عادت إلى أهلها هي حجة باطلة من الأساس ، فالأندلس عادت لاحتلال أشد قسوة و عنفا و تعصبا ،
لذلك من الطبيعي ألا ننسى أيامنا هناك ، فعلى الأقل نحن قدمنا هناك حضارة ، و نموذج يُحتذى به في التعايش بين كل الأديان و الأفكار و ثقافة علمية رائدة ، و ليس محاكم تفتيش و قتل على الهوية و تنصير قسري و حكم ديني جاهلي لا يرحم و لا يحترم أحدا …
ملحوظة هامة : نحن لا نذكر الأندلس من منطلق حب تعذيب الذات و البكاء على الأطلال ، و إنما لأمرين مهمين :
أولا : من يتهمون الإسلام بأنه يؤدي لحكم ديني متعصبة و يصمون كل من ينادي بتحكيم الشرع بأنه سيعيدنا للعصور الوسطى ، نحن نعطيه مثالا لما كانت عليه هذه العصور الوسطى عند المسلمين ، و نعطيه أيضا أمثلة لمعنى الحكم الديني الذي أنهى حكم المسلمين ،،
ثانيا : نظرا لأن ثلاث أرباع بلادنا هي تحت الاحتلال الفعلي و الباقي تحت الاحتلال الصوري ، فمن المهم أن نذكر نكبتنا في الأندلس من باب “حتى لا تكون باقي بلداننا أندلسا أخرى” ،
من يترك فلسطين تضيع و العراق تُحتل و سوريا تُنتهك و أفغانستان تُضرب و باكستان تُستباح و الشيشان تُذبح ، ليس له أن يبكي أندلسا راحت ،،
و من لا يحتمل النقد و لا يعرف كيف يقيم حضارة الإسلام التي تحترم الاجتهادات و تنوع الأفكار ليس له أن يبكي حضارة سقطت ،،
كيفما تكونوا تصير أيامكم !
أميرة محمد محمد محمد
المصدر: ..ٌ::ٌ:: النسابون العرب ::ٌ::ٌ.. - من قسم: تاريخ الاندلس2013 plgm Ypdhx hgHk]gs hgehgem
مواقع النشر (المفضلة)