إشارة وإضاءة (1)
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ [ الحجر : 75 ] ، والمتوسِّمون هم المتفكرون المعتبرون الذين يتوسمون في الأشياء ويتفكرون فيها ويعتبرون ، ويدققون نظرهم حتى يعرفوا حقيقة الشيء بسمته.
قال العلماء : التوسُّم من الوسم وهي العلامة التي يُستدل بها ؛ يُقال : توسمت فيه الخير إذا رأيت ملامح ذلك فيه ، ومنه قول عبد الله بن رواحة للنبي صلى الله عليه وسلم :
إني توسَّمت فيك الخير أعرفه ... والله يعلم أني ثابت البصر
واتسم الرجل إذا جعل لنفسه علامة يُعرف بها ، والواسم : الناظر إليك من فوقك إلى قدمك ، وأصل التوسم التثبت والتفكر مأخوذ من الوسم ، وهو التأثير بحديدة محمى عليها في جلد البعير وغيره.
والإشارة ﴿ فِي ذَلِكَ ﴾ إلى جميع ما تضمنته القصة التي بدأت بقوله تعالى ﴿ وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ ، ففيها من التّوسّم ما فيها...وفيها من الفراسة ما فيها...
للفراسة رجالها
ولا تكون الفراسة إلا بتفريغ القلب من هَمّ الدنيا ، وتطهيره من أدناس المعاصي وكدورة الأخلاق وفضول المباحات ، وعندها يجري على مرآة القلب كل حق لا خيال ، لأنه تقلب بين آيات الحق وأنوار الطاعات فانهالت عليه الفيوضات والإشراقات ، ومثل ذلك قول ابن عباس رضي الله عنه : ما سألني أحد عن شيء إلا عرفت أفقيه هو أو غير فقيه.
وما رُوِي عن الشافعي ومحمد بن الحسن أنهما كانا بفناء الكعبة ورجل على باب المسجد فقال أحدهما : أراه نجارا ، وقال الآخر : بل حدادا ، فتبادر من حضر إلى الرجل فسأله فقال : كنت نجارا وأنا اليوم حداد!!
ورُوي عن جندب بن عبد الله البجلي أنه أتى على رجل يقرأ القرآن فوقف فقال : من سمَّع سمَّع الله به ومن راءى راءى الله به ، فقلنا له : كأنك عرَّضت بهذا الرجل ، فقال : إن هذا يقرأ عليك القرآن اليوم ويخرج غدا حروريا ؛ فكان رأس الحرورية واسمه مرداس.
ورُوِي عن الحسن البصري أنه دخل عليه عمرو بن عبيد فقال : هذا سيد فتيان البصرة إن لم يُحدِث ، فكان من أمره من القدَر ما كان حتى هجره عامة إخوانه.
وقال لأيوب : هذا سيد فتيان أهل البصرة ولم يستثن.
ورُوِى عن الشعبي أنه قال لداود الأزدي وهو يماريه : إنك لا تموت حتى تُكوى في رأسك وكان كذلك.
ورُوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل عليه قوم من مذحج فيهم الأشتر فصعَّد فيه النظر وصوَّبه وقال : أيهم هذا؟ قالوا : مالك بن الحارث فقال : ما له قاتله الله! إني لأرى للمسلمين منه يوما عصيبا ، فكان منه في الفتنة ما كان بقتله السبط الحبيب الحسين رضي الله عنه وأرضاه..وقطع رأسه الشريف..
ورُوِي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه : أن أنس بن مالك دخل عليه وكان قد مرّ بالسوق ، فنظر إلى امرأة فلما نظر إليه قال عثمان : يدخل أحدكم علي وفي عينيه أثر الزني! فقال له أنس : أوحيا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقال : لا ! ولكن برهان وفراسة ، وصدق ، ومثله كثير من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين .
"Yahvm >>,Yqhxm>>"-l,q,u uhl
مواقع النشر (المفضلة)