القول الحصيف في موقع حصن ثقيف

لقد جاء في كتاب الطائف جغرافيته-تاريخه-أنساب قبائله تأليف الشيخ/محمد سعيد بن حسن آل كمال رحمه الله جمع وتعليق الأستاذ الدكتور/ سليمان بن صالح آل كمال من ص30 إلى ص33 ما نصه :

(والذي اعتقده وأرجحه أن الطائف القديم يشمل جميع هذا الطائف الحديث , وكان لثقيف ومن حالفهم من قريش وغيرهم كان لهم به مزارع متفرقة على جانبي الوادي هنا وهناك , وهذا مالا خلاف فيه (1) ,أما مكان حصنه الذي بنته ثقيف وحاصرهم الرسول صلى الله عليه وسلم فيه , وقرية سكناهم حين الحصار , فهو في نظري يشمل : هضبة باب الريع (2) -جبل ابن منديل (3) - هضبة القلعة (4) - وبعض ماكان يسمى قديما بقرية الهضبة , وبها اليوم مسجد الهادي وما يجاوره (5) , هذا هو في نظري أهم أجزاء االقرية والحصن وحصار النبي صلى الله عليه وسلم كان من الناحية الشمالية ثم ارتفع إلى موضع مسجده اليوم أي من الناحية الشرقية , وذلك للأمور الآتية:

أولاَ : أن ثقيفاً قد بنت حصنها لتأمن غارات المغيرين وهجمات المعتدين , ولتدافع عن نفسها وتحتمي به , وما كانت لتختار إلا موقعاً مرتفعاً مشرفاً على ما حوله , لتتمكن من صد أي غارة أو هجوم عليها , ومنطقة باب الريع شرقي محلة السلامة , هو الموقع الذي تتوفر فيه هذه الخصائص ولابد أنهم حفروا بداخل الحصن بئراً في سفح الجبل أو على الأراضي القريبة تمدهم بالماء وقت الحاجة .

ثانياً : ويؤيد ذلك ما جاء في كتب السيرة (6) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نازلاً حين حصار الطائف بوادي العقيق ولو كان الحصن على أرض أم نوبي وحوايا وقرية المشايخ وما جاورهما , لما وصلت سهام النبل من العقيق إلى الحصن ومن الحصن إلى العقيق ويحتمل أن يكون الحصن شمال القرية أي أن الحصن على جبل القلعة والقرية على جبل بن منديل لأنه لما أصيب ناس من المسلمين بجراح وقتل بعضهم , ارتفع إلى موضع مسجده الذي بالطائف اليوم , والحصن أكثر بعداً عن الجامع من القرية وهذا نص ما جاء في كتاب السيرة : (حتى إذا كان يوم الشدخه عند جدار الطائف دخل نفر من الصحابة تحت دبابة ثم زحفوا إلى جدار الطائف ليخترقوه , فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماه بالنار فخرجوا من تحتها فرمتهم ثقيف بالنبل فقتلوا فيهم رجالاً فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب ثقيف , فوقع الناس فيها يقطعون , فتقدم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة إلى الطائف فناديا ثقيفاً أن أمنونا حتى نكلمكم , فأمنوهما فدعوا نساء من قريش وبني كنانة ليخرجن إليهما وهما يخافان عليهما السباء فأبين فقال لهما ابن الأسود بن مسعود : ألا أدلكما على خير مما جئتما له ؟ إن مال بني الأسود بن مسعود حيث قد علمتما , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين الطائف نازلاً بواد يقال له العقيق (7) . إنه ليس بالطائف مال أبعد رشاءاً وأشد مؤونة ولا أبعد عمارة من مال بني الأسود , وأن محمد إن قطعه لم يعمر أبداً فكلماه فليأخذه لنفسه أو ليدعه لله والرحم , فإن بيننا وبينه مالا يجهل , فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه لهم .

فأنت ترى في هذا القول أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحاصر ثقيفاً وهو بالعقيق أو قرب العقيق ولاشك أن بينه وبين الحصن نحواً من مسافة رمي النبل , وربما كان محل مزارع بني الأسود هي في محل مزارع العقيق الآن .

ثالثاً : ومما يؤيد أن موقع حصن ثقيف وقربتهم هو مما ذكرنا ماقاله الهمذاني (8) ( وفي قبلة الطائف حائط أم المقتدر الذي يدعى سلامة ) ومعروف أن محلة السلامة التي سميت باسم الحائط تقع في قبلة باب الريع تماماً .

رابعاً : وربما تطورت هذه القرية وزيد فيها بعد الإسلام إلا أن أصلها على رأس الجبل الذي ذكرنا , فهذا خسرو (9) يقول لنا في القرن الخامس الهجري (....بلغنا الطائف يوم الاثنين الثاني والعشرين من ذي الحجة سنة 442هـ , والطائف ناحية على رأس جبل وقصبة الطائف مدينة صغيرة بها حصن محكم , وسوق وجامع صغيران , وبهما ماء جار وأشجار رمان وتين كثيرة , وبجوارها قبر عبد الله بن عباس , فقد بنى خلفاء بغداد هناك مسجداً كبيراً يقع القبر في زاويته , على يمين المحراب والمنبر , وبنى الناس هناك بيوتاً يسكنونها ) فإذا تأملت قوله : أن الطائف ناحية على رأس جبل به سوق وجامع صغيران جوار قبر عبد الله بن عباس لم يخالجك شك أن موقع الطائف القديم ومكان حصنه في الموضع الذي ذكرنا .

خامساً : أما ما جاء في تاريخ القارئ أن شهاراً سمي بشهار لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بشهر الأسحلة فيه , وأنه شرب من بئره فهذا لم أر أحداً ذكره من المؤرخين غير القارئ وهو متأخر .

نعم ان القول بأن الطائف القديم بساتين أم نوبي وما جاورها يتناقله الناس ولعل تناقلهم له من تاريخ القارئ (10) .

وأضيف إلى ما ذكره الشيخ محمد سعيد آل كمال رحمه الله أنه جاء في سنن أبي داوود جـ1 ص123, وابن ماجة جـ1 ص245, والذهبي سير أعلام النبلاء جـ15 ص505 , عن عثمان ابن أبي العاص الثثقفي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كان طواغيتهم .

ولا نجد في حوايا أو غيرها من ضواحي الطائف مساجد قديمة سوى مسجد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهذا دليل آخر إلى ما ذهبنا إليه , ثم عندما حاصر النبي عليه الصلاة والسلام الطائف أستشهد من الصحابة (11) رجلاً وتم دفنهم بجوار مسجد ابن عباس من الجهة الشرقية وقبورهم معروفة إلى يومنا هذا وتسمى حوطة الشهداء ومن المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام يدفن الشهداء في أرض المعركة وهذا دليل آخر على أن حصن ثقيف في هذا الموضع وليس في حوايا أو غيرها من الأماكن (11) .


hgr,g hgpwdt td l,ru pwk erdt