النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: سلسلة بنى الإسلام (1)

سلسلة بنى الإسلام (1) بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل

  1. #1
    مشرف مجالس العلوم الشرعية المتخصصة
    تاريخ التسجيل
    20-04-2010
    العمر
    66
    المشاركات
    842

    سلسلة بنى الإسلام (1)


    سلسلة بنى الإسلام (1)

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .

    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }[ آل عمران : 102]{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } [ النساء : 1]{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [ الأحزاب : 70-71 ]

    أما بعد، فان أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    إخوة الإسلام

    1- مقدمة حول مضمون كلمة بنى الإسلام .

    عن ابنِ عُمَرَ رضي اللّهُ عنهما قال: رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإِسلامُ عَلى خَمْسٍ: شَهادَةِ أَنْ لا إِلهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنَّ محمداً رسولُ اللّهِ، وَإقامِ الصلاةِ، وإِيتاءِ الزَّكاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضان» متفق عليه . [تكلمنا سابقا عن حديث النبى صلى الله عليه وسلم طوبى لمن هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع . { فراجعه } . وبينا أن سعادة الإنسان فى الدنيا والآخرة لن تكون إلا بالإسلام لذلك كان لزاما علينا أن نبين هذا الإسلام الذى تتحقق لنا به السعادة فى الدنيا والآخرة حتى يكون المسلم على بصيرة من دينه ويعبد ربه كما يحب الله عز وجل أن يُعبد لأن الإنسان ينبغى عليه أن لا يعبد الله على هواه لأن ربنا تبارك وتعالى أنزل القرآن وبعث الرسول حتى يخرج كل إنسان عن هواه لأن أبغض إله عبد فى الأرض الهوى قال ربنا تبارك وتعالى :

    أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا .

    وقال تعالى : أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ

    بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ

    فهذا الدين الذى بعث به النبى صلى الله عليه وسلم حتى يتجرد كل منا من هواه ويعبد الله وحده لا شريك له .

    فتأمل قوله صلى الله عليه وسلم وهو يقول { بنى الإسلام }[1] وكلام النبى صلى الله عليه وسلم فى غاية الأهمية لأنه كلام من لا ينطق عن الهوى فكل كلام النبى صلى الله عليه وسلم بوحى من الله تبارك وتعالىكما بين ربنا تبارك وتعالى { إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى }فحينما يقول النبى صلى الله عليه وسلم بنى الإسلام فعلينا أن ننتبه .

    بنى يعنى أن الإسلام مثل البناء فالذى يريد حقيقة الإسلام فى حياته كمثل الذى يريد بناء بيت حقيقى . فهناك فرق بين الكلام عن البناء والقيام بأعمال البناء كما أن هناك فرق بين كلام الدين والقيام بأعمال الدين . فكل بناء له قواعد وأساسات يبنى عليها وبدون هذه القواعد والأساسات لا يقوم البناء . فالإسلام كذلك له قواعد وأساسات ينبنى عليها وبدون هذه القواعد والأساسات لا يقوم الإسلام فى حياتنا . والبناء من أهم أوصافه الثبات فالبناء ثابت وراسخ ولا يزول ولا يتحرك من مكانه وذلك لثبات قواعده وأساساته وكلما كانت قواعد البناء وأساساته عميقة فى الأرض كان البناء فوق الأرض عاليا وشامخا وكان سبباً لسكون صاحبه وأمنه واطمئنانه وراحته . فنحن نريد أن تكون قواعد الإسلام وأساساته قوية وراسخة فى أعماق قلوبنا حتى يثبت عليها بناء الإسلام ولا يزول ويكون هذا البناء الإسلامى سبب لأمننا واطمئناننا وراحتنا .

    وحتى يكون البناء ثابتا وراسخا فعلى كل من يريد أن يبنى دارا فلابد له أن يستعين بأهل العلم والخبرة بهذا الأمر ليتحقق له مراده مهما كلفه ذلك . أما إذا استعان بمن ليس لهم علم ولاخبرة فى ذلك فإنهم يبنوا له بيتا يكون ضرره أكثر من نفعه . لأنه إنما بنى بيتا حتى يحتمى به من حر الشمس ومن برد الشتاء ومن السباع والهوام والعدو ولكن هذا البيت الذى بناه من ليس لهم خبرة فى ذلك إذا نام فيه مطمئنا فما يلبث أن ينهدم عليه فيهلكه . ونحن إذا أردنا أن نبنى الإسلام فى حياتنا بناءً راسخا ثابتا يحفظنا فى الدنيا والآخرة ونأمن به فى الدنيا والآخرة فلابد أن نستعين على ذلك بأهل العلم الخبرة وهم العلماء حتى يبنوا لنا إسلاما صحيحا قويا ينفعنا فى دنيانا وآخرتنا . أما إذا ذهبنا إلى من ليسوا أهلاً لذلك فسوف يبنوا لنا إسلاما لا أساس له من كتاب ربنا ولا من سنة نبينا فما نلبث إلا أن ينهدم البناء على رؤسنا فنضل فى الدنيا ونهلك فى الآخرة .

    وتأمل كم يلاقى من يريد البناء من المشقة فإذا تحمل هذه المشقة تحصل بعد ذلك على الراحة . كذلك الذى يريد أن يقيم بناء الإسلام فى حياته لابد أن يتحمل المشاق فإن تحمل هذه المشاق تحصل فى الدنيا على الراحات وكان فى الآخرة فى جنة عرضها

    الأرض والسموات .

    وقوله { بنى } أى أن هذا البناء قد تم وكمل بهذه الكيفية فى حياة من سبقوا من النبى وصحابته الكرام فلا يقوم إلا على هذه القواعد فمن أراد بناءً مثل بنائهم فعليه أن يفعل مثل ما فعلوا . فنحن لسنا أول من يبنى بل هذا البناء الإسلامى له مثال ونموذج سابق يجب علينا أن نقتدى به فلا نزيد عنه ولا ننقص ففى الزيادة أو النقصان يحدث خلل للبناء فقد قال القائل :

    نبنى كما كانت أوائلنا تبنى ونفعل مثل ما فعلوا

    2- أمثلة ونماذج ممن بنوا بناءً على قواعد سليمة لأنهم استعانوا بأهل الخبرة ومن بنوا على قواعد خاطئة لأنهم استعانوا بمن لا خبرة له .

    نموذج للبناء الصحيح

    قال ربنا جل وعلا :{وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ} التوبة (100)

    والذين سبقوا الناس أولا إلى الإيمان بالله ورسوله من المهاجرين الذين هجروا قومهم وعشيرتهم وانتقلوا إلى دار الإسلام, والأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه الكفار والذين اتبعوهم بإحسان في الاعتقاد والأقوال والأعمال طلبًا لمرضاة الله سبحانه وتعالى أولئك الذين رضي الله عنهم لطاعتهم الله ورسوله ورضوا عنه لما أجزل لهم من الثواب على طاعتهم وإيمانهم وأعدَّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا ذلك هو الفلاح العظيم. وفي هذه الآية تزكية للصحابة -رضي الله عنهم- وتعديل لهم وثناء عليهم ; ولهذا فإن توقيرهم من أصول الإيمان.

    نموذج للبناء الخاطئ

    قال ربنا جل وعلا : والَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) التوبة

    والمنافقون الذين بنوا مسجدًا; مضارة للمؤمنين وكفرًا بالله وتفريقًا بين المؤمنين, ليصلي فيه بعضهم ويترك مسجد (قباء) الذي يصلي فيه المسلمون, فيختلف المسلمون ويتفرقوا بسبب ذلك, وانتظارا لمن حارب الله ورسوله من قبل -وهو أبو عامر الراهب الفاسق- ليكون مكاناً للكيد للمسلمين, وليحلفنَّ هؤلاء المنافقون أنهم ما أرادوا ببنائه إلا الخير والرفق بالمسلمين والتوسعة على الضعفاء العاجزين عن السير إلى مسجد (قباء), والله يشهد إنهم لكاذبون فيما يحلفون عليه. وقد هُدِم المسجد وأُحرِق.

    لا تقم -أيها النبي- للصلاة في ذلك المسجد أبدًا; فإن المسجد الذي أُسِّسَ على التقوى من أول يوم -وهو مسجد (قباء)- أولى أن تقوم فيه للصلاة, ففي هذا المسجد رجال يحبون أن يتطهروا بالماء من النجاسات والأقذار, كما يتطهرون بالتورع والاستغفار من الذنوب والمعاصي. والله يحب المتطهرين. وإذا كان مسجد (قباء) قد أُسِّسَ على التقوى من أول يوم, فمسجد رسول الله, صلى الله عليه وسلم, كذلك بطريق الأولى والأحرى.

    لا يستوي مَن أسَّس بنيانه على تقوى الله وطاعته ومرضاته, ومن أسَّس بنيانه على طرف حفرة متداعية للسقوط, فبنى مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المسلمين, فأدَّى به ذلك إلى السقوط في نار جهنم. والله لا يهدي القوم الظالمين المتجاوزين حدوده.

    لا يزال بنيان المنافقين الذي بنوه مضارَّة لمسجد (قباء) شكًا ونفاقًا ماكثًا في قلوبهم, إلى أن تتقطع قلوبهم بقتلهم أو موتهم, أو بندمهم غاية الندم, وتوبتهم إلى ربهم, وخوفهم منه غاية الخوف. والله عليم بما عليه هؤلاء المنافقون من الشك وما قصدوا في بنائهم, حكيم في تدبير أمور خلقه.

    والذى يبنى فى الدنيا بناء إسلاميا صحيحا فهذا البناء يُبنى له به بناء فى الجنة مع الفارق .

    ** فعن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها قالت: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « مَن أحدَثَ في أمرِنا هٰذا ما ليسَ فيهِ فهوَ رَدّ » [2]

    أى مردود عليه ولا يقبل منه ولا نفع له ولا ثمرة له .

    ففى الدين أمرنا الله بالإتباع والذى لايتبع فلاشك أنه سيبتدع ومن ابتدع فقد ضل عن سواء السبيل .

    مثال آخر

    وعن جَابِرٍ رضى الله عنه قال: « خَرَجْنَا في سَفَرٍ فأصَابَ رَجُلاً مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ في رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَألَ أصْحَابَهُ، فقال: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً في التَّيَمُّمِ ؟ فقالوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأنْتَ تَقْدِرُ علَى المَاءِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بِذَلِكَ فقال: قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ الله ألاَّ سَألُوا إذْ لَمْ يَعْلَمُوا فإنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أنْ يَتَيَمَّمَ [3]

    فبين النبى صلى الله عليه وسلم أن فعل من ليس له خبرة قتل لأن فعلهم ترتب عليه قتل حقيقى ودعا عليهم بالقتل .

    قال الإمام الخطابي: في هذا الحديث من العلم أنه عابهم بالفتوى بغير علم، وألحق بهم الوعيد بأن دعا عليهم وجعلهم في الإثم قتلة له.

    ** وعن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن، وقال في المجنونة التي أمر برجمها، وفي التي وضعت لستة أشهر فأراد عمر رجمها، فقال له علي: إن الله تعالى يقول : {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً} الحديث وقال له: «إن الله رفع القلم عن المجنون ــــ الحديث» فكان عمر يقول: لولا علي لهلك عمر .

    ** حدثنا الأعمش عن أبـي سفـيانَ حدثنـي أَشْيَاخٌ مِنَّا قالُوا: جاءَ رجلٌ إلـى عُمَرَ بنِ الـخطابِ رضي الله عنه فقالَ: يا أميرَ الـمؤمنـينَ إنِّـي غِبْتُ عن امْرَأَتِـي سنتـينِ، فجئتُ وهي حُبْلَـى، فَشَاوَرَ عُمَرُ رضي الله عنه ناساً فـي رَجْمِهَا، فقالَ معاذُ بنُ جُبَلَ رضي الله عنه : يا أميرَ الـمؤمنـينَ إنْ كانَ لكَ عَلَـيْهَا سبـيلٌ، فلـيسَ لكَ علـى مَا فِـي بَطْنِهَا سبـيلٌ، فاتْرُكْهَا حتَّـى تَضَعَ، فَتَرَكَهَا فَوَلَدَتْ غلاماً قد خَرَجَتْ ثَنِـيَّتَاهُ، فَعَرَفَ الرجلُ الشَّبَهَ فـيهِ فقالَ: ابْنِـي وربِّ

    الكَعْبَةِ، فقالَ عُمَرَ رضي الله عنه: عَجَزَتِ النساءُ أَنْ يَلِدْنَ مثلَ مُعَاذٍ، لَوْلاَ معاذٌ لَهَلَكَ عُمَرُ. [4]

    3- أول قواعد البناء الإسلامى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وهما أول ما فرض على العباد .

    [ وأول قاعدة من قواعد البناء الإسلامى هى شهادة أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله فهاتان الشهادتان هما المدخل إلى الإسلام فلا يُدخل إلى الإسلام إلا بهما ، وهما ركنه الأعظم، وقاعدته الراسخة , وعروته الوثقى , ولا يحكم بإسلام شخص إلا

    بالنطق بهما وتحقيق شروطهما والعمل بمقتضاهما وعدم الإتيان بما ينافيهما ، والدعوة إليهما , وبذلك يصير الكافر مسلماً. وهاتان الشهادتان هما الأساس لما بعدهما من القواعد فإن صلحتا صلح ما بعدهما وإن فسدتا فسد ما بعدهما أى أن هاتان الشهادتان يرتكز عليهما ما بعدهما من قواعد الإسلام وبمعنى آخر يرتكز عليهما الإسلام كله فإن كانتا راسختين ثبت ما ارتكز عليهما وإن لم تكونا راسختين طاش وانقلب ما عليهما فإن رسختا رسخ الدين وإن لم يرسخا لم يرسخ الدين وهما بوابة الإسلام فكما قلنا أن الإسلام بناء ولا يوجد بناء بغير باب فإن كانت الباب محكماً كان مافى البيت محفوظا وإن كان الباب غير محكم ضاع ما فى البيت . فما فائدة الصلاة والصوم والزكاة والحج وغير ذلك إذا لم يكن التوحيد صحيحا . وكما قالوا

    قديما لمن تكلم فى أول كلامه بكلام قبيح أو كلام غير صحيح : أول القصيدة كفر ]

    والتوحيد هو أول مفروض على العباد إذ أنه هو الذيخلقهم الله له فقال تعالى: ( وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون)الذاريات

    وأولأمر في كتاب الله هو الأمر بعبادة الله وتوحيده فقال تعالى: (يأيها الناس اعبدواربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم

    لعلكم تتقون )البقرة/21

    قال الناظم:

    أولواجب على العبيد معرفة الرحمن بالتوحيد

    والله أخذ على عباده الميثاقبالتوحيد وهو شهادة أنه لا إله إلا هو وأشهدهم على أنفسهم به قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف/172[5]

    **وعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عله وسلم قال:" يقال للرجل من أهل النار من يوم القيامة أرايت لوكانت لك ما على الأرض من شئ أكنت مفتدياً به؟ قال فيقول: نعم . فيقول: قد أردت منكأهون من ذلك. قد أخذت عليك في ظهر آدم لا يشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي"[6]

    قال الناطم:

    أخرج الله فيما مضى من ظهر آدم ذريته كالذر

    وأخذ العهد عليهم أنه لا رب معبود بحق غيره

    4- يجب تفريغ القلب أولا حتى يستقر فيه توحيد الله بلا منازع وحتى يكون القلب سليما .

    [ففرغ قلبك أولا من كل ما علق به حتى يستقر فيه توحيد الله بلا منازع فنحن نريد قلبا سليما من كل الآفات فقد مدح ربنا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حيث قال { وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإٍبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87)}الصافات

    قوله تعالى : " وإن من شيعته لإبراهيم " قال ابن عباس : أي من أهل دينه .

    وقال مجاهد : أي على منهاجه وسنته .

    قوله تعالى : " إذ جاء ربه بقلب سليم " أي مخلص من الشرك والشك . وقال عوف الأعرابي : سألت محمد بن سيرين ما القلب السليم؟ فقال : الناصح لله عز وجل في خلقه .

    قال عوف : فقلت لمحمد ما القلب السليم؟ قال : أن يعلم أن الله حق، وأن الساعة قائمة، وأن الله يبعث من في القبور . وقال هشام بن عروة : كان أبي يقول لنا : يا بني لا تكونوا لعانين، ألم تروا إلى إبراهيم لم يلعن شيئا قط، فقال تعالى : " إذ جاء ربه بقلب سليم " .

    ويحتمل مجيئه إلى ربه وجهين : أحدهما عند دعائه إلى توحيده وطاعته؛ الثاني عند إلقائه في النار .

    [قلت : وهل هناك قلب أسلم من قلب يلقى فى النار فلم يلتفت صاحبه إلا إلى الله . فلما جاء جبريل إلى إبراهيم وهو فى طريقه على النار وقال له ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا وكان آخر قول إبراهيم حين ألقى فى النار حسبى الله ونعم الوكيل ] " إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون

    " أئفكا " قال المبرد : والإفك أسوأ الكذب، وهو الذي لا يثبت ويضطرب، ومنه ائتفكت بهم الأرض . " آلهة " بدل من إفك " دون الله تريدون " أي تعبدون . ويجوز أن يكون حالا بمعنى أتريدون ألهة من دون الله آفكين . " فما ظنكم برب العالمين " أي ما ظنكم به إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره؟ فهو تحذير، مثل قوله : " ما غرك بربك الكريم " [الانفطار : 6] . وقيل : أي شيء أوهمتموه حتى أشركتم به غيره .

    وقال تعالى : { وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) } الشعراء .

    ولا تُلْحق بي الذل، يوم يخرج الناس من القبور للحساب والجزاء، يوم لا ينفع المال والبنون أحدًا من العباد، إلا مَن أتى الله بقلب سليم من الكفر والنفاق والرذيلة.

    [ففرغ قلبك من كل ما يقدح فى سلامة توحيدك لله واجعل قلبك سليما بتوحيد الله .

    فعَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (وَأَهْوَى النّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَىَ أُذُنَيْهِ) "إنّ الْحَلاَلَ بَيّنٌ وَإنّ الْحَرَامَ بَيّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنّ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ، فَمَنِ اتّقَى الشّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرّاعِي يَرْعَىَ حَوْلَ الْحِمَىَ، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإنّ لِكُلّ مَلِكٍ حِمىً، أَلاَ وَإِنّ حِمَى اللّهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلّهُ وَإذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ".[7]

    قلت محمود : فصلاح التوحيد وسلامته سبب فى صلاح القلب وسلامته وصلاح القلب وسلامته سبب فى صلاح الجسد كله وسلامته فالأصل الذى ينصلح به الجسد كله هو صلاح التوحيد وسلامته بل وصلاح الدنيا كلها والآخرة بصلاح التوحيد وسلامته.

    وقال تعالى : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (55) النور

    نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ قاله مالك . وقيل : إن سبب هذه الآية أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شكا جهد مكافحة العدو، وما كانوا فيه من الخوف على أنفسهم، وأنهم لا يضعون أسلحتهم؛ فنزلت الآية .

    قال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [سورة البقرة، الآية:163]

    وقال تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة البقرة، الآية:256]

    فيجب علينا معرفة الله بالتوحيد حتى يسهل علينا عبادته وحده والإنقياد لأمره واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم .

    فالله أذل الملوك بمعصيته وأعز العبيد اطاعته .

    وجعل الملوك عبيدا بمعصيته وجعل العبيد ملوكا بطاعته .

    الله الذى عصاه الجبابرة فقصمهم وعصاه الأغنياء فأفقرهم وعصاه الملوك فأذلهم .

    عصاه النمرود فأذله .

    وعصاه فرعون فأغرقه .

    وعصاه هامان فأهلكه .

    وعصاه قارون فخسف به الأرض .

    وعصته قرى قوم لوط فجعل عاليها سافلها وأمطرهم بحجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هى من الظالمين ببعيد .

    وعصاه قوم عاد فأرسل عليهم ريحا صرصرا عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فصيرهم صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية .

    وعصاه قوم ثمود فأهلكهم بالطاغية .

    الله أطاعه الأذلاء فأعزهم .

    وأطاعه الفقراء فأغناهم .

    وأطاعه الضعفاء فجبر ضعفهم .

    أطاعه أبو بكر فصار صديقا .

    وأطاعه بن الخطاب فصار فاروقا .

    وأطاعه بلال بن رباح فصار بعد الرق والإستعباد عزيزا .

    وأطاعه أبو هريرة فصيره بعد ما كان فقيرا على البلاد أميرا .

    5- معنى لا إله إلا الله .

    ومعنى لا إله إلا الله :أى لا معبود بحق إلا الله وحده سبحانه وتعالى.

    " شهادة أن لا إله إلا الله " أن يعترف الإنسان بلسانه وقلبه بأنه لا معبود حق إلا الله عز وجل لأن إله بمعنى مألوه والتأله التعبد. والمعني أنه لا معبود حق إلا الله وحده، وهذه الجملة مشتملة على نفي وإثبات، أما النفي فهو " لا إله " وأما الإثبات ففي " إلا الله " والله " لفظ الجلالة " بدل من خبر " لا " المحذوف، والتقدير " لا إله حق إلا الله " فهو إقرار باللسان بعد أن آمن به القلب بأنه لا معبود حق إلا الله عز وجل وهذا يتضمن إخلاص العبادة لله وحده ونفي العبادة عما سواه.

    وبتقديرنا الخبر بهذه الكلمة " حق " يتبين الجواب عن الإشكال الذي يورده كثير من الناس وهو : كيف تقولون لا إله إلا الله مع أن هناك آلهة تعبد من دون الله وقد سماها الله تعالى آلهة وسماها عابدها آلهة قال الله تبارك وتعالى : {فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك} }وقال تعالى : { ولا تجعل مع الله إلهاً آخر} . وقال تعالى : {ولا تدع مع الله إلهاً آخر}وقوله : {لن ندعوا من دونه إلهاً }

    فكيف يمكن أن نقول : لا إله إلا الله مع ثبوت الألوهية لغير الله عز وجل ؟ وكيف يمكن أن نثبت الألوهية لغير الله عز وجل والرسل يقولون لأقوامهم: { اعبدوا الله مالكم من إله غيره } ؟

    والجواب على هذا الإشكال يتبين بتقدير الخبر في لا إله إلا الله فنقول : هذه الآلهة التي تعبد من دون الله هي آلهة، لكنها آلهة باطلة ليست آلهة حقة وليس لها من حق الألوهية شيء، ويدل لذلك قوله تعالى: { ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير } ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى : { أفرأيتم اللات والعزى . ومناة الثالثة الأخرى . ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان} وقولهتعالى عن يوسفعليه الصلاة والسلام:{ماتعبدون مندونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها منسلطان}

    إذاً فمعنى " لا إله إلا الله " لا معبود حق إلا الله عز وجل، فأما المعبودات سواه فإن ألوهيتها التي يزعمها عابدها ليست حقيقية، أي ألوهية باطلة، بل الألوهية الحق هي ألوهية الله عز وجل.[8]

    ومعنى الإله :

    هو المألوه المعبود بحق، ومن اعتقد بأن الإله هو الخالق الرازق أو القادر على الاختراع وأن الإيمان بذلك وحده يكفي دون إفراد الله بالعبادة فإنه لا تنفعه لا إله إلا اللهفي الدنيا بالدخول في الإسلام ولا تنجيه من العذاب المقيم في الآخرة.

    قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} [سورة يونس، الآية:31].

    وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [سورة الزخرف، الآية:87].

    وهو النطق بها مع العلم بمعناها والعمل بمقتضاها ظاهراً وباطناً ، أما النطق بها من غير معرفة بمعناها ولا عمل بمقتضاها فإنه غير نافع بالإجماع، بل تكون حجة عليه لا له .

    {فعلى العبد أن يعلم أنه لا إله إلا الله أى لا ينبغى للعبد أن يتوجه بالعبادة ظاهراً وباطناً إلا لله ولا ينبغى للعبد أن يتعبد لله إلا على طريقة رسول الله ولا يقدم على رسول الله أحداً كائنا من كان قال تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدى الله ورسوله}

    6- المستفاد من قوله لا معبود بحق إلا الله لأن هناك آلهة تعبد بالباطل .

    [وقولنا لا معبود بحق فهذا القيد مهم جدا لأن هناك آلهة تعبد بالباطل فكثير من الناس عبدوا الأصنام والأوثان وكثير من الناس

    عبدوا الكواكب والنجوم وكثير من الناس عبدوا الطواغيت وكثير من الناس عبدوا الهوى]

    قال تعالى :وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170)البقرة

    وقال تعالى :وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإٍبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) الصافات

    وقال تعالى :أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى (20) أَلَكُمْ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى (23)النجم

    وقال تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)النحل

    وقال تعالى :وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24)أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) النمل

    وقال تعالى : أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) الحج

    وقال تعالى : لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)الأنبياء

    وقال تعالى :{أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ * وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَـٰمِتُونَ *إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ * إِنَّ وَلِيِّىَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْكِتَـٰبَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّـٰلِحِينَ * وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ *وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } الأعراف [191 – 198]

    وقال تعالى :وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)فصلت

    ومِن حجج الله على خلقه, ودلائله على وحدانيته وكمال قدرته اختلاف الليل والنهار, وتعاقبهما, واختلاف الشمس والقمر وتعاقبهما, كل ذلك تحت تسخيره وقهره. لا تسجدوا للشمس ولا للقمر- فإنهما مدَبَّران مخلوقان- واسجدوا لله الذي خلقهن, إن كنتم حقًّا منقادين لأمره سامعين مطيعين له، تعبدونه وحده لا شريك له.

    وقال تعالى :{أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}الجاثية

    وقال تعالى : أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) يس

    وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « تَعِسَ عبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالقطيفَةِ وَالخَمِيصَةِ ، إِنْ أُعطِيَ رضي ، وَإِنْ لَمْ يُعطَ لَمْ يَرْضَ »[9].

    7- لا إله إلا الله نفىٌ وإثباتٌ.

    وركنا هذه الكلمةالنفي والإثبات نفي الإلهية عما سوى الله وإثباتها لله وحده لا شريك له، كما تضمنت الكفر بالطاغوت –وهو كل ما عبد من دون الله تعالى من بشر أو حجر أو شجر أو هوى أو شهوة- وبغضه والبراءة منه، فمن قالها ولم يكفر

    بما يعبد من دون الله لم يأت بهذه الكلمة.

    وكلمة لا إله إلا الله نفي وإثبات كما سبق ، نفي للعبادة بحق عن غير الله كائنا من كان وإثبات العبادة لله وحده بالحق كما قال جل وعلا عن إبراهيم الخليل عليه السلام أنه قال لأبيه وقومه : إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِيعَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

    وقال سبحانه : قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وهذا قول الرسل جميعا لأن قوله سبحانه : قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ يعني به الرسل جميعا وهم الذين معه من أولهم إلى آخرهم ودعوتهم دعوته وكلمتهم هي البراءة من عبادة غير الله ومن المعبودين من دون الله الذين رضوا بالعبادة لهم ودعوا إليها ، فالمؤمن يتبرأ منهم وينكر عبادتهم ويؤمن بالله وحده المعبود بالحق سبحانه وتعالى ، ولهذا قال سبحانه في الآية السابقة عن إبراهيم أنه قال لأبيه وقومه :{ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي } وهو الله سبحانه وتعالى الذي فطره وفطر غيره فإنه لا يتبرأ من عبادته وأنما يتبرأ من عبادة غيرة ، فالبراءة تكون من عبادة غيره سبحانه ، أما هو الذي فطر العباد وخلقهم وأوجدهم من العدم وغذاهم بالنعم فهو المستحق العبادة سبحانه وتعالى ، فهذا هو مدلول هذه الكلمة ومعناها ومفهومها ، وحقيقتها البراءة من عبادة غير الله وإنكارها واعتقاد بطلانها والإيمان بأن العبادة بحق لله وحده سبحانه وتعالى وهذا معنى قوله جل وعلا : فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }ومعنى يكفر بالطاغوت ينكر عبادة الطاغوت ويتبرأ منها .

    والطاغوت : اسم لكل ما عبد من دون الله فكل معبود من دون الله يسمى طاغوتا فالأصنام والأشجار والأحجار والكواكب المعبودة من دون الله كلها طواغيت وهكذا من عبد وهو راض كفرعون ونمرود وأشباههما يقال له طاغوت ، وهكذا الشياطين طواغيت لأنهم يدعون إلى الشرك.

    وأما من عبد من دون الله ولم يرض بذلك كالأنبياء والصالحين والملائكة فهؤلاء ليسوا طواغيت وإنما الطاغوت الشيطان الذي دعا إلى عبادتهم من جن وإنس ، أما الرسل والأنبياء والصالحون والملائكة فهم براء من ذلك وليسوا طواغيت لأنهم أنكروا عبادتهم وحذروا منها وبينوا أن العبادة حق الله وحده سبحانه وتعالى كما قال جل وعلا : فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ يعني ينكر عبادة غير الله ويتبرأ منها ويجحدها ويبين أنها باطلة وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ يعني يؤمن بأن الله هو المعبود بالحق وأنه هو المستحق للعبادة وأنه رب العالمين وأنه الحق العليم رب كل شيء ومليكه ، العالم بكل شيء والقاهر فوق عباده وهو فوق العرش فوق السموات سبحانه وتعالى ، وعلمه في كل مكان وهو المستحق العبادة جل وعلا ، فلا يتم الإيمان ولا يصح إلا بالبراءة من عبادة غير الله وإنكارها واعتقاد بطلانها ، والإيمان بأن الله هو المستحق للعبادة سبحانه وتعالى ، وهذا هو معنى قوله سبحانه في سورة الحج : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ }وفي سورة لقمان : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}وهو معنى الآيات السابقات وهي قوله سبحانه : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ }وقوله جل وعلا : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } وقوله عز وجل :{ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } إلى غير ذلك من الآيات .

    8- التوحيد حق الله على العباد .

    [ فهذ التوحيد وهذه العبادة لله وحده هى حق الله على العباد فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضى الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ . [10]

    فإن هم حفظوا حق الله حفظهم الله وإن هم ضيعوا حق الله ضيعهم الله .

    فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: «كُنْتُ خَلْفَ النبيِّ يَوْماً، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كِلمَاتٍ: إِحْفَظِ الله يَحْفَظْكَ، إِحْفَظِ الله تجِدْهُ تجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ الله، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بالله، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ، وَإنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَفْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُف» .‌ [11]

    9- حكم التوحيد .

    توحيد الألوهية فرض على العباد، لا يدخلون الإسلام إلا به، ولا ينجون من النار إلا باعتقاده والعمل بمقتضاه، وهو أول ما يجب على المكلف اعتقاده والعمل به، وأول ما يجب البداءة به في الدعوة والتعليم خلافاً لمن اعتقد غير ذلك، ويدل على فرضيته

    الأمر به في الكتاب والسنة وأن الله خلق الخلق وأنزل الكتب لأجله.
    قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ} [سورة الرعد، الآية:36]

    وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذريات، الآية:56]. وقال النبي r لمعاذ t : عنِ ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما «أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لمَّا بَعثَ مُعاذاً رضيَ اللهُ عنهُ على اليمنِ قال: إنكَ تَقْدَمُ على قومٍ أهلِ كتابٍ، فلْيكُنْ أولَ ما تدَعوهم إليهِ عِبادةُ اللهِ، فإذا عَرفوا اللهَ فأخبرهم : أنَّ اللهَ قد فرضَ عليهم خمس صلواتٍ في يومِهم وليلتَهم، فإذا فَعلوا، فأخبرهم : أنَّ اللهَ فرضَ عليهم زكاةً مِن أموالِهم وتُرَدُّ على فُقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخُذْ منهم، وتَوَقَّ كرائمَ أموالِ الناسِ ». الحديث أخرجه البخاري ومسلم.

    وهذا التوحيد هو أفضل الأعمال على الإطلاق وأعظمها تكفيراً للذنوب، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عتبان t مرفوعاً {فإن الله حرم على النار من قال لا لإله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله }


    10- جميع الرسل بُعثت بالتوحيد .
    اتفقت الرسل جميعاً على دعوة أقوامهم إلى كلمة لا إله إلا الله وتخويفهم من الإعراض عنها كما بين القرآن الكريم ذلك في آيات كثيرة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [سورة الأنبياء، الآية:25]


    وقد ضرب رسول الله r مثلا لاتفاق الأنبياء في الدعوة إليها؛ حيث بين عليه الصلاة والسلام أن الأنبياء إخوة لعَلاّتٍ [12]
    أمَّهاتُهم شَتّى ودِينُهم واحد، فأصل دين الأنبياء واحد وهو التوحيد وإن اختلفت فروع الشرائع كما أن الأولاد قد يختلفون في الأمهات وأبوهم واحد.

    فهذه الكلمة هي أصل الدين وأساس الملة وهي التي فرق الله بها بين الكافر والمسلم ، وهي التي دعت إليها الرسل جميعا وأنزلت من أجلها الكتب وخلق من أجلها الثقلان الجن والإنس ، دعا إليها آدم أبونا عليه الصلاة والسلام وسار عليها هو وذريته إلى عهد نوح ، ثم وقع الشرك في قوم نوح فأرسل الله إليهم نوحا عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى توحيد الله ويقول لهم يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وهكذا هود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وغيرهم من الرسل كلهم دعوا أممهم إلى هذه الكلمة ، إلى توحيد الله والإخلاص له وترك عبادة ما سواه وآخرهم وخاتمهم وأفضلهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بعثه الله إلى فى قومه وللعالمين بهذه الكلمة وقال لهم يا قوم : قولوا لا إله إلا الله تفلحوا . وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده

    وأن يدعوا ما عليه آباؤهم وأسلافهم من الشرك بالله وعبادة الأصنام والأوثان والأشجار والأحجار وغير ذلك ، فاستنكرها المشركون وقالوا : أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ لأنهم قد اعتادوا عبادة الأصنام والأوثان والأولياء والأشجار وغير ذلك والذبح لهم والنذر لهم وطلبهم قضاء الحاجات وتفريج الكروب فاستنكروا هذه الكلمة؛ لأنها تبطل آلهتهم ومعبوداتهم من دون الله . [ وهذا من أسوأ ما يفعل الإنسان أن يرث من قومه عادات وأباطيل فيجعلها عبادات يتعبد بها ويترك بسببها دين الله الذى بعث به الأنبياء والمرسلين . قال الله عز وجل : وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170) البقرة ]

    وقال سبحانه في سورة الصافات : إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ

    سموا النبي عليه الصلاة والسلام شاعرا مجنونا بجهلهم وضلالهم وعنادهم وهم يعلمون أنه أصدق الناس وأنه الأمين

    وأنه أعقل الناس وأنه ليس بشاعر ولكنه الجهل والظلم والعدوان والمغالطة والتكذيب والتشبيه على الناس ، فكل من لم يحقق هذه الكلمة ويعرف معناها ويعمل بها فليس بمسلم ، فالمسلم هو الذي يوحد الله ويخصه بالعبادة دون كل ما سواه ، فيصلي له ويصوم له ويدعوه وحده ويستغيث به وينذر ويذبح له إلى غير ذلك من أنواع العبادات ، ويعلم يقينا أن الله سبحانه هو المستحق للعبادة وأن ما سواه لا يستحقها سواء كان نبيا أو ملكا أو وليا أو صنما أو شجرا أو جنيا أو غير ذلك كلهم لا يستحقون العبادة بل هي حق لله وحدة ، ولهذا قال الله عز وجل : وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ يعني أمر وأوصى ألا تعبدوا إلا إياه ، وهذا هو معنى لا إله إلا الله ، وهو أنه لا معبود حق إلا الله ، فهي نفي وإثبات .

    نفي للإلهية عن غير الله وإثبات لها بحق لله وحده سبحانه وتعالى ، فالإلهية التي يوصف بها غير الله باطلة وهي لله وحده بحق ثابتة له سبحانه وتعالى كما قال عز وجل :ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ فالعبادة لله وحده دون كل ما سواه ، وأما صرف الكفار لها لغيره سبحانه فذلك باطل ووضع لها في غير محلها ، قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وقال سبحانه في سورة الفاتحة وهي أعظم سورة : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يعني نعبدك وحدك ونستعين بك وحدك ، وقال عز وجل : وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وقال سبحانه : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ]وقال سبحانه : فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ إلى غير ذلك من آيات كثيرات كلها تدل على أنه سبحانه هو المستحق للعبادة وأن المخلوقين لا حظ لهم فيها ، وهذا هو معنى لا إله إلا الله وتفسيرها وحقيقتها تخص العبادة بحق الله وحده وتنفيها بحق عما سواه .


    ومعلوم أن عبادة غير الله موجودة وقد عبدت أصنام وأوثان من دون الله وعبد فرعون من دون الله وعبدت الملائكة من دون الله وعبدت الرسل من دون الله وعبد الصالحون من دون الله كل ذلك قد وقع ولكنه باطل وهو خلاف الحق والمعبود بالحق هو الله وحده سبحانه وتعالى .{اللجنة الدائمة }[1] [13]



    11- لا تنفع لا إله إلا الله قائلها إلا بتحقيق شروطها

    وكثير من الناس يظن أن قول : لا إله إلا الله ، أو أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يكفيه ولو فعل ما فعل ، وهذا من الجهل العظيم ، فإنها ليست كلمات تقال ، بل كلمات لها معنى لابد من تحقيقه بأن يقولها ويعمل بمقتضاها [ وهى كلمات من نطق بها لزمه أن يقوم بمقتضياتها وما يترتب عليها كمن قال وهو يعقد على زوجته قبلت زواجها فهذه الكلمة بمجرد النطق بها أصبح مسؤلا عما يترتب عليه من آثارها من النفقة والمسكن وغير ذلك . فالذى يريد أن يبنى لا ينفعه أن يضع لبنة ثم يهدمها فلن يتم له بناء فى يوم من الأيام , وكذلك الطالب الذى يكتب الإجابة فى ورقته ثم يمزقها فلا تنفعه الإجابة التى كتبها , وضرب الله مثلا بالمرأة التى تغزل طوال اليوم ثم فى آخر النهار تنقض غزلها فقال تعالى {ولا تكونوا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا }] فإذا قال قائل : لا إله إلا الله ، وهو يحارب الله بالشرك وعبادة غيره فإنه ما حقق هذه الكلمة ، فقد قالها المنافقون وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول ، وهم مع ذلك في الدرك الأسفل من النار وكما قال عز وجل : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا } لماذا؟! . لأنهم قالوها باللسان وكفروا بها بقلوبهم ، ولم يعتقدوها ولم يعملوا بمقتضاها فلا ينفعهم قولها بمجرد اللسان . وهكذا من قالها من اليهود والنصارى وعباد الأوثان ، كلهم على هذا الطريق ، لا تنفعهم حتى يؤمنوا بمعناها وحتى يخصوا الله بالعبادة ، وحتى ينقادوا لشرعه .

    وهكذا اتباع مسيلمة الكذاب والأسود العنسي والمختار بن أبي عبيد الثقفي الذين ادعوا النبوة وغيرهم ويقولون لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، لكن لما صدقوا من ادعى أنه نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم كفروا ، وصاروا مرتدين . لأنهم كذبوا قول الله تعالى : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } فهو خاتمهم وآخرهم ، ومن ادعى بعده أنه نبي أو رسول صار كافرا ضالا ، وهكذا من صدقه كأتباع مسيلمة في اليمامة والأسود العنسي في اليمن والمختار في العراق وغيرهم لما صدقوا هؤلاء الكذابين بأنهم أنبياء . كفر من صدقهم بذلك واستحقوا أن يقاتلوا . فإذا كان من ادعى مقام النبوة يكون كافرا؛ لأنه ادعى ما ليس له في هذا المقام العظيم ، وكذب على الله فكيف بالذي يدعي مقام الألوهية ، وينصب نفسه ليعبد من دون الله؟ لا شك أن هذا أولى بالكفر والضلال .

    فمن يعبد غير الله ، ويصرف له العبادة ، ويوالي على ذلك ويعادي عليه فقد أتى أعظم الكفر والضلال . فمن شهد لمخلوق بالنبوة بعد محمد عليه الصلاة والسلام فهو كافر ضال ، فلا إسلام ولا إيمان إلا بشهادة : أن لا إله إلا الله قولا وعملا وعقيدة ، وأنه لا معبود بحق سوى الله ، ولابد من الإيمان بأن محمدا رسول الله ، مع تصديق الأنبياء الماضين والشهادة لهم بأنهم بلغوا الرسالة عليهم الصلاة والسلام .

    ثم بعد ذلك يقوم العبد بما أوجب الله عليه من الأوامر والنواهي ، هذا هو الأصل لا يكون العبد مسلما إلا بهذا الأصل : بإفراد الله بالعبادة والإيمان بما دلت عليه ، هذه الكلمة : " لا إله إلا الله " ولابد مع ذلك من الإيمان برسول الله والأنبياء قبله ، وتصديقهم واعتقاد أنهم بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة عليهم الصلاة والسلام ، وكثير من الجهلة كما تقدم يظن أنه متى قال لا إله إلا الله وشهد أن محمدا رسول الله فإنه يعتبر مسلما ولو عبد الأنبياء أو الأصنام أو الأموات أو غير ذلك ، وهذا من الجهل العظيم والفساد الكبير والضلال البعيد ، بل لا بد من العمل بمعناها والاستقامة عليه ، وعدم الإتيان بضد ذلك قولا وعملا وعقيدة ، ولهذا يقول جل وعلا في سورة فصلت : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ }الآية .

    والمعنى أنهم قالوا : ربنا الله ثم استقاموا على ذلك ، ووحدوه وأطاعوه واتبعوا ما يرضيه ، وتركوا معاصيه ، فلما استقاموا على ذلك صارت الجنة لهم ، وفازوا بالكرامة ، وفي الآية الأخرى من سورة الأحقاف قال سبحانه : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } فعليك يا عبد الله بالتبصر في هذا الأمر والتفقه فيه بغاية العناية ، حتى تعلم أنه الأصل الأصيل والأساس العظيم لدين الله ، فإنه لا إسلام ولا إيمان إلا بشهادة أن لا إله إلا الله قولا وعملا وعقيدة ، والشهادة بأن محمدا رسول الله قولا وعملا وعقيدة ، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله عما كان وما سيكون ، ثم بعد ذلك تأتي بأعمال الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وغير ذلك .

    12- شروط لا إله إلا الله

    ولا يمكن تحقيق هذا المعنى الا اذا اتى العبد بشروط لا اله الا الله ، وشروطها ثمانية وسنذكر هذه الشروط وأدلتها من كتاب الله تعالى ومن سنة رسول الله

    1- العلم المنافى للجهل بمعناها نفياً وإثباتاً : ودليله قوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ[محمد:19]. وقوله: إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[الزخرف:86].

    وقول الله جل وعلا : ( الا من شهد بالحق وهم يعلمون) الزخرف : 86أي بـ " لا إله إلا الله وَهُمْ يَعْلَمُون . بقلوبهم مانطقوا به بألسنتهم.

    ومن السنة: الحديث الثابت في الصحيح عن عثمان قال: قال رسول الله: من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة. رواه مسلم .

    2- اليقين وهوكمال العلم بهاالمنافي للشك والريب : ودليله قوله تعالى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوابِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِموَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون . الحجرات:15

    فاشترط في صدق ايمانهم بالله ورسوله كونهم لميرتابوا أي لم يشكوا .

    ومن السنة: الحديث الثابت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ. صحيح مسلم - (ج 1 / ص 126)وفي رواية : لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة . وعن أبي هريرة أيضاً من حديث طويل : من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها من قلبه فبشرهبالجنة . رواه مسلم

    3- القبول المنافي للرد : ودليله قول الله جل وعلا : قوله تعالى : وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِيقَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَىأُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةالْمُكَذِّبِين . [الزخرف:23-25].

    وقوله تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

    وقوله تعالى : إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيللَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّالَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُون . [الصاقات:36،35].

    ومن السنة:

    فعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ . صحيح مسلم

    4- الانقياد لحقوقهاوهي الأعمال الواجبة، إخلاصاً لله، وطلباً لمرضاته: ودليله قول الله جل وعلا : وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنقَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُون . [الزمر:54]. وقوله : وَمَنْأَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِن . [النساء:125]. وقوله : وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِاسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى . [لقمان:22]. أي بـ " لا إله إلا الله "، وقوله تعالى : فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَاشَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتوَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيما . [النساء:65

    ومن السنة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من قال لااله الا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه " رواه مسلم وقوله : لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به . وهذا هو تمام الانقياد وغايته..

    5- الصدق المنافي للكذب

    قوله تعالى : الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَنيَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ

    صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنّالْكَاذِبِين .[العنكبوت:1-3].

    وقوله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولآمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُوناللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ(9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمبِمَا كَانُوا يَكْذِبُون . [البقرة:8-10].

    ومن السنة: ما ثبت في الصحيحين عن معاذ بن جبلعن النبي : {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ قَالَ يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ يَا مُعَاذُ قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثَلَاثًا قَالَ مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا قَالَ إِذًا يَتَّكِلُوا وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا . صحيح البخاري

    6- الاخلاص المنافي للرياء : ودليلهقوله تعالى : أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِص[الزمر:3]. وقوله سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهالدِّينَ حُنَفَاء .[البينة:5].

    ومن السنة: الحديث الثابت في الصحيح عن أبي هريرةعن النبى صلى الله عليه وسلم قال : أسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ . صحيح البخاري


    sgsgm fkn hgYsghl (1)

    التعديل الأخير تم بواسطة ام نواف ; 07-05-2010 الساعة 04:58 PM

  2. #2
    مشرف مجالس العلوم الشرعية المتخصصة
    تاريخ التسجيل
    20-04-2010
    العمر
    66
    المشاركات
    842

    سلسلة بنى الإسلام (2) أقسام التوحيد

    سلسلة بنى الإسلام (2) أقسام التوحيد

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .

    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }[ آل عمران : 102]{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } [ النساء : 1]{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [ الأحزاب : 70-71 ]

    أما بعد، فان أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    أقسام التوحيد

    وأقسام التوحيد ثلاثة أقسام كما قسمها العلماء وهي توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيدالأسماء والصفات

    وعلموا ذلك بالتتبع والاستقراء و النظر في الآيات والأحاديث فوجدوا أن التوحيد لا يخرج عن هذه الأنواع الثلاثة فنوعوا التوحيد إلى ثلاثة أنواع وهى :

    1- توحيدالربوبية : وهو الإعتقاد الجازم بان الله وحده رب كل شيء ومليكه وأنه الخالق للعالم {بل ولجميع العوالم }، المحيي المميت الرزاق ذو القوة المتين لم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل لا راد لامره ولا معقب لحكمه ولا مضاد له ، ولا مماثل ولا سمي ولا منازع له فيشيء من معاني ربوبيته . أو نقول: إفراد الله بأفعاله، مثل اعتقاد أنه الخالق والرازق .

    وهذا قد أقر به المشركون السالفون ،وجميع أهل الملل من اليهود والنصارى والصابئين والمجوس .

    ولم ينكر هذا التوحيد إلا الدهرية [1]فيما سلف. والشيوعية فى زماننا.

    والأدلة على ربوبية الله كثيرة في كتاب الله من ذلك قولالله جل وعلا : ( ذلكم الله ربكم له الملك ) فاطر : 13) وقول الله جل وعلا : ( الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون ) الروم : 40) وقول الله جل وعلا : ( ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) الذاريات : 58

    فقد قال تعالى فى فاتحة الكتاب والتى نكررها فى كل يوم فى الصلوات المفروضة سبعة عشرة مرة : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الثناءعلى الله بصفاته التي كلُّها أوصاف كمال وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، وفي ضمنه أَمْرٌ لعباده أن يحمدوه, فهو المستحق له وحده, وهو سبحانه المنشئ للخلق, القائم بأمورهم, المربي لجميع خلقه بنعمه, ولأوليائه بالإيمان والعمل الصالح .

    قال تعالى :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) }

    نداء من الله للبشر جميعًا: أن اعبدوا الله الذي ربَّاكم بنعمه, وخافوه ولا تخالفوا دينه فقد أوجدكم من العدم, وأوجد الذين من قبلكم لتكونوا من المتقين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.

    وقال تعالى : {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)}

    ربكم الذي جعل لكم الأرض بساطًا; لتسهل حياتكم عليها, والسماء محكمة البناء, وأنزل المطر من السحاب فأخرج لكم به من ألوان الثمرات وأنواع النبات رزقًا لكم, فلا تجعلوا لله نظراء في العبادة, وأنتم تعلمون تفرُّده بالخلق والرزق, واستحقاقِه العبودية.

    وتوحيد الربوبية : هو " إفراد الله سبحانه وتعالى بالخلق، والملك، والتدبير " وتفصيل ذلك :

    أولاً:بالنسبة لإفراد الله تعالى بالخلق فالله تعالى وحده هو الخالق لا خالق سواه .

    {وهو الذى خلق الأشياء وأبدعها على غير مثال سابق }

    قال الله تعالى :{هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو }.

    وقال تعالى مبيناً بطلان آلهة الكفار : { أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون }. فالله تعالى وحده هو الخالق خلق كل شيء فقدره تقديراً ، وخَلْقُهُ يشمل ما يقع من مفعولاته، وما يقع من مفعولات خلقه أيضاً، ولهذا كان من تمام الإيمان بالقدر أن تؤمن بأن الله تعالى خالقٌ لأفعال العباد كما قال الله تعالى : { والله خلقكم وما تعملون } .

    ووجه ذلك أن فعل العبد من صفاته، والعبد مخلوق لله، وخالق الشيء خالق لصفاته، ووجه آخر أن فعل العبد حاصل بإرادة جازمة وقدرة تامة، والإرادة والقدرة كلتاهما مخلوقتان لله عز وجل وخالق السبب التام خالق للمسبب .

    فإن قيل : كيف نجمع بين إفراد الله عز وجل بالخلق مع أن الخلق قد يثبت لغير الله كما يدل عليه قول الله تعالى : { فتبارك الله أحسن الخالقين } . وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المصورين : "يقال : لهم : أحيوا ما خلقتم " ؟

    فالجواب على ذلك : أن غير الله تعالى لا يخلق كخلق الله فلا يمكنه إيجاد معدوم، ولا إحياء ميت، وإنما خلق غير الله تعالى يكون بالتغيير وتحويل الشيء من صفة إلى صفة أخرى وهو مخلوق لله - عز وجل - فالمصور مثلاً، إذا صور صورة فإنه لم يحدث شيئاً غاية ما هنالك أنه حول شيئاً إلى شيء كما يحول الطين إلى صورة طير أو صورة جمل، وكما يحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى صورة ملونة فالمداد من خلق الله عز وجل، والورقة البيضاء من خلق الله عز وجل، هذا هو الفرق بين إثبات الخلق بالنسبة إلى الله، عز وجل وإثبات الخلق بالنسبة إلى المخلوق.

    وعلى هذا يكون الله سبحانه وتعالى منفرداً بالخلق الذي يختص به.

    ثانياً : إفراد الله تعالى بالملك فالله تعالى وحده هو المالك

    {فكما أنه هو الذى خلق وحده فهو المالك وحده فهو لاشريك له فى الخلق ولا شريك له فى الملك } كما قال الله تعالى : { تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير } .

    وقال تعالى : { قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه } . فالمالك الملك المطلق العام الشامل هو الله سبحانه وتعالى وحده، ونسبة الملك إلى غيره نسبة إضافية فقد أثبت الله عز وجل لغيره الملك كما في قوله تعالى : { أو ما ملكتم مفاتحه } وقوله { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أن لغير الله تعالى ملكاً لكن هذا الملك ليس كملك الله عز وجل فهو ملك قاصر، وملك مقيد، ملك قاصر لا يشمل ما ملكه الغير، فالبيت الذي لزيد لا يملكه عمرو، والبيت الذي لعمرو لا يملكه زيد، ثم هذا الملك مقيد بحيث لا يتصرف الإنسان فيما ملك إلا على الوجه الذي أذن الله فيه ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وقال الله تبارك وتعالى : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً } . وهذا دليل على أن ملك الإنسان ملك قاصر وملك مقيد، بخلاف ملك الله سبحانه وتعالى فهو ملك عام شامل وملك مطلق يفعل الله سبحانه وتعالى ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون .

    ثالثاً : التدبير فالله عز وجل منفرد بالتدبير فهو الذي يدبر الخلق ويدبر السماوات والأرض كما قال الله سبحانه وتعالى : { ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين } .

    وهذا التدبير شامل لا يحول دونه شيء ولا يعارضه شيء . والتدبير الذي يكون لبعض المخلوقات كتدبير الإنسان أمواله وغلمانه وخدمه وما أشبه ذلك هو تدبير ضيق محدود، ومقيد غير مطلق فظهر بذلك صدق صحة قولنا : إن توحيد الربوبية هو " إفراد الله بالخلق والملك، والتدبير " .

    وقال تعالى : { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) }

    الله يتولى المؤمنين بنصره وتوفيقه وحفظه, يخرجهم من ظلمات الكفر, إلى نور الإيمان. والذين كفروا أنصارهم وأولياؤهم الأنداد والأوثان الذين يعبدونهم من دون الله, يُخرجونهم من نور الإيمان إلى ظلمات الكفر, أولئك أصحاب النار الملازمون لها, هم فيها باقون بقاء أبديًا لا يخرجون منها.

    الدليل على توحيد الربوبية :

    يقال لهؤلاء الجهلاء المنكرين للرب الكريم : أنه لا يقبل ذو عقل أن يكون أثر بلا مؤثر، وفعل بلا فاعلوخلق بلا خالق .

    ومما لا خلاف فيه أنك إذا رأيت إبـرة،أيقنت أن لها صانعا، فكيف بهذا الكون العظيم الذي يبهر العقول ويحير الألباب قد وجد بلا موجد ؟ ونظم بلا منظم، وكان كل ما فيه من نجـوم وغيوم ، وبروق ورعـود وقفار وبحار، وليل ونهار، وظلمات وأنوار، وأشجار وأزهار، وجن وإنس، وملك وحيـوان، إلى أنـواع لا يحصيها العد، ولا يأتيعليها الحصر، قد وجدت بلا موجد خرجها من العدم !

    اللهم لا يقول هذا من كان عنده مسكة من عقل، أو ذرة من فهم .

    وبالجملة : فالبراهين على ربوبيته لايأتي عليها العد، وصدق الله، إذ قال: (أَمْ خُلِقُواْ مِنْغَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ )

    وقوله نعالى : ( اللّهُ خَالِقُ كُـلّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ وَكِيلٌ )

    ومن الأدلة العقلية ما يحكى عن أبي حنيفة رحمه الله : أن قوم من أهل الكلام أرادوا البحث معه في تقرير توحيد الربوبية . فقال لهم أخبروني قبل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة ، تذهب فتمتلئ من الطعام والمتاع وغيره بنفسها ، وتعود بنفسها ، فترسي بنفسها ، وتفرغ وترجع ، كل ذلك من غير أن يدبرها أحد ؟! فقالوا هذا محال لا يمكن أبدا ! فقال لهم : إذا كان هذا محالا في سفينة ، فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله . (وتحكى هذه الحكاية أيضاً عن غير أبي حنيفة )

    الدليل على إقرار المشركين بتوحيد الربوبية :

    قال الله تعالى: ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنّ اللّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَيَعْلَمُونَ )

    وقوله تعالى: ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ أَمّن يَمْلِكُ السّمْعَ والأبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيّتَ مِنَ الْحَيّ وَمَن يُدَبّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتّقُونَ *فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمُ الْحَقّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقّ إِلاّ الضّلاَلُ فَأَنّىَ تُصْرَفُونَ )

    وقوله تعالى ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنّ خَلَقَهُنّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ )

    ملاحظة : توحيد الربوبية لا يدخل الإنسان في دين الإسلام إلا إذ اأتى معه بتوحيد الألوهية .

    وتوحيد الربوبية لايكفى وحده لنجاة الإنسان من النار ودخول الجنة بل لابد من توحيد الألوهية لأن نوحيد الربوبية يقر به جميع البشر ولا ينكره إلا الشواذ من البشر . قال تعالى : {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (25)}

    وقال تعالى : {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) }

    ومن معانى الربوبية تربية الله لخلقه فهو الذى خلقهم من العدم وغذاهم بالنعم فهو سبحانه وتعالى يربى أبدانهم وهو الذى يربى أرواحهم وقلوبهم . [2]

    توحيد الألوهية

    ويقال له توحيد العبادة : وهو إفراد الله تعالى بحميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة قولا وعملا ونفي العبادة عن كل من سوى الله تعالى كائنا من كان لأنه المستحق لأن يعبد لا سواه مهما سمت درجته وعلت منزلته .

    وهو التوحيد الذي جاءت به الـرسل إلى أممهم . لأن الرسل عليهم السلام جاءوا بتقرير توحيد الربوبية الذي كانت أممهم تعتقده ، ودعوهم إلى توحيد الألوهية كما أخبر الله عنهم في كتابه المجيد .

    قال الله مخبراً عن نوح صلى الله عليه وسلم (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىَ قَوْمِهِ إِنّي لَكُمْ نَذِيرٌ مّبِينٌ * أَن لاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ اللّهَ إِنّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ )

    وقال عن عيسى صلى الله عليه وسلم : ( إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـَذَ اصِرَاطٌ مّسْتَقِيمٌ )

    وأمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول لأهل الكتاب: ( قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِتَ عَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَنُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَيَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ )

    وقال تعالى مناديا جميع البشر : ( يَاأَيّهَا النّاسُ اعْبُدُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ وَالّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ)

    وبالجملة : فالرسل كلهم بعثوا لتوحيد الألوهية ودعوا أقوامهم إلى إفراد الله بالعبادة ،واجتناب عبادة الطواغيت والأصنام .

    كما قال الله : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمّةٍ رّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطاغوت)

    فقـد سمعت دعوة كل رسول لقومه ، فكانأول ما يقرع أسماع قومه : ( قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَالَكُمْ مّنْ إِلَـَهٍ غَيْرُهُ )

    ِوقال تعالى : إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ إنا نخصك وحدك بالعبادة, ونستعين بك وحدك في جميع أمورنا, فالأمر كله بيدك, لا يملك منه أحد مثقال ذرة . وفي هذه الآية دليل على أن العبد لا يجوز له أن يصرف شيئًا من أنواع العبادة كالدعاء والاستغاثة والذبح والطواف إلا لله وحده, وفيها شفاء القلوب من داء التعلق بغير الله, ومن أمراض الرياء والعجب, والكبرياء .

    تفسير العبادة

    ماهى العبادة ؟

    العبادة في اللغة : الذل والخضوع ، يقال : بعير معبد ، أي : مذلل ، وطريق معبد : إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام .

    وقي الشرع، معنى العبادة كما قال شيخ الإسلام هي طاعة الله، بامتثال ما أمر الله به على ألسنة الرسل .

    وكما عرفها ابن تيمية أيضا فقال : هي إسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة .

    فعلى المسلم أن يفرد ربه بجميع أنواع العبادات مخلصا لله فيها، وأن يأتي بها على الوجه الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً أو عملاً.

    وهي تبنى على ثلاثة أركان :

    الأول : كمال الحب للمعبود سبحانه ، كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } (البقرة : 165) .

    الثاني : كمال الرجاء ، كما قال تعالى : { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ } (الإسراء : 57) .

    الثالث : كمال الخوف من الله سبحانه ، كما قال تعالى : { وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } (الإسراء : 57) .

    وقد جمع الله سبحانه بين هذه الأركان الثلاثة العظيمة في فاتحة الكتاب في قوله سبحانه : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }{ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } ، فالآية الأولى فيها المحبة ؛ فإن الله منعم ، والمنعم يُحبُّ على قدر إنعامه ، والآية الثانية فيها الرجاء ، فالمتصف بالرحمة ترجى رحمته ، والآية الثالثة فيها الخوف ، فمالك الجزاء والحساب يخاف عذابه .

    ولهذا قال تعالى عقب ذلك : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } ، أي : أعبدك يا رب هذه الثلاث : بمحبتك التي دل عليها : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ، ورجائك الذي دل عليه : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ، وخوفك الذي دل عليه : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } .

    والعبادة لا تقبل إلا بشرطين :

    1 - الإخلاص فيها للمعبود ؛ فإن الله لا يقبل من العمل إلا الخالص لوجهه سبحانه ، قال تعالى { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } وقَال تعالى { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } وقال تعالى{ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي }

    2 - المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فإن الله لا يقبل من العمل إلا الموافق لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى :{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ، وقَال تعالى : { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } .

    وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ (أي مردود عليه) . [3]

    وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ .[4]

    فلا عبرة بالعمل ما لم يكن خالصا لله صوابا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله تعالى : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } " أخلصه وأصوبه " ، قيل : يا أبا علي ، وما أخلصه وأصوبه ؟ قال : " إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا ، والخالص ما كان لله ، والصواب ما كان على السنة " [5]

    ومن الآيات الجامعة لهذين الشرطين قوله تعالى في آخر سورة الكهف : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } .

    شمول العبادة للأنواع الآتية

    واعلم أن العبـادة تشمل الصلاة،والطواف، والحـج، والصوم، والنذر،والاعتكاف، والذبح، والسجود،والركوع، والخـوف، والـرهبة،والرغبة، والخشية، والتوكـل،والاستغاثة ، والرجاء، إلى غير ذلكمن أنواع العبادات التي شرعها اللهفي قرآنه المجيد، أو شرعها رسول الله بالسنة الصحيحة القولية أو العملية . فمن صرف شيئا منها لغير الله يكونمشركا، لقوله تعالى : ( وَمَن يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَبُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبّهِ إِنّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ) المؤمنون . وقوله : ( وَأَنّ الْمَسَاجِدَ لِلّهِ فَلاَتَدْعُواْ مَعَ اللّهِ أَحَداً )

    فأحد تعم كل مخلوق رسولاً كان أوملكاً أو صالحا ً.

    ويدخل في توحيد الألوهية جميع أنواع العبادة الصادرة عن تأله القلب لله بالحب والخضوع والانقياد له وحده لا شريك له فيجب إفراد الله بها كالدعاء والخوف والمحبة والتوكل والإنابة والتوبة والذبح والنذر والسجود وجميع أنوع العباد فيجب صرف جميع ذلك لله وحده لا شريك له . فمن صرف شيئا مما لايصلح إلا لله من العبادات لغير الله فهو مشرك لم يحقق توحيد الألوهية ، إذ لم يعمل بمقتضياته من التوحيد والإخلاص .

    والأدلة على توحيد الألوهية كثيرة منها قول الله جل وعلا ( فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) . وقوله تعالى : ( وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) .

    وقوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) .

    وقوله : (وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا )

    وغالب القران العظيم إنما أنزل في هذا الاصل العظيم . وقد دلت كثير من نصوص القرآنعلى أن صرف أي نوع من العبادات لغير الله شرك .

    قال تعالى (فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ) وقال تعالى : ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) وقال تعالى: ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)

    فالإيمان بألوهية الله يقتضي الإيمان بما شرعه الله سبحانه وأوجبه وفرضه على عبادة من شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا وجميع أنواع العبادات الأخرى التي دل عليها الكتاب والسنة ينبغي صرفها جميعا لله وحده لا شريك له وهذاهو مقتضى لا إله إلا الله .

    وينبغى إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة " بأن لا يتخذ الإنسان مع الله أحداً يعبده ويتقرب إليهكما يعبد الله تعالى ويتقرب إليه وهذا النوع من التوحيد هو الذي ضل فيه المشركون الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم واستباح دماءهم وأموالهم وأرضهم وديارهم وسبى نساءهم وذريتهم ، وهو الذي بعثت به الرسل وأنزلت به الكتب مع أخويه توحيدي الربوبية، والأسماء والصفات، لكن أكثر ما يعالج الرسل أقوامهم على هذا النوع من التوحيد وهو توحيد الألوهية بحيث لا يصرف الإنسان شيئاً من العبادة لغير الله سبحانه وتعالى لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، ولا لولي صالح،[6] ولا لأي أحد من المخلوقين، لأن العبادة

    لا تصح إلا لله عز وجل، ومن أخل بهذا التوحيد فهو مشرك كافر وإن أقر بتوحيد الربوبية، وبتوحيد الأسماء والصفات .

    فلو أن رجلاً من الناس يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور، وأنه سبحانه وتعالى المستحق لما

    يستحقه من الأسماء والصفات لكن يعبد مع الله غيره لم ينفعه إقراره بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات .

    فلو فرض أن رجلاً يقر إقراراً كاملاً بتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات لكن يذهب إلى القبر فيعبد صاحبه أو ينذر له قرباناً يتقرب به إليه فإن هذا مشرك كافر خالد في النار، قال الله تبارك وتعالى : { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) } .

    ومن المعلوم لكل من قرأ كتاب الله عز وجل أن المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم واستحل دماءهم، وأموالهم وسبى نساءهم، وذريتهم، وغنم أرضهم كانوا مقرين بأن الله تعالى وحده هو الرب الخالق لا يشكون في ذلك، ولكن لما كانوا يعبدون معه غيره صاروا بذلك مشركين مباحي الدم والمال .

    وقال تعالى : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) }

    واذكروا يا بني إسرائيل حين أخَذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا : بأن تعبدوا الله وحده لا شريك له, وأن تحسنوا للوالدين, وللأقربين, وللأولاد الذين مات آباؤهم وهم دون بلوغ الحلم, وللمساكين, وأن تقولوا للناس أطيب الكلام, مع أداء الصلاة وإيتاء الزكاة, ثم أَعْرَضْتم ونقضتم العهد -إلا قليلا منكم ثبت عليه- وأنتم مستمرون في إعراضكم.

    وقال تعالى : {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)}

    أكنتم أيها اليهود حاضرين حين جاء الموتُ يعقوبَ, إذ جمع أبناءه وسألهم ما تعبدون من بعد موتي؟ قالوا: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا, ونحن له منقادون خاضعون.

    وقال تعالى : { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) }

    ومع هذه البراهين القاطعة يتخذ فريق من الناس من دون الله أصنامًا وأوثانًا وأولياء يجعلونهم نظراء لله تعالى, ويعطونهم من المحبة والتعظيم والطاعة, ما لا يليق إلا بالله وحده. والمؤمنون أعظم حبا لله من حب هؤلاء الكفار لله ولآلهتهم; لأن المؤمنين أخلصوا المحبة كلها لله, وأولئك أشركوا في المحبة. ولو يعلم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك في الحياة الدنيا, حين يشاهدون عذاب الآخرة, أن الله هو المتفرد بالقوة جميعًا, وأن الله شديد العذاب, لما اتخذوا من دون الله آلهة يعبدونهم من دونه, ويتقربون بهم إليه.

    ذكر بعض أنواع العبادة

    العبادة أنواعها كثيرة ، فكل عمل صالح يحبه الله ويرضاه قولي أو فعلي ظاهر أو باطن فهو نوع من أنواعها وفرد من أفرادها ، وفيما يلي ذكر بعض الأمثلة على ذلك :

    1 - فمن أنواع العبادة : الدعاء ، بنوعيه دعاء المسألة ، ودعاء العبادة .

    قال الله تعالى : { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } (غافر : 14) ، وقال تعالى : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } (الجن : 18) ، وقال تعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ }{ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } (الأحقاف : 5- 6) .

    فمن دعا غير الله عز وجل بشيء لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك كافر سواء كان المدعو حيا أو ميتا ، ومن دعا حيا بما يقدر عليه مثل أن يقول : يا فلان أطعمني ، أو يا فلان اسقني ، ونحو ذلك فلا شيء عليه ، ومن دعا ميتا أو غائبا بمثل هذا فإنه مشرك ؛ لأن الميت والغائب لا يمكن أن يقوم بمثل هذا .

    والدعاء نوعان : دعاء المسألة ودعاء العبادة .

    فدعاء المسألة ، هو سؤال الله من خيري الدنيا والآخرة ، ودعاء العبادة يدخل فيه كل القربات الظاهرة والباطنة ؛ لأن المتعبد لله طالب بلسان مقاله ولسان حاله من ربه قبول تلك العبادة والإثابة عليها .

    وكل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله والثناء على الداعين يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة .

    2 ، 3 ، 4 - ومن أنواع العبادة : المحبة والخوف والرجاء ، وقد تقدم الكلام عليها وبيان أنها أركان للعبادة .

    5 - ومن أنواعها : التوكل ، وهو الاعتماد على الشيء .

    والتوكل على الله : هو صدق تفويض الأمر إلى الله تعالى اعتمادا عليه وثقة به مع مباشرة ما شرع وأباح من الأسباب لتحصيل المنافع ودفع المضار ، قال الله تعالى : { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (المائدة : 23) ، وقال تعالى : { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } (الطلاق : 3) .

    6 ، 7 ، 8- ومن أنواع العبادة : الرغبة والرهبة والخشوع .

    فأما الرغبة : فمحبة الوصول إلى الشيء المحبوب ، والرهبة : الخوف المثمر للهرب من المخوف ، والخشوع : الذل والخضوع لعظمة الله بحيث يستسلم لقضائه الكوني والشرعي ، قال الله تعالى في ذكر هذه الأنواع الثلاثة من العبادة : { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } (الأنبياء : 90) .

    9 - ومن أنواع العبادة : الخشية ، وهي الخوف المبني على العلم بعظمة من يخشاه وكمال سلطانه ، قال الله تعالى : { فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي } (البقرة : 150) .

    { فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ } (المائدة : 3) .

    10- ومنها الإنابة ، وهي الرجوع إلى الله تعالى بالقيام بطاعته واجتناب معصيته ، قال الله تعالى : { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ } (الزمر : 54) .

    11 - ومنها : الاستعانة ، وهي طلب العون من الله في تحقيق أمور الدين والدنيا ، قال الله تعالى :{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ، وقال صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس : « إذا استعنت فاستعن بالله » .

    12 - ومنها : الاستعاذة ، وهي طلب الإعاذة والحماية من المكروه ، قال الله تعالى : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ } وقال تعالى { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ } .

    13 - ومنها الاستغاثة ، وهو طلب الغوث ، وهو الإنقاذ من الشدة والهلاك ، قال الله تعالى : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } (الأنفال : 9) .

    14 - ومنها الذبح ، وهو إزهاق الروح بإراقة الدم على وجه الخصوص تقربا إلى الله ، قال الله تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (الأنعام : 162) ، وقال تعالى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } (الكوثر : 2) .

    15 - ومنها النذر ، وهو إلزام المرء نفسه بشيء ما ، أو طاعة لله غير واجبة ، قال الله تعالى : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } (الإنسان : 7) .

    فهذه بعض الأمثلة على أنواع العبادة ، وجميع ذلك حق لله وحده لا يجوز صرف أى شيء منه لغير الله .

    والعبادة بحسب ما تقوم به من الأعضاء على ثلاثة أقسام :

    القسم الأول : عبادات القلب ، كالمحبة والخوف والرجاء والإنابة والخشية والرهبة والتوكل ونحو ذلك .

    القسم الثاني : عبادات اللسان ، كالحمد والتهليل والتسبيح والاستغفار وتلاوة القرآن والدعاء ونحو ذلك .

    القسم الثالث : عبادات الجوارح ، كالصلاة والصيام والزكاة والحج والصدقة والجهاد ، ونحو ذلك .

    توحيدالأسماءوالصفات

    توحيد الأسماء والصفات : هو إفرادالله تعالى بأسمائه وصفاته وذلكبإثبات ما أثبته الله لنفسه منالأسماء والصفات في كتابه ، أو علىلسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ولا تكييف ، ولاتمثيل .

    وفيما يلي ذكر قواعد الأسماءوالصفات .

    القاعدة الأولى :

    أسماءالله حسنى وصفاته عليا كاملة قالتعالى (وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأعْلَىَ)

    وقالتعالى : (وَللّهِ الأسْمَآءُ الْحُسْنَىَ فَادْعُوهُ بِهَا)

    {فالمقصود الأسمى من أسماء الله الحسنى هو التوجه إلى الله سبحانه وتعالى بها فى الدعاء وليس ترديدها كأن يقول الإنسان يارحمن ارحمنى ياغفور اغفر لى وهكذا وليس المقصود أن يظل الإنسان يقول يارحمن يارحمن يارحمن ولا يسأل الله حاجته }

    القاعدة الثانية :

    أسماء الله وصفاته توقيفيه ، والمرجعفيها إلى الكتاب والسنة فقط فلا سبيل لمعرفتهما إلا بهما وأنها ليست مقصورة بعدد معين بل لم تعرف منها إلا بعضها . قال الله تعالى: ( قُلْ إِنّمَا حَرّمَ رَبّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِالْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَان اًوَ أَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)

    وقال: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَلَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنّ السّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُل أُولـَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)

    القاعدة الثالثة :

    لايجوز إثبات اسم أو صفة لله تعالى مع التمثيل لقوله تعالى : ( لَيْسَكَ مِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السّمِيعُ الْبَصِيرُ)

    وقوله:( فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأمْثَالَ إِنّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )

    كما لا يجوز نفي اسم أو صفة لله جاءت في الكتاب أو السنة لأن ذلك إشراك بالله تعالى وتعطيل لأسمائه وصفاته يستلزم تحريف النصوص ، أو تكذيبها مع تنقص الله تعالى وتمثيله بالمخلوق الناقص .

    القاعدة الرابعة :

    معاني أسماء الله وصفاته معلومة وكيفيتها مجهولة لا يعلمها إلا الله .

    قال تعالى : (وَلاَيُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)

    القاعدة الخامسة:

    لايلزم من اتحاد الاسمين اتحاد مسماهما فإن الله سمى نفسه بأسماء تسمى بها بعض خلقه وكذلك وصف نفسه بصفات وصفبها بعض خلقه كالسمع والبصر ، فليس السميع كالسميع وليس البصير كالبصير.

    ويجب الإيمان بما وصف الله ببه نفسه في كتابه او وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العلى وامرارها كما جاءت على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى ومن أدلته قول الله جل وعلا: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) .

    وقول الله جل وعلا ( وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)

    ويجب اجراء نصوص الكتاب والسنة في الاسماء والصفات على ظاهره وحملها على حقيقتها اللائقة بالله عز وجل من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل بل يجب أن تمر كما جاء بلا كيف مع الايمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف الله عز وجل فيجب وصفه بها على الوجه اللائق به من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته ، كما قال تعالى : ( فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (7)

    وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان .

    قال الوليد بن مسلم رحمه الله : " سئل مالك والأوزاعي والليث بن سعد وسفيان الثوري رحمهم الله عن الأخبار الواردة في الصفات فقالوا جميعا : أمروها جميعا بلا كيف " .

    وقال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري : " من شبه الله بخلقه كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه " .

    وينبغي للمسلم أن يحذر من تعطيل أسماء الله وصفاته أو تحريفها أو تكييفها أو تفويضها أو تمثيلها بصفات المخلوقين .

    والتعطيل هو : إنكار ما يجب لله تعالى من الاسماء والصفات أو إنكار بعضه .

    والتحريف هو : صرف الصفات عن ظاهرها بلا دليل .

    والتكييف هو : حكاية كيفية صفات الله بالقلب أو باللسان كان يقول يد الله كذا وكذا .

    والتفويض هو : الحكم بأن معاني نصوص الصفات مجهولة غير معلومة وأن الله وحده الذي يعلمها .

    والتمثيل هو : اعتقاد صفات الله مثل صفات المخلوقين .

    فلابد من الإيمان بما سمى الله به نفسه ووصف به نفسه على وجه الحقيقة لا المجاز، ولكن من غير تكييف، ولا تمثيل، وهذا النوع من أنواع التوحيد ضل فيه طوائف من هذه الأمة من أهل القبلة الذين ينتسبون للإسلام على أوجه شتى :

    منهم من غلا في النفي والتنزيه غلوّاً يخرج به من الإسلام، ومنهم متوسط، ومنهم قريب من أهل السنة .

    لكن طريقة السلف في هذا النوع من التوحيد هو أن يسمى الله ويوصف بما سمى ووصف به نفسه على وجه الحقيقة، من غير تحريف ولا تعطيل،ولا تكييف، ولا تمثيل . {اثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل }

    مثال ذلك : أن الله سبحانه وتعالى سمى نفسه بالحي القيوم فيجب علينا أن نؤمن بأن الحي اسم من أسماء الله تعالى ويجب علينا أن نؤمن بما تضمنه هذا الاسم من وصف وهي الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها فناء .

    وسمى الله نفسه بالسميع فعلينا أن نؤمن بالسميع اسماً من أسماء الله سبحانه وتعالى وبالسمع صفة من صفاته، وبأنه يسمع وهو الحكم الذي اقتضاه ذلك الاسم وتلك الصفة، فإن سميعاً بلا سمع أو سمعاً بلا إدراك مسموع هذا شيء محال وعلى هذا فقس .
    مثال آخر : قال الله تعالى : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء } فهنا قال الله تعالى : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } فأثبت لنفسه يدين موصوفتين بالبسط وهو العطاء الواسع، فيجب علينا أن نؤمن بأن لله تعالى يدين اثنتين مبسوطتين بالعطاء والنعم، ولكن يجب علينا أن لا نحاول بقلوبنا تصوراً، ولا بألسنتنا نطقاً أن نكيف تينك اليدين ولا أن نمثلهما بأيدي المخلوقين، لأن الله سبحانه وتعالى يقول :{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } ويقول الله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ويقول عز وجل : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } فمن مثل هاتين اليدين بأيدي المخلوقين فقد كذب قول الله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ } وقد عصى الله تعالى في قوله : { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ومن كيفهما وقال : هما على كيفية معينة أيّاً كانت هذه الكيفية فقد قال على الله ما لا يعلم وقفا ما ليس له به علم .

    ونضرب مثالاً ثانياً في الصفات : وهو استواء الله على عرشه فإن الله تعالى أثبت لنفسه أنه استوى على العرش في سبعة مواضع من كتابه كلها بلفظ { استوى } وبلفظ { على العرش} وإذا رجعنا إلى الاستواء في اللغة العربية وجدناه إذا عدي بعلى لا يقتضي إلا الارتفاع والعلو، فيكون معنى قوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى } وأمثالها من الآيات : أنه علا على عرشه علوّاً خاصاً غير العلو العام على جميع الأكوان وهذا العلو ثابت لله تعالى على وجه الحقيقة فهو عالٍ على عرشه علوّاً يليق به عزَّ وجلَّ لا يشبه علو الإنسان على السرير، ولا علوه على الأنعام، ولا علوه على الفلك الذي ذكره الله في قوله : { لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } فاستواء المخلوق على شيء لا يمكن أن يماثله استواء الله على عرشه، لأن الله ليس كمثله شيء .

    وقد أخطأ خطأ عظيماً من قال : إن معنى استوى على العرش استولى على العرش ، لأن هذا تحريف للكلم عن مواضعه، ومخالف لما أجمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم و التابعون لهم بإحسان، ومستلزم للوازم باطلة لا يمكن لمؤمن أن يتفوه بها بالنسبة لله عز وجل. والقرآن الكريم نزل باللغة العربية بلا شك كما قال الله سبحانه وتعالى : { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ومقتضى صيغة " استوى على كذا " في اللغة العربية العلو والاستقرار، بل هو معناها المطابق للفظ . فمعنى استوى على العرش أي : علا عليه علوّاً خاصاً يليق بجلاله وعظمته، فإذا فسر الإستواء بالإستيلاء فقد حرف الكلم عن مواضعه حيث نفى المعنى الذي تدل عليه لغة القرآن وهو العلو وأثبت معنى آخر باطلاً .

    ثم إن السلف والتابعين لهم بإحسان مجمعون على هذا المعنى إذ لم يأت عنهم حرف واحد في تفسيره بخلاف ذلك، وإذا جاء اللفظ في القرآن والسنة ولم يرد عن السلف تفسيره بما يخالف ظاهره فالأصل أنهم أبقوه على ظاهره واعتقدوا ما يدل عليه .
    فإن قال قائل : هل ورد لفظ صريح عن السلف بأنهم فسروا استوى بـ " علا " ؟

    قلنا : نعم ورد ذلك عن السلف، وعلى فرض أن لا يكون ورد عنهم صريحاً فإن الأصل فيما دل عليه اللفظ في القرآن الكريم والسنة النبوية أنه باق على ما تقتضيه اللغة العربية من المعنى فيكون إثبات السلف له على هذا المعنى .

    أما اللوازم الباطلة التي تلزم من فسر الاستواء بالاستيلاء فهي :

    أولاً : أن العرش قبل خلق السماوات والأرض ليس ملكاً لله تعالى لأن الله تعالى قال : " { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } .

    وعلى هذا فلا يكون الله مستولياً على العرش قبل خلق السماوات ولا حين خلق السماوات والأرض .

    ثانياً : أنه يصح التعبير بقولنا : إن الله استوى على الأرض، واستوى على أي شيء من مخلوقاته وهذا بلا شك ولا ريب معنى باطل لا يليق بالله عز وجل .

    ثالثاً : أنه تحريف للكلم عن مواضعه .

    رابعاً : أنه مخالف لإجماع السلف الصالح رضوان الله عليهم .

    وخلاصةُ الكلام في هذا النوع - توحيد الأسماء والصفات - أنه يجب علينا أن نثبت لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات على وجه الحقيقة من غير تحريف، ولا تعطيل ولا تكييف، ولا تمثيل .

    وقد اشتملت أقسام التوحيد الثلاثة على معنى لا إله إلا الله فان معناها : لا معبود بحق إلا الله .

    هذا ما تيسر وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    والحمد لله رب العالمين

    أخوكم ومحبكم فى الله

    طالب العفو الربانى

    محمود بن محمدى العجوانى

    [1] المنقذ من الضلال - (ج 1 / ص 4)
    الدهريون وهم طائفة من الأقدمين جحدوا الصانع المدبر، العالم القادر، وزعموا: أن العالم لم يزل موجوداً كذلك بنفسه، وبلا صانع، ولم يزل الحيوان من النطفة، والنطفة من الحيوان، كذلك كان، وكذلك يكون أبداً وهؤلاء هم الزنادقة.

    2 لسان العرب
    الرَّبُّ: هو اللّه عزّ وجل، هو رَبُّ كلِّ شيءٍ أَي مالكُه، وله الرُّبوبيَّة على جميع الخَلْق، لا شريك له، وهو رَبُّ الأَرْبابِ، ومالِكُ الـمُلوكِ والأَمْلاكِ. ولا يقال الربُّ في غَير اللّهِ، إِلاّ بالإِضافةِ، قال: ويقال الرَّبُّ، بالأَلِف واللام، لغيرِ اللّهِ؛ وقد قالوه في الجاهلية للـمَلِكِ .
    وربُّ كلِّ شيءٍ: مالِكُه ومُسْتَحِقُّه؛ وقيل: صاحبُه. ويقال: فلانٌ رَبُّ هذا الشيءِ أَي مِلْكُه له. وكُلُّ مَنْ مَلَك شيئاً، فهو رَبُّه.
    يقال: هو رَبُّ الدابةِ، ورَبُّ الدارِ، وفلانٌ رَبُّ البيتِ، وهُنَّ رَبَّاتُ الـحِجالِ؛ ويقال: رَبٌّ، مُشَدَّد؛ ورَبٌ، مخفَّف؛ وفي حديث أَشراط الساعة: وأَن تَلِدَ الأَمَـةُ رَبَّها، أَو رَبَّـتَها. قال: وأَراد به في هذا الحديثِ الـمَوْلَى أَو السَّيِّد، يعني أَن الأَمَةَ تَلِدُ لسيِّدها ولَداً، فيكون كالـمَوْلى لها، لأَنـَّه في الـحَسَب كأَبيه. أَراد: أَنَّ السَّبْـي يَكْثُر، والنِّعْمة تظْهَر في الناس، فتكثُر السَّراري.
    قال: الرَّبُّ يُطْلَق في اللغة على المالكِ، والسَّـيِّدِ، والـمُدَبِّر، والـمُرَبِّي، والقَيِّمِ، والـمُنْعِمِ؛ قال: ولا يُطلَق غيرَ مُضافٍ إِلاّ على اللّه، عزّ وجلّ، وإِذا أُطْلِق على غيرِه أُضِـيفَ، فقيلَ: ربُّ كذا.
    وفي حديث إِجابةِ الـمُؤَذِّنِ: اللهُمَّ رَبَّ هذه الدعوةِ أَي صاحِـبَها؛ وقيل: المتَمِّمَ لَـها، والزائدَ في أَهلها والعملِ بها، والإِجابة لها.
    وفي حديث أَبي هريرة، رضي اللّه عنه: لا يَقُل الـمَمْلُوكُ لسَـيِّده: ربِّي؛ كَرِهَ أَن يجعل مالكه رَبّاً له، لـمُشاركَةِ اللّه في الرُّبُوبيةِ؛ فأَما قوله تعالى: اذْكُرْني عند ربك؛ فإِنه خاطَـبَهم على الـمُتَعارَفِ عندهم، وعلى ما كانوا يُسَمُّونَهم به؛ ومنه قَولُ السامِرِيّ: وانْظُرْ إِلى إِلهِكَ أَي الذي اتَّخَذْتَه إِلهاً.
    وقوله عزّ وجلّ: ارْجِعِـي إِلى رَبِّكِ راضِـيةً مَرْضِـيَّةً، فادْخُلي في عَبْادي؛ فيمن قرأَ به، فمعناه، واللّه أَعلم: ارْجِعِـي إِلى صاحِـبِكِ الذي خَرَجْتِ منه، فادخُلي فيه؛ والجمعُ أَربابٌ ورُبُوبٌ. وقوله عزّ وجلّ: إِنه ربِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ؛ قال الزجاج: إِن العزيز صاحِـبِـي أَحْسَنَ مَثْوايَ؛ قال: ويجوز أَنْ يكونَ: اللّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ.
    والرَّبِـيبُ: الـمَلِكُ؛ ورَبَّهُ يَرُبُّهُ رَبّاً: مَلَكَه. وطالَتْ مَرَبَّـتُهم الناسَ ورِبابَـتُهم أَي مَمْلَكَتُهم؛
    وإِنه لَـمَرْبُوبٌ بَيِّنُ الرُّبوبةِ أَي لَـمَمْلُوكٌ؛ والعِـبادُ مَرْبُوبونَ للّهِ، عزّ وجلّ، أَي مَمْلُوكونَ.
    ابن الأَنباري: الرَّبُّ يَنْقَسِم على ثلاثة أَقسام:
    يكون الرَّبُّ المالِكَ، ويكون الرَّبُّ السّيدَ المطاع؛قال اللّه تعالى: فيَسْقِـي ربَّه خَمْراً، أَي سَيِّدَه؛ ويكون الرَّبُّ الـمُصْلِـحَ. رَبَّ الشيءَ إِذا أَصْلَحَه؛ وفي حديث ابن عباس مع ابن الزبير، رضي اللّه عنهم: لأَن يَرُبَّنِـي بَنُو عَمِّي، أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَن يَرُبَّنِـي غيرُهم، أَي يكونون عليَّ أُمَراءَ
    وسادةً مُتَقَدِّمين، يعني بني أُمَيَّةَ، فإِنهم إِلى ابنِ عباسٍ في النَّسَبِ أَقْرَبُ من ابن الزبير.
    وفي الحديث: لكَ نِعْمةٌ تَرُبُّها، أَي تَحْفَظُها وتُراعِـيها وتُرَبِّـيها، كما يُرَبِّي الرَّجُلُ ولدَه .
    وتَرَبَّـبَه، وارْتَبَّه، ورَبَّاه تَرْبِـيَةً، على تَحْويلِ التَّضْعيفِ، وتَرَبَّاه، على تحويل التضعيف أَيضاً: أَحسَنَ القِـيامَ عليه، وَوَلِـيَه حتى يُفارِقَ الطُّفُولِـيَّةَ، كان ابْـنَه أَو لم يكن .
    والرِّبِّـيُّ والرَّبَّانِـيُّ: الـحَبْرُ، ورَبُّ العِلْم، وقيل: الرَّبَّانِـيُّ الذي يَعْبُد الرَّبَّ، زِيدت الأَلف والنون للمبالغة في النسب.
    وقال سيبويه: زادوا أَلفاً ونوناً في الرَّبَّاني إِذا أَرادوا تخصيصاً بعِلْم الرَّبِّ دون غيره، كأَن معناه: صاحِبُ عِلم بالرَّبِّ دون غيره من العُلوم؛ والرَّبِّـيُّ: منسوب إِلى الرَّبِّ.
    والرَّبَّانِـيُّ: الموصوف بعلم الرَّبِّ.
    ابن الأَعرابي:الرَّبَّانِـيُّ العالم الـمُعَلِّم، الذي يَغْذُو الناسَ بِصغارِ العلم قبلَ كِـبارها.
    وقال محمد بن عليّ ابن الحنفية لَـمّا ماتَ عبدُاللّه بن عباس، رضي اللّه عنهما: اليومَ ماتَ رَبّانِـيُّ هذه الأُمـَّة.
    ورُوي عن علي، رضي اللّه عنه، أَنه قال: الناسُ ثلاثةٌ: عالِـمٌ ربَّانيٌّ، ومُتَعَلِّمٌ على سَبيلِ نَجاةٍ، وهَمَجٌ رَعاعٌ أَتْباعُ كلِّ ناعق.
    قال ابن الأَثير: هو منسوب إِلى الرَّبِّ، بزيادة الأَلف والنون للمبالغة؛ قال وقيل: هو من الرَّبِّ، بمعنى التربيةِ، كانوا يُرَبُّونَ الـمُتَعَلِّمينَ بِصغار العُلوم، قبلَ كبارِها. والرَّبَّانِـيُّ: العالم الرَّاسِخُ في العِلم والدين، أَو الذي يَطْلُب بِعلْمِه وجهَ اللّهِ، وقيل: العالِم، العامِلُ، الـمُعَلِّمُ؛ وقيل: الرَّبَّانِـيُّ: العالي الدَّرجةِ في العِلمِ. قال أَبو عبيد: سمعت رجلاً عالماً بالكُتب يقول: الرَّبَّانِـيُّون العُلَماءُ بالـحَلال والـحَرام، والأَمْرِ والنَّهْي.
    ورُوي عن زِرِّ بن عبدِاللّه، في قوله تعالى: كُونوا رَبَّانِـيِّـينَ، قال: حُكَماءَ عُلَماءَ.
    والرَّبِـيبةُ: الحاضِنةُ؛ قال ثعلب: لأَنها تُصْلِـحُ الشيءَ، وتَقُومبه، وتَجْمَعُه.

    [3]صحيح البخاري
    [4] صحيح البخاري
    [5]حلية الأولياء
    [6]فإن النبى لم يبعث من قبل الله إلا بتوحيد الله فكيف يصرف إليه شئ من العبادة ؟ والملك ليس له عمل ولا هم إلا عبادة الله فكيف يصرف إليه
    شئ من العبادة ؟ والولى الصالح ما تحصل على الولاية إلا بعبادة الله وحده لا شريك له فكيف يصرف إليه شئ من العبادة ؟

  3. #3

    افتراضي

    بارك الله فيك يا شيخنا الفاضل

  4. #4
    مشرف مجالس العلوم الشرعية المتخصصة
    تاريخ التسجيل
    20-04-2010
    العمر
    66
    المشاركات
    842

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    وفيك بارك الله أخانا الكريم سلطان
    وجزاكم الله خيرا على مروركم الكريم


  5. #5
    مشرفة بالمجلس الاسلامي و الاسرة العربية الصورة الرمزية ام نواف
    تاريخ التسجيل
    09-12-2009
    المشاركات
    407

    افتراضي

    الله
    لله درك يا شيخنا محمود العجوانى
    ماشاء الله بارك الله فيك على هذه الروائع فى ميزان حسناتك
    اثريت منتدى النسابون العرب بهذه الاضافات والروائع النادرة
    فتح الله عليك ولا حرمك الاجر

  6. #6
    مشرف مجالس العلوم الشرعية المتخصصة
    تاريخ التسجيل
    20-04-2010
    العمر
    66
    المشاركات
    842

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
    أختنا الفاضلة أم نواف
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    وجزاكم الله خيرا على مروركم على صفحتى
    شرُفت بكم



  7. #7
    مشرف مجالس العلوم الشرعية المتخصصة
    تاريخ التسجيل
    20-04-2010
    العمر
    66
    المشاركات
    842

    سلسلة بنى الإسلام (3) دلائل التوحيد

    سلسلة بنى الإسلام (3) دلائل التوحيد
    بسم الله الرحمن الرحيم
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }[ آل عمران : 102]{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } [ النساء : 1]{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [ الأحزاب : 70-71 ]
    أما بعد، فان أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
    * دلائل التوحيد
    معنى الدليل على توحيد الله أى أن هذا الفعل أو هذا المخلوق الذى نستدل به على الله لايقدر عليه إلا الله ولا يقدر عليه أحد من الخلق كائنا من كان ومهما أوتى من أسباب ولا يقدر عليه كل الخلق ولو اجتمعوا بكل ما أوتوا من أسباب أى أن هذا الأمر لا يقدر عليه إلا واحد أحد ألا وهو الله .
    الأمر بعبادة الله وحده وأدلة التوحيد [1]
    قال الله تعالى :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(21)الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(22)}.
    يقول تعالى منبهاً العبادَ إِلى دلائل القدرة والوحدانية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} أي يا معشر بني آدم اذكروا نِعَم الله الجليلة عليكم، واعبدوا الله ربكم الذي ربَّاكم وأنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئاً، اعبدوه بتوحيده، وشكره، وطاعته.
    {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} أي الذي أوجدكم بقدرته من العدم، وخلق مَن قبلكم من الأمم {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي لتكونوا في زمرة المتقين، الفائزين بالهدى والفلاح، قال البيضاوي: لما عدَّد تعالى فِرَق المكلفين، أقبل عليهم بالخطاب على سبيل الالتفات، هزاً للسامع، وتنشيطاً له، واهتماماً بأمر العبادة وتفخيماً لشأنها، وإِنما كثر النداء في القرآن بـ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} لاستقلاله بأوجهٍ من التأكيد، وكلُّ ما نادى الله له عباده من حيث إِنها أمور عظام من حقها أن يتفطنوا لها، ويقبلوا بقلوبهم عليها وأكثرهم عنها غافلون حقيقٌ بأن يُنادى له بالآكد الأبلغ.
    ثمَّ عدَّد تعالى نِعَمه عليهم فقال {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا} أي جعلها مهاداً وقراراً، تستقرون عليها وتفترشونها كالبساط المفروش مع كرويتها، وإِلا ما أمكنكم العيش والاستقرار عليها، قال البيضاوي: جعلها مهيأة لأن يقعدوا ويناموا عليها كالفراش المبسوط، وذلك لا يستدعي كونها مسطَّحة لأن كروية شكلها مع عظم حجمها لا يأبى الافتراش عليها.

    {وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} أي سقفاً للأرض مرفوعاً فوقها كهيئة القبة {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} أي مطراً عذباً فراتاً أنزله بقدرته من السحاب {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} أي فأخرج بذلك المطر أنواع الثمار والفواكه والخضار غذاءً لكم.

    {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي فلا تتخذوا معه شركاء من الأصنام والبشر تشركونهم مع الله في العبادة، وأنتم تعلمون أنها لا تَخْلُق شيئاً ولا تَرْزق، وأنَّ الله هو الخالق الرازق وحده، ذو القوة المتين، قال ابن كثير: شرع تعالى في بيان وحدانية ألوهيته بأنه هو المنعم على عبيده بإِخراجهم من العدم، وإِسباغه عليهم النِّعَم، والمرادُ بالسَّماء هنا السحاب، فهو تعالى الذي أنزل المطر من السحاب في وقته عند احتياجهم إِليه، فأخرج لهم به أنواع الزروع والثمار رزقاً لهم ولأنعامهم، ومضمونه أنه الخالق الرازق مالكُ الدار وساكنيها ورازقهم، فبهذا يستحق أن يُعبد وحده ولا يُشرك به غيره.

    وقال الرازى فى تفسيره

    واعلم أن للسلف طرقاً لطيفة في هذا الباب .

    أحدها : رُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الزَّنَادِقَةِ أَنْكَرَ الصَّانِعَ عِنْدَ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ هَلْ رَكِبْت الْبَحْرَ قَالَ نَعَمْ قَالَ هَلْ رَأَيْت أَهْوَالَهُ قَالَ نَعَمْ هَاجَتْ يَوْمًا رِيَاحٌ هَائِلَةٌ فَكَسَّرَتْ السُّفُنَ وَأَغْرَقَتْ الْمَلَّاحِينَ فَتَعَلَّقْت بِبَعْضِ أَلْوَاحِهَا ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي ذَلِكَ اللَّوْحُ فَإِذَا أَنَا مَدْفُوعٌ فِي تَلَاطُمِ الْأَمْوَاجِ حَتَّى دُفِعْت إلَى السَّاحِلِ فَقَالَ جَعْفَرٌ قَدْ كَانَ اعْتِمَادُك مَنْ قَبْلُ عَلَى السَّفِينَةِ وَالْمَلَّاحِ وَاللَّوْحِ بِأَنَّهُ يُنْجِيَك فَلَمَّا ذَهَبَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَنْك هَلْ أَسْلَمْت نَفْسَك لِلْهَلَاكِ أَمْ كُنْت تَرْجُو السَّلَامَةَ بَعْدَهُ قَالَ بَلْ رَجَوْت السَّلَامَةَ قَالَ مِمَّنْ تَرْجُوهَا فَسَكَتَ الرَّجُلُ فَقَالَ جَعْفَرٌ إنَّ الصَّانِعَ هُوَ الَّذِي تَرْجُوهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَهُوَ الَّذِي أَنْجَاك مِنْ الْغَرَقِ فَأَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِهِ .

    وثانيها : وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَالَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَمْ لَك مِنْ إلَةٍ قَالَ عَشَرَةٌ قَالَ فَمَنْ نَعَّمَك وَكَرَّمَك وَرَفَعَ الْأَمْرَ الْعَظِيمَ إذَا نَزَلَ بِك مِنْ جُمْلَتِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا لَك مِنْ إلَهٍ إلَّا اللَّهُ } . [2]
    وثالثها : وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَيْفًا عَلَى الدَّهْرِيَّةِ وَكَانُوا يَنْتَهِزُونَ الْفُرْصَةَ لِيَقْتُلُوهُ فَبَيْنَمَا هُوَ قَاعِدٌ فِي مَسْجِدِهِ إذْ هَجَمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِأَيْدِيهِمْ سُيُوفٌ مَسْلُولَةٌ وَهَمُّوا بِقَتْلِهِ فَقَالَ لَهُمْ أَجِيبُونِي عَلَى مَسْأَلَةٍ ثُمَّ افْعَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَالُوا لَهُ هَاتِ فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ يَقُولُ لَكُمْ إنِّي رَأَيْت سَفِينَةً مَشْحُونَةً بِالْأَحْمَالِ مَمْلُوءَةً بِالْأَثْقَالِ قَدْ احْتَوَشَتْهَا فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ أَمْوَاجٌ مُتَلَاطِمَةٌ وَرِيَاحٌ مُخْتَلِفَةٌ وَهِيَ مِنْ بَيْنِهَا تَجْرِي مُسْتَوِيَةً لَيْسَ لَهَا مَلَّاحٌ يُجْرِيهَا وَلَا مُدَبِّرٌ يُدَبِّرُ أَمْرَهَا هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْعَقْلِ قَالُوا لَا هَذَا شَيْءٌ لَا يَقْبَلُهُ الْعَقْلُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَا سُبْحَانَ اللَّهِ إذَا لَمْ يُجَوِّزْ الْعَقْلُ سَفِينَةً تَجْرِي مِنْ غَيْرِ مَلَّاحٍ يُدِيرُهَا فِي جَرَيَانِهَا فَكَيْفَ يُجَوِّزُ قِيَامَ هَذِهِ الدُّنْيَا عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا وَتَغَيُّرِ أَعْمَالِهَا وَسَعَةِ أَطْرَافِهَا مِنْ غَيْرِ صَانِعٍ وَحَافِظٍ فَبَكَوْا جَمِيعًا وَقَالُوا صَدَقْت وَأَغْمَدُوا سُيُوفَهُمْ وَتَابُوا .
    ورابعها : وَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الدَّهْرِيَّةِ سَأَلَ الْإِمَامَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا الدَّلِيلُ عَلَى الصَّانِعِ ؟ فَقَالَ : وَرَقَةُ الْفِرْصَادِ أَيْ التُّوتِ طَعْمُهَا وَاحِدٌ وَلَوْنُهَا وَاحِدٌ وَرِيحُهَا وَاحِدٌ وَطَبْعُهَا وَاحِدٌ عِنْدَكُمْ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : فَتَأْكُلُهَا دُودَةُ الْقَزِّ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْإِبْرَيْسَمُ وَتَأْكُلُهَا النَّحْلُ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْعَسَلُ وَتَأْكُلُهَا الشَّاةُ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْبَعْرُ وَتَأْكُلُهَا الظَّبْيَةُ فَيَنْعَقِدُ فِي نَوَافِجِهَا الْمِسْكُ فَمَنْ الَّذِي جَعَلَهَا كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ الطَّبْعَ وَاحِدٌ فَاسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ وَآمَنُوا عَلَى يَدِهِ وَكَانُوا سَبْعَةَ عَشَرَ ا هـ .
    وخامسها : سئل أبو حنيفة رضي الله عنه مرة أخرى فتمسك بأن الوالد يريد الذكر فيكون أنثى، وبالعكس فدل على الصانع . وسادسها : تمسك أحمد بن حنبل رضي الله عنه بقلعة حصينة ملساء لا فرجة فيها ظاهرها كالفضة المذابة وباطنها كالذهب الإبريز، ثم انشقت الجدران وخرج من القلعة حيوان سميع بصير فلا بدّ من الفاعل، عنى بالقلعة البيضة وبالحيوان الفرخ . وسابعها : سأل هرون الرشيد مالكاً عن ذلك فاستدل باختلاف الأصوات وتردد النغمات وتفاوت اللغات .
    وثامنها : سئل أبو نواس عنه، فقال:
    فتأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك
    عيون من لجين شاخصات وأزهار كما الذهب السبيك
    على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك [3]
    وتاسعها : سئل أعرابي عن الدليل فقال : البعرة تدل على البعير. والروث على الحمير، وآثار الأقدام على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج. وبحار ذات أمواج، أما تدل على الصانع الحليم العليم القدير؟
    وعاشرها : قيل لطبيب : بم عرفت ربك ؟ قال باهليلج مجفف أطلق، ولعاب ملين أمسك .
    وقال آخر: عرفته بنحلة بأحد طرفيها تعسل، والآخر تلسع والعسل مقلوب اللسع .
    وحادي عشرها : حكم البديهية في قوله : {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } (الزخرف) {فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُواْ ءامَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } (غافر ).
    قال تعالى :{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} أي إِلهكم المستحق للعبادة إِلهٌ واحد، لا نظير له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله {لا إِلَهَ إِلاَ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} أي لا معبود بحق إِلا هو جلّ وعلا مُولي النعم ومصدر الإِحسان {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي إِن في إِبداع السموات والأرض بما فيهما من عجائب الصنعة ودلائل القدرة {وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أي تعاقبهما بنظام محكم، يأتي الليل فيعقبه النهار، وينسلخ النهار فيعقبه الليل، ويطول النهار ويقصر الليل والعكس {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ} أي السفن الضخمة الكبيرة التي تسير في البحر على وجه الماء وهي وموقرةٌ بالأثقال {بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ} أي بما فيه مصالح الناس من أنواع المتاجر والبضائع {وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ} أي وما أنزل الله من السحاب من المطر الذي به حياة البلاد والعباد {فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} أي أحيا بهذا الماء الزروع والأشجار، بعد أن كانت يابسة مجدبة ليس فيها حبوب ولا ثمار.
    {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} أي نشر وفرّق في الأرض من كل ما يدب عليها من أنواع الدواب، المختلفة في أحجامها وأشكالها وألوانها وأصواتها {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} أي تقليب الرياح في هبوبها جنوباً وشمالاً، حارة وباردة، وليّنة وعاصفة {وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} أي السحاب المذلّل بقدرة الله، يسير حيث شاء الله وهو يحمل الماء الغزير ثم يصبُّه على الأرض قطرات قطرات، قال كعب الأحبار: السحاب غربال المطر ولولا السحاب لأفسد المطر ما يقع عليه من الأرض {لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أي لدلائل وبراهين عظيمة دالة على القدرة القاهرة، والحكمة الباهرة، والرحمة الواسعة لقوم لهم عقول تعي وأبصار تدرك، وتتدبر بأن هذه الأمور من صنع إِله قادر حكيم.
    وكَمَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ لِأَعْرَابِيٍّ : بِمَ عَرَفْت رَبَّك ؟ فَقَالَ : الْبَعْرَةُ تَدُلُّ عَلَى الْبَعِيرِ ، وَأَثَرُ الْأَقْدَامِ عَلَى السَّيْرِ ، فَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ وَأَرْضٌ ذَاتُ فِجَاجٍ وَبُحُورٌ ذَاتُ أَمْوَاجٍ أَلَا تَدُلُّ عَلَى اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ ؟
    وقال ابن المعتز:
    فيا عجبًا كيف يعصى الإله ... أم كيف يجحده الجاحد
    وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
    وقال آخرون : من تأمل هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها وما فيها من الكواكب الكبار والصغار المنيرة من السيارة ومن الثوابت، وشاهدها كيف تدور مع الفلك العظيم في كل يوم وليلة دويرة ولها في أنفسها سير يخصها، ونظر إلى البحار الملتفة للأرض من كل جانب، والجبال الموضوعة في الأرض لتقر ويسكن ساكنوها مع اختلاف أشكالها وألوانها كما قال: { وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [فاطر] وكذلك هذه الأنهار السارحة من قطر إلى قطر لمنافع العباد وما زرأ في الأرض من الحيوانات المتنوعة والنبات المختلف الطعوم والأراييح والأشكال والألوان مع اتحاد طبيعة التربة والماء، علم وجود الصانع وقدرته العظيمة وحكمته ورحمته بخلقه ولطفه بهم وإحسانه إليهم وبره بهم لا إله غيره ولا رب سواه، عليه توكلت وإليه أنيب، والآيات في القرآن الدالة على هذا المقام كثيرة جدًا.
    قال فى حاشية الأصول الثلاثة
    فإذا قال لك قائل بم استدللت على معرفتك ربك ومعبودك وخالقك .
    فقل عرفته بآياته ومخلوقاته التي نصبها دلالة على وحدانيته ونفرده بالربوبية والإلهية . والآيات جمع آية : والآية العلامة والدلالة والبرهان والحجة . والمخلوقات جمع مخلوق وهو ما أوجد بعد العدم ، وآيات الرب سبحانه من دلالاته وبراهينه التي بها يعرفه العباد ، ويعرفون أسماءه وصفاته وتوحيده وأمره ونهيه ، وآياته العيانية الخلقية والنظر فيها والاستدلال بها يدل على ما تدل عليه آياته القولية السمعية ، والرسل تخبر عنه بكلامه الذي تكلم به وهو آياته القولية ويستدلون على ذلك بمفعولاته التي تشهد على صحة ذلك ، وهي آياته العيانية ، والعقل يجمع بين هذه وهذه ، فيجزم بصحة ما جاءت به الرسل فتتفق شهادة السمع والبصر والعقل والفطرة ، وكل شيء من آياته ومخلوقاته دال على وحدانيته وتفرده بالربوبية ،
    وقال آخر :
    تأمل سطور الكائنات فإنها ... من الملك الأعلى إليك رسائل
    وقد خط فيها لو تأملت خطها ... ألا كل شيء ما خلا الله باطل
    فإيجاد هذه المخلوقات أوضح دليل على وجود الباري تعالى وتفرده بالربوبية والإلهية . ونعرف ربنا تبارك وتعالى أيضا بصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالطرق الدالة على ذلك . وهي كثيرة فالكتاب والسنة مملوءة بذلك.
    ** ومن أعظم آياته المشاهدة بالأبصار الليل والنهار ، وكون الليل يأتي على النهار فيغطيه حتى كأنه لم يكن ، ثم يأتي النهار فيذهب بظلمه الليل حتى كأن الليل لم يكن فمجيء هذا وذهاب هذا بهذه الصفة وهذه الصورة المشاهدة دال أعظم دلالة على وحدانية خالقه وموجده .
    ** ومن أعظم آياته المشاهدة بالأبصار الشمس والقمر . . وكونهما يجريان هذا الجريان المتقن : { لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } دال أعظم دلالة على وحدانية موجدهما تعالى وتقدس .
    ** ومن أعظم مخلوقات الله الدالة على وحدانيته تعالى السماوات السبع وسعتها وارتفاعها ، والأرضون السبع وامتدادها وسعة أرجائها ، وما في السماوات السبع من الكواكب الزاهرة ، والآيات الباهرة ، وما في الأرضين السبع من الجبال والبحار ، وأصناف المخلوقات من الحيوانات والنباتات وسائر الموجودات ، وما بين السماوات والأرض من الأهوية والسحاب وغير ذلك دال على وحدانية الباري جل جلاله ، وعلى تفرده بالخلق والتدبير.
    قصة النُّمْرُود مع إبراهيم عليه السلام
    قال تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ}تعجيب للسامع من أمر هذا الكافر، المجادل في قدرة الله أي ألم ينته علمك إِلى ذلك المارد وهو "النمرود بن كنعان" الذي جادل إِبراهيم في وجود الله؟ {أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} أي لأن آتاه الله الملك حيث حمله بطره بنعم الله على إِنكار وجود الله، فقابل الجود والإِحسان بالكفر والطغيان.
    قلت (محمود) : وهناك كثير من خلق الله حملهم ما أنعم الله عليهم به على أن تجرأوا على انتهاك محارم الله بل وتجرأوا على الله فتنمردوا مثل هذا النمرود ولذلك رأينا الناس إذا رأو من يعصى الله وينتهك محارمه يقولون له لا تتنمرد . أى أذكر لما عصى النمرود ربه ماذا فعل الله به فاحذر من معصية الله وإلا كنت نمرودا فيفعل الله بك كما فعل بالنمرود . فلنحذر من عطاء الله لنا من الأسباب المادية لأن هذه الأسباب قد تجرنا إلى معصية الله والتجرأ عليه . فقد قال فرعون { ما علمت لكم من إله غيرى } وقال { أنا ربكم الأعلى } وقال { أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى }
    {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} أي حين قال له إِبراهيم مستدلاً على وجود الله إِن ربي هو الذي يخلق الحياة والموت في الأجساد فهو وحده ربُّ العالمين {قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} أي قال ذلك الطاغية وأنا أيضاً أحيي وأميت، روي أنه دعا برجلين حكم عليهما بالإِعدام فأمر بقتل أحدهما فقال: هذا قتلتُه، وأمر بإِطلاق الآخر وقال: هذا أحييتُه، ولما رأى الخليل حماقته ومشاغبته في الدليل عدل إِلى دليل آخر أجدى وأروع وأشد إِفحاماً . {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ} أي إِذا كنت تدعي الألوهية وأنك تحيي وتميت كما يفعل رب العالمين جل جلاله فهذه الشمس تطلع كل يوم من المشرق بأمر الله ومشيئته فأطلعها من المغرب بقدرتك وسلطانك ولو مرة واحدة{فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} أي أُخرس ذلك الفاجر بالحجة القاطعة، وأصبح مبهوتاً دهشاً لا يستطيع الجواب {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} أي لا يلهمهم الحجة والبيان في مقام المناظرة والبرهان بخلاف أوليائه المتقين.
    قصة العُزَير
    قال تعالى :{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}وهذه هي القصة الثانية وهي مثلٌ لمن أراد الله هدايته والمعنى ألم ينته إلى علمك كذلك مثل الذي مرَّ على قرية وقد سقطت جدرانها على سقوفها وهي قرية بيت المقدس لما خرَّبها بختنصر {قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} أي قال ذلك الرجل الصالح واسمه "عزير" على الرأي الأشهر": كيف يحيي الله هذه البلدة بعد خرابها ودمارها؟ قال ذلك استعظاماً لقدرة الله تعالى وتعجباً من حال تلك المدينة وما هي عليه من الخراب والدمار، وكان راكباً على حماره حينما مرَّ عليها .{ قلت محمود : أى أن الذى يحى هذه القرية بعد موتها لعظيم القدر وعظيم القدرة } {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} أي أمات الله ذلك السائل واستمر ميتاً مائة سنة ثم أحياه الله ليريه كمال قدرته {قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} أي قال له ربه بواسطة الملك كم مكثتَ في هذه الحال؟ قال يوماً ثم نظر حوله فرأى الشمس باقية لم تغب فقال: أو بعض يوم أي أقل من يوم فخاطبه ربه بقوله {قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ} أي بل مكثت ميتاً مائة سنة كاملة {فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} أي إن شككت فانظر إلى طعامك لم يتغير بمرور الزمن، وكان معه عنبٌ وتينٌ وعصير فوجدها على حالها لم تفسد {وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ} أي كيف تفرقت عظامه ونخرت وصار هيكلاً من البلى {وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} أي فعلنا ما فعلنا لتدرك قدرة الله سبحانه ولنجعلك معجزة ظاهرة تدل على كمال قدرتنا {وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا} أي تأمل في عظام حمارك النخرة كيف نركّب بعضها فوق بعض وأنت تنظر ثم نكسوها لحماً بقدرتنا {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي فلما رأى الآيات الباهرة قال أيقنت وعلمت علم مشاهدة أن الله على كل شيء قدير.
    طَلَبَ إبراهيمُ عليه السلام المعاينة للطُّمَأْنينة
    قال تعالى :{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى}وهذه هي القصة الثالثة وفيها الدليل الحسي على الإِعادة بعد الفناء والمعنى: اذكر حين طلب إِبراهيم من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى، سأل الخليل عن الكيفية مع إِيمانه الجازم بالقدرة الربانية، فكان يريد أن يعلم بالعيان ما كان يوقن به بالوجدان، ولهذا خاطبه ربه بقوله {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} أي أولم تصدِّق بقدرتي على الإِحياء؟ قال بلى آمنت ولكن أردت أن أزداد بصيرةً وسكون قلب برؤية ذلك . {قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} أي خذ أربعة طيور فضمهنَّ إِليك ثم اقطعهن ثم اخلط بعضهن ببعض حتى يصبحن كتلة واحدة {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً} أي فرِّق أجزاءهن على رؤوس الجبال {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} أي نادهنَّ يأتينك مسرعات قال مجاهد: كانت طاووساً وغراباً وحمامة وديكاً فذبحهن ثم فعل بهن ما فعل ثم دعاهن فأتين مسرعات {وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} أي لا يعجز عما يريده حكيم في تدبيره وصنعه.
    قال المفسرون: ذبحهن ثم قطعهن ثم خلط بعضهن ببعض حتى اختلط ريشها ودماؤها، ولحومها ثم أمسك برءوسها عنده وجزأها أجزاءً على الجبال ثم دعاهن كما أمره تعالى فجعل ينظر إلى الريش يطير إلى الريش، والدم إلى الدم، واللحم إلى اللحم
    حتى عادت طيراً كما كانت وأتينه يمشين سعياً ليكون أبلغ له في الرؤية لما سأل. ذكره ابن كثير. [4]
    دلائل القدرة والوحدانية
    وقال تعالى :دلائل القدرة والوحدانية يقول الله عز وجل{قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} أي قل يا نبينا الحمدُ للهِ على أفضاله وإنعامه، وسلامٌ على عباده المرسلين الذين اصطفاهم لرسالته،واختارهم لتبليغ دعوته قال الزمخشري: أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتلو هذه الآيات الدالة على وحدانيته، الناطقة بالبراهين على قدرته وحكمته، وأن يستفتح بتحميده والسلام على أنبيائه، وفيه تعليمٌ حسن، وتوقيفٌ على أدبٍ جميل، وهو حمد الله والصلاة على رسله، ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابراً عن كابر هذا الأدب، فحمدوا الله وصلوا على رسوله أمام كل علم، وقبل كل عظة وتذكرة {ءآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} تبكيتٌ للمشركين وتهكمٌ بهم أي هل الخالق المبدع الحكيم خيرٌ أم الأصنام التي عبدوها وهي لا تسمع ولا تستجيب ؟
    {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} برهان آخر على وحدانية الله أي أمَّن أبدع الكائنات فخلق تلك السماواتِ في ارتفاعها وصفائها، وجعل فيها الكواكب المنيرة، وخلق الأرض وما فيها من الجبال والسهول والأنهار والبحار، خيرٌ أمّا يشركون ؟ {وَأَنزَلَ لَكُمْمِنَالسَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} أي وأنزل لكم بقدرته المطر من السحاب فأخرج به الحدائق والبساتين، ذات الجمال والخضرة والنضرة، والمنظر الحسنِ البهيج {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} أي ما كان للبشر ولا يتهيأ لهم، وليس بمقدورهم ومستطاعهم أن يُنبتوا شجرها فضلاً عن ثمرها {أَءلَهُ مَعَ اللَّهِ} استفهام إنكار أي هل معه معبود سواه حتى تسوّوا بينهما وهو المتفرد بالخلق والتكوين؟ {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} أي بل هم قوم يشركون بالله فيجعلون له عديلاً ومثيلاً، ويسوّون بين الخالق الرازق والوثن .
    {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا} برهان آخر أي جعل الأرض مستقَراً للإِنسان والحيوان، بحيث يمكنكم الإِقامة بها والاستقرار عليها {وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا} أي وجعل في شعابها وأوديتها الأنهار العذبة الطيبة، تسير خلالها شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً {وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ} أي وجعل جبالاً شامخة ترسي الأرض وتثبتها لئلا تميد وتضطرب بكم {وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا} أي وجعل بين المياه العذبة والمالحة فاصلاً ومانعاً يمنعها من الاختلاط، لئلا يُفسد ماء البحار المياهَ العذبة {أَءلَه مَعَ اللَّهِ}؟ أي أمع الله معبودٌ سواه؟ {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي أكثر المشركين لا يعلمون الحق فيشركون مع الله غيره .
    {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} برهانٌ ثالث أي أمّن يجيب المكروب المجهود الذي مسَّه الضر فيستجيب دعاءهويلبي نداءه؟ {وَيَكْشِفُ السُّوءَ} أي ويكشف عنه الضُرَّ والبأساء؟ {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ} أي ويجعلكم سكان الأرض تعمرونها جيلاً بعد جيل، وأُمةً بعد أُمة {أَءلَهُُ مَعَ اللَّهِ}؟ أي أءِله مع الله يفعل ذلك حتى تعبدوه؟ {قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} أي ما أقلَّ تذكركم واعتباركم فيما تشاهدون؟
    {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}؟ برهان رابع أي أم من يرشدكم إلى مقاصدكم في أسفاركم في الظلام الدامس، في البراري، والقفار، والبحار؟ والبلاد التي تتوجهون إليها بالليل والنهار؟ {وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}؟ أي ومن الذي يسوق الرياح مبشرةً بنزول المطر الذي هو رحمة للبلاد والعباد ؟ {أَءلَهُُ مَعَ اللَّهِ}؟ أي أءِلهٌ مع الله يقدر على شيءٍ من ذلك؟ {تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي تعظَّم وتمجَّد الله القادر الخالق عن مشاركة العاجز المخلوق
    {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} برهانٌ خامس أي أمَّنْ يبدأ خلق الإِنسان ثم يعيده بعد فنائه ؟ قال الزمخشري: كيف قال لهم ذلك وهم منكرون للإِعادة؟ والجواب أنه قد أُزيحت علَّتُهم بالتمكين من المعرفة والإِقرار، فلم يبق لهم عذرٌ من الإِنكار {وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} أي ومن يُنزل عليكم من مطر السماء، ويُنبتُ لكم من بركات الأرض الزروع والثمار؟ قال أبو حيان: لما كان إِيجاد بني آدم إنعاماً إليهم وإِحساناً عليهم، ولا تتم النعمة إلا بالرزق قال {وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ منْ السَّمَاءِ} أي بالمطر {وَالأَرْضِ} أي بالنبات {أَءلَهُُ مَعَ اللَّهِ}؟ أي أإله مع الله يفعل ذلك ؟ {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} أي أحضروا حجتكم ودليلكم على ما تزعمون إن كنتم صادقين في أنَّ مع الله إلهاً آخر. [5]
    بعض آيات من قدرة الله عز وجل
    قال تعالى : {وَآيَةٌ لَهُمْ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا} أي ومن الآيات الباهرة، والعلامات الظاهرة الدالة على كمال قدرة الله ووحدانيته هذه الآية العظيمة، وهي الأرض اليابسة الهامدة التي لا نبات فيها ولا زرع، أحييناها بالمطر، قال المفسرون: موتُ الأرض جدبها، وإِحياؤها بالغيث، فإِذا أنزل الله عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوجٍ بهيج ولهذا قال تعالى بعده {وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} أي وأخرجنا بهذا الماء أنواع الحبوب ليتغذوا به ويعيشوا، قال القرطبي: نبَّههم تعالى بهذا على إحياء الموتى، وذكَّرهم على توحيده وكمال قدرته، بالأرض الميتة أحياها بالنبات، وإِخراج الحب منها، فمن الحبِّ يأكلون وبه يتغذون {وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} أي وجعلنا في الأرض بساتين ناضرة فيها من أنواع النخيل والعنب {وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَالْعُيُونِ} أي وجعلنا فيها ينابيع من الماء العذب، والأنهار السارحة في بلدان كثيرة {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} أي ليأكلوا من ثمرات ما ذُكر من الجنات والنخيل التي أنشأها لهم، ومما عملته أيديهم مما غرسوه وزرعوه بأنفسهم، قال ابن كثير: لما امتنَّ على خلقه بإِيجاد الزروع لهم، عطف بذكر الثمار وأنواعها وأصنافها، وما ذاك كله إلا من رحمة الله تعالى بهم، لا بسعيهم وكدِّهم، ولا بحولهم وقوتهم ولهذا قال {أَفَلا يَشْكُرُونَ}؟ أي أفلا يشكرونه على ما أنعم به عليهم؟ واختار ابن جرير أنَّ "ما" بمعنى الذي أي ليأكلوا من ثمره ومما عملته أيديهم أي من الذي غرسوه ونصبوه {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا} أي تنزّّه وتقدَّس الله العلي الجليل الذي خلق الأصناف كلها، المختلفة الألوان والطعوم والأشكال من جميع الأشياء {مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ} أي ممَّا تُخرج الأرضُ من النخيل والأشجار، والزروع والثمار، ومن أنفسهم من الذكور والإِناث، ومما لا يعلمون من المخلوقات العجيبة والأشياء الغريبة كما قال تعالى {ومن كل شيءٍ خلقنا زوجين لعلكم تذكَّرون}. {وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} أي وعلامةٌ أخرى لهم على كمال قدرتنا الليلُ نزيل عنه الضوء ونفصله عن النهار فإِذا هم داخلون في الظلام، وفي الآية رمزٌ إلى أن الأصل في الكون هو الظلام والنور عارض وهذا ما أكّده العلم الحديث، فإِذا غربت الشمس ينسلخ النهار من الليل ويُكشف ويزول فيظهر الأصل وهو الظلمة {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} أي وآيةٌ أخرى لهم الشمس تسير بقدرة الله في فَلك لا تتجاوزه ولا تتخطَّاه لزمنٍ تستقر فيه، ولوقتٍ تنتهي إليه وهو يوم القيامة حيث ينقطع جريانهاعند خراب العالم، قال ابن كثير: وفي قوله تعالى {لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} قولان: أحدهما: أن المراد مستقرها المكاني وهو تحت العرش مما يلي الأرض لحديث البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أبا ذرٍ أتدري أين تغرب الشمس؟ قلت: اللهُ ورسوله أعلم، قال: فإِنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ..) الحديث. والثاني: أن المراد بمستقرها هو منتهى سيرها وهو يوم القيامة، حيث يبطل سيرها، وتسكن حركتها، وتُكور وينتهي هذا العالم إلى غايته، وقرئ {لا مُسْتَقَرَّ لَها} أي لا قرار لها ولا سكون، بل هي سائرة ليلاً ونهاراً، لا تفتر ولا تقف {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} أي ذلك الجري والدوران بانتظام وبحساب دقيق هو تقدير الإِله العزيز في ملكه، العليم بخلقه {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} أي والقمرَ قدرنا مسيره في منازل يسير فيها لمعرفة الشهور، وهي ثمانية وعشرون منزلاً في ثمانية وعشرين ليلة، ينزل كل ليلةٍ في واحد منها لا يتخطاها ولا يتعداها، فإِذا كان في آخر منازله دقَّ واستقوس {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} أي حتى صار كغصن النخل اليابس، وهو عنقود التمر حين يجف ويصفر ويتقوس، قال مجاهد: أي العذق اليابس وهو عنقود الرطب إذا عتق ويبس وانحنى، ثم يبدأ جديداً في أول الشهر الآخر {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} أي لا يمكن للشمس ولا يصح لها أن تجتمع مع القمر بالليل فتمحو نوره، لأن ذلك يُخلُّ بتلوين النبات، ومصلحة العباد، قال الطبري: أي لا الشمس يصلح لها إِدراك القمر، فيُذهب ضوءها نوره فتكون الأوقات كلها نهاراً لا ليل فيها {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} أي ولا الليل يسبق النهار حتى يدركه فيذهب بضيائه فتكون الأوقات كلها ليلاً {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} أي وكلٌ من الشمس والقمر والنجوم تدور في فلك السماء والغرضُ من الآية: بيانُ قدرة الله في تسيير هذا الكون بنظام دقيق، فالشمس لها مدار، والقمر له مدار، وكل كوكب من الكواكب له مدار لا يتجاوزه في جريانه أو دورانه، ولا يطغى أحدهما على الآخر -كما قال قتادة: "لكل حدٌ وعلمٌ لا يعدوه، ولا يقصر دونه"- حتى يأتي الأجل المعلوم بخراب العالم، فيجمع الله بين الشمس والقمر كما قال تعالى{وجُمع الشمس والقمر} فيختل نظام الكون، وتقوم القيامة، وتنتهي حياة البشرية عن سطح هذا الكوكب الأرضي {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} أي وعلامة أخرى واضحة للناس على كمال قدرتنا أننا حملنا ءاباءهم الأقدمين -وهم ذرية آدم- في سفينة نوح عليه السلام التي أمره الله أن يحمل فيها من كلٍ زوجين اثنين، قال في التسهيل: وإِنما خصَّ ذريتهم بالذكر، لأنه أبلغ في الامتنان عليهم، ولأن فيه إشارة إلى حمل أعقابهم إلى يوم القيامة {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} أي وخلقنا لهم من مثل سفينة نوح السفن العظيمة التي يركبونها ويبلغون عليها أقصى البلدان، وإِنما نسب الخلق إليه لأنها بتعليم الله جل وعلا للإِنسان، وقال ابن عباس: هي الإِبل وسائر المركوبات، فهي في البر مثل السفن في البحر {وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ} ولو أردنا لأغرقناهم في البحر فلا مغيث لهم {وَلا هُمْ يُنقَذُونَ} أي ولا أحد يستطيع أن ينقذهم من الغرق {إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} أي لا ينقذهم أحد إلا نحن لأجل رحمتنا إياهم، وتمتيعنا لهم إلى انقضاء آجالهم .. بيَّن تعالى أن ركوبهم السفن في البحر من الآيات العظيمة، فإِن سير السفينة بما فيها من الرجال والأثقال فوق سطح الماء آية باهرة فقد حملتهم قدرة الله ونواميسه التي تحكم الكون وتصرفه بحكم خواص السفن، وخواص الماء، وخواص الريح، وكلُّها من أمر الله وخلقه وتقديره، والسفينة في البحر الخضم كالريشة في مهبِّ الهواء، وإِلاّ تدركها رحمة الله فهي هالكة في لحظة من ليل أو نهار، والذين ركبوا البحار، وشاهدوا الأخطار، يدركون هول البحر المخيف، ويحسون معنى رحمة الله وأنها وحدها هي المنجي لهم من بين العواصف والتيارات، في هذا الخضم الهائل من هذه الأخطار يعرفون معنى قوله تعالى {إِلا رَحْمَةً مِنَّا} فسبحان الله القدير الرحيم!!. [6]
    الحوار بين فرعون وموسى عليه السلام حول الربوبية
    وقال تعالى : {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} أي قال فرعون: ومنْ هذا الربُّ الذي تدعوني إِليه يا موسى؟ فإِني لا أعرفه؟ ولم يقل: من ربيّ لغاية عتوّه ونهاية طغيانه بل أضافه إِلى موسى وهارون {فَمَنْ رَبُّكُمَا} {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} أي ربُّنا هو الذي أبدع كل شيءٍ خَلقه ثم هداه لمنافعه ومصالحه، وهذا جوابٌ في غاية البلاغة والبيان لاختصاره ودلالته على جميع الموجودات بأسرها، فقد أعطى العين الهيئة التي تطابق الإِبصار، والأُذُن الشكل الذي يوافق الاستماع، وكذلك اليد والرجل والأنف واللسان، قال الزمخشري: ولله درُّ هذا الجواب ما أخصره وأجمعه وأبينه لمن ألقى الذهن ونظر بعين الإِنصاف{ قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى} أي ما حال من هلك من القرون الماضية لِم لَمْ يُبعثوا، ولم يُحاسبوا إِن كان ما تقول حقاً؟ قال ابن كثير: لما أخبر موسى بأن ربه الذي أرسله هو الذي خلق ورزق، وقدَّر فهدى، شرع فرعون يحتج بالقرون الأولى كأنه يقول: ما بالهم إِذْ كان الأمر كذلك لم يعبدوا ربَّك بل عبدوا غيره؟ {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ} أي قال موسى: علم أحوالها وأعمالها عند ربي مسطرٌ في اللوح المحفوظ {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} أي لا يخطئ ربي ولا يغيب عن علمه شيءٌ منها .. ثم شرع موسى يبينّ له الدلائل على وجود الله وآثار قدرته الباهرة فقال {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدًا} أي جعل الأرض كالمهد تمتهدونها وتستقرون عليها رحمة بكم {وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا} أي جعل لكم طُرقاً تسلكونها فيها لقضاء مصالحكم {وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} أي أنزل لكم من السحاب المطرَ عذباً فراتاً {فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى} أي فأخرج بذلك الماء أنواعاً من النباتات المختلفة الطعم والشكل والرائحة كلُّ صنف منها زوج، وفيه التفاتٌ من الغيبة إِلى المتكلم تنبيهاً على عظمة الله {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ} أي كلوا من هذه النباتات والثمار واتركوا أنعامكم تسرح وترعىمن الكلأ الذي أخرجه الله، والأمر للإِباحة تذكيراً له بالنِّعم { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى} أي إِنَّ فيما ذُكر لعلامات واضحة لأصحاب العقول السليمة على وجود الله ووحدانيته {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} أي من الأرض خلقناكم أيها الناس وإليها تعودون بعد مماتكم فتصيرون تراباً {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} أي ومن الأرض نخرجكم مرة أخرى للبعث والحساب.[7]
    مراحل خلق الإنسان أكبر دليل على توحيد الله
    ثم ذكر الله تعالى الأدلة والبراهين على قدرته ووحدانيته فقال {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} اللام جواب قسم أي والله لقد خلقنا جنس الإِنسان من صفوة وخلاصة استلت من الطين قال ابن عباس: هو آدم لأنه انسلَّ من الطين {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً} أي ثم جعلنا ذرية آدم وبنيه منيّاً ينطف من أصلاب الرجال {فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} أي في مستقرٍ متمكن هو الرحم {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} أي ثم صيرَّنا هذه النطفة - وهي الماء الدافق - دماً جامداً يشبه العلقة {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} أي جعلنا ذلك الدم الجامد مضغة أي قطعة لحم لا شكل فيها ولا تخطيط {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا} أي صيَّرنا قطعة اللحم عظاماً صلبة لتكون عموداً للبدن { فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} أي سترنا العظام باللحم وجعلناه كالكسوة لها {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} أي ثم بعد تلك الأطوار نفخنا فيه الروح فصيرناه خلقاً آخر في أحسن تقويم قال الرازي: أي جعلناه خلقاً مبايناً للخلق الأول حيث صار إِنساناً وكان جماداً، وناطقاً وكان أبكم، وسميعاً وكان أصم، وبصيراً وكان أكمه، وأودع كل عضو من أعضائه عجائب فطرة، وغرائب حكمة لا يحيط بها وصف الواصفين {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} أي فتعالى الله في قدرته وحكمته أحسن الصانعين صنعاً {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} أي ثم إِنكم أيها الناس بعد تلك النشأة والحياة لصائرون إلى الموت {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} أي تبعثون من قبوركم للحساب والمجازاة.[8]
    ودلائل التوحيد كثيره قد نبهنا على طرف منها أما لبيانها فكما قال القائل :
    فيا عجبًا كيف يعصى الإله ... أم كيف يجحده الجاحد
    وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
    هذا ما تيسر وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    والحمد لله رب العالمين
    أخوكم ومحبكم فى الله
    طالب العفو الربانى
    محمود بن محمدى العجوانى

    [1] الموسوعة الإسلامية المعاصرة
    [2]الاستيعاب وروينا عن الحسن البصري أنه قد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال له: «يا حصين ما تعبد؟»، قال: أعبد عشرة آلهة، قال: «وما هم وأيُّهم»، قال تسعة في الأرض وواحد في السماء، قال: «فمن لحاجتك»، قال: الذي في السماء: «فمن لطلبتك» قال: الذي في السماء، قال: «فمن لكذا فمن لكذا»، كل ذلك يقول الذي في السماء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : «فألغ التسعة».
    وفى أسد الغابة : عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «لأبي: يا حصين كم تعبد اليوم إلهاً؟» قال: سبعة، ستة في الأرض وواحد في السماء، قال: «فأيَّهم تعبد لرغبتك ورهبتك؟» قال: الذي في السماء، قال: «يا حصين، أما إنك لو أسلمت لعلمتك كلمتين ينفعانك» ، قال: فلما أسلم حصين قال: يا رسول الله، علمني الكلمتين اللتين وعدتني، قال: قل:«اللهم ألهمني رُشْدي، وأعذني من شر نفسي» .
    [3]كشف الأسرار في حكم الطيور والأزهار - (ج 1 / ص 4)
    تَأَمَّلْ في رِيَاضِ الرِّوضِ وانظر ... إلَى آثارِ مَا صَنَعَ المَلِيكُ
    عُيُونٍ مِنْ لجينٍ شاخصاتٍ ... بأحداقٍ كما الذَّهَب السَّبيك
    عَلَى قَضِيبِ الزَّبَرْجَدِ شَاهِداتٍ ... بأَنَّ اللهَ ليسَ لَهُ شَرِيك
    وأنَّ مُحَمَّداً خَيْرُ البَرَايا ... إلى الثَّقَلَيْنِ أَرْسَلَهُ المَلِيكُ
    [4] قال : هل رأيت -أيها الرسول- أعجب مِن حال هذا الذي جادل إبراهيم عليه السلام في توحيد الله تعالى وربوبيته; لأن الله أعطاه المُلْك فتجبَّر وسأل إبراهيمَ: مَن ربُّك؟ فقال عليه السلام: ربي الذي يحيي الخلائق فتحيا, ويسلبها الحياة فتموت, فهو المتفرد بالإحياء والإماتة, قال: أنا أحيي وأميت, أي أقتل مَن أردتُ قَتْلَه, وأستبقي مَن أردت استبقاءه, فقال له إبراهيم: إن الله الذي أعبده يأتي بالشمس من المشرق, فهل تستطيع تغيير هذه السُّنَّة الإلهية بأن تجعلها تأتي من المغرب; فتحيَّر هذا الكافر وانقطعت حجته, شأنه شأن الظالمين لا يهديهم الله إلى الحق والصواب.
    أو هل رأيت -أيها الرسول- مثل الذي مرَّ على قرية قد تهدَّمت دورها, وخَوَتْ على عروشها, فقال: كيف يحيي الله هذه القرية بعد موتها؟ فأماته الله مائة عام, ثم ردَّ إليه روحه, وقال له: كم قدر الزمان الذي لبثت ميتًا؟ قال: بقيت يومًا أو بعض يوم, فأخبره بأنه بقي ميتًا مائة عام, وأمره أن ينظر إلى طعامه وشرابه, وكيف حفظهما الله من التغيُّر هذه المدة الطويلة, وأمره أن ينظر إلى حماره كيف أحياه الله بعد أن كان عظامًا متفرقة؟ وقال له: ولنجعلك آية للناس, أي: دلالة ظاهرة على قدرة الله على البعث بعد الموت, وأمره أن ينظر إلى العظام كيف يرفع الله بعضها على بعض, ويصل بعضها ببعض, ثم يكسوها بعد الالتئام لحما, ثم يعيد فيها الحياة؟ فلما اتضح له ذلك عِيانًا اعترف بعظمة الله, وأنه على كل شيء قدير, وصار آية للناس.
    واذكر -أيها الرسول- طلب إبراهيم من ربه أن يريه كيفية البعث, فقال الله له: أَوَلم تؤمن؟ قال: بلى, ولكن أطلب ذلك لأزداد يقينًا على يقيني, قال: فخذ أربعة من الطير فاضممهن إليك واذبحهن وقطعهن, ثم اجعل على كل جبل منهن جزءًا, ثم نادِهن يأتينك مسرعات. فنادى إبراهيم عليه السلام, فإذا كل جزء يعود إلى موضعه, وإذا بها تأتي مسرعة. واعلم أن الله عزيز لا يغلبه شيء, حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.
    [5]قل -أيها الرسول-: الثناء والشكر لله, وسلام منه, وأَمَنَةٌ على عباده الذين تخيرهم لرسالته, ثم اسأل مشركي قومك هل الله الذي يملك النفع والضر خير أو الذي يشركون من دونه, ممن لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًا؟
    واسألهم مَن خلق السموات والأرض, وأنزل لكم من السماء ماء, فأنبت به حدائق ذات منظر حسن؟ ما كان لكم أن تنبتوا شجرها, لولا أن الله أنزل عليكم الماء من السماء. إن عبادته سبحانه هي الحق, وعبادة ما سواه هي الباطل. أمعبود مع الله فعل هذه الأفعال حتى يُعبد معه ويُشرك به؟ بل هؤلاء المشركون قوم ينحرفون عن طريق الحق والإيمان, فيسوون بالله غيره في العبادة والتعظيم.
    أعبادة ما تشركون بربكم خير أم الذي جعل لكم الأرض مستقرًا وجعل وسطها أنهارًا, وجعل لها الجبال ثوابت, وجعل بين البحرين العذب والملح حاجزًا حتى لا يُفسد أحدهما الآخر؟ أمعبود مع الله فَعَلَ ذلك حتى تشركوه معه في عبادتكم؟ بل أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون قَدْر عظمة الله, فهم يشركون به تقليدًا وظلمًا.
    أعبادة ما تشركون بالله خير أم الذي يجيب المكروب إذا دعاه, ويكشف السوء النازل به, ويجعلكم خلفاء لمن سبقكم في الأرض؟ أمعبود مع الله ينعم عليكم هذه النعم؟ قليلا ما تذكرون وتعتبرون, فلذلك أشركتم بالله غيره في عبادته.
    أعبادة ما تشركون بالله خير أم الذي يرشدكم في ظلمات البر والبحر إذا ضللتم فأظلمت عليكم السبل, والذي يرسل الرياح مبشرات بما يرحم به عباده مِن غيث يحيي موات الأرض؟ أمعبود مع الله يفعل بكم شيئًا من ذلك فتدعونه من دونه؟ تنزَّه الله وتقدَّس عما يشركون به غيره.
    واسألهم من الذي ينشئ الخلق ثم يفنيه إذا شاء, ثم يعيده, ومَن الذي يرزقكم من السماء بإنزال المطر, ومن الأرض بإنبات الزرع وغيره؟ أمعبود سوى الله يفعل ذلك؟ قل: هاتوا حجتكم إن كنتم صادقين في زعمكم أن لله تعالى شريكًا في ملكه وعبادته.
    قل -أيها الرسول- لهم: لا يعلم أحد في السموات ولا في الأرض ما استأثر الله بعلمه من المغيَّبات, ولا يدرون متى هم مبعوثون مِن قبورهم عند قيام الساعة؟ بل تكامل علمهم في الآخرة, فأيقنوا بالدار الآخرة, وما فيها مِن أهوال حين عاينوها, وقد كانوا في الدنيا في شك منها, بل عميت عنها بصائرهم.
    [6]ودلالة لهؤلاء المشركين على قدرة الله على البعث والنشور: هذه الأرض الميتة التي لا نبات فيها, أحييناها بإنزال الماء, وأخرجنا منها أنواع النبات مما يأكل الناس والأنعام, ومن أحيا الأرض بالنبات أحيا الخلق بعد الممات.
    وجعلنا في هذه الأرض بساتين من نخيل وأعناب, وفجَّرنا فيها من عيون المياه ما يسقيها.
    كل ذلك; ليأكل العباد من ثمره, وما ذلك إلا من رحمة الله بهم لا بسعيهم ولا بكدِّهم, ولا بحولهم وبقوتهم, أفلا يشكرون الله على ما أنعم به عليهم من هذه النعم التي لا تعدُّ ولا تحصى؟
    تنزَّه الله العظيم الذي خلق الأصناف جميعها من أنواع نبات الأرض, ومن أنفسهم ذكورًا وإناثًا, ومما لا يعلمون من مخلوقات الله الأخرى. قد انفرد سبحانه بالخلق, فلا ينبغي أن يُشْرَك به غيره.
    وعلامة لهم دالة على توحيد الله وكمال قدرته: هذا الليل ننزع منه النهار, فإذا الناس مظلمون.
    وآية لهم الشمس تجري لمستقر لها, قدَّره الله لها لا تتعداه ولا تقصر عنه, ذلك تقدير العزيز الذي لا يغالَب, العليم الذي لا يغيب عن علمه شيء.
    والقمرَ آية في خلقه, قدَّرناه منازل كل ليلة, يبدأ هلالا ضئيلا حتى يكمل قمرًا مستديرًا, ثم يرجع ضئيلا مثل عِذْق النخلة المتقوس في الرقة والانحناء والصفرة؛ لقدمه ويُبْسه.
    لكل من الشمس والقمر والليل والنهار وقت قدَّره الله له لا يتعدَّاه, فلا يمكن للشمس أن تلحق القمر فتمحو نوره, أو تغير مجراه, ولا يمكن للَّيل أن يسبق النهار, فيدخل عليه قبل انقضاء وقته, وكل من الشمس والقمر والكواكب في فلك يَجْرون.
    ودليل لهم وبرهان على أن الله وحده المستحق للعبادة, المنعم بالنعم, أنَّا حملنا مَن نجا مِن ولد آدم في سفينة نوح المملوءة بأجناس المخلوقات; لاستمرار الحياة بعد الطوفان.
    وخلقنا لهؤلاء المشركين وغيرهم مثل سفينة نوح من السفن وغيرها من المراكب التي يركبونها وتبلِّغهم أوطانهم.
    وإن نشأ نغرقهم, فلا يجدون مغيثًا لهم مِن غرقهم, ولا هم يخلصون من الغرق.
    إلا أن نرحمهم فننجيهم ونمتعهم إلى أجل؛ لعلهم يرجعون ويستدركون ما فرَّطوا فيه.
    8قال فرعون لهما: فمَن ربكما يا موسى؟
    قال له موسى: ربنا الذي أعطى كل شيء خَلْقَه اللائق به على حسن صنعه, ثم هدى كل مخلوق إلى الانتفاع بما خلقه الله له.
    قال فرعون لموسى: فما شأن الأمم السابقة؟ وما خبر القرون الماضية, فقد سبقونا إلى الإنكار والكفر؟
    قال موسى لفرعون: عِلْمُ تلك القرون فيما فَعَلَت من ذلك عند ربي في اللوح المحفوظ, ولا عِلْمَ لي به, لا يضل ربي في أفعاله وأحكامه, ولا ينسى شيئًا ممَّا علمه منها.
    هو الذي جعل لكم الأرض ميسَّرة للانتفاع بها, وجعل لكم فيها طرقًا كثيرة, وأنزل من السماء مطرًا, فأخرج به أنواعًا مختلفة من النبات.
    كلوا - أيها الناس - من طيبات ما أنبتنا لكم, وارعوا حيواناتكم وبهائمكم. إن في كل ما ذُكر لَعلامات على قدرة الله, ودعوة لوحدانيته وإفراده بالعبادة, لذوي العقول السليمة.
    من الأرض خَلَقْناكم - أيها الناس -، وفيها نعيدكم بعد الموت, ومنها نخرجكم أحياء مرة أخرى للحساب والجزاء.
    [8] تفسير ابن كثير - (ج 5 / ص 468)
    قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا علي بن زيد، عن أنس، قال: قال عمر -يعني: ابن الخطاب رضي الله عنه-: وافقت ربي ووافقني في أربع: نزلت هذه الآية: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ } الآية، قلت (8) أنا: فتبارك الله أحسن الخالقين. فنزلت: { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ }
    وقال أيضًا: حدثنا أبي، حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا شَيْبَان، عن جابر الجُعْفِي، عن عامر الشعبي، عن زيد بن ثابت الأنصاري قال: أملى عليَّ رسولُ الله هذه الآية: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ } إلى قوله: { خَلْقًا آخَرَ } ، فقال معاذ: { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له معاذ: مم ضحكت يا رسول الله؟ قال: "بها ختمت { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } (1) .
    جابر بن يزيد الجُعْفِي ضعيف جدًّا، وفي خبره هذا نَكَارة شَديدة، وذلك أن هذه السورة مكية، وزيد بن ثابت إنما كتب الوحي بالمدينة، وكذلك (2) إسلام معاذ بن جبل إنما كان بالمدينة أيضًا، فالله أعلم (3) .

  8. #8

    افتراضي

    الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
    جزاكم الله خيرا شيخ محمود

  9. #9
    مشرف مجالس العلوم الشرعية المتخصصة
    تاريخ التسجيل
    20-04-2010
    العمر
    66
    المشاركات
    842

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
    الشريف أبو اليسر

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. سلسلة ثمن الصداقة في حكم مصر
    بواسطة محمد محمود فكرى الدراوى في المنتدى تاريخ مصر المعاصر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 27-04-2012, 09:57 AM
  2. سلسلة لكل داء دواء
    بواسطة الشريف اسامة صندوقة في المنتدى مجلس طب الأسرة و الطب الشعبي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-09-2010, 12:46 AM
  3. سلسلة بنى الإسلام (3) دلائل التوحيد
    بواسطة محمود محمدى العجواني في المنتدى مجلس العقائد العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-05-2010, 07:07 AM
  4. سلسلة بنى الإسلام (2) أقسام التوحيد
    بواسطة محمود محمدى العجواني في المنتدى مجلس العقائد العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 29-04-2010, 07:07 AM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
MidPostAds By Yankee Fashion Forum