الاندلس شبه جزيرة دخلها المسلمون عام 711 ميلادي الموافق 92 هجري وتفاعلت فيها الأجيال بثقافتها وحضارتها وكانت شمعة تضئ لشعوب الأرض وتنفعها بالتقدم العلمى المادى والمعنوى وظلت سراجا منيرا الى عام 1492 ميلادي حيث سقطت غرناطة فى ايدى المسيحين وانتهى الحكم الاسلامى .
ودراسة التاريخ او الثقافة الاندلسية او المؤسسات الأخرى لجديرة بالدراسة والاهتمام. سأبدأ معكم سلسلة من اللقاءات عن الثقافة الاندلسية.
-والثقافة الاندلسية هى وثيقة الصلة بالفرد الاندلسى فإن ذلك الفرد إذا كان يولد داخل مجتمع وهو يولد أيضا داخل ثقافة خاصة تشكل شخصيته, فالثقافة هى الوسط الجوهرى الأندلسى الذى نمت فيه الشخصية الأندلسية حيث أكسبه ذلك الوسط أفكاره ومعتقداته ومعلوماته ومهارته,كما حدد له القيم والمعايير التى يسترشد بها ويفرض عليه التقاليد التى يتمسك بها .
- إن ثقافة الأندلس قد خضعت لقانون التغير طبقا للزمان والمكان , فالتغير هو قانون الوجود والاستقرار وهو قانون العدم ولاوجود لثقافة جامدة جمودا مطلقا.
- وإنها ثقافة تتميز بالتنقل من جيل إلى آخر عن طريق التعليم والتأديب سواء أكان تعليما رسميا كما الخليفة الحكم المستنصر الذى وظف المعلمين لتعليم النشء وتربيتهم،وكان المعلمون يلتزمون منهجا معينا فى التعليم ،ولعل هذا الأنتقال الثقافى من جيل الى آخر يكسب الثقافة استمرارية وحيوية وبقاء مع تجديدها وتطويرها.
-إنها ثقافة تعتمد على العلم المادى بجانب العلوم الأخرى, ومن هنا نرى تلك الثقافة موائمه مع البيئة وترتكز على الآلات والأدوات الكيميائية وعلى المقاييس الدقيقة , ولعل تطور علوم الطب بآلاته الطبية وتطورها وتطور البصريات والكيمياء والصيدلة بأنواعها المختلفة , كل هذا جعلها ثقافة تتمثل فى العلاقات المتداخلة بين أفراد البشر والتى تصب فى قوالب الأسرة والقرابة والاقتصاد والسياسة ,وبهذا المفهوم نستطيع أن نقول إن العلوم المادية العلمية التى أقبل عليها علماء الأندلس تدرس على أنها عامل مستقل بينما النظام الثقافى يكون تابعا, أى أن الثقافة تتأثر بالعلوم , فكلما تغيرت العلوم وتطورت أدى ذلك إلى تغير النظام الثقافى وهذا ما حدث فى الأندلس.
- إنها ثقاافة فيلوجينية حيث تتأثر تأثرا كبيرا ملبية انقسام المجتمع والجماعات، فقد كان لأهل قرطبة ثقافة مميزة تختلف نوعا عن ثقافة أهل أشبيلية وهما معا يختلفان فى ظواهر خاصة بثقافة طليطلة ولما حكم المرابطون والموحدون استطاعت تلك الثقافة ان تلبى متطلبات تلك الجماعة ، وانتقلت الفلسفة والثقافة من الأندلس الى مراكش.
والثقافة وهى تحافظ وتلبى انقسام الجماعات تحافظ فى الوقت نفسه على ظاهرتى الانتشار والتثقف من الخارج.
- إن ثقافة الأندلس تتميز بالتكامل الثقافى,فهى ثقافة ذات نظام مرتبط بالنظم الأخرى القائمة فى المجتمع آنذاك حيث يؤثر بعضها فى بعض مع استمرارية تداخل وترابط وتفاعل عناصرها,فنظام الأسرة مثلا يتأثر بالنظام الاقتصادى والأخلاقى والتعليمى والعقائدى الى غير ذلك.
- هى ثقافة ذات أثر ثقافى حيث تتمتع بنتاج ثقافى موروث من أجيال سابقة فى جوانبه المادية والمعنوية ، ويشمل الأخير الحكايات ولأغانى الشعبية والأهازيج الرئيسية والألغاز والأمثلة الشعبية.
-إن ثقافة الأندلس تتميز بالنمو الثقافى، حيث يتم التوافق الثقافى لدى أفراد المجتمع بما يعنيه هذا التوافق من إشباع بيولوجى ونفسى واجتماعى ,ومعنى ذلك أن تلك الثقافة تركز على الأستثمار الرشيد للموارد المادية والبشرية والمعنوية بهدف بناء مجتمع متقدم , ولا أدل على ذلك من ثقافة فترة الخلافة الأموية التى ساهمت فى استثمار كل الموارد المتاحة فظهرت العلوم المختلفة وخزائن الكتب وبناء المدن وتطورت العمارة فى عهد الناصر وابنه تطورا رائعا .
- إن ثقافة الأندلس ثقافة تتميز بالتقارب الثقافى ، حيث تتماثل تلك الثقافة بخطوط متوازية مع المشرق الاسلامى , مما يجعلنا نقول بأنها ثقافة أندلسية مشرقية ذات أصل واحد ربط بينهما كعنصر مشترك.
- إن الثقافة الأندلسية ذات احتكاك ثقافى , فهى غير منغلقة على غيرها من الثقافات بل أقامت علاقات بين أفراد المجتمع الأندلسى من ناحية وبين الجماعات الإنسانية الأخرى كالإسبان المسيحيين والقشتاليين والفرنسيين الى غير ذلك،ولعل هذا الاحتكاك قد اتخذا أشكالا متعددة بعضها مادى وبعضها معنوى ،وغالبا ما تنطبق هذه الأشكال بعادات الجماعة وتقاليدها ومثلها العليا وقد تصطدم حينا أو تأخذ حينا آخر تجاه الثقافة الواردة , وعلى العموم لا يمكن لمجتمع أن يستعير عناصر ثقافية لمجتمع آخر دون احتكاك ثقافى وما يترتب عليه من تفاعلات ثقافية قد تؤدى الى ظهور سمات ثقافية محددة .
الى اللقاء فى الحلقة القادمة


slhj hgerhtm hgHk]gsdm hguvfdm - frgl ]>tjpn .yv,j