المُجَالِدُ الفَرِيْد
قَلَّبت أمري علي كل وجوهه فلم أجد بداً من المناجزة ، أو سبيلاً عدا المجالدة ؛ فإما أخضعتهم حال نصري ، أو أهاضهم عنادي ــ لا قدر الله ــ حال كسْري !
أو ربما مالأتهم و أكبرتهم من بعد عداوة فأكبروني ؛ ثم سالمتهم فسالموني ، حتى يقرَّ لي العيش على أرضي الجديدة ! فمذ وطِئَت و وطَنَت أسرتي هذه القرية حديثا ناصبني أضرابي من صبيانها العداء ؛ فلا يجمعني طريق بأحدهم إلا تهارشنا و تحارشنا ، فأَرُدُّهُ مهيضا ثخينا ، يجر عار حماقته ، و شَنَار جرأته!
لكنني لم أحسب حساب اجتماعهم عليَّ بقضهم و قضيضهم ، بعدما تجيشوا لي ، و كدسوا العصي و الحجارة ، لمقتلة يقدح شررها ، و يلوح في الأفق أوارها ، و هي ناشبة لا محالة ، بعدما أخطروني بالزمان و المكان !
أما غريمي قائد جيش الألِدَّاء فلا يحوز من أمارات القيادة ، و آيات السيادة خلا بسطة جسم ، و سطوة سن ؛ إذ يبدو بازَّاً لتابعيه ببضع سنواتٍ .
و ما حيلتي ؟ إذ لا سلاح لي و لا عتاد ! و أنَّى لي بجيش أنافح به و أكافح ؟ و أنا صفر الأتباع ، لا زمرة لي و لا أرومة ، عدا ابن عمة أصغر سناً ، و إن بدا أبسط طولاً ، أما بقية الأحساب و الأنساب فلا يزالون أسرى المهود ، لم يجتازوا طور الفطام بعد .
و أما جفولي عن خوض الوقعة المرتقبة فيثلم كبريائي ثلْماً لا برءَ له ، و مهما تفننتُ في نسج الذرائع ، و تدبيج الحجج فلن أفلح في درء ما سيشيع الألداء عن جبنٍ ألم بي ، أو فرقٍ تَغَشَّاني ، و ربما صرت مضرب المثل ، و مادة للخوض و الخطل ، و هو ما آبَاهُ ، فدونه خرط القتاد !
ما أقسى أن يجافيك النوم و يتلببك التفكير آخذاً بخناقك و قد أوشكت رحى المعركة أن تدور و ليس ثمة من يعاضدك ، و كل ما لديك عصا شذَّبتها لتهتدي بها في حالك الليالي ، و تتقي بها كرات الكلاب و الثعالي ! و معطيات الواقع المزري لا تنبئ عن حيلة جاهزة أو خطة ناجزة !
في الليلة المرتقبة و حالما أرخى الليل سدوله اللجينية الشفيفة إثر انسكاب القمر عبر فضاء صافٍ ضافٍ صنع جمالاً و رسم ظلالاً مدعوما بابن عمتي انطلقنا ـــ في الموعد المضروب ـــ لنناجز فرقة الألداء و قد تدرعوا بالنبابيت و قحوف النخيل و عراجينه ؛ فانخلع قلب معاضدي الوحيد مدفوعا بغريزة البقاء فرفع منفرداً ـــ على حين غرة ـــ راية الإذعان و انضم لجيش الألداء، بعدما قدم ـــ تَقِيَّةً و جُنَّةً ــــ فروض الطاعة و آيات الولاء! ما أربك جميع حساباتي !
أدركت ساعتها أنني قتيل على كل المحاور ، فعزمت أن أنكأ في ألدائي بأقسى ما تكون النكاية ! لعلي أُخَلِّفُ مأْثرةً و أُوَرِّثُ مفخرةً يرويها كابرٌ عن كابر ! فاستقبلت جمعهم بصدرٍ منتصبٍ و هامةٍ مشرئبةٍ صارخاً:
" لا ديةَاليوم لقتيلكم ، و لن أبقي رأساً ينتصب فوق جسد!"
فضجُّوا ساخرين بعدما أسكرتهم الكثرة ، و أعماهم العتاد فابتدرني كبيرهم :
" بل لا ديةَ لك بعدما تُشَيِّعُكَ ـــ اليوم ـــ قحوفُنا! "
فأردفتُ :
" إذنْ فليكن الاتفاق أن لا دية لقتيل ؛ فنحن الوافدين إلى قريتكمً لا نملك بعد ما يفي بدياتكم جميعا "
وافقني زعيم الألداء ضاحكاً واثقاً من نصره الذي لاصق أنفه:
" يَسَّرتَ علينا مُؤنةَ قتلِك "
فاردفتُ :
" و لا يضمن اتفاقنا إلا أولياء دمكم !
فارْتَجَّ عليه مستنكراً :
ماذا تعني ؟
ـــ فليشهد أولياؤُكم اتفاقَنا، لئلا يقعَ حيْفٌ أو زيْفٌ .
و كيف ذا ؟
لحظتها واتتني خطةٌ محكمة ، وفقَ حساباتٍ مُبرمَة ! فقلتُ واثقاً متشبِّثاً بحبالِ خُطتي :
ـــ سأريكم كيف .
وجعلتُ أطوفُ ـــ و هم في إثري ـــ على دورِهم أطلبُ إبراءً من الدِّيَات ، و إعفاءً من التَّبِعات ! ما جعلَ أولياءَ الصبيانِ يتختطفُونَهم زُعراً و فَرَقاً ، صبياً إثرَ صبيٍ حتى أفنيتُهم مستبقياً قائدهم ، النافخ في معاطسهم ، بعدما جردتُه من أرومَتَه ، وعريتُ سوأتَه ، و جرَّعْتُه ــ بعدلٍ و قسطاسٍ ــ كأسَ الهزيمةِ مستحقاً حتى الضلع!













hglE[QhgA]E hgtQvAdX]~~