تاريخ ظفار حتى عام 798 هـ 1396م

بقلم: الأستاذ الدكتور محمد جاسم حمادى المشهداني
الأمين العام لإتحاد المؤرخين العرب

تمثل الدراسة التاريخية عن المدن العربية ، إحدى أبرز إتجاهات الكتابة التاريخية التي أسندتها منهجية التدوين التاريخي عند العرب ، تلك المنهجية التي عرفت في الفكر التاريخي العربي بكتابة التاريخ المحلي و لا يوجد هناك تعارض فيما نكتبه عن التواريخ المحلية للمدن العربية ضمن القطر العربي الواحد ، مع مفهوم إعادة كتابة التاريخ القومي للأقطار العربية عموماً ،و لذلك يأتي بحثي الموسوم ( تاريخ ظفار حتى عام 798 ه/1396م)، ضمن السياق المنهجي التاريخي نفسه لإعادة كتابة تاريخ الأمة

إذ تميزت ظفار عبر تاريخها الطويل الممتد من العصور القديمة قبل الميلاد و حتى القرن الثامن الهجري بأنها مدينة تاريخية كان لها حضورها في مدونات المؤرخين رغم كونها لم تكن عاصمة لإمبراطورية قبل الإسلام ، أو مركز للخلافة الإسلامية بعده إذ حل أسمها و بان أثرها في كتب المؤرخين الكبار ، في زمن كان الأشخاص يفرضون أنفسهم و كذلك المدن هي التي تفرض وجودها في سجل التاريخ ، فمن لم يكن له دور فيه لا يمكن أن يكون له أسم فيه ، و لذلك أهتم المؤرخون و الجغرافيون و اللغويون بتسمية مدينة ظفار إذ تحدثوا عنها بما في ذلك أسمها حتى ضبطت تسمية المدينة ب (ظفار) بفتح الظاء ، على أرجح الروايات و أصحها ، وأتخذت التسمية معناها من (النبات العطر) ليكون لها من أسمها نصيب ، وذلك لإشتهارها بتجارة البخور و العطر عبر التاريخ ، و هذه التسمية قديمة قدم التاريخ ، و قديمة بقدم الدور الذي لعبته المنطقة في التاريخ ،أما أهلها كما يقول عنهم أحد الرحالة (أهل تواضع و حسن أخلاق و فضيلة و محبة للغرباء).

وكانت المكانة العظيمة التي حظيت بها ظفار تعود في بعض جوانبها إلى الموقع الجغرافي المتميز الذي تميزت به إذ شغل هذا الموقع جزءاً مهماً من البقعة المحصورة بين خليج عمان و مضيق باب المندوب ، و هو بهذا يشكل حلقة وصل ما بين الهند و شرق أفريقيا ، و موقعها على ساحل البحر العربي أكسبها أهمية تجارية في ميدان البحر

و لذلك إنعكست أهمية هذا الموقع على تاريخ ظفار في العصور التاريخية القديمة ، إذ عرفت في التاريخ منذ زمن نبي الله سليمان (عليه السلام) في القرن العاشر قبل الميلاد ، و توسعت علاقتها مع المراكز الحضارية في العالم القديم ، كالفراعنة في مصر و الآشوريين في العراق و خاصة زمن الملك الآشوري سرجون و ذلك عام (750)قبل الميلاد

كما أستحوذت ظفار على أهتمام اليونانيين زمن الأسكندر المقدوني ، و شاع ذكرها في كتب اليونان و خاصة عند بطليموس الذي ذكرها في خريطته عند حديثه عن المنطقة و هو ما يتفق مع موقع ظفار الحالي ،كما كان للفينيفيين دورفي ظفار و خاصة في تجارتها مع بلاد ما بين النهرين و سوريا ، و روما ،و الهند ،و الصين.ونظراً لدورها الإقتصادي وموقعها الجغرافي في تلك الحقب ، فقد تعرضت إلى حملات من الملوك الآشوريين في العراق، والأسكندر المقدوني ،و شروان الفارسي ، الذي أرسل في عام 570م حملة عسكرية أحتلت ظفار و ظلت بها إلى أن دخلت ظفار في حاضرة الدولة العربية الإسلامية
وفي العصور الإسلامية زادت أهمية ظفار ، إذ وجدنا الحوادث التاريخية قد تكررت فيها خلال تلك العصور ، إذ تعاقب على حكم المنطقة عدد من الأمراء المسلمين ، إبتداءً من حكم أحمد بن منجويه عام 154هـ/770م، الذي بنى مملكة ظفار العربية الإسلامية ، غير أن الفرس عاودوا إحتلالهم للمدينة بعد الإجتياح الأعجمي للعراق في القرنيين الرابع و الخامس الهجريين ، إذ تعرضت في مطلع القرن السادس الهجري لغزو فارسي جديد ، إلى أن تمكن محمود بن محمد الحميري ، في مطلع القرن السابع الهجري ، من أحكام السيطرة على ظفار ، و ذلك في سنة 616هـ/1219م ، إذ بلغت ظفار قبل تدميرها قمة إزدهارها من الناحية الأمنية والأقتصادية إذ كان الطريق سالكاً بينها و بين بغداد ، في ذلك التاريخ ، وكانت البلاد عامرة و أمينة ، غير أن حال المدينة لم يستقر على إثر قيام حاكم ظفار أحمد بن عبد الله الحبوضي ، بتدميرها ما بين سنة 618هـ/1221م – 619هـ/1223م ،وبنى المنصورة بدلاً منها و التي تم الإنتقال إليها و الأستقرار بها سنة 620هـ/1223م ، وكان أحمد الحبوضي قد خشى على ظفار من هجوم محتمل من الملك المسعود أبي المظفر يوسف الذي هدد بإحتلال ظفار وتدميرها ،غير أنه لم يقدم على تنفيذ تهديده و بنى مدينة المنصورة و التي سميت القاهرة و المحمدية أيضاً ، بعد تدمير ظفار المدينة، و بنى عليها سوراً من الحجر و الجص ،و جعل لها أربعة أبواب ، باب البحر ، ينفذ إلى البحر و يسمى باب الساحل ،و بابين مما يلي البر وهما على الأسم لأبواب ظفار المهدومة ، أحدهما مشرق و يسمى باب حرقة ينفذ إلى عين فرض ، والثاني مما يلي المغرب ، و يسمى باب الحرجاء ينفذ إلى الحرجاء ، قال أبن المجاور ( و ما بنى المنصورة إلا لإحكام البلاد خوفاً على العباد)وكان بناء المنصورة على مقربة من ظفار إلى الغرب منها ، ثم حصلت هذه المدينة أسم ظفار من بعده ،وكانت المدينة قد شهدت إستقراراً كبيراً ، و أنتعش وضعها الإقتصادي في مختلف نواحي الحياة ، إذ قال إبن المجاور عن المنصورة و عن ظفار ما نصه ( هوائهما طيب و جوها موافق ، و ماؤها من خليج عذب فرات يطلع بها الفواكه من كل فن).

غير أن هذه المزايا الأقتصادية التي تميزت بها المدينة جعلها محط أطماع الفرس إذ قام محمد بن أحمد الكوسي أمير هرمز بتدمير المدينة سنة 664هـ/1265م، ونهب المدينة و ظل الحال كذلك إلى أن دخلت ظفار في مرحلة تاريخية حاسمة في العصور الإسلامية ، ألا وهو بداية الإحتكاك مع الحكام الرسوليين في اليمن إبتداءً من سنة 678هـ/1275م ، إبان عهد الحاكم الرسولي المظفر يوسف بن نور الدين عمر ، و كان الإحتلال الرسولي لظفار يعود لأسباب سياسية و أقتصادية معاً ، منذ أن شهدت حضرموت سنة 678هـ/ 1279م كساداً أقتصادياً في ميدان الزراعة أدى إلى حدوث مجاعة شديدة ،رغم قيام ظفار بتقديم معونة لهم لتجاوز الأزمة الأقتصادية ، ولم تفلح كل المحاولات السلمية التي بذلتها ظفار لتفادي المواجهة العسكرية مع الرسوليين ، الذين كانوا يعدون العدة براً و بحراً لمهاجمة المدينة و الأستيلاء عليها ، حتى تمكنوا من إحتلال ظفار يوم الأحد المصادف 28 رجب 677هـ/الموافق 22 كانون الأول 1278م ، و قتل سالم حاكم ظفار في المعركة أثناء الدفاع عن المدينة و كانت المعركة عنيفة أدت إلى خضوع ظفار للحكام الرسوليين ، و ظلت ظفار تحت حكم الرسوليين الذي ضعف أمرهم في آخر الأمر ،و تركوا المدينة بعد أن خلفوا بعدهم أثارهم فيها.

أما التاريخ الأقتصادي لظفار فكان يتمييز بأزدهاره إبان القرون ، و خاصة تجارة اللبان و الصمغ و المسك و التوابل و البخور ،إذ كانت معابد الهندوس،واليونان والرومان والعراق القديم و مصر القديمة تستهلك كميات كبيرة منه ، كما تميزت بإزدهارها الإقتصادي و خاصة بإنتاج اللبان ، و الشعير ،و الذرة ، و التنبول و النارجيل و غيرها من الأشجار المثمرة ، و هذا مما ساعد على إزدهار تاريخا السياسي أما الجانب العلمي في مدينة ظفار فقد زودتنا المصادر بمعلومات نادرة عن علمائها و مشايخها.وأخيراً فأن هذه الدراسة تعد دراسة للتاريخ العام الذي تميزت به ظفار ، إبتداءً من تسميتها و موقعها ، و مروراً بتاريخها القديم ، قبل الإسلام ، و من ثم في العصور الإسلامية ، و بالتالي نشاطها الإقتصادي لتقدم بذلك صورة تاريخية عن هذه المدينة العربية الإسلامية العريقة.




jhvdo /thv pjn uhl 798 iJ 1396l gg];j,v hglai]hkd