النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الرزيقات جعلوا من القبيلة مادة ثقافية تستوعب الجميع

الرزيقات جعلوا من القبيلة مادة ثقافية تستوعب الجميع عرض كتاب.. العلاقات بين الرزيقات ودينكا ملوال (1 - 3) رغم ان صاحب هذا الكتاب استهله بامنيته ان يكون (هدى

  1. #1

    افتراضي الرزيقات جعلوا من القبيلة مادة ثقافية تستوعب الجميع

    الرزيقات جعلوا من القبيلة مادة ثقافية تستوعب الجميع
    عرض كتاب.. العلاقات بين الرزيقات ودينكا ملوال (1 - 3)

    رغم ان صاحب هذا الكتاب استهله بامنيته ان يكون (هدى لبنيان وحدوي قوي يساعد في وحدة السودان بأكمله)، الا اننا في (الصحافة) ننشره ليكون عاصما من قواصم انفصال الجنوب الوشيك، وذلك للترابط بين ما يتناوله الكتاب وارتفاع الاصوات المحذرة من ايلولة منطقة جنوب دارفور حيث يتداخل الرزيقات ودينكا ملوال لأن تصير بؤرة أخرى للنزاع شبيهة بمنطقة ابيي، فالبحث المقدم لنيل درجة الماجستير في التاريخ الإجتماعي من جامعة أم درمان الإسلامية في عام 2007 عن (العلاقات بين الرزيقات ودينكا ملوال) يتناول تفاصيل هذه العلاقة في بعديها الاجتماعي والجغرافي بعمق لما تتيحه المعرفة والمعايشة للمؤلف محمد عيسى عليو ابن المنطقة ورئيس هيئة شورى قبيلة الرزيقات.
    ومثلما قدم الكاتب كتابه في ثلاثة فصول فاننا نلخصه في ثلاث حلقات نعرض في الأولى قبائل الرزيقات وكيفية استقرارهم في منطقتهم الحالية مع التركيز على أقسام القبيلة وإدارتها، والمشاكل التي تعيشها. كما نعرض للردود على المزاعم التي اتهمت القبيلة ببعض الممارسات الخاطئة، وفي الثانية نتناول مراحل استقرار قبائل جنوب السودان مع التركيز على قبيلة الدينكا وبالأخص دينكا ملوال، والمشاكل التي وقعت بين الرزيقات والدينكا، والقيم الاجتماعية عند دينكا ملوال والرزيقات. وفي الثالثة نعرض للحديث عن قيم التمازج في القبائل السودانية، واشارات المؤلف إلى التمازج في دارفور، مع التركيز على التمازج والانصهار أحيانا عند الدينكا والرزيقات.
    عرض: التقي محمد عثمان
    في الفصل الأول (الرزيقات المجتمع والقبيلة)، يحدد الكاتب موقع دار الرزيقات بالمنطقة التي تقع بين خطي عرض 8.60 و11.40 شمالاً وخطي طول 25.50 و 27.95 شرقاً تحدها شرقاً قبيلتا الحمر والبرتي وغرباً قبيلة الهبانية، وشمالاً مقدومية الفور والبرقد وجنوباً قبيلة دينكا ملوال والجنوبالشرقي قبيلة المسيرية. حيث تبلغ مساحة دار الرزيقات تقريباً 46 ألف كلم2 وتمتد جنوباً حوالي 14 ميلا بعد بحر العرب، وتتكون المنطقة من أراض رملية ناعمة في الشمال تنمو عليها أشجار الهشاب والجوغان والليون ويزرع فيها الدخن والذرة والفول السوداني والسمسم والكركدي. وفي الجنوبتختلف حيث الأراضي الطينية وتكثر فيها أشجار الطلح والسنط والعرديب وتكثر فيها الأمطار إذ يتراوح متوسط هطول الأمطار بين 500- 700ملم. غالبية أفراد هذه القبيلة يمتهنون الرعي مع الاحتفاظ بالمزارع الصغيرة للاستهلاك الأسري.. أما عاصمتهم الضعين فتعج بالسكان من شتى القبائل وتشتهر بالتجارة لأنها ملتقى طرق ما بين جنوب السودان ودارفور شمالاً وما بين العاصمة الخرطوم، ومن ثم كردفان إلى وسط وغرب دارفور وبها خط السكة حديد الذي ينتهي في نيالا التي تبعد عن الضعين غرباً 180 كلم.
    إدارة الرزيقات:
    الرزيقات يقولون أنهم ينحدرون من جدهم رزيق، فرزيق له ثلاث أبناء أكبرهم نائب وأوسطهم محمود وأصغرهم ماهر. وتنحدر على إثر ذلك بطون النوايبة والمحاميد والماهرية ونفس هذه المسميات توجد في شمال دارفور وغرب دارفور، وكانت هناك مؤثرات خارجية دفعت ببدنات الرزيقات إلى الاتحاد تحت ناظر عموم، اضافة الى ان العوامل الضاغطة التي كانت تدفع بالقبيلة إلى الاتحاد مواتية سواء كان سلاطين الفور أو قبائل الدينكا، إضافة إلى خيرات منطقتهم الكثيرة التي جلبت نحوهم كثيراً من القبائل فإن لم يتحدوا ربما تضيع منهم الأرض كلية . عندما قرر الرزيقات التوحد في نظارة واحدة في أواسط القرن الثامن عشر تنافس في ذلك عدة شخصيات من عدة بطون كل منها يريد أن يلبس قيادة القبيلة كبرار أجبر وشارف ولد تكيتك من النوايبة وساقه العبيد من الماهرية بطن أولاد أم أحمد و جماع الكرو وفيما بعد جاء أحد سلالته وهو عجيل ولد الجنقاوي. وأخيراً حاول أن يلحق بالركب المحاميد فبرز الشقيقان جقر وبناني كمنافسين لمادبو وابنه موسى مادبو. وبعد مناورات كثيرة ومواقف متعددة ومتباينة بايعت القبيلة مادبو زعيماً لها وقائداً وناظراً، فدخل بالقبيلة معارك كثيرة سواء ضد الزبير أو معه أحياناً، أو حروبه ضد سلاطين باشا بعد مبايعته المهدي في قدير عام 1882م. هذه الحروب التي خاضها مادبو أكسبت قبيلته شهرة كبيرة وجعلتها أكثر بأساً وأكثر قبولاً عند الآخرين وحافظ بذلك على أرض القبيلة ووحدة أهلها .
    مناطق الرزيقات:
    تقع الضعين العاصمة وسط دار الرزيقات، غربها «قميلاية» سابقاً عسلاية حديثاً ويسكنها المحاميد. تقع «أضان الحمار» سابقاً الفردوس حديثاً في الجنوب الغربي للضعين ويسكنها النوايبة. أما مناطق الجوغان وأبو جابرة في الجنوب الشرقي وأبو مطارق جنوبالضعين مباشرة فيسكنها الماهرية الذين ينقسمون إلى قسمين أم أحمد ويسكنون أبو مطارق وأم ضحية يقطنون أبو جابرة العاصمة القديمة للرزيقات والجوغان. كما أن في شمال الضعين ما وراء السكة حديد تقع مناطق غزالة جاوزت وكليكل ويسكنها خليط من الرزيقات والمعالية العقاربة وبعض القبائل التي تتبع لإدارة الرزيقات كالبرقد.
    التعايش السلمي لإدارة الرزيقات:
    البعض يرى أن الرزيقات عرقياً ينتمون إلى جدهم رزيق بن على الرحال بن عطية بن جنيد بن أحمد شاكر بن زبيان المعز بن عز الديان بن عبد الله بن عباس. بينما يختصرهم بعض النسابة إلى الصحابي عبد الله الجهني مباشرة. وهم من قبائل جهينة جاءت إلى السودان من تشاد خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين ومعها قبائل السلامات وأولاد راشد والجهاد والحريكة والجعانتي وخزام والبني هلبة. وهي تنتمي إلى الجنيد بن شاكر بن أحمد الأجزم بن راشد الذي يلتقي نسبه بعبد الله الجهني بن العباس. وهؤلاء هم أبناء عمومة الرزيقات. فالرزيقات والمسيرية والحوازمة أبناء عطيه بينما الهبانية والبني هلبة والتعايشة أبناء مجنود وهم ينتمون لأحمد الاجزم المنتهية نسبته لعبد الله الجهني. ويقول البعض إنهم ينتمون إلى جيوش بن الأجزم بن ذبيان . ويقول البعض الآخر إن جهينة هو بن زيد بن سود بن أسلم بن الحافي بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن زهرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بين يشجب بن يعرب بن قحطان وفي البحث الذي قدمه أبو مهند في موقعه الجهني نت لشبكة الإنترنت مشيراً مرجعه حزم الأندلسي إن العرب يرجعون إلى ولد ثلاثة رجال عدنان، قحطان، قضاعة ويقول ابن حزم في قضاعة: أنجب قضاعة الحافي الذي أنجب أسلم وعمرو ومن عمرو ظهرت قبائل بنو حيدان وبنو يهراي وبنو يلي أما أسلم فأنجب سود وأنجب ليث ومنه زيد وأنجب حوتكة بنو حميس وإياس بنو عزرة ومن زيد سعد هزيم وجهينة وهو أول من سكن الصحراء من العرب.
    رغم هذا النسب الممتد للرزيقات إلا أنهم ومن خلال تطويرهم للتعايش السلمي بين القبائل فقد قبلوا الآخر بسرعة فائقة وجعلوا من القبيلة مادة ثقافية تستوعب الجميع.. فقوانينهم تجيز انضمام أي فرد يأتي من أقصى بقعة في الدنيا في اليوم التالي لوصوله بغض النظر عن عرقه أو دينه، فقط الالتزام بشرط واحد هو الالتزام بأعرافهم والتي في النهاية لا تخرج عن الشرع الإسلامي في الإطار العام. وأهم هذه الأعراف الالتزام بالدية، فعند الرزيقات الدية هي أهم عنصر فبإمكانه أن يجمع أو يفرق. ولا سيما في حالات القتل سواء الخطأ أو المتعمد حيث توزع أموال الدية المتفق عليها بين بطون القبيلة الكبيرة إذا وقعت المشكلة بين الرزيقات وقبيلة أخرى. أما في الإطار الداخلي كل بطن «خشم بيت» يتحمل مسؤولية دفع دية أفراده. وهكذا يدخل الغريب إذا أراد هذا المنوال وفي اليوم التالي لدخوله يحميه البطن الذي دخله كما يحمي نساءه وأطفاله بل يكون مميزاً في أحيان كثيرة والأمثلة هنا كثيرة ومتعددة لشخصيات دخلوا هذا العرف واستفادوا منه كثيراً.
    أما الجماعات والبطون الداخلة على القبيلة فيترك لها الخيار إما الذوبان في بطونها أو الاحتفاظ بأسماء بطونها التي أتت بها بمعنى أنه الآن في إدارة الرزيقات عمودية للتنجر وعمودية للزغاوة وعمودية للبرقد وعمودية للمعاليا والمعالية العقاربة وهكذا، كثير من القبائل الأخرى لا تقبل هذا وإنما تقبل الذوبان فيها والتسمي باسمها، أما الرزيقات لا يشترطون ذلك. لهذا كثر عددهم وقويت شوكتهم ولذلك كان التونسي عندما يتحدث عن الرزيقات يقول الرزيقات وأحزابهم. أما سلاطين باشا يقول إقليم الرزيقات وهذه تسمية صحيحة فالإقليم دائماً ما يضم أكثر من عرقية وقبيلة.
    هناك رواية تقول إن رزيق هذا له سبعة أبناء وسبعة من العبيد الأقوياء وسبعة من الغرباء الذين دخلوا عليه وفي يوم من الأيام جمعهم كلهم وقال لهم كلكم أبنائي، فتعاون هؤلاء وانتشروا في الأرض حتى عمروها وتوالدوا وتكاثروا حتى سماهم الشاعر عيال رزيق تراب الهين من كثرتهم شبههم بالتراب، والرزيقات يتبادلون النكات فيما بينهم حول أيهم إبناء الغرباء وأيهم أبناء العبيد وأيهم أبناء رزيق الأصلاء فلا أحد يعرف.
    الاحتكاكات الحربية:
    في السابق كانت تقوم مشاكل في الجهة الجنوبية ولكن خفت حدتها بعد توافر كثير من العوامل منها- كثرة جلسات الجوديات المفضية لوجوب التعايش السلمي وحاجه الناس لبعضهم البعض، تميز العلاقات الشخصية بين قادة القبيلتين- توقيع اتفاق الجنوب بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية، توفر بعض الآبار الارتوازية والذي يجعل كثير من الرزيقات يوقفون ترحال بهائمهم إلى بحر العرب صيفاً مما قلل التزاحم عليه وكان في السابق سبباً مباشراً للمشاكل..انشغال كثير من الرزيقات بمهن أخرى غير الترحال- توفر حد أدنى للتعليم مما جعل الناس يقضون قضاياهم بالحكمة أكثر منها بالانفعال القتالي. توفر مواقع الشكوى كنقاط الشرطة، واللجان الشعبية، وإنشاء العموديات وتقصير الظل الإداري.
    أما في الآونة الأخيرة فقد وقعت بعض التحرشات والتي أفضت فيما بعد لحرب بين بعض الرزيقات والزغاوة شمالي السكة حديد من جهة والبرقد الذي يتبعون لمقدومية نيالا من جهة أخرى أما بالنسبة للبرقد فالمشكلة هي بسبب المراحيل التي قفلت بسبب المزارع. والمراحيل? هي الطرق الممتدة من أقصى الشمال إلى أقصىالجنوب لتمر بها بوادي الرزيقات ومخططة لهذا الشأن منذ ما قبل الاستعمار. ولكن كثرة التعداد البشري واستغلاله للزراعة كمهنة مع قلة المهن الأخرى وزيادة القطعان جعل المراحيل عرضة للتخطيط الزراعي مما يضيق الخناق على البوادي المتنقلة.. ولكن هذه المشكلة في معالجة مستمرة من قبل الإدارات الأهلية.
    العلاقات مع القبائل المجاورة
    لم يكن استقرار الرزيقات في هذه المنطقة بالأمر السهل، خاصة بعد تحالفهم مع القبائل المحلية الأمر الذي أزعج جهتين عظيمتين ذات بأس شديد. سلاطين الفور من جهة الشمال الذين كانوا يسيطرون على جميع قبائل دارفور ما عدا قبيلة الزريقات التي تجنح دائماً إلى النزعة الاستقلالية، كما أن سلاطين الفور تخوفوا من الانصهار الرزيقي الإفريقي السريع الأمر الذي ربما يهدد دولتهم في الفاشر .
    أما من الجانب الجنوبي فإن دينكا ملوال تخوفوا أيضاً من انهيار ممالك النقلقلي والشات والمنضلة والفرتيت السريع واعتقدوا أن هذا الطوفان ربما يمتد حتى يصل ديارهم لا سيما منطقة بحر العرب وهم يسمونه بحر كير الغني بالموارد المائية والسمكية والعشب للأبقار، والغابات الكثيفة التي تحمي الحيوانات المفترسة التي يصطادونها. وعلى كل واجه الرزيقات هذه القوة الضاربة من غير تنسيق فيمابين الخصمين (الفور والدينكا)، فكانت الحروب سجالا ما بين الرزيقات والفور من جهة والرزيقات والدينكا من جهة أخرى..
    مزاعم تجارة الرق في غرب السودان:
    كتب بلدو وعشاري كتاباً عن الرق في السودان في أواخر عام 1987م يتهمون فيه الرزيقات باسترقاق أبناء الدينكا مستقلين ما يزعم بأنه محرقة الضعين. وفي هذا نستطيع أن نقول أن الرق مرض سرطاني منتشر انتاب البشرية منذ عصرها الأول. ولقد مارسته معظم الشعوب المتحضرة منها والمتخلفة في السابق، وفي العصر الحديث فقد مارسه اليونانيون والهنود والفرس في عصورهم المنصرمة وفي العصور الحديثة مارسه الأوربيون خاصة في القرن السادس عشر والسابع عشر الميلاديين.
    أما الأمريكان فلم يطوروا دولتهم الوليدة إلا بالأفارقة الذين ملأوا بهم السفن وشحنوهم إلى أمريكا ليستغلونهم في المصانع والمزارع وخدماً في البيوت والمتاجر كعمال سخرة. وكان بعض الرجال البيض يحتقرونهم لا يأكلون ولا يشربون معهم. بل كانت لهم شوارعهم ومساكنهم ومطاعمهم الخاصة بهم. كل ذلك لم يكن بالبعيد فقد كان ذلك في أواسط الستينات من القرن العشرين مما أدى إلى قيام ثورة مارتن لوثر كنج ضد التفرقة العنصرية ودفع روحه ثمناً لثورته إذ اغتيل في أواخر الستينات من القرن المنصرم. أما عند المسلمين فقد انتهى الرق منذ أن أنزل القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم فبدلاً عن الرق جاء القرآن بالعتق، وألزم المسلمين عند ارتكاب أدنى جريمة بأن تكون الكفارة عنها بعتق رقبة. وهكذا ضيق الإسلام على المسترقين إلا في حالة الحروب الدينية والتي لها أسبابها التي تختلف تماماً عن الحروب الوطنية الأهلية في القطر الواحد ، مع العلم بأنه لم تقم مطلقاً أي حرب دينية في السودان إلا عند قيام الثورة المهدية والتي قامت أصلا لطرد الغزاة المحتلين للوطن. رغم ذلك لا نستطيع أن ننكر أنه قامت حالات استرقاقية في السودان في القرون المتأخرة ولكن كانت أطرافها سودانية شمالية جنوبية كمنبع وكان الغرب الأمريكي والأوربي مصبا لتجارة الرقيق، رغم أنها كانت مرفوضة ومحاربة من الديانتين المسيحية والإسلامية ومن بعض القيادات الحاكمة سواء الإنجليزية أم السودانية.
    يعتقد الكاتب أن كتاب بلدو وعشاري كان خطأً كبيراً ولا يقل جريمة عن جريمة غزو السودان عسكرياً. فقد غزا هذا الكتاب الذي ترجم لعدة لغات صدور كثير من شعوب الدول المتحررة وصور لهم السودان وكأنه يعيش في القرون المظلمة مما تسبب في هجمة شرسة لازال يدفع أبناؤه ثمنها. فقد قالا في كتابهما في ص5 بدأ نزوح الدينكا بطريقة منظمة إلى مدينة الضعين عام 1964م أثناء الحرب الأهلية الأولى.
    ويقول أن المرء لا يذهب إلا للمنطقة التي يحس فيها بالأمان وليس العكس. ويقول الكاتبان في نفس الصفحة وبعد اندلاع الحرب الثانية في عام 1983م تم امتداد نشاط قوات الجيش الشعبي إلى منطقة شرق بحر الغزال حول أويل وفي عام 1985م أغارت مراحيل المسيرية ومليشيات الرزيقات المدعومة من قبل الحكومة على المواطنين الدينكا في قرى مريال باي وأشورة ومجوك وقوق مشار وغيرها. في 1986م/ 1987م بعد هذه التطورات انضمت إعداد كبيرة من الدينكا للجيش الشعبي ولكن أعداد أخرى نزحت إلى مدينة الضعين وإلى القرى والمدن الصغيرة شمال بحر العرب.
    هذه المناطق المذكورة هي عمق دار الرزيقات، فالدينكا إن لم يحسوا بالأمان، فلماذا ذهبوا إلى دار الزيقات. ثم ذكر الكاتبان في كتابهما الرق في السودان ص31 يتحدثان من محرقة السكة حديد بالضعين أن سبعمائة دينكاوي قتلوا في عربيتين خشبيتين من عربات السكة حديد كيف تسع عربتان سبعمائة فرد؟! وفي ص 51 يقولان: إن شهودهما امراة تبيع الخمر اسمها أكول أكول وطفل يبلغ من العمر 12 سنة. وهما يقولان إن مدينة الضعين يبلغ تعدادها 60000 نسمة. ألم يجدا من كل هذه الأعداد البشرية إلا هذا الطفل وبائعة الخمر؟ الكاتبان لم يقصدا الرق وبتره أو الدفاع عن الدينكا وإنما قصدا قبيلة الرزيقات لتحطيمها مادياً ومعنوياً لاستراتيجياتإقليمية ودولية مع الأخذ في الاعتبار أن معظم المؤرخين أكدوا أن الرزيقات أقوى وأغنى قبيلة في دارفور. وأن الرزيقات هم الذين حفظوا وحدة السودان من ثغرتهم التي هم فيها. وأنهم حاربوا الزبير باشا الذي حاول ضمهم للحكم التركي ودفعوا في ذلك ثمناً من أرواحهم وأموالهم. وإذا علمنا أن حركة قرنق كانت ذات اتجاه يساري والدكتورين في ذلك الاتجاه فلا غرابة أن توجه سهامهما نحو الرزيقات إمعاناً في عدم الانصاف وتجاهل الحقائق والواقع. ومما يؤكد ذلك ففي كتابهما كل ما كان الأمر أمر شناعة وقبح يقولان ارتكب ذلك عرب الرزيقات وعندما يكون الموقف موقف رحمة ودفاع عن الدينكا يقولان حاول بعض المواطنين الدفاع عن الدينكا وحاولوا ترحيلهم ولكنهما عندما أشادا بعبد الرحيم الفضيل الضابط الشجاع وحماد بشار وعلي الرضي بدفاعهم عن الدينكا نسيا أن هؤلاء هم أعيان الرزيقات فحماد بشارعضو محكمة الضعين وعلي الرضي صهر الناظر إبراهيم موسى مادبو وعضو المحكمة والشخصية الثالثة في إدارة الرزيقات. فإذا كان الرزيقات بالإجماع متآمرون على الدينكا فكيف يقف هؤلاء بمعزل عن أهلهم؟ وأن الضابط الشجاع الذي ذكراه في كتابهما عبد الرحيم الفضيل هو أيضا من أبناء الرزيقات من بطون النوايبة.
    يقول الكاتبان: إن العمدة محمود خالد عمدة الفردوس والعمدة فضل النبي سالم عمدة أبو مطارق قاما بحماية الدينكا. هذا صحيح ولكن الأصح أن كل القرى الرزيقية قامت بحماية الدينكا ما عدا الضعين، وهذا وحده دليل على براءة الرزيقات من تهم بلدو وعشاري لأن القرى التي حول الضعين يتواجد فيها الرزيقات بنسب تفوق 90%، أما الضعين فنسبه الرزيقات تقل فيها عن 25% لأن الضعين ليست مدينة رزيقية. فيها معظم القبائل السودانية والدليل على ذلك فإن معظم الذين كانوا يفوزون داخل مدينة الضعين في معظم الانتخابات ليسوا من أبناء الرزيقات وما ذلك إلا لتواجد الآخرين في محيط هذه المدينة الكبيرة.. ومما تأكد لنا مؤخراً أن أناس من خارج الرزيقات كانت لهم ثارات مع بعض الجنوبيين بسبب قتلاهم في الجنوب هم الذين قاموا بذلك العمل الشنيع.
    ويقول انه مما يزيد القناعة بمحاولاتهما استهداف الرزيقات حشرهما الزغاوة حشراً في موضوع الرق في السودان. إذ قالا إن الرزيقات اعتدوا على الزغاوة في سوق الملابس بحجة أنهم يصعدون الأسعار، فهذا استهداف من جانبهما فهما لم يعرفا كم عدد الموتى في هذه الحادثة الشنيعة ولم يشيرا إلى أنهما زارا مقبرة المتوفين التي دفنوا فيها ومن خلال قياس مساحة الأرض يمكنهما معرفة العدد الحقيقي للقتلى.
    إن حادثة الضعين شيء مأسوف له، ونقول إن الحكومة ارتكبت خطأً كبيراً في عدم اعتقال المشتبه فيهم وفتح تحقيق في ذلك بل كان يمكن أن يزور المنطقة وفد حكومي كبير لا سيما أن وزير الداخلية وقت وقوع الحادثة كان بنيالا عاصمة المحافظة. إن السبب الحقيقي لهذه المأساة هو أن الجيش الشعبي لتحرير السودان هجم على منطقة بحر العرب وقتل كل أعضاء المحكمة الشعبية مما جعل الناس يتحركون نحو البحر. وفي الضعين احتفل بعض أعضاء الحركة الشعبية في نفس الكنيسة التي وهبها لهم الناظر محمود مادبو مما أوغر صدور بعض المواطنين بالغضب وقامت المناوشات في أطراف الأحياء الجنوبية لمدينة الضعين. ومن ثم تجمع بعض أفراد الدينكا في مكاتب الشرطة خوفاً من الاعتداء عليهم، وتخوفت الشرطة من عدم تمكنها من حمايتهم ففكرت مع آخرين في ترحيلهم إلى نيالا وذهبوا بهم إلى محطة السكة حديد وفي مثل هذه الحالات العارمة من الفوضى والغياب الأمني وذهاب معظم عقلاء المدينة إلى بحر العرب للوقوف قريباً من الأحداث التي فجرتها الحركة الشعبية تدخلت أيادي الفوضى لتعبث بأرواح الأبرياء وقام الغوغاء بإشعال النيران في عربات السكة حديد وناوشهم البعض بالحراب وكان ما كان. ويعتقد الكاتب أنه لازال الوقت مناسباً بقيام تحقيق شامل لهذه الحادثة فمعظم الشهود لازالوا أحياء حتى نزيل عن هذه القبيلة الكبيرة هذا الإتهام الباطل عن جبينها الوضئ المضياف.
    تابع الحلقة الثانية اسفله



    hgv.drhj [ug,h lk hgrfdgm lh]m erhtdm jsj,uf hg[ldu


  2. #2

    افتراضي

    تذويب ما علق بالنفوس يتطلب إبعاد اجندة الطرف الثالث
    عرض كتاب.. العلاقات بين الرزيقات ودينكا ملوال (2 - 3)
    بقلم: التقي محمد عثمان

    رغم ان صاحب هذا الكتاب استهله بامنيته ان يكون (هدى لبنيان وحدوي قوي يساعد في وحدة السودان بأكمله)، الا اننا في (الصحافة) ننشره ليكون عاصما من قواصم انفصال الجنوب الوشيك، وذلك للترابط بين ما يتناوله الكتاب وارتفاع الاصوات المحذرة من ايلولة منطقة جنوب دارفور حيث يتداخل الرزيقات ودينكا ملوال لأن تصير بؤرة أخرى للنزاع شبيهة بمنطقة ابيي، فالبحث المقدم لنيل درجة الماجستير في التاريخ الإجتماعي من جامعة أم درمان الإسلامية في عام 2007 عن (العلاقات بين الرزيقات ودينكا ملوال) يتناول تفاصيل هذه العلاقة في بعديها الاجتماعي والجغرافي بعمق تتيحه المعرفة والمعايشة للمؤلف محمد عيسى عليو ابن المنطقة ورئيس هيئة شورى قبيلة الرزيقات.
    ومثلما قدم الكاتب كتابه في ثلاثة فصول فاننا نلخصه في ثلاث حلقات نعرض في الأولى قبائل الرزيقات وكيفية استقرارهم في منطقتهم الحالية مع التركيز على أقسام القبيلة وإدارتها، والمشاكل التي تعيشها. كما نعرض للردود على المزاعم التي اتهمت القبيلة ببعض الممارسات الخاطئة، وفي الثانية نتناول مراحل استقرار قبائل جنوب السودان مع التركيز على قبيلة الدينكا وبالأخص دينكا ملوال، والمشاكل التي وقعت بين الرزيقات والدينكا، والقيم الاجتماعية عند دينكا ملوال والرزيقات. وفي الثالثة نعرض للحديث عن قيم التمازج في القبائل السودانية، واشارات المؤلف إلى التمازج في دارفور، مع التركيز على التمازج والانصهار أحيانا عند الدينكا والرزيقات.
    عرض: التقي محمد عثمان
    في الفصل الثاني (الدينكا القبيلة والمجتمع) يعرفنا المؤلف على أقسام قبيلة الدينكا الرئيسية وهي:
    1. دينكا ريك و يسكنون منطقة التونج ببحر الغزال وأهم سلاطينهم مادوت مدوين فريك والد الدكتور توبي مادوت? والسلطان أروب والد نائب رئيس الجمهورية السابق جورج كنقور أروب ومن أبناء هذه القبيلة السياسيين البارزين وليم دينق من قادة حزب سانو.
    2. دينكا أقار ويعيشون في منطقة رمبيك ومن أبنائهم بروفسور موسس مشار نائب سابق لرئيس الجمهورية.
    3. دينكا نقوك .
    4. دينكا أتوت ويسكنون منطقة يرل.
    5. دينكا قوت ويسكنون منطقة شوبيت.
    6. دينكا بور ويسكنون منطقة بور ومن أشهر قادتها الراحل دكتور جون قرنق وأروك طون أروك، ومن أبنائها عبد الله دينق نيال وهو من المسلمين النشطين تقلد عدة مناصب عليا في بداية حكومة الإنقاذ.
    7. دينكا أبيلنق ومنطقتهم الرنك.
    8. دينكا تج ومنطقتهم قوقريال ومن أهم أبناء هذا الفخذ علي الإطلاق كاربينو كوانين أول من أطلق الرصاصة الأولي لتمرد 1983م وهو الذي توج جون قرنق رئيساً للحركة الشعبية ومن سخرية القدر أن مات برصاصة حركته التي أسسها ومن أبناء هذه القبيلة الوزير السابق بونا ملوال.
    9. دينكا أون شان ويسكنون منطقة قوقريال ومن أبناء هذه القبيلة الفريق سلفاكير ميارديت النائب الأول لرئيس الحمهورية الحالي.
    10. دينكا ألياب ويسكنون منطقة يرل ومن أبنائها الأسقف قبريال رورج وزير الدولة السابق بوزارة الخارجية.
    11. دينكا شمال بحر الغزال ويتفرعون إلي هجير ودينكا ملوال ودينكا فليبنق ودينكا بليت وهم يتاخمون حدود الرزيقات الشمالية وهم المستهدفون في هذا الكتاب. ومن أشهر سلاطينهم رنج الوال بمريال باي وتربطه علاقة صداقة مع الناظر محمود موسي مادبو، ومن سلاطينهم السلطان الروب كوات ومنطقته السكة حديد ويشاركه في هذه المنطقة السلطان عبد الباقي أبيي أكول وعاصمته مضول وهو من السلاطين الجنوبيين المسلمين. ومن أبناء هذه القبيلة السياسيين المعروفين ألدو أجو أكول. ويعد الدينكا من القبائل الزنجية الكبيرة التي تقطن السودان الجنوبي، شواطئهم تتفاوت في الانحدار من مكان لأخر وهي أكثر ارتفاعاً من بلاد الشلك وبلادهم بها جزر كثيرة لعبت دوراً في حمايتهم من الأعداء .
    ويشير المؤلف الى ان السلطة عند الدينكا تنقسم إلى الآتي: زعيم الحربة المقدسة وهو الأب الروحي وبان موت زعيم الماشية وقائد الحرب، وبان راب وهو زعيم الطقوس السحرية والمسئول عن طرد الطيور التي تهاجم الزرع، وبان دي راك وهو خبير صيد الأسماك.وهناك طبقات المعالجين وطبقة المهتمين بتربية الماعز.
    موقع مناطق دينكا ملوال:
    تقع منطقتهم بين خطي عرض 10-8.5 شمال وخطي طول 26.5-28.5 شرق وتنقسم قبائل دينكا ملوال إلي ست زعامات أساسية وهي التي تشكل محور الجوار مع الرزيقات بما يسببه هذا الجوار من سلب وإيجاب وهم:
    1- السلطان أكونج رنج اللوال منطقته مريال ياي.
    2- السلطان أدور أروب منطقته قوق مشار.
    3- السلطان أشين أشي منطقته أنقوري.
    4- السلطان بول دينق فينق ومنطقته دوليت.
    5- السلطان مطوك دبيين وول ومنطقته أرباط وأطوطو.
    6- السلطان أبرام البينو أكوت ومنطقته نيام ليل.
    هؤلاء كلهم عاصمتهم الكبري أويل تقع في خط السكة حديد بين بابنوسة وواو. وعموماً فإن منطقة دينكا ملوال بصفة عامة تقع بين نهري اللول ونهر كير (بحر العرب) وملوال في لغتهم تعني الأحمر والقبائل الجنوبية الأخرى تسميهم بالغرباء. وهذا مدعاة للبحث عن أصول دينكا ملوال فلربما تكون لهم علاقة دم مع العناصر العربية أكثر من القبائل النيلية الأخري. وبهذا التقسيم الطبيعي الذي أوجدهم بين النهرين فالذين في الشمال تسموا بقائدهم ملوال أكوت تونق والذين في الإتجاهالجنوبي من نهر اللول سموا بقائدهم ملوال جارنق Malwal Jarngang.
    العلاقات بين الدينكا والرزيقات
    قامت بعض المناوشات الفرعية ما بين بعض بطون الرزيقات وبطون من الدينكا ولكنها لم تكن مناوشات شاملة كحروب الرزيقات مع الفور وأن حروب الرزيقات والدينكا لم تكن للسيطرة أو اغتصاب الأرض وإنما بسبب الانتفاع المؤقت منها. ومن الحروب التي وقعت بين بعض أطراف من الدينكا والرزيقات معركة الصمدة والمقلمة في القرنين الثامن والتاسع عشر الميلاديين ولكن في القرن العشرين وقعت معركة دسوسة عام 1913. والتي استغل فيها الدينكا انشغال الرزيقات بحروب الفور فهاجموا الحدود الجنوبية للرزيقات منطقة بحر العرب. ثم وقعت بعد ذلك بفترة طويلة معركة الطرور أبو شوك عام 1944م، ثم معركة سفاها عام 1976م، ومعركة بقيلة ضواحي بحر العرب حول منطقة سفاها عام 1986م. هذه المعركة بالذات تدخلت فيها قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان، ثم قاد الراحل كاربينو كوانين معركة أخرى ضد بعض بطون الرزيقات عام 1998م.
    ورغم هذه الحروب السالفة الذكر إلا أن الغالب الأعم هو الجيرة الجيّدة بين الرزيقات والدينكا والتي تتصف بحسن الجوار والوقوف مع الصديق وقت النكبات، فإذا استثنينا استغلال الدينكا لظرف الرزيقات الحربي ضد الفور وقيامهم بمعركة دسوسة عام 1913م. نجد أن الدينكا دائماً كانوا يوفرون ملجأ آمناً للرزيقات في حربهم ضد الفور، كانت كل العلاقة تخضع للأعراف بين القبيلتين والتي تنفذها تماماً الإدارات الأهلية بحذافيرها. كما أن العلاقة الشخصية لآل مادبو مع سلاطين الدينكا كالسلطان رنج الوال المميزة كانت دافعاً قوياً لاستقرار الأمن بين القبيلتين. صحيح أن هناك اختلاف في وجهات النظر في أحقية قطاع بحر العرب والانتفاع منه، وهذه كانت سببا لبعض المناوشات الحربية ولكن الإنجليز عقدوا لذلك عدة اتفاقات منها اتفاقية عام 1918م والثانية عام 1924م والتي لم تلبِ رغبات الدينكا ولكنها عدلت في اتفاق عام 1936م حيث نظمت الاستفادة الموسمية حول منطقة بحر العرب للقبيلتين بفترات موسمية محددة هذه التعديلات أرضت جميع الأطراف وأمنت على أن حدود الرزيقات جنوب بحر العرب 14ميل .
    ما عدا ذلك كانت علاقة الرزيقات والدينكا طيبة للغاية تم التزاوج والانصهار وتبادلت المنافع والهدايا فيما بينهما، بعض من أفراد الدينكا دخلوا قبيلة الرزيقات ودخلوا في الدين الإسلامي، كما أن هناك رزيقات ذابوا في المجتمع الدينكاوي بل كادوا أن يكونوا من ملتهم وظلوا يعيشون مع الدينكا هناك في ديارهم . بل أن الرزيقات عندما تضرب ديارهم موجات الجفاف يزحفون إلى مناطق الدينكا الغنية بالمياه ويظلون في حماية سلاطينهم وهكذا الدينكا عندما يزرعون أراضيهم مبكراً عند هطول الأمطار في شهري أبريل ومايو وينتهون من نظافتها تماماً في شهري يونيو ويوليو ييممون شطر دار الرزيقات ليساعدوا أهلهم الرزيقات في زراعتهم الموسمية سواء بالأجرة أو بالمشاركة وهكذا دواليك.
    عندما قامت الأحداث في الجنوب في 18/08/1955م، وزحفت في أوائل عام 1964م إلى منطقة دينكا ملوال وأغلقت راحت مناطق مريال باي وقوق مشار وضايقت السلطان رنج الوال هاجر هذا السلطان ودخل في كنف ناظر الرزيقات حيث أكرم وفادته وأمنه في ماله وأهله وبني له بيوتاً كثيرة من القصب على حساب الرزيقات وكان بعضاً من الرزيقات يحتكمون لمحكمة السلطان رنج الوال في الضعين بجوار محكمة الناظر محمود موسى مادبو الذي كان يلقبه الدينكا بأبو الخير مطر فكان في جوده نحوهم يصفونه كأنه مطر ينزل عليهم. ومن كرمه أن منح الدينكا قطعة أرض خاصة به لتكون كنيسة لهم يتعبدون فيها وظلت هذه المنحة إلى يومنا هذا، لم يفعل الرزيقات. هذا المعروف إلا رداً لجميل الدينكا الذين وقفوا معهم أثناء محنهم أمام سلاطين الفور.
    السلطان وال دور جوك دفع ابنته لصديقه الناظر مادبو علي زعيم الرزيقات، كما أن السلطان الروب بيونق أهدى ابنته لصديقه الناظر على الجلة زعيم المسيرية، والسلطان جوان مريال أهدى ابنته للإمام المهدى.
    صراع المصالح:
    رغم الرابطة القوية بين الرزيقات ودينكا ملوال من خلال خلق الصداقات بين الزعامات بين القبيلتين. إلا أن المصالح كانت دائماً تسبب كثيراً من الاحتكاكات بينهما خاصة اذا إرتبطت هذه المصالح بشريان الحياة وهو الماء، فإن بحر كير (بحر العرب) أراد الله أن يقع هذا البحر في الحدود تماماً بين القبيلتين وهذا بدوره جلب صراعاً مريراً بين القبائل سواء بين الرزيقات والمسيرية الذين علي طرفه الجنوبي الشرقي وقد وقعت بينهم معارك عدة لاسيما في القرن السابع والثامن عشر الميلادي أو مابين الدينكا والرزيقات من جهة أخري. بسبب هذا النهر الذي وقع داخل منطقة الرزيقات حسب خارطة الحدود التي وضعها الإنجليز جعل الدينكا يتململون من الاعتراف بهذه الحدود لسبب واضح، وهو أنهم يريدون بحر كير يكون ضمن حدودهم لغناه بموارده الطبيعية في فصل الصيف فقد ذكر ضيو مطوك في كتابه الرزيقات والدينكا ودور الطرف الثالث أن الحدود التي وضعها الاستعمار لم يكن الدينكا طرفاً فيها ويقول إن علاقة الدينكا مع الحكومة الإنجليزية لم تكن طبيعية ويقول إن الإنجليز اعتبروا أن المنطقة الغنية بالحشائش هي الحدود بين الرزيقات والدينكا. وهذا غير صحيح، وهو يعني أن الإنجليز استهدفوا المرعى لبهائم الرزيقات حتى إذا كانت داخل حدود الدينكا لهذه الأسباب أصبحت منطقة بحر العرب منطقة شد وجذب منذ أيام الاستعمار الإنجليزي فكانت اتفاقية ساقيل برقس، واستوت 1918م أعطت الرزيقات حق الرعي أربعين ميلاً جنوب بحر العرب حيث رفضها الدينكا وبسببها دخل بعض قادة ملوال السجون وتم نفي البعض إليبورتسودان. ثم قامت اتفاقية 1924م وسميت بإتفاقية فرو واتيلي وهي عبارة عن تعديل لاتفاقية عام 1918م وكانت هذه الاتفاقية قد نجمت عن عقد مؤتمر عقد في سفاها في 22/4/1924م ومن قرارات هذا المؤتمر حسم دور الرزيقات بأربعة عشر ميلاً جنوب بحر العرب (بحر كير) وأن يحتفظ الدينكا بأبقارهم جنوب بحر العرب، ولكن يمكن أن يصطادوا الأسماك فيه شريطة أن لا يذهب العرب لمنطقة ملوال لا للصيد، أو أي غرض آخر إلا لبيع الأنعام. ثم أردف المسئولون باتفاقية آخري 1935م وأيضاً منحت الرزيقات حقوقهم أربعة عشر ميلاً جنوب البحر ولكن كل هذه الاتفاقيات لم تمنع من وقوع الاحتكاكات بين بعض أفراد القبيلتين فوقعت مشكلة 1944م وسميت بمعركة الطرور أبو شوك. ولكن قيادة القبيلتين ما فتئت تلعب دورها الإيجابي في حصر المشكلة في أضيق نطاق. ثم أعقبتها معركة البطحة عام 1975م وتقع هذه المنطقة في داخل حدود الدينكا وسبب المشكلة هو تعدي الرزيقات علي الغابة المحظورة مما جعل السلطان رنج الوال يوقع عليهم عقوبة قاسية الأمر الذي رفضه الرزيقات فتقدموا باستئناف لمحكمة واو فألغت المحكمة العقوبة فغضب السلطان رنج فاعتدي الدينكا علي الرزيقات إرضاءً للسلطان فمات اثني عشر رجلاً. لمعالجة هذه الحادثة عقد مؤتمر سفاها? (سماحة) في صيف 1976م وسماحة تتبع لحدود الرزيقات لكن السلطان رنج تلكأ في الاستمرار لحضور الجلسات زاعماً إنه ناظر ولكن الرزيقات لا ناظر لهم فقد حلّت إدارتهم منذ عام 1971م لذلك لا صنو له يتحدث معه من الرزيقات. ولما كان رنج يعرف الرزيقات جيداً انتقد الذين حضروا ليفاوضوه فنعتهم بمهنهم المتواضعة مما أوغر صدورهم. وهكذا فقد أجل المؤتمر ولكن صداماً مسلحا قد حصل بسبب إطلاق نار كثيف من القيادة الجنوبية في الجهةالجنوبية من بحر العرب بأوامر من القائد مكور أليج لانه تخوف من عروض الرزيقات أمام المؤتمر وهم علي صهوات جيادهم في منطقة مهد الجاموس. مات في هذه الحادثة نفر عزيز من الفريقين ما كان ليموتوا لولا فقدان الثقة بين الأطراف. وهنالك حوادث متفرقة أخري فقدت فيها أرواح عزيزة آخري من القبيلتين كصراع الجلكو - طمبرة التونج مريدي عام 1982م ثم حادث أريات عام 1984م الذي قتل فيه عشرة من أبناء الرزيقات التجار هناك، ثم حادث آخر في عام 1985م في نفس المنطقة حيث اعتدي بعض الرزيقات علي دكادك الدينكا انتقاماً لقتلاهم ثم قام بعض أبناء الدينكا في منطقة الشلكو بعد فترة قليلة من اعتداء الرزيقات بالاعتداء انتقاماً وثأراً لقتلاهم .
    واستمرت الحوادث الدموية تتواصل فكان حادث نيام ليل حيث ذبح الدينكا مجموعة من أبناء الرزيقات التجار ومثَّلوا بجثثهم .
    وبعد ذلك تدخلت الحركة الشعبية بقوة مع الدينكا وأمدتهم بالدعم اللوجستي كما يقول السلطان ضيو مطوك في كتابه الرزيقات والدينكا ودور الطرف الثالث. فإن الدينكا التحقوا بالحركة الشعبية وتم تدريب أبنائهم إلا أنه قال ولكن الحركة الشعبية ذهبت بعيداً بأبناء الدينكا إلي مواقع أخري ولم تتركهم يواجهون الرزيقات وعلي كل كان دعم الحركة الشعبية وآضحاً حيث تغيرت موازين القوى فكانت حادثة بقيلة 1986م والفنقو نوير 1987م ثم حادثة هجليجة 25 مارس 1987م وكانت الأضرار كبيرة علي الرزيقات في هذه المواقع الأخيرة وهذه الحادثة بالذات والتي سميت بحادثة الدبابة كان سببها الأساسي محاولة توغل الحركة الشعبية داخل حدود الرزيقات فيما بعد بحر العرب شمالاً لاختراق الحدود الجنوبية للشمال السوداني وهذه الحادثة أيضاً هي التي أشعلت الفتنة في الضعين والتي بسببها تم حرق بعض مواطني الدينكا في محطة القطار والتي سببت هجمة شرسة علي الرزيقات من الإعلام الغربي وبعض الكتاب السودانيين كالدكتورين بلدو وعشاري. استمرت المناوشات بين بعض أفراد الرزيقات وأفراد الدينكا سنين عددا فكان حادث مشروع أم عجاجة 1988م ثم حادث تلقونا 1997م وحادث نيام ليل 1998م . تلاحق هذه الأحداث المتتالية يؤكد أن ميزان القوى بدأ يتغير بعد دخول عنصر الحركة الشعبية العسكري.
    ويخلص من كل هذه الحوادث إلي الآتي:
    1. أن معظم هذه الحوادث وقعت في داخل حدود منطقة الدينكا.
    2. أن دخول الرزيقات إلي هذه الحدود بدافع الاستفادة من خيرات الجنوب كالصيد والإتجار في الأخشاب أو تبادل المنافع مع المواطنين الدينكا إذ لا تتوفر للمواطنين الدينكا في هذه المواقع القصية المواد التمويلية كالسكر والشاي والملح فالرزيقات يغامرون بالدواب لبلوغ تلك المناطق فما أن تقع مشكلة في مكان ما إلا وكان الانتقام من المواطنين الذين لا حول لهم ولا قوة الذين صادف تواجدهم بالقرب من أهل الثأر من الطرفين.
    3. كل هذه المواقع التي وقعت فيها الأحداث تبعد بعيداً عن مكاتب الإدارات الأهلية والشرطة.
    لذلك فأن الاستبيان الذي قدمه ضيو مطوك لقيادة القبيلتين طبيعي جداً أن ينتهي لتوصيات مفيدة إن عمل بها تقلل من هذه الاعتداءات التي تروح ضحيتها المئات من الأنفس السودانية والتوصيات هي :
    1- إبعاد أجندة الطرف الثالث ويعني بذلك الحكومات في الشمال والجنوب والحركات المسلحة والمنظمات.
    2- عدم إشعار الناس بأن المشكلة كأنها بين الشمال والجنوب.
    3- فقدان التنمية وعدم فتح الطرق أسباب أساسية للمشاكل.
    4- التطور السريع في الصراع لا بد من حسمه حتي لا يتفاقم الأمر.
    5- إعادة المخطوفين من الطرفين أثناء الحروب.
    وأشار إلى الحلول الآتية:
    إنشاء جسم مشترك لحسم القضايا الخلافية.
    تقديم الدراسات التنموية.
    تفصيل دور المنظمات تفصيلاً إيجابياً.
    عودة الخبرات السابقة للإدارة الأهلية وتأهيلها.
    البحث عن بدائل للمراعي الضيقة وهي سبب المشاكل.
    إحياء الأسواق الحدودية.
    تفعيل دور التمازج بين المجتمعات وتذويب ما علق في النفوس.
    ويشير الكاتب الى أن مناطق التماس لقبيلتي الدينكا والرزيقات قد تأثرت للغاية من جراء الحرب التي قادتها الحركة الشعبية من فقدان للأنفس، وضياع الثروة الحيوانية والاقتصادية بحكم أن معظم المعارك الحربية مع الجيش السوداني كانت مسارحها هذه المناطق، أضف الى ذلك تدمير العلاقات الاجتماعية السابقة بدافع تسييس وعسكرة أبناء هذه القبائل التماسية سواء من حكومات الشمال أو قيادات الحركة الشعبية، ويرى الكاتب أن المطلوب الآن من قيادات الدينكا وأبناء الرزيقات العمل على تعويض هذه الكوارث، وبذل الجهود لإعادة ذرع الثقة من جديد بين هذه المجتمعات، وإقرار نفرة مارشال تنموية لهذه المناطق حتى نستطيع تعويض ما فات.

  3. #3

    افتراضي

    التسييس والتجييش أس بلاء القبيلتين
    العلاقات بين الرزيقات ودينكا ملوال (3 - 3)
    التقي محمد عثمان

    رغم ان صاحب هذا الكتاب استهله بامنيته ان يكون (هدى لبنيان وحدوي قوي يساعد في وحدة السودان بأكمله)، الا اننا في (الصحافة) ننشره ليكون عاصما من قواصم انفصال الجنوب الوشيك، وذلك للترابط بين ما يتناوله الكتاب وارتفاع الاصوات المحذرة من ايلولة منطقة جنوب دارفور حيث يتداخل الرزيقات ودينكا ملوال لأن تصير بؤرة أخرى للنزاع شبيهة بمنطقة ابيي، فالبحث المقدم لنيل درجة الماجستير في التاريخ الإجتماعي من جامعة أم درمان الإسلامية في عام 2007 عن (العلاقات بين الرزيقات ودينكا ملوال) يتناول تفاصيل هذه العلاقة في بعديها الاجتماعي والجغرافي بعمق لما تتيحه المعرفة والمعايشة للمؤلف محمد عيسى عليو ابن المنطقة ورئيس هيئة شورى قبيلة الرزيقات.
    ومثلما قدم الكاتب كتابه في ثلاثة فصول فاننا نلخصه في ثلاث حلقات نعرض في الأولى حروب الرزيقات وكيفية استقرارهم في منطقتهم الحالية مع التركيز على أقسام القبيلة وإدارتها، والمشاكل التي تعيشها. كما نعرض للردود على المزاعم التي اتهمت القبيلة ببعض الممارسات الخاطئة، وفي الثانية نتناول مراحل استقرار قبائل جنوب السودان مع التركيز على قبيلة الدينكا وبالأخص دينكا ملوال، والمشاكل التي وقعت بين الرزيقات والدينكا، والقيم الاجتماعية عند دينكا ملوال والرزيقات. وفي الثالثة نعرض للحديث عن قيم التمازج في القبائل السودانية، واشارات المؤلف إلى التمازج في دارفور، مع التركيز على التمازج والانصهار أحيانا عند الدينكا والرزيقات.
    القيم والتمازج
    وفي هذا الفصل الأخير يتحدث المؤلف عن التمازج السوداني الذي يعتز ويفتخر به السودانيون مقدما نماذج منه ليدلف بعدها الى تناول التمازج الرزيقي الدينكاوي، ويقول ان الرزيقات جبلوا على التمازج منذ أن وطئت أقدامهم أرض دارفور، سواء عن طريق مصاهرتهم للقبائل العربية الأخرى كالعلاقة بين المحاميد والبني هلبة، حيث تزوج أحد زعماء المحاميد ببنت زعيم البني هلبة جمعان العويصى، أما علاقتهم مع قبائل دارفور فهي في قمة التمازج، فجدة مادبو الكبير والدة أبيه علي كانت من قبائل الزغاوة، وجدة موسى مادبو كانت من قبائل الدينكا، وأما إبنا موسى مادبو إبراهيم ومحمود فقد كانت والدتهما من قبائل الكروبات في شمال دارفور، ومحمود موسى مادبو ناظر الرزيقات للفترة من 1960 - 1973م فقد زوج ابنته «حرم» لسلطان دار مساليت عبد الرحمن بحر الدين، ووالدة حرم تنحدر من أسرة توفيق صالح جبريل الأسرة الأم درمانية المعروفة، وأن موسى مادبو نفسه لم يتزوج من بنات عمه إلا ثلاث فقط أما الأربع الباقيات فهن من جنوب السودان وجنوب كردفان، وكذلك ابناه الكبيران إبراهيم ومحمود، فقد تزوجا بأكثر من امرأة جنوبية، أما محمود فقد كانت له أكثر من ثلاثة زوجات من الإقليم الجنوبي، وجميعهن أنجبن أبناء هم الآن من قادة القبيلة في الرأي والحكمة والشجاعة والجود والكرم.
    ويشير الى بطن آخر من الرزيقات هم أولاد أم أحمد يتاخمون دينكا ملوال، وهم الأكثر زواجا من الدينكا بل وصل الأمر أن تشربوا كل ثقافات الدينكا، يتكلمون لغتهم بطلاقة ويسبحون كما يسبح الدينكا، وهناك عادات أسرية اكتسبها هذا البطن من الدينكا كزراعة الذرة حول البيوت وتسمى عند الرزيقات «جبراكة» وصيد الزواحف، واستخراج العسل من أشجار الجنوب .. التداخل الأسري بين هذا البطن والدينكا عميق لدرجة أن المرء يخيَّل إليه أن أمامه دينكاوي لولا نطقه اللغة العربية بطلاقة، كما أن هناك من الدينكا من إذا سمعته يتحدث يخيَّل إليك أنه رزيقي، ولكن ما أن يستبين لك حتى تعرف أنه دينكاوي من تقاطيع وجهه.
    كما امتد امتزاج الرزيقات لشتى قبائل دار فور والجنوب، فالنوابية امتزجوا مع أهل راجا وبالذات مع قبيلة الفرتيت تحديدا أسرة الزعيم فرتاك، والمحاميد امتزجوا مع جيرانهم البرقد والزغاوة أم كملتي، وفيهم من الانصهار ما يعجزك من معرفة من البرقداوي أو الرزيقي أو الزغاوي إذا ما صادفتهم في أي من المنتديات.
    أما الماهرية فلوقوعهم في جيرة قبائل التماس الجنوبية الشمالية، كقبائل شات والنقلقلي والمنضلة والدينكا فقد امتزجوا مع هذه القبائل تماماً. بل أن قبيلة المنضلة الكبيرة التي كانت لها سلطنات وجبال معروفة كإيرة وتنبيرة، وكان من قادتها الزعيم حمدان أبو عنجة، طلبت الانضمام والانصهار مع الرزيقات لهم ما على الرزيقات وعلى الرزيقات ما عليهم، واختفى اسم المنضلة من قاموس القبائل كاسم مستقل وأصبحوا جزءاً أصيلا من الرزيقات، وأصبحوا عمدا وشيوخا وسياسيين محترفين في القبيلة وأصحاب قطعان. ولذلك أعظم عقوبة تقع على الرزيقات إذا نعت شخصا من المنضلة ونسبه لجذوره كأن يقال له يا منضلاوي فهذه جريمة كبرى تهون أمامها قطع الرقاب وينبذ من كافة المنتديات القبلية حتى يصبح حقيرا لا يدانيه أحد.. والسبب في ذلك إكرام هذه القبيلة التي انضمت للرزيقات بقضها وقضيضها وبزرعها وضرعها وأرضها، ولولا انضمام هذه القبيلة الكبيرة لاختل ميزان القوى بين الرزيقات والدينكا، لاسيما إذا إستطاع الدينكا استقطاب هذه القبيلة الكبيرة كلها أرضا وقبائلا والتي كانت في تماس في الحدود الشمالية الجنوبية، وكذلك تم التمازج مع قبيلة شات ولكنها لم تصل مرحلة انصهار قبيلة المنضلة، إذ لا يزالون يحتفظون بمسمياتهم ولهم مشايخهم ولكنهم تحت إدارة الرزيقات.
    ويقول عليو إن التمازج بين الرزيقات والدينكا وصل مرحلة يصعب الفكاك منها مهما كانت الظروف ففي الحرب مثلا مهما يتقاتل الطرفان لن يصلا مرحلة القطيعة التامة، ويظل الأمل معقودا في الصلح والتعايش السلمي وأسنة الرماح وسنابك الخيل تتقاطر منها الدماء وغبار المعارك، والعجب فالذين أكثر شراسة ضد بعضهم البعض هم الذين ينحدرون من أصول دينكاوية وأصول رزيقية فلا شفقة بينهم ولا تراجع، فالرزيقي الذي ينتمي لأم دينكاوية تجده أكثر جرأة وشراسة ضد أخواله من الدينكا الآخرين وهذا من عجائب التمازج.
    القيم عند الرزيقات
    وفي المبحث الثاني من هذا الفصل يتحدث عليو عن القيم عند الرزيقات والدينكا، ويقول ان الرزيقات لا يختلفون كثيرا عن قبائل السودان في عاداتهم وقيمهم ولكن هناك تفاوت في بعض التقاليد، فمثلاً هناك ملاحظة فارقة يختلف فيها العرب البقارة عن العرب الأبالة في كردفان وعرب الجعليين. فالرزيقات لا يتجالدون بالسياط مطلقاً في حالات الأفراح، بينما نجد هذه العادة متجذرة عند بعض العرب الأبالة وتمتد إلى بعض قبائل الإقليم الشمالي، ثم عادة احتساء الشاى ربما نجدها متوفرة عند الرزيقات ولكنهم يتوافقون في ذلك مع الشايقية. لذلك لابد من الإشارة إلى التفاوت فقط في بعض العادات والقيم، كما أن الرزيقات مجملاً لا يحتسون الخمر ويكرهونها، لكن بعض إخوانهم العرب الأبالة الآخرين يتناولونها بكميات قليلة في المناسبات.. الزواج يختلف عند الرزيقات عن الدينكا في زواج الأقارب فالرزيقات بفضلون ذلك بل أن إبن العم حتى لو كان مسكيناً يرفض ترك بنت عمه الغنية لآخرين، في حالات كثيرة يحصل صدام مرير في ذلك ربما تنتظر البنت البالغة ابن عمها الذي لم يبلغ الحلم بعد لمدة تزيد عن السنتين، وأحيانا يتزوج ابن العم ابنة عمه وهو لم يبلغ الحلم بعد، وكذلك ربما يتزوج ابن العم ابنة عمه وهي لم تبلغ بعد وأحياناً يتنازل عنها لآخر مقابل مبلغ من المال «ترضية» بينما الدينكا يتعففون من مثل هذا الزواج فبنت العم تعتبر أختاً له.
    والزواج عند الرزيقات يبدأ بالحالات العادية. ربما رأى الرجل المرأة في مناسبة فأعجبته أو رشحتها له أمه أو أخته أو صديقه، فتبدأ الزيارة الأولى لأهل الفتاة أو المرأة ويقدم فيما يسمى بالطعُمة وهي عبارة عن أرطال من السكر والشاي وبعض المبلغ البسيط. هذه الأشياء ستكون عبارة عن هدية رمزية لا ترد سواء قبل طلبه أو رفض، بعد ذلك تأتي مرحلة الموافقة وهنا يعطى الرجل المهر ويسمى عدل البيت لتجهيز البيت بالأدوات اللازمة من سرير أعمى? وهو أشبه بسرير الدبل ينسج من القنا والسيور المصنوعة من جلد البقر وكذلك الشكاكيب وبعض البروش المُتفتة? للزينة وأدوات المأكل والملبس في أحيان كثيرة يصاحب المهر فيما يسمى بالعَقُود وهو عبارة عن التزام العريس بتقديم هدية للعروس مصاحبة للمهر كبقرة حلوب أو عدد من الضأن أو عِجْلة صغيرة وهذه تنزع من الرجل لصالح المرأة في حالات الطلاق .
    الاحتفالات بالزواج دائماً تكون في فصول ما بعد الخريف وفي حالات ارتياح البهائم التام من توفر للماء والكلأ ويدعى لهذه المناسبة الأهل من قبل فترة كافية ويُعد لهذه المناسبة إعداداً جيّدا أشبه بالإعداد للزفات خاصة مناسبات زعامات القبيلة، يكون هناك سباق للخيل ويتخلل ذلك الرقصات الشعبية، ويعرض الفرسان شجاعتهم وفروسيتهم أمام بنات أعمامهم المغنيات المكتملات بغاية الزينة من عطور ودهون وكحل وتمشيط جيّد لشعرهن. وفي هذه المناسبات يتم التعرف على البنات غير المخطوبات وربما تتم أكثر من خطوبة في تلك المناسبة. أما كبار السن فيجدونها فرصة لاجترار الذكريات وهم في شجرة بعيدة عن كل تلك الضوضاء، وغالباً ما تعقد أكثر من جودية في تلك الشجرة. ويأتي كل مدعو بأخباره السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلاقات مع القبائل الأخرى. وربما يكون التركيز عن تنبؤات الخريف القادم وكيف سيكون سلوك الدينكا معهم هذه السنة.
    يتصف الرزيقات بالكرم بصفة. عامة ولكن هناك بخلاء يُعيرُّون بهذا البخل سواء إليهم مباشرة أو لأبنائهم أو حتى لسلالتهم فيما بعده بثلاث أو أربع أجيال. ويكون الكرم أشد عندما يأتي للرجل ضيوفٌ أعزاء، قد لا يتعدى عددهم ثلاث أو أربع ولكنه ربما يذبح أكثر من بهيمة، منهم من يذبح بقرته الحلوب أو عنزته ويترك ابنها صارخاً يتضور جوعاً. ويبلغ الكرم أشده إذا ما حل الناظر أو العمدة بأحدهم، لذلك دائماً الزعماء يتجنبون النزل في أي من فرقان الرزيقات. وحتى في حالة نزولهم بعيداً فعندما يلحظهم أحد أهل البادية فما أن تمر ساعة حتى تشاهد مجموعات كثيرة كل يحضر خروفه أما على حماره الذي يركبه أو يسوقه أمامه ماشياً ليقدمه لضيفه الكبير. أحياناً النساء يجتمعن ويذهبن للخلاء لوحدهن لأيام ومسافات بعيدة وهذا يسمى «الفزع» وهو البحث عن اللحاء أو القنا والأمر عبارة عن نزهة أكثر من البحث عن مهنة. هؤلاء النساء إذا ما حللن في أي من رجال البادية فيلاقين كرماً ما بعده كرم، وإذا لم يفعل فسيتعرض لنقد لأذع وربما تقطع فيه «غنية»? هجاء يسير بها الركبان فحتى البخلاء يخشون من مثل هذه الأفواج النسائية فتجدهم يصطنعون الكرم فيذبحون لهن خرافاً ولكنهم في داخلهم يغلون كغلي المرجل لفقدهم لتلك الكنوز المدخورة.
    أدب الجوديات:
    الرزيقات يميلون لأدب الجودية حتى القضية وبعد وصولها المحكمة يأمر العمدة بإرجاعها للأهل خارج المحكمة، بل ويوصى بأن أذهبوا لفلان وفلان حلوها برا. وفي هذه الحالات يرجع الرزيقات في الجودية الى العادات والتقاليد الماضية ويقارنوا كل قضية بمثيلاتها كيف حلت في السابق ، وهناك متخصصون في الأعراف غير مكتوبة، فمثلاً إذا ضرب شخص أخر كفاً ويسمونها «أمضان» فعرفهم كان في السابق أن تكون الغرامة خمسين قرشاً. ومن الأعراف أن لا ينبذ الرجل بأصله إذا لم يكن رزيقي حقيقي فهناك حلفاء دخلوا في بيت القبيلة. فإذا ما أخطأت ونعته بأصله يا شايقي أو يا هباني أو يا دينكاوي فهذه جريمة كبرى حدها الأدنى ستة شهور سجن وعجلتين رباعيتين غرامة، والرزيقي تأخذ كل أمواله ولا تضعه في السجن شهراً واحداً، بعضهم يبكي لفراق أرضه الشاسعة والحرية الكافية وأبنائه وأصدقائه. والرزيقات يرفضون الجلوس في «الأدبخانات?» وهذا ما يلاقونه في السجن تكراراً ومراراً. وكذلك المساجين يأكلون البليلة وهي الدخن المقلي بالماء وهذا ما يأبونه. وكذلك المسجون تصدر إليه الأوامر وأحياناً ربما يركله الخفير وهذا غاية الأذى بالنسبة له. والسجن يحرمه من بهائمه لأنه هو الناشط عليها ولا يرتاح أن يرعاها حتى أبناؤه. وكذلك سيصيبها الهزال والضعف ويكون الأمر عجباً أن كان له حصان أو فرس أهملت أثناء سجنه، وهذه النفسية عرفها النظار في شخصية الرزيقي فيهددونهم بالسجن ولا يدخلونهم فيه إلا نادراً لذلك كان الرزيقات أكثر حرصاً على الانضباط وعدم التعدي خوفاً من السجن والكلباش أي تقييد اليدين والرجلين في حالات القتل النادرة.
    الفروسية: يمتاز الرزيقات بالفروسية، فالفرس والحربة أم طبايق إذا توفرت عند شخص فهذا لا يخشى إلا الله لا سيما إذا انتدبته القبيلة لمهنة شاقة والجبناء يعيرون ربما لا يؤاكلون أو يزوجون
    القيم عند الدينكا:
    الدينكا من ناحية عقائدية فيهم مسيحيون والمسلمون أقلية، ولكن الغالبية العظمي يدينون بالكجور وإذا أراد قائدهم أن يبدي التزامه الشديد بأي اتفاقية فإنه يحلف علي الحربة ويلحسها لحسه خفيفة تماماً كالمسلم عندما يؤدي القسم. وهم قوم إذا ما التزموا بشي ما غالباً ما يؤدونه علي وجهه، وهم لا يعتبرون الالتزام الديني عائقاً بين الناس وإنما يعتبرونه سلوك شخصي فليس معتاداً منهم أن يذهبوا إلي مواقع التجمعات ليقوموا بدعاية لديناتهم، الدينكا كرماء مضيافون يقدمون أولاً اللبن للضيف ومن ثم تذبح الذبائح. والضيف عندهم عزيز حتي يغادر. وكالعادة يعرشون العريش في شكل (راكوبة) تنام عليها الأسرة خوفاً من الباعوض والحشرات الأخري، فإذا ما أتاهم ضيف يخلوا له الموقع وهم يحرسونه في أسفل هذا الموقع ويقدمون للضيف المسلم اللبن والعسل ولا يقدمون له اللحم قيمهم قيم سودانية أصيله إلا من بعض التفاوت في العادات وسنذكرها في حينها.
    الدينكا لهم نظام متقدم جداً في فهم القضايا عن المتشاكين، بالإضافة إلي السماح لكل من أراد الحضور للمحكمة والسماع للقضية. وبعد الإنتهاء من سماع مرافعات الشاكي والمشتكي يعطي كل أحد من الحضور فرصته للإدلاء برأيه دون مقاطعة من الطرف الآخر أحياناً يتحدث المرء لأكثر من ساعة دون أن تسمع أي حراك يدل علي السأم أو الضجر للقاضي أو الناظر يستمع لكل الأراء. وفي نهاية المطاف يقول الرأي القاطع والنهائي بناءً علي المداولات التي سمعها. أحياناً يخيل إلي المرء من شدة طول الجلسة وسكون القاضي أو الناظر كأنه قد نام ولكنه كان يستمع جيداً. عكس بعض المحاكم الأهلية عند العرب أولاً لا تخلو من المقاطعة في الحديث من طرف لآخر، ومن خلال هذه المقاطعات تضيع معالم الكلمات من المتحدثين وارتباك الأمر. ثانياً في المحاكم الأهلية عند العرب القاضي أو الناظر يقول رأيه ثم الأجاويد يتدخلون ويخفضون الغرامة المالية وشهور السجن التي حكم فيها الناظر علي المجرم ولكن عند الدينكا الأعضاء هم الذين يقررون ثم يتركون الأمر النهائي للقاضي.
    من قيم الدينكا التي تؤخذ عليهم سلباً حالات التعري التي كانت جزءاً من حياتهم، ولهم فلسفة في ذلك فيقولون أن البضاعة الجيدة لا تخفي، فالملابس هي التي تخفي العيوب ولو لم يكن هناك عيباً لما استتر منه الإنسان. وهم يقولون أيضاً في هذا المجال لا سيما عند البنات فالبنت البكر تبدو واضحة جداً من خلال كل شي بارز كالأثداء المنتصبة وطريقة المشي والجلوس والوقوف.
    ومن القيم التي يمتاز بها الدينكا أنهم لا يسرقون أبداً إلا في حالات نادرة جداً. لهم تقاليدهم ولهم مقوماتهم وأخلاقهم فهم لا يسرقون إلا شذوذاً عند الجوع وهم لا يكذبون، وهم يوفون إذا عاهدوا وهم يحترمون نساءهم. وهم بالجملة لا يزنون كما قال صاحب الكتاب من وحي الجنوب فإن الدينكا لا يميلون إلي الكذب في كل شي وإذا دفع أحدهم للكذب ربما يسكت ولا ينطق، كما أن الزنا عندهم نادراً وإذا ما حصل هذا فيعاقب الرجل أكثر مما تعاقب المرأة ففي حالات الزنا النادرة إذا ما اعتدي شخص علي حرمات رجل آخر فالغرامة تكون أبقاراً كثيرة ولكن إذا ما حملت المرأة من الزاني وأنجبت فزوجها سيرد للزاني جزءاً من تلك الأبقار لأن المرأة جاءته بفائدة خاصة إذا كانت بنتاً فيعتبر إبن فراش وإذا زنت البكر فتزوج عقاباً من الأكبر سناً من الشيوخ وبمهر مؤخر وبعد سنة يمكن طلاقها.
    قيم الزواج:
    في الغالب الأعم أن لا يتزوج الدينكاوي من بنات عمومته علي اعتبار إنهن أخواته، وطريقة اختيار الزوجة تتم بنفس الطريقة السودانية المعروفة ربما يختار هو أو تختار له أخته أو أمه. ومن ثم يذهب الفوج الأول من الخاطبين وإذا تمت الموافقة فسيذهب الشيوخ الكبار، وإذا ما تمت الخطوبة يمكن للخاطب أن يذهب ويطلب خطيبته علناً وتأتي إليه وتسلم عليه وهم وقوف ممنوع منعاً بتاتاً من الجلوس في الأرض فيتحدثان وهم وقوف لساعات طويلة ثم يرجع قافلاً إلي منزله بعد تأكده من دخولها منزلها وإذا ما شاهده أخوتها وهم علي الأرض فما عليهم إلا تصويب حرابهم عليهم فيقتلونه علي الفور.
    بعد انتهاء مدة الخطوبة تأتي مرحلة دفع الأبقار وهي كثيرة جداً تفوق أحياناً الخمسين والسبعين بقرة علي حسب طول المرأة أو قصرها ومكانة والدها الاجتماعية وأيضاً إذا ما أنجبت العروس بنتاً فأهل البنت من أبيها يزيدون في المهر لأن المرأة أنجبت لهم بنتاً والبنت تأتي بالأبقار وإذا ما أنجبت ولداً فيرجعون أهل المرأة بعضاً من الأبقار. أحياناً ومحاولة لإبراز سيطرة الرجل يضرب العريس عروسه يوم الدخّلة. ولكن من الضروري مشاورة البنت في الزواج ولا تكره البنت على الزواج من رجل لا تحبه مهما كلف من أمر وفي حالة إنجاب المرأة عند الدينكا طفلاً مشوهاً فرحمة به يتخلصون منه بأي طريقة ربما يقتل سريعاً لأنهم دائماً يحبون أن يكونوا معافين دون إعاقات، كل هذه العادات كانت في السابق عند الدينكا ولكن مع تطور الثقافات أصبح بعضها أثراً بعد عين، لاسيما الاحتشام فقليل من الدينكا الآن عراة في ديارهم.
    مؤتمر الحبشة
    وفي المبحث الثالث يتوقف عليو عند مؤتمر الحبشة فبراير 2004م الذي عقد باثيوبيا وكانت أهدافه خاصة بالتعايش بين الرزيقات ? الدنيكا ? المسيرية وهي كالتالي: اولا، تهيئة المسرح لتفعيل السلام بعد تحقيقه، ثانيا، إحياء صور العلاقات الأزلية التي حجمتها حرب العشرين عاماً، ثالثا، فض النزاعات والإشكالات العالقة.
    ويلخص عليو ما دار في جلسة بين الرزيقات والدينكا ملوال داخل هذا المؤتمر ويقول ان المشاركين فيه من الطرفين اتفقوا على أن جذور وأسباب النزاع والعوامل المؤثرة عليه بين الرزيقات والدينكا تعود إلى أسباب طبيعية واقتصادية وأسباب خارجية حيث قسموا الأسباب الخارجية إلى قسمين التسييس وقسم إلى الآتي:
    1. عدم استقرار النظم السياسية في السودان وعدم ثبات توجهات الدولة.
    2. تدخلات الأحزاب ومساهمتها في تأجيج النزاع.
    3. إضعاف دور الإدارة الأهلية.
    أما القسم الآخر فهو التجييش لإنشاء المليشيات القبلية العشوائية مما أدي إلى عسكرة هذه المجتمعات وإطلاق يد المليشيات دون ضوابط (المراحيل) وتفلت بعض القبائل وعدم السيطرة عليهم وأخيراً انتشار السلاح دون ضوابط.
    مشيرا الى التوصيات الصادرة من المؤتمر بإعادة الاعتبار للمعاهدات التقليدية لأنها مكنت من حل الصراعات بين مجتمعات الدينكا والمسيرية والرزيقات بطريقة ودية ومرضية. والتوصية بعقد مؤتمر سلام ومصالحة بين المجتمعات في تاريخ لا يتجاوز مايو 2004م. سبيلاً لمؤتمر مستقبلي بهدف الحوار وبناء السلام. ورفع قيم التعايش السلمي وحقوق الإنسان عبر إنشاء هياكل ثابتة وملائمة ومعاملات يتم الاتفاق عليها فيما بعد على مستوي القواعد. كما تم الاتفاق على آلية لتسهيل التخطيط الإضافي اللازم بين اللجان المختلفة. وأمن المشاركون على الالتزام الكامل بالمضي قدماً بنفس الروح التي سادت هذا الاجتماع التاريخي وأكد المجتمعون على الرغبة في الحفاظ على التعايش السلمي والتنمية طويلة المدى لمجتمعات الدينكا المسيرية- الرزيقات تتم بالالتزام الكامل بالشفافية التي تتطلبها العملية.
    ويقول انه رغم أهمية هذا المؤتمر وأهمية التوصيات فيه، إلا أن الحكومة للأسف لم تلتزم بأهم توصية وهي قيام المؤتمر الجامع لهذه القبائل، والذي حدد له بعد شهرين من ذلك التاريخ، ويقول عليو انه في إحدى لقاءاته بالشيخ أحمد عبد الرحمن محمد مسؤول هيئة الصداقة الشعبية والمسؤول الحكومي الثاني لمؤتمر أديس ابابا ذكر أن عدم أسباب عدم انعقاد هذا المؤتمر عدم التمويل.
    وفي خاتمة الكاتب يقول عليو إن قبائل التماس في كل الدول تسبب هاجسا للوضع الإجتماعي والاقتصادي للدول المجاورة، لاسيما الدول الفقيرة التي لم تستطع ضبط حدودها، ويقول انه إذا قامت حروب حدودية بين الأطراف مباشرة تدفع قبائل التماس فاتورة الحرب دون طائل. وهنا تأتي حروب التماس بين الرزيقات والدينكا، مشيرا الى أنه ومنذ قيام الحركات المسلحة الجنوبية عام 1955م وحتى توقيع اتفاقية نيفاشا 2005م، ظلت منطقة التماس بين الرزيقات والدينكا ملتهبة للغاية إلا من فترات متقطعة خاصة فترة الهدنة ما بين 1972 حتى 1983م، والسبب في ذلك الصراع بين هذه الحركات والحكومات المركزية إذ ظل كل طرف يعبئ الطرف الذي يظن أنه موالٍ له من هذه القبائل ضد الآخر، وبذلك فقدت هذه القبائل أنفس عزيزة وانهيار اقتصادي واجتماعي بالكامل، ويشير الى المؤتمر التمهيدي في أديس أبابا الذي مولته الصناديق الأجنبية. وكان الاتفاق أن يقوم مؤتمر أكبر تُمثل فيه كل القواعد القبلية توطئة لفتح صفحة جديدة للتعايش السلمي، وحسب الاتفاق إن المؤتمر سيعقد فور الرجوع من الحبشة ولكنه لم يعقد حتى هذه اللحظة، موصيا بقيام هذا المؤتمر الكبير حتى تناقش القبائل كل مشاكلها ولتتخطى مآسي الأيام ولاستشراف مستقبل جماعي يكون عونا للبلاد.

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مسابقة ثقافية بمناسبة اسبوع بني مخزوم
    بواسطة معلمة أجيال في المنتدى مجلس القبائل الخالدية و المخزومية
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 05-06-2016, 07:32 PM
  2. مسابقة ثقافية حول الانصار رضي الله عنهم
    بواسطة معلمة أجيال في المنتدى الاسلام باقلامنا
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 10-04-2016, 04:28 PM
  3. و جعلنا من الماء كل شيئ حي . التربة والماء وأثرهمـا فـي إنبـات الطعـام
    بواسطة م مخلد بن زيد بن حمدان في المنتدى الاسلام باقلامنا
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 09-02-2016, 12:17 AM
  4. المطبخ الماليزى .. خلطة ثقافية ممتازة
    بواسطة زمرده في المنتدى مجلس المطبخ و التدبير المنزلي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 02-06-2011, 06:19 PM
  5. شخصيات و وجوه أدبية و ثقافية هامة في منبج
    بواسطة أم أريج في المنتدى مجلس الادباء العرب ( المستطرف من كل فن مستظرف )
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 18-07-2010, 11:50 AM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
MidPostAds By Yankee Fashion Forum