اللغة لا تسوّى المرأة بالأخدود !!

د. هادى حسن حمّودى

●● أرسل لى عدد من الأصدقاء نصًا انتشر في مواقع الشبكة العنكبوتية،
يريدون بيان صوابه من خطأه، وبعد تردّد وتأنٍّ أجمعت أمرى على أن ألبى طلبهم.
ولكم أن تلتمسوا لى العذر إذ أنقل النص الذى وصل لى كما هو، حيث جاء فيه:

(ما السر فى اختصاص القرابة من جهة الأمّ بحرف الخاء، مثل خال وخالة!
واختصاص القرابة من جهة الأبّ بحرف العين، مثل عمّ وعمّة!
وحرف الجيم مشترك بينهما فى الجدّ والجدّة؟

♦ الجيم فى الجدّ والجدّة هى جيم الجَذر؛
لأنهما جذر مشترك للوالِدَين، وكذا كل قرابة من ناحيتهما، جدّ وجدّة.
♦ والعين في العمّ والعمّة هى عين العِرق الذى منه ينزع الولد لأبيه:
"لعله نزعة عِرق"، وكذا كل قرابة من ناحيته، عمّ وعمّة.
♦ والخاء فى الخال والخالة هى خاء الخَدّ لأن الأمّ هى الخدّ، بمعنى الشق فى الأرض،
الذى يوضع فيه الولد كالبذرة فى الحرث، ومنه الأخدود، وكذا كل قرابة من ناحيتها، خال وخالة).
ج: جَذر، ع: عِرق، خ: خَدّ..

=====

♦♦ الجواب:
●● لا صحّة لاختصاص الخاء بأقارب الأم بسبب أن الأم
(هي الخد بمعنى الشق فى الأرض يوضع فيه الولد)؟
تعبير أقل ما يقال فيه إنه غير موفق،
إضافة إلى أنّ ما ورد في النص لا أساس له من الصحة.

فقوله سبحانه: {ثُمَّ شَقَقْنَا الارْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا} شئ،
وقوله تعالـى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الاخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} شئ مختلف تمامًا.
ولا توصف بهما بالمرأة إطلاقًا.

●● وإليكم هذه النقاط العجلى:
١- لا علاقة بين معنى الأم والمرأة والزوج (الزوجة) والأخت، من جهة،
والخدّ والشق والأخدود، من جهة أخرى.... ناهيك عن اختزالهنّ بتلك الأوصاف.
فالخدّ الوجه، والخدّان: جانبا الوجه.
والخَدّ والخُدَّة والأخدود: الحفرة المستطيلة في الأرض.
فأين هذا من ذاك؟ ..... وكذا قل عن الشق والخَرْق.

٢- جاء في النص: أن حرف العين فى العمّ والعمّة يقصر العِرق على الأعمام،
وهذا خطأ علمى ولغوى:
أما العلم فيقرر أن العرق من الطرفين والوراثة منهما.
وأما اللغة فقد أكّدت على تأثير الطرفين في العرق.

وإذا كان بعض أهل الحديث قد شكك في أحاديث ذات صلة مثل:
(تخيروا لنطفكم فإنّ العِرْق دساس)، و(إياكم وخضراء الدمن)،
أو المقولة المعروفة: (كادت المرأة تلد أخاها)،
فإن هذا لا يقلل من القيمة اللغوية لهذه النصوص، لأنها صدرت فى عصور الاحتجاج.

وروى ابن الأثير فى (النهاية في غريب الحديث ٢/١١٧):
(استجيدوا الخالَ فإنّ العرق دسّاس) أى فتشوا عن الخال الجيّد.
ومنه قالوا: فلانٌ مُعِمٌّ مُخْوِلٌ: إذا كان كريم الأعمام والأخوال.

ولبعض الشعراء القدماء:
= لا تخطبنّ سوى كريمةِ مَعْشَرٍ *** فالعِرْقُ دسّاسٌ مِنَ الطرفَينِ!!

ولقد سقط شاعر فى سوء اختياره، فقال:
= تزوجتُ لم أهنأ وأخطأتُ لم أُصِبْ *** فيا ليتني قد متّ قبل التزوّجِ
= فوالله لا أبكى على ساكن الثــــرى *** ولكنّنى أبكى على المتزوجِ ؟

ولسنا هنا لتأكيد أثر العرق أو نفيه، بل لنتحدث عن مفهوم العرق في اللغة،
وأن لا علاقة لِعَيْنِ كلمة (العمّ) بذلك.

٣- وإذ انتفى عن المرأة وصف الخد الذى هو الشق،
انتفت الدلالة المزعومة عن (الخاء) في الخال والخالة.
فالخال هو (أ خـ) ـ و الأم تربّى معها وتربّت معه. عايشها، كما لم يعايشها الأعمام،
فالخاء، هنا، هو ذاته (خاء) الأخ والأخت (بالنسبة للأم)،
ببناء صرفيّ جديدٍ لمعنىً جديد هو الخال والخالة (بالنسبة للأولاد).

٤- قرر النصّ أنّ الجيم يعنى الجذر سواء من قبل الأب أم من قبل الأم،
فصار الجدان من قبل الأم جذرًا، أى عرقًا ونسبًا.
فناقض ما سبق أن ذكره من حصر العرق بالعمّ والعمّة.

٥- وخاتمة الأمر أن النصّ فى أعلاه مبنيّ على وَهْمٍ مؤدّاه .....
أنّ حرف الخاء فى الخال والخالة، هو خاء الخَدّ لأن الأمّ هي الخدّ
الذى هو الأخدود الذى هو الشق فى الأرض يوضع فيه الولد !!!
هذا وربما كان الكاتب مازحًا.. الله أعلم.

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
-------------
(منتدى مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية)



hggym gh js,~n hglvHm fhgHo],] <<<