الصحابة واعتزال الفتنة



أصابت الحيرة كثيرا من الصحابة إلي أي معسكر ينتمون أإلي معسكر علي ( أهل العراق ) أم إلي معسكرمعاوية ( أهل الشام) ؟ إذ اشتدت الفتنة وكثرت الشائعات وأدلي السبئيون بدلوهم فأخذالمسلمون يبحثون عن ملجئ يلجئون إليه أو عن مغارة يعتصمون بها فكيف يتصرفون ومع من يقفون وهم يعلمون أن القاتل والمقتول في النار ؟


وقد تذكر الناس قول النبي r(( أنها ستكون فتنة يكون المضطجع فيها خيرا من الجالس ،والجالس فيها خيرا من القائم ، والقائم فيها خيرا من الماشي والماشي فيها خيرا منالساعي ، قالوا : يا رسول الله ، ما تأمرنا ؟ قال : من كانت له إبل فليلحق بإبله ،ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه )) قالوا فمن لم يكن له شيء من ذلك ؟ قال : (( يعمد إلي سيفه فيضرب بحده علي حرة ، ثم ليتبع ما استطاع النجاء )) وتذكروا أيضا قوله r : (( يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر يفربدينه من الفتن )) ([19]) .


وعلي ما يبدوا أن أكابر الصحابة وأسنهم لم ينحازوا إلي أيٍ الفريقين ، وقد استدل هؤلاء المعتزلين بالنصوص الكثيرة عن النبي r في درأ القتال وقت الفتنة وقالوا أن هذا قتال فتنة ([20]) .


وإذا كانالإمام علي قد بويع بالخلافة فإن بعض الصحابة قد اعتزلوه ولم يقفوا بجانبه مع أنهم معترفين بخلافته وذلك لأنهم رأوا أن مشاركتهم في القتال بجانب الإمام عليّ إنما هو قتال الفئة الباغية وحكمه أنه فرض كفاية وليس فرض عين وبذلك تخلف بعض أكابر الصحابة .


ومن هؤلاءالصحابة المعتزلين : أبو موسي الأشعري – عبد الله بن عمر – محمد بن مسلمة – سعد بن أبي وقاص – أسامة بن زيد – سعيد بن العاص – سلمة بن الأكوع – عمران بن حصين – عبدالله بن سعد بن أبي السرح – عبد الله بن عمرو بن العاص – سعيد بن سنان – أبو هريرة– أبو أيوب الأنصاري .
وسوف نذكر بعض آراء هؤلاء الصحابة في تلك الفتنة حتى نقف علي أسباب اعتزالهم وما أنطوي عليه طبيعة هذا الموقف وهل هو يتلاءم مع الدين الإسلامي أم يجافيه ؟


- فأبو موسى الأشعري كان أول من نهي عن تلك الفتنة حيث دخل عليه الناس وقد جزعوا من قبل لمقتل عثمان , وها هم اليوم يجزعون لتلك الفتنة الماضية بشررها نحو الإمام عليّ ونحو الخلافة كرمز ديني ونحو استقرار الأمة الإسلامية فقال لهم وقد كان أمير الكوفة آنذاك ، وقد تمثل قوله في النهي عن الفتنة والأمر بالجلوس في البيوت . وأخرج الطبري في قصة قدوم ابن عباس والأشتر إلي الكوفة لاستنفار الناس أن أبا موسي قام وكان يومها أميرا علي الكوفة – فدعا الناس إلى لزوم البيوت ، ووضع السيوف في أغمادها ، وكان مما قاله يومئذ : ..... فإنها فتنة صما ، النائم فيها خير .... وإن هذه الفتنة باقرة كداء البطن ، تجري بها الشمالوالجنوب والصبا والدبور ، فتسكن أحيانا ، فلا يدري من أين يؤتي ، تذر الحليم كابن أمس ، شيموا سيوفكم ، وقصوا رماحكم ، وأرسلوا سهامكم ، واقطنوا أوتاركم ، والزموا بيوتكم ([21])، وكان أبو موسي يستدل لمواقفه بما رواه عن رسول الله r من النهي عن الدخول في الفتنة والأمر بتكسير القسي ، وتقطيع الأوتار ، وضرب السيوف بالحجارة ، والرضا بمنزلة ابن آدم المقتول ، فعن أبي موسى الأشعري ، أن رسول الله r قال : ((إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل فيها مؤمنا ، ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، القاعد فيها خير من القائم ، والماشي فيها خير منالساعي ، فكسروا قوسكم ، وقطعوا أوتاركم ، واضربوا بسيوفكم الحجارة ، فإن دخل –يعني علي أحد منكم – فيكن كخير ابني آدم ([22]).


- أما أسامة بن زيد فقد أهتدي بهدي الرسول rوالذي أدرك من خلال تجربته حين قتل الأنصاري الذي نطق بالشهادة وقد عاتبه فيها النبي r حينما قال أسامة إنما قالها تعوذا من القتل وقال له من لك يا أسامة بلا إله إلاالله وقد أخذ عليه النبي r عهدا ألا يقتل رجلا يقول لا إله إلا الله ومن هنا نراه يعتزل تلك الفتنة ويأبي بنفسه أن ينحاز إلي أحد الرجلين .


ويروي أن أسامة أرسل رجلا إلي عليّ وقال إنه سيسألك الآن ،فيقول ما خلف صاحبك ؟ فقل له : يقول لك : لو كنت في شدق الأسد ،لأحببت أن أكون معك فيه ، ولكن هذا أمر لم أره ([23])،قال ابن حجر : فاعتذر بانه لم يتخلف ضنا منه بنفسه عن علي ، ولا كراهة له ، وإنهلو كان في أشد الأماكن هولا لأحب أن يكون معه فيه ويواسيه بنفسه ، ولكنه إنما تخلف لأجل كراهيته في قتال المسلمين ، وفي رواية أخرى عند الذهبي ، عن الزهري قال : لقي علي أسامة بن زيد ، فقال : ما كنا نعدك إلا من أنفسنا يا أسامة ، فلم لا تدخل معنا؟ قال : يا أبا حسن إنك والله لو أخذت بمشفر الأسد ، لأخذت بمشفر الأخر معك ، حتى نهلك جميعا أو نحيا جميعا ، فأما هذا الأمر الذي أنت فيه ، فو الله لا أدخل فيه أبدا ([24]).


- أما رأي طلحة في هذه الفتنة : قال علقمة بن وقاص الليثي : لما خرج طلحة والزبير وعائشة ، رأيت طلحة وأحب المجالس إليه أخلاها – وهو ضارب بلحيته علي صدره فقلت : يا أبا محمد ، أري أحب المجالس إليك أخلاها وأنت ضارب بلحيتك علي صدرك ، إن كرهت شيئا فأجلس . قال : فقال لي : يا علقمة ، بينما نحن يد واحدة علي من سوانا ، إذ صرنا جبلين من حديد ، يطلب بعضنا الآخر ... إنه كان مني في عثمان شيء . ليس توبتي إلا أن يسفك دمي في طلب دمه . ([25])


أما عن رأي الزبير هو الاخر في هذه الفتنة : قال يوما لمولاه : إنها الفتنة التي كنا نتحدث عنها . فقال مولاه :أتسميها فتنة وتقاتل فيها ؟ قال الزبير : ويلك .. إننا نبصر ولا نبصر ... ما كان أمر قط إلا وأنا اعلم موضع قدمي فيه غير هذا الأمر ... فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر ؟ ([26]).

* * * *



hgwphfm ,huj.hg hgtjkm