لطالما كانت قبيلة رحمان معروفة بالقوة وتمسكها بالدين الإسلامي. وكانت مضارب رحمان بجنوب الزيبان حتى القرن الرابع عشر للميلاد. ونتيجة لصراعات قبلية هاجر جزء منها إلى الأغواط وقطنوا بجوار الأرباع وصاروا يعرفون بـ “رحمان الجمالة” لكثرة إبلهم أما من بقوا بالزيبان فيعرفون بـ “رحمان الفضول”. ويتشكل “رحمان الجمالة” من أربع فرق. وقد انتقلت بعض الفرق منهم للإقامة جنوب بوغار في منتصف القرن الثامن عشر (أي حوالي 1750) بعد أن كانوا يتنقلون إليها منتجعين وتُجّارا. وقد تحالفوا مع قبيلة أولاد المختار آنذاك وعمّروا تلك الأراضي وصاروا جزءا من نسيجها القبلي والإجتماعي مع القبائل التي حلّت بتلك الربوع. وصاروا نموذجا للقبائل البدوية الغنية بثرواتها والمستقلة في تدبير أمورها إلى حد مواجهة المحتل الفرنسي بجيوشه وعتاده.
لما وصل الأمير عبد القادر إلى المدية سنة 1834 بايعته قبيلة رحمان سنة 1835 التي كانت تشكل أقوى قبيلة سلاحا وفرسان مقارنة بمجاوريها آنذاك. وقد حاربوا الحملات الفرنسية التي حاولت التوغل جنوب المدية ومنها حملة الجنرال دي باراغاي سنة 1841 ثم حملة الأمير هنري “دوق أومال” سنة 1843 وهي سنة “سقوط زمالة الأمير عبد القارد” وكان فيها رحمان إلى جانب الأمير إلى غاية سنة 1846 لما استسلموا أمام الحملة الضخمة للجنرال يوسف على غرار باقي قبائل المنطقة نتيجة لسياسة “الأرض المحروقة” والنظام الإجرامي المعروف باسم “نظام لامورسيير”.
بعد هذا بدأت سلطات الاحتلال الفرنسي سياسة تقزيم قبيلة رحمان بعدم الإعتراف بها وتوزيع تبعيتها على غيرها من القبائل إلى غاية سنة 1849 أين ظهرت في الإحصائيات كقبيلة واحدة. وفي سنة 1853 شرع المحتل الفرنسي في سياسة تقسيمها إلى قبيلتين هما “قبيلة رحمان الغرابة” التي تضم فرقتي المطالية والنويرات، و”قبيلة رحمان الشراقة” التي تضم فرقتي ” أولاد إبراهيم وأولاد خليفة”.
وأشهر دور لـ “رحمان” هو مساهمتهم القيمة في مقاومة 1864 لما هاجم فرسانهم مراكز العدو الفرنسي في كل من بوغزول والخشم وعين وسارة ثم التحقوا بمقاومي أولاد سيدي الشيخ حسب توثيقات الجريدة الرسمية الفرنسية وتوثيقات الدكتور عشراتي الشيخ رحمه الله. وقد فرضت الحكومة الفرنسية وقتها ضريبة حربية ضخمة ضد قبيلة رحمان التي بقي بعض أفرادها مُشتّتين ومُطاردين ولم يرجعوا إلى مضاربهم بصفة نهائية سوى في سنة 1882.
وهكذا سنلاحظ أن كلا من مناطق بنهار وعين وسارة والقرنيني تمثل خطا متصلا لإقليم قبيلة رحمان العربية. ويوجد ضمن هذا النطاق الجغرافي “رحمان الشراقة” ضمن إقليم بلدية بنهار و”رحمان الغرابة” الذين يمتدون على تراب بلديتي عين وسارة والقرنيني. وهو تماما نفس التقسيم الجغرافي الذي نجده عند القبائل العربية لهذه الربوع “المويعدات الغرابة، المويعدات الشراقة”، “أولاد نايل الغرابة، أولاد نايل الشراقة”، “جبل السحاري القبلي، جبل السحاري الظهراوي”، إلخ.
أول قرار اتخذ تقسيما طوبوغرافيا رسميا كان بموجب أشغال “القانون المشيخي – سيناتوس كونسيلت”، الصادر سنة 1863، تحت إدارة المحتل الفرنسي. ولكن تأخر صدور نصوصه التطبيقية بمنطقة الجلفة إلى الفترة ما بين 1913 مع دوار “رحمان الغرابة” ثم 1922 مع دوّار أولاد الغويني وغيره وانتهاء بدوّار أولاد طعبة سنة 1936 … فتم ترسيم حدود دوار “رحمان الشراقة” بتعداد 4408 نسمة في 08 عروش بتاريخ 10 ديسمبر 1923، ضمن البلدية المختلطة “عين بوسيف”. والحدود التي وضعت آنذاك كانت: من الناحية الغربية “دوار رحمان الغرابة (عاصمته وسارة)”، من الجنوب دوار الأحداب (عاصمته بويرة الأحداب) ودوار سحاري أولاد إبراهيم (عاصمته بويرة السحاري)، من الشرق والشمال الشرقي كلا من دواوير “المويعدات الشراقة (عاصمته البيرين)، التيطري، أولاد معرّف.
وقد بلغت مساحة “رحمان الشراقة” بموجب قرار التقسيم لسنة 1923 ما يناهز 107 آلاف هكتار منها 10 آلاف هكتار شمالا أغلبها صالحة للزراعة، وفي جنوبها تتركز أراضي سهبية من الحلفاء والشيح والدقفت. وأشهر نقطة ماء فيها هي “ضاية السانية”. وكان السكان يمارسون تربية المواشي (أبقار وأغنام وإبل وماعز) كما أن لديهم مساحات زراعية تصل إلى 3000 هكتار لا سيما من القمح والشعير مثل أراضي “أم الريش” مع المويعدات الغرابة. كما مارسوا التجارة في أسواق عين وسارة وبويرة السحاري وعين بوسيف وبوغار أين ينقلون منتجاتهم ويشترون حاجاتهم. أما أشهر الطرق التي كانت تمر آنذاك “رحمان الشراقة” فهي طريق “الخشم- بويرة السحاري”، والطريق الرابط بين الجزائر والجلفة المدعم بخط سكة حديدية ابتداء من سنة 1916. وهكذا صدر قراران بالجريدة الرسمية الفرنسية لترسيم حدود رحمان الغرابة وعاصمتهم “وسارة” سنة 1913 ورحمان الشراقة وعاصمتهم “بنهار” سنة 1923.
ومن ناحية التاريخ الديني فقد بقي “رحمان” أوفياء لتمسكم بالتعليم القرآني والزوايا إذا نجد فيها نظام الزوايا المتنقلة قائما على غرار العرب المرتحلين والزوايا القارّة. وتوجد بتراب بلدية بنهار زاوية الشيخ بن مرزوق محمد التي تأسست سنة 1825 ولعبت دورا مهما في شتى الحقب التاريخية لا سيما المقاومة الشعبية وزارها فيما بعد شخصيات علمية منها الشيوخ أبو القاسم الهاملي والكتاني المغربي ومبارك الميلي والديسي وغيرهم. وتضم الزاوية في رصيدها أزيد من 3000 كتاب ومخطوط ومراسلات منها رسالة الأمير عبد القادر وسيفه. كما يوجد ببلدية بنهار أيضا زاوية الشيخ سيدي السلامي التي أسسها الشيخ سيدي محمد السلامي سنة 1872 وهو من أوائل طلبة وخريجي زاوية الهامل التي تأسست قبل ذلك بـ 10 سنوات فقط أي سنة 1863.
إن زاويتي بنهار شكلتا وقت الإحتلال الفرنسي مقصدا لطلبة العلم من أقاليم الجلفة والتيطري والأغواط وبوسعادة والشلالة وكانتا بحق منارة علمية في شمال منطقة الجلفة، وهو ما يعطي بنهار نصيبا من جهود الحفاظ على الشخصية العربية الإسلامية في وجه أخطر محتل عرفته البشرية


rfdgm vplhk hgavhﭬm fudk ,shvm td hg[.hzv vlqhk f,ahvfK vplhk hgavhrmK udk ,shvmK fkihv