علم التفسير
الفصل الأول: حقيقة التفسير، ونشأته، وتطوره.
الفصل الثاني: أشهر المفسرين من الصحابة والتابعين.
الفصل الثالث: أقسام التفسير.
الفصل الرابع: التعريف بأشهر التفاسير والمفسرين.
الفصل الأول حقيقة التفسير ونشأته وتطوره
أ- حقيقته:
التفسير لغة: الإيضاح والتبيين، مأخوذ من الفسر وهو الإبانة، تقول: فسّرت الحديثأي بينته وأوضحته، ومنه قوله تعالى: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَبِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [الفرقان: 33] أي أفضل بيانا وإيضاحا.
واصطلاحا: علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدرالطاقة البشرية. وقيل: علم يبحث فيه عن أحوال الكتاب العزيز من جهة نزوله وسندهوأدائه وألفاظه ومعانيه المتعلقة بالألفاظ والمتعلقة بالأحكام.
وقيل: علم يفهم به كتاب الله تعالى المنزل على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم،وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه.

ب- نشأته وتطوره:
1 - نشأ هذا العلم مع نزول القرآن الكريم، فلقد كان القرآن الكريم ينزل فتكون منهآيات مفصلة، أو كلمات مجملة تفسرها كلمات مفسّرة، قال الله تعالى: أُحِلَّتْلَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ... [المائدة: 1] ثمقال: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَماأُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ...
[المائدة: 3]. وقال الله تعالى: الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ (2) وَما أَدْراكَمَا الْقارِعَةُ ثم قال: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ[القارعة: 1 - 4].
وبيان القرآن الكريم بعضه بعضا هو أولى طرق التفسير، ونماذجه كثيرة في كتاب اللهتعالى.
2 - كانالقرآن الكريم ينزل وفيه إجمال أحيانا فيفسره النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بماأوحي إليه من البيان. قال الله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ[النساء: 77] لقد تكرر ذكر الصلاة في القرآن الكريم أكثر من سبعين مرة، ومع ذلكالتكرار لا يكتمل عدد الصلوات المفروضة وركعاتها فضلا عن كيفية أدائها، فجاء بيانالرسول صلّى الله عليه وسلّم موضحا عدد الصلوات المفروضة وركعاتها وكيفية أدائها،فقد صلّى أمام الصحابة يوما ثم
قال لهم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» «1».
وقال الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّالْأُنْثَيَيْنِ [النساء:
11] الآية عامة في كل أب له أولاد يموت فيترك لهم مالا، فإن الأولاد يقتسمون إرثهممن أبيهم للذكر مثل نصيب أختيه. وجاءت السّنة تخصص من عموم هذه الآية الأنبياء؛فلا يحق لهم جمع المال وإخلافه أهليهم، خشية التهمة في دعواتهم أنها لجمع حطامالدنيا معاذ الله، وبيانا لكونهم ربّانيين، حياتهم لله تعالى.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة»«2».
وقد بيّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كل ما احتاج أصحابه إلى بيانه من القرآنالكريم، سوى ما استأثر الله تعالى بعلمه. وقد نزل القرآن بلغتهم، فما كانوا يحتاجونإلى كثير بيان عند كل آية وسورة، اللهم إلا ما يكون فيها من الأحكام.
وبيان السنة الشريفة للقرآن الكريم هو ثاني طرق التفسير، ونماذجه كثيرة في كتابالله تعالى.
3 - وحين دخل الناس في دين الله أفواجا آخر حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّموبعدها، وفي هؤلاء الداخلين عرب وعجم، علماء ببيان العرب وغير علماء به، وحاجتهمظاهرة
__________
(1) رواه مسلم في المساجد (672) عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
(2)
رواه النسائي في الكبرى (6309) ولفظه «إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهوصدقة» عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
إلى معرفةأحكام القرآن الكريم ومعانيه، وحكمه ومراميه، وألفاظه وجمله، قام بعض أصحاب رسولالله صلّى الله عليه وسلّم يفسّرون من القرآن الكريم ما يحتاج إليه المسلم:بالقرآن الكريم، ثم بسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم ببيان أسباب نزولالآيات والسور، وبما بلغهم، وإذا احتاج الأمر فسّروه بما يوفقهم الله تعالى إليهمن اجتهاد وفهم «1»، وما يعرفونه من بيان العرب.
أخرج غير واحد عن أبي عمران «2» قال: كنا بالقسطنطينية فخرج صف عظيم من الروم،فحمل رجل من المسلمين حتى دخل فيهم، فقال الناس: ألقى بيديه إلى التهلكة، فقام أبوأيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: أيها الناس، إنكم تؤولون هذه الآية هذا التأويل،وإنما نزلت فينا معاشر الأنصار، إنا لما أعز الله تعالى دينه، وكثر ناصروه، وقالبعضنا لبعض سرا دون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن أموالنا قد ضاعت، وإن اللهقد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها؟
فأنزل الله تعالى على نبيه صلّى الله عليه وسلّم ما يردّ علينا ما قلنا:وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَىالتَّهْلُكَةِ [البقرة: 195] «3».
استعمل عمر رضي الله تعالى عنه قدامة بن مظعون على البحرين، فقدم الجارود على عمرفقال: إن قدامة شرب فسكر، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: من يشهد على ما تقول؟ قالالجارود: أبو هريرة يشهد على ما أقول. فقال عمر: يا قدامة، إني جالدك، قال: واللهلو شربت- كما يقول- ما كان لك أن تجلدني، قال عمر:
ولم؟ قال: لأن الله تعالى يقول: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواالصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُواالصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا [المائدة:93].
__________
(1) لم يكن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في رتبة واحدة في العلم وفهمالقرآن والفتوى.
(2) هو أسلم بن يزيد التّجيبي المصري: ثقة. (تقريب التهذيب رقم 404).
(3) روح المعاني للآلوسي (2: 77).
فأنا من الذينآمنوا وعملوا الصالحات، شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدرا وأحداوالخندق والمشاهد. فقال عمر: ألا تردون عليه قوله؟ فقال ابن عباس: إن هذه الآياتأنزلت عذرا للماضين، وحجة على الباقين، لأن الله تعالى يقول:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُوَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ [المائدة: 90].
قال عمر: صدقت «1».
وبيان أقوال الصحابة رضوان الله عليهم، وفهومهم للقرآن الكريم، هو ثالث طرق تفسيرالقرآن الكريم، ونماذجه كثيرة في تفسير كتاب الله تعالى.
4 - وجاء بعد أيام الصحابة التابعون رضوان الله عليهم جميعا، وقد تشعّبت ديار المسلمينوبعدت أوطانهم، وفيهم العرب والعجم، وأخذ اللحن يغزو خلسة وجهرة لغة العربوبيانهم، وحاجة المسلمين في هذا العهد أشد من حاجة الصحابة إلى معرفة أحكام القرآنالكريم وحكمه، ومراميه وأغراضه، وألفاظه وجمله، فقام بعض التابعين يفسرون منالقرآن ما يحتاج إليه المسلمون: بالقرآن الكريم، ثم بالسّنة، وببيان أسباب النزول،وبيان العرب، وفهم الصحابة، وإذا احتاج الأمر فسّروه بما يوفقهم الله إليه مناجتهاد وفهم.
قال الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍأَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ[الطور: 21] قال سعيد بن جبير التابعي رحمه الله تعالى: أي ألحق الله تعالى الذريةبآبائهم في الدرجات، مع استحقاقهم دون درجات الآباء في الجنة، تكريما للآباء وفضلامنه سبحانه «2».
__________
(1) التفسير والمفسرون للشيخ محمد حسين الذهبي (1/ 60).
(2) وهذا الفهم استفاده مما رواه عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا في معنى هذه الآية،وانظر تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (4/ 285).
وبيان أقوالالتابعين وفهومهم للقرآن الكريم هو رابع طرق تفسير القرآن الكريم، ونماذجه كثيرةفي تفسير كتاب الله تعالى.
5 - ثم جاء بعدهم من جاء من العلماء، وقد ازدادت حاجة المسلمين إلى معرفة أحكامالقرآن الكريم وحكمه، ومراميه وأغراضه، وتراكيبه، فقاموا يفسّرون كتاب الله تعالىمن خلال القرآن والسّنة، وأقوال الصحابة والتابعين، ومن خلال اللغة ومعانيها، ومنخلال الرأي والنظر، بل ومن خلال بعض الإسرائيليات والنصرانيات أحيانا.
والتفسير في كل ذلك علم يلقى على الناس شفاها، ويتلقاه الناس آذانا، وتبلغه إلى منسواه، حتى جاء دور التدوين، ودوّنت فيه العلوم، فدوّن علم تفسير كتاب الله تعالىعلى المذاهب والطرق التي سيأتي بيانها عند بحث مذاهب التفسير إن شاء الله تعالى.
تلك هي نشأة علم التفسير وتطوره حتى جاء دور التدوين، والله أعلم.
الفصل الثاني أشهر المفسرين من الصحابة والتابعين
قال الإمام السيوطي في (الإتقان): اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة:
الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسىالأشعري، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، أما الخلفاء فأكثر من روي عنهم: عليبن أبي طالب كرم الله وجهه، والرواية عن الثلاثة قليلة، وكأن السبب في ذلك تقدموفاتهم «1».
وأشهر أولئك الصحابة بالتفسير، وأكثر من نقل عنه التفسير- وإن لم يصل إلينا- عليبن أبي طالب، ثم ابن عباس، وابن مسعود، رضي الله تعالى عنهم، ولعل ذلك راجع في شأنعليّ رضي الله عنه، إلى الأسباب التالية:
1 - طول صحبته، فقد صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بدء الدعوة حتى قبضصلّى الله عليه وسلّم، ثم طول عمره بعد وفاته صلّى الله عليه وسلّم.
2 - كان رضي الله عنه ذا فهم وإدراك، وعلم وحكمة.
3 - تفرّغ من أعباء الخلافة حتى آلت إليه بعد الخليفة الثالث رضي الله عنهم.
4 - ظهور شدّة حاجة الناس إلى تفسير القرآن الكريم، نظرا لاتساع رقعة الإسلام،ودخول الكثير من الأعاجم في الإسلام، مما كاد يذهب بخصائص اللغة العربية.
__________
(1) الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (2/ 1227).
ولعل ذلك راجعفي عبد الله بن عباس، وابن مسعود، كذلك إلى طول العمر والصحبة، والمخالطة لرسولالله صلّى الله عليه وسلّم، وعناية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بهما في أمرالقرآن الكريم، ومعرفة اللغة العربية، وحاجة الناس إلى التفسير. وابن عباس وإن لمتطل صحبته لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لكنه استعاض عن ذلك بملازمة كبارالصحابة يأخذ عنهم ويروي لهم.
وهناك من الصحابة من تكلّم في التفسير غير العشرة المذكورين، منهم أنس، وأبوهريرة، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو بن العاص، رضيالله تعالى عنهم، ولكن ما نقل عنهم قليل جدا، ولم يكن لهم من الشهرة بالقول فيالقرآن ما كان للعشرة المذكورين.

أولا: أشهر المفسرين من الصحابة: رضوان الله تعالى عليهم
:
1 - عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه
1 - التعريف به
:
هو أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، ابن عم رسول اللهصلّى الله عليه وسلّم وصهره على ابنته فاطمة، كان أول صبي أسلم على الإطلاق،
وكان يقول في ذلك ذاكرا فضل الله تعالى عليه: سبقتكم إلى الإسلام طرا صغيرا مابلغت أوان حلمي.
وقد كرّم الله تعالى وجهه فلم يعبد الأوثان قط، وكان عمره حين أسلم تسع سنين، كانمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مكة، وأقام في بيته فترة، ونام على فراشرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة الهجرة، حين همّت قريش بقتله صلّى الله عليهوسلّم، ليوهم قريشا أن رسول الله نائم على فراشه، وليرد الأمانات المودعة عند رسولالله صلّى الله عليه وسلّم إلى أصحابها. ثم هاجر إلى المدينة المنورة، وحين آخىبين المهاجرين والأنصار جعل عليا أخاه،
وقال له: «أنت أخي في الدنيا والآخرة» «1».
__________
(1) رواه الترمذي في المناقب (3720) والحاكم في المستدرك (3/ 14).
شهد بدراوأحدا والمشاهد كلها سوى تبوك، فقد خلّفه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علىالمدينة
وقال له- لما ساءه تخليفه عن الجهاد-: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون منموسى، غير أنه لا نبي بعدي» «1»
. وكان حامل لواء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بدر وفي كل مشهد.

2 - علمه
:
كان علي رضي الله تعالى عنه عاقلا ذا فهم وبصيرة في القضايا، وعلم وافر بالكتابوالسّنة، وقوة في البيان، دعا له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أرسله إلى اليمنقاضيا
بقوله: «اللهم ثبت لسانه واهد قلبه» «2»
فكان موفقا ومسددا. وكان وزير أبي بكر وعمر وعثمان، رضي الله تعالى عنهم، وكان عمرإذا عرضت له عويصة من القضايا قال: قضية ولا أبا حسن لها.
قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي بن أبيطالب.
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إذا ثبت لنا الشيء عن عليّ لم نعدل عنه إلىغيره.

3 - مكانته في التفسير
:
جمع رضي الله تعالى عنه إلى مهارته في القضاء والفتوى علمه بكتاب الله تعالى وفهمأسراره وخفيّ معانيه، فكان أعلم الصحابة بمواقع التنزيل ومعرفة التأويل، روي عنابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال:
ما أخذت من تفسير القرآن فعن عليّ بن أبي طالب.
وأخرج أبو نعيم في (الحلية) عن عليّ رضي الله تعالى عنه أنه قال: والله ما نزلتآية إلا وقد علمت فيم نزلت، وأين نزلت، إن ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا سئولا.
__________
(1) رواه البخاري في فضائل الصحابة (3503) ومسلم في فضائل الصحابة (2404) (30).
(2) رواه أحمد (1/ 411) والحاكم في المستدرك (3/ 135).
وعن أبيالطفيل قال: شهدت عليا يخطب وهو يقول: سلوني، فو الله لا تسألوني عن شيء إلاأخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أمبنهار، أم في سهل، أم في جبل.

4 - رواية التفسير عنه
:
كثرت الرواية في التفسير عن علي رضي الله تعالى عنه، وقد رويت كل أقواله في بيانالقرآن وتفسيره بطرق عديدة، أشهرها طرق ثلاث:
أ- طريق هشام، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة السلماني، عن علي.
وهذه طريق صحيحة، يخرج منها البخاري وغيره.
ب- طريق ابن أبي الحسين، عن أبي الطفيل، عن علي. وهذه طريق صحيحة، يخرج منها ابنعيينة في تفسيره.
ج- طريق الزهري، عن علي زين العابدين، عن أبيه الحسين، وهذه طريق صحيحة جدا، حتىعدها بعضهم أصح الأسانيد مطلقا. ولكن لم تشتهر هذه الطريق اشتهار الطريقينالسابقين، نظرا لما ألصقه الضعفاء والكذابون بزين العابدين من الروايات الباطلة.

5 - وفاته
:
قتل رضي الله تعالى عنه شهيدا مظلوما، وقد خرج لصلاة الفجر من يوم الجمعة فيالسابع عشر من رمضان، وقيل سبع وعشرين منه، وعمره ثلاث وستون سنة، كعمره صلّى اللهعليه وسلّم حين قبض، وعمر أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما حين قبضا كذلك.
قال ابن سعد في (الطبقات): ومكث علي يوم الجمعة وليلة السبت وتوفّي رحمة اللهتعالى عليه وبركاته ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين،وغسّله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، وكفّن في ثلاثة أثواب
ليس فيهاقميص، وصلّى عليه ابنه الحسن، فكبر عليه أربع تكبيرات، ودفن بالكوفة عند مسجدالجماعة في الرحبة مما يلي أبواب كندة قبل أن ينصرف الناس من صلاة الفجر. رضي اللهتعالى عنه وأرضاه «1».

2 - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

1 - التعريف به:
هو أبو عبد الرحمن بن مسعود بن غافل الهذلي، أسلم قديما حتى كان سادس ستة دخلواالإسلام، وقرأ القرآن، وهو أول من جهر بقراءة القرآن على المشركين، قرأ سورةالرحمن على ملأ من قريش قرب الكعبة المشرّفة، فانهال عليه ملأ المشركين ضربا،وأوذي في الله من أجل ذلك، حتى إن أبا جهل قطع أذنه. وحين أمكن الله عبد الله بنمسعود من أبي جهل يوم بدر قطع أذنه ورأسه «2».
كان يخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أكثر شئونه، وهو صاحب طهوره وسواكهونعله، يلبسه إياه إذا قام ويخلعه ويحمله في درعه إذا جلس، ويمشي أمامه إذا سار،ويستره إذا اغتسل، ويوقظه إذا نام، ويلج عليه داره بلا حجاب، حتى لقد ظنه أبو موسىالأشعري رضي الله تعالى عنه من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لما رأىمن كثرة دخوله ودخول أمه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولزومه له «3».
هاجر إلى الحبشة، وفيما هو هناك بلغه هجرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلىالمدينة المنورة، فهاجر من الحبشة إليها، ودخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّموهو في الصلاة فسلم عليه فلم يرد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السلام.
وقد ورد عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال: كنا نسلم على النبيّ صلّى الله عليهوسلّم وهو في الصلاة قبل أن نأتي أرض الحبشة فيرد علينا، فلما
__________
(1) طبقات ابن سعد: (3/ 37 - 38).
(2) سير أعلام النبلاء (1/ 482).
(3) المصدر السابق (1/ 468).
رجعنا من أرضالحبشة، أتيته فوجدته يصلي فسلمت عليه، فلم يرد عليّ حتى إذا قضى صلاته قال: «إنالله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث ألّا تتكلموا في الصلاة» «1» فردّ عليّالسلام، فقال: «إنما الصلاة لقراءة القرآن وذكر الله تعالى، فإذا كنت فيها فليكنذلك شأنك» «2» رواه أبو داود
،
وفي لفظ لمسلم: فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا وقال: «إن فيالصلاة شغلا» «2».
شهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدرا وأحدا والمشاهد كلها وما تخلف عن غزوةقط.

2 - علمه
:
كان من أحفظ الصحابة لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم،
قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رضيت لأمتي ما رضيه لها ابن أم عبد»«4».
قيل لحذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه: أخبرنا عن رجل قريب السمت والهدي منرسول الله صلّى الله عليه وسلّم نأخذ عنه. فقال: لا نعلم أحدا أقرب سمتا ودلاوهديا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ابن أم عبد، ولقد علم المحفوظون منأصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم أن ابن أم عبد أقربهم إلى الله وسيلة، وحين أرسلهعمر رضي الله تعالى عنهما إلى الكوفة معلما كتب إلى أهلها كتابا يقول فيه ... وقدآثرتكم بعبد الله على نفسي «5».
وقال فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد أن سمع منه سورة النساء إلى قوله تعالى:فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِشَهِيداً [النساء: 41] فقال:
«حسبك» «6». وقال: «من سره أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأه على قراءة
__________
(1) رواه البخاري في الصلاة (1199) ومسلم في المساجد (538).
(2) رواه أبو داود في الصلاة (923) ومسلم في (538).
(4) سير أعلام النبلاء (1/ 486).
(5) رواه الطبراني ورجاله ثقات كما في المجمع (9/ 290).
(6) رواه البخاري في فضائل القرآن (4763).
ابن أم عبد»«1».

3 - مكانته في التفسير
:
روى ابن جرير وغيره عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشرآيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن. وعن زر بن حبيش عن ابن مسعود رضيالله تعالى عنه قال: أخذت من في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سبعين سورة لا ينازعنيفيها أحد «2».
وعن مسروق قال: قال عبد الله- يعني ابن مسعود-: والذي لا إله غيره ما نزلت آية منكتاب الله إلا وأنا أعلم فيم نزلت، وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله
مني تناله المطايا لأتيته «3».
وعن أبي ظبيان، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم قال: أي القراءتين تعدون أولى؟قلنا: قراءة عبد الله- يعنون- ابن مسعود. فقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّمكان يعرض عليه القرآن في كل رمضان مرة إلا العام الذي قبض فيه فإنه عرض عليهمرتين، فحضره فشهد ما نسخ منه وما بدل.
وروى أبو نعيم عن أبي البختري: قلت لعليّ رضي الله تعالى عنه: أخبرنا عن ابنمسعود؟ قال: علم القرآن والسنة وكفى «4».

4 - رواية التفسير عنه
:
لقد روي عنه في تفسير القرآن الكريم أكثر مما روي عن علي رضي الله تعالى عنه؛ لطولصحبته للرسول صلّى الله عليه وسلّم وملازمته له، ودخوله عليه حين لا يدخل عليهالناس، وفراغه من أعباء الخلافة والقضاء، وقيامه على تعليم الناس القرآن والفقه،
__________
(1) رواه البخاري في فضائل القرآن (4049) ومسلم في صلاة المسافرين (800).
(2) رواه أحمد (1/ 389) وأبو نعيم في الحلية (1/ 125).
(3) سير أعلام النبلاء (1/ 473).
(4) حلية الأولياء؛ لأبي نعيم (1/ 129).
خاصة بالكوفةحين أرسله عمر رضي الله تعالى عنهما إليها.
وقد رويت أقواله في بيان القرآن وتفسيره بطرق عديدة أشهرها ثلاث:
أ- طريق الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن ابن مسعود، وهذه الطريق من أصح الطرقوأسلمها، وقد اعتمد عليها البخاري في صحيحه.
ب- طريق مجاهد، عن أبي معمر، عن ابن مسعود وهذه أيضا طريق صحيحة لا يعتريها الضعف،وقد اعتمد عليها البخاري في صحيحه أيضا.
ج- طريق الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، وهذه أيضا طريق صحيحة يخرج البخاريمنها.

5 - وفاته
:
قدم من العراق حاجّا فمرّ بالربذة، وشهد وفاة أبي ذر ودفنه، ثم قدم المدينة فمرضبها، فجاءه عثمان بن عفان عائدا، فيروى أنه قال له: ما تشتكي؟ قال:
ذنوبي. قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي، قال: ألا آمر لك بطبيب؟ فقال:
الطبيب أمرضني، قال: ألا آمر بعطائك؟ وكان قد تركه سنتين، فقال: لا حاجة لي فيه،فقال: يكون لبناتك من بعدك؟ فقال: أتخشى على بناتي الفقر؟ إني أمرت بناتي أن يقرأنكل ليلة سورة الواقعة، وإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«من قرأ الواقعة كلّ ليلة لم تصبه فاقة أبدا» «1»
. وحين مات صلّى عليه الزبير بن العوام لوصيته، ودفن بالبقيع سنة (32 هـ) رضي اللهتعالى عنه.

3 - عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

1 - التعريف به:
هو أبو العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ابن عم
__________
(1) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن (ص 257) وابن الضريس في فضائل القرآن (ص 103).
رسول اللهصلّى الله عليه وسلّم، ولد والرسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه محاصرون في شعبأبي طالب، ويعرف اليوم باسم العنزة، فأتي به رسول الله فحنّكه بريقه، وذلك قبلالهجرة بثلاث سنين.
لازم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقرابته منه، ولأن ميمونة خالته زوج رسولالله صلّى الله عليه وسلّم فكان يبيت عندها حين يبيت رسول الله صلّى الله عليهوسلّم عندها، فإذا قام من الليل قام ابن عباس يهيئ له وضوءه ويصلي خلفه،
ولقد دعا له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- بعد أن مسح على رأسه- بقوله: «اللهمفقهه في الدين وعلمه التأويل» «1».
روى البغوي بسنده إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه وقع في عينيه الماء،فقال له الطبيب: ننزع من عينيك الماء على ألّا تصلي سبعة أيام، فقال:
لا، إنه من ترك الصلاة وهو يقدر عليها لقي الله وهو عليه غضبان. وقال رضي اللهتعالى عنه حين عمي:
إن يأخذ الله من عينيّ نورهما ... ففي لساني وسمعي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل ... وفي فمي صارم كالسيف مأثور «2»

2 - علمه
:
كان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يلقّب بالحبر والبحر، لكثرة علمه وتبحّره فيه،وكان على درجة عظيمة من الاجتهاد والمعرفة والرئاسة والفتوى، وكان عمر رضي اللهتعالى عنه يحضره مجالسه مع كبار الصحابة رضوان الله عليهم، ويدنيه منه، وكان يقولله: إنك لأصبح فتياننا وجها، وأحسنهم خلقا، وأفقههم في كتاب الله تعالى.
وقال عبد الله بن عمر فيه: ابن عباس أعلم أمة محمد بما أنزل على محمد.
__________
(1) رواه أحمد في المسند (1/ 266) وابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 365).
(2) سير أعلام النبلاء (3/ 257).
روى البيهقيبسنده إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لمّا قبض رسول الله صلّى الله عليهوسلّم قلت لرجل من الأنصار: هلمّ فلنسأل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،فإنهم اليوم كثير. فقال: يا عجبا لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفيالناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من فيهم! قال: فترك ذلك، وأقبلتأنا أسأل أصحاب رسول الله، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل-نائم في وسط النهار- فأتوسّد ردائي على بابه، يسفي الريح عليّ من التراب، فيخرجفيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله، ما جاء بك؟ هلّا أرسلت إليّ فآتيك؟ فأقول:
لا ... أنا أحق أن آتيك، قال: فأسأله عن الحديث. قال: فعاش هذا الرجل الأنصاري حتىرآني وقد اجتمع حولي الناس يسألوني، فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني «1».
قال عطاء: ما رأيت مجلسا أكرم من مجلس ابن عباس ولا أكثر فقها ولا أعظم هيبة،أصحاب القرآن يسألونه، وأصحاب العربية يسألونه، وأصحاب الشعر يسألونه، فكلهم يصدرفي واد واسع.

3 - مكانته في التفسير
:
لقد دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لابن عباس أن يفقّهه الله تعالى في الدين،ويعلمه فهم القرآن وتأويله، فأصابه دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولقدأعطاه الله لسانا سئولا وقلبا عقولا، فكان يسأل أصحاب رسول الله صلّى الله عليهوسلّم عن القرآن وما نزل منه، حتى أضحى أعلم الناس بالقرآن.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس.وقال عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: ابن عباس أعلم الناس بما أنزل علىمحمد صلّى الله عليه وسلّم.
__________
(1) رواه البيهقي في سننه (5/ 158).
روى ابن كثيرفي تاريخه، عن أبي وائل شقيق بن سلمة: خطب ابن عباس وهو على الموسم، فافتتح سورةالبقرة، فجعل يقرؤها ويفسّرها، فجعلت أقول:
ما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثله، ولو سمعته فارس والروم لأسلمت.
قال إسحاق بن راهويه: إنما كان ذلك- أي كون ابن عباس أعلم من علم بالقرآن- أنه كانأخذ من علم التفسير، وضمّ إلى ذلك ما أخذه عن أبي بكر وعمر وعثمان وأبيّ بن كعبوغيرهم من كبار الصحابة، مع دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له أن يعلمه اللهالكتاب.

4 - رواية التفسير عنه
:
لزم ابن عباس رضي الله تعالى عنهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سنين قليلة،وأخذ عن كبار أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وطال عمره، حتى أضحى أكثر مننقل عنه تفسير القرآن الكريم من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقد رويت أقواله في بيان القرآن الكريم وتفسيره، بطرق عديدة أشهرها طرق ثلاث:
أ- طريق معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، وهذه هي أجود الطرقعنه، وقد اعتمد عليها البخاري فيما يعلقه عن ابن عباس، وكثيرا ما يعتمد عليها ابنجرير وغيره.
ب- طريق قيس بن مسلم الكوفيّ، عن عطاء بن السائب، وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس،وهذه طريق صحيحة على شرط الشيخين، وكثيرا ما يخرج منها الحاكم في مستدركه.
ج- طريق ابن إسحاق- صاحب السيرة- عن محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت، عنعكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وهذه طريق جيدة وإسنادها حسن، وقد أخرج منهاابن جرير وابن أبي حاتم كثيرا.
5 - وفاته:
كان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قد اختار المقام بمكة المكرمة، وقد اعتزلالفتن، فلما كانت خلافة عبد الله بن الزبير مقرها مكة المكرمة، خرج ابن عباس عنهاإلى الطائف، وأقام بها حتى مات، وقد كفّ بصره، وصلّى عليه محمد ابن الحنفية، وقبرهبجوار مسجد ابن عباس بالطائف.
وكانت وفاته سنة (68 هـ) رحمه الله تعالى ورضي عنه «1».

4 - أبيّ بن كعب رضي الله عنه
1 - التعريف به
:
هو أبو المنذر أبيّ بن كعب بن قيس الأنصاري الخزرجي.
أسلم قبل هجرة المسلمين إلى المدينة المنورة، وشهد بيعة العقبة الثانية مع السبعينمن الأنصار، وكان يكتب في الجاهلية قبل الإسلام، وكان يكتب الوحي لرسول الله صلّىالله عليه وسلّم، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليهوسلّم، وآخى رسول صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين سعيد بن زيد رضي الله تعالىعنهما.

2 - علمه
:
صحب أبيّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مقدمه المدينة المنورة صلّى الله عليهوسلّم، وأقبل على كتاب الله تعالى يقرؤه ويفهمه ويعمل به، فكان حقّا صاحب علم وورعوزهادة.
روى ابن سعد بسنده إلى أنس رضي الله تعالى عنه قال: دعا رسول الله صلّى الله عليهوسلّم أبيّ بن كعب يوما فقال: «إن الله تبارك وتعالى أمرني أن أقرأ عليك، قال:الله سمّاني لك؟ قال: الله سمّاك لي» فجعل أبيّ يبكي «2».
__________
(1) أسد الغابة (3/ 264).
(2) طبقات ابن سعد (3/ 500) فيه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ عليه (لميكن ... ).
قال مسروق:كان أصحاب القضاء من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ستة: عمر، وعلي، وعبدالله، وأبيّ، وزيد، وأبو موسى، رضي الله تعالى عنهم.

3 - مكانته في التفسير
:
لقد أخذ أبيّ من فم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعض القرآن الكريم- كما ذكرناآنفا- وأخذ باقيه عنه قراءة وتعليما مع كرام الصحابة رضوان الله عليهم، وقد أثنىرسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قراءته.
فقال: «أقرأ أمتي أبيّ بن كعب» «1».
روى ابن سعد في طبقاته عنه قوله: إنا لنقرؤه في ثمان، يعني القرآن الكريم.
وعن زر بن حبيش- أحد كبار القرّاء من التابعين، أخذ القرآن وتفسيره عنه- قال: فيأبيّ بن كعب حدّة، فقلت له يوما: يا أبا المنذر، ألن لي من جانبك، فإني إنما أتمتعمنك.
وكان رضي الله تعالى عنه- قبل إسلامه- حبرا من أحبار اليهود العارفين بأسرار الكتبالسابقة عن القرآن الكريم، وما ورد فيها، وكان يكتب الوحي لرسول الله صلّى اللهعليه وسلّم، وكان أحد مراجع الصحابة والتابعين في قراءة القرآن الكريم، ومعرفةتفسيره كابن عباس وغيره، فكان بهذا عارفا بأسباب نزول الآيات ومواطنها، وكان عمررضي الله تعالى عنه يسميه: سيد المسلمين، وقد أمره عثمان رضي الله تعالى عنه أنيجمع القرآن.

4 - رواية التفسير عنه
:
ذكرنا أن أبيّا كان يكتب الوحي لرسول صلّى الله عليه وسلّم، فمن البعيد أن يكتبآية ثم لا يسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن معناها، ويعرف سبب نزولهاوموضعه، لذا فقد كان أحد المكثرين في تفسير كتاب الله تعالى.
__________
(1) رواه الترمذي في المناقب (3793) وابن ماجة في المقدمة الباب رقم (11) وابن سعدفي الطبقات الكبرى (3/ 60).
وقد رويتأقواله في بيان القرآن وتفسيره بطرق عديدة أشهرها طريقان:
أ- طريق أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبيّ رضي اللهتعالى عنهم. وهذه طريق صحيحة، وقد ورد عن أبيّ نسخة كبيرة في التفسير، يرويها أبوجعفر الرازي بهذا الإسناد إلى أبيّ، وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم منها كثيرا،وأخرج الحاكم منها أيضا في مستدركه، والإمام أحمد في مسنده.
ب- طريق وكيع عن سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبيّ بن كعب،عن أبيه، وهذه يخرج منها الإمام أحمد في مسنده، وهي على شرط الحسن.

5 - وفاته
:
روى ابن سعد بسنده إلى عتيّ بن ضمرة السعدي قال: قدمت المدينة في يوم ريح وغبرة،وإذا الناس يموج بعضهم في بعض، فقلت: ما لي أرى الناس يموج بعضهم في
بعض؟ فقالوا: أما أنت من أهل هذا البلد؟ قلت: لا، قالوا: مات اليوم سيّد المسلمينأبيّ بن كعب.
وكان ذلك في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه، وقد رجّح ابن سعد في طبقاته أنه كان فيخلافة عثمان رضي الله تعالى عنه سنة ست وثلاثين من هجرة من له العزة والشرف صلّىالله عليه وسلّم، ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى ورضي عنه.

ثانيا: أشهر المفسرين من التابعين رحمهم الله تعالى
:
اشتهر عدد كبير من التابعين بتفسير القرآن الكريم في المدينة المنورة، ومكةالمكرمة والعراق.
فمن كان منهم بالمدينة المنورة يعدّون تلامذة أبيّ بن كعب رضي الله عنه،
اشتهر منهم:أبو العالية، ورفيع بن مهران الرياحي، ومحمد بن كعب القرظي، وغيرهم.
ومن كان منهم بمكة المكرمة يعدّون تلامذة عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما،منهم: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وطاوس بن كيسان اليماني، وعطاء بن أبي رباح.
ومن كان منهم بالعراق يعدّون تلامذة عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، منهم:علقمة بن قيس، ومسروق بن الأجدع، وعامر الشعبي.
ونقصر حديثنا على ثلاثة من التابعين، واحد من أهل مكة المكرمة، وواحد من أهلالمدينة المنورة، وواحد من أهل العراق.

1 - سعيد بن جبير رحمه الله تعالى

1 - التعريف به:
هو أبو عبد الله سعيد بن جبير بن هشام الأسدي، ولد سنة خمس وأربعين، وسمع من جماعةمن أئمة الصحابة، وحدّث عن ابن عباس، وعدي بن حاتم، وابن عمر، وعبد الله بن مغفل،وأبي هريرة، رضي الله تعالى عنهم.
قرأ القرآن على ابن عباس، وعلى ابن مسعود، وكان فقيها ورعا.
كان أسود حبشيا، من موالي بني والبة، أبيض الخصال.

2 - علمه
:
أخذ الفقه والتفسير عن أئمة الصحابة كما ذكرنا، وجمع علم أمثاله من التابعين. قالخصيف: كان من أعلم التابعين بالطّلاق سعيد بن المسيب، وبالحج عطاء، وبالحلالوالحرام طاوس، وبالتفسير أبو الحجاج مجاهد بن جبر، وأجمعهم لذلك كله سعيد بن جبير.
روي عن عمروبن ميمون بن مهران عن أبيه قال: مات سعيد بن جبير وما على الأرض أحد إلا وهو محتاجإلى علمه.

3 - مكانته في التفسير
:
قال سفيان الثوري: خذوا التفسير من أربعة، من سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة،والضحّاك.
أخذ القراءة على ابن عباس عرضا يقرأ عليه القرآن، وسمع منه التفسير، وأكثر روايتهفي التفسير عنه.
عن أشعث بن إسحاق قال: كان يقال لسعيد بن جبير: جهبذ العلماء. وعن ابن عباس رضيالله تعالى عنهما قال: يا أهل الكوفة، تسألوني وفيكم سعيد بن جبير؟!

5 - وفاته
:
كان خرج مع ابن الأشعث على الحجاج، ثم اختفى وتنقّل في النواحي، ثم أتى به الحجاج،وحين دعاه الحجاج ليقتل دعا ولده، فبكى ولده، فقال:
ما يبكيك؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة.
وقتله الحجاج في قصة معروفة، وهو مظلوم، وذلك بواسط سنة خمس وتسعين رحمه اللهتعالى «1».

2 - أبو العالية رحمه الله تعالى

1 - التعريف به:
هو أبو العالية، رفيع بن مهران الرياحي، مولاهم. أدرك الجاهلية، وأسلم بعد وفاةالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم. روى عن عليّ وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبيّ بنكعب
__________
(1) انظر تهذيب التهذيب (4/ 13 - 14).
رضي اللهعنهم. تابعي مجمع على توثيقه، روى عن أصحاب الكتب الستة جميعا.

2 - علمه
:
حفظ القرآن وأتقنه، وكان عالما بالقراءة، قال ابن أبي داود: ليس أحد بعد الصحابةأعلم بالقراءة من أبي العالية.
وروى عن أبيّ بن كعب نسخة كبيرة في التفسير، أخرج منها ابن جرير الطبري وابن أبيحاتم كثيرا منها في تفسيريهما، كما أخرج منها الإمام أحمد في مسنده والحاكم فيمستدركه.

3 - وفاته
:
توفي سنة (90 هـ) على أرجح الأقوال «1».

3 - علقمة بن قيس الكوفي رحمه الله تعالى

1 - التعريف به:
هو علقمة بن قيس بن عبد الله الكوفي، ولد في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،غزا في سبيل الله خراسان، وأقام بخوارزم سنتين، ودخل مرو وأقام بها مدة، ولم يولدله.
روى عن عمر، وعثمان، وعلي، وسعد، وحذيفة، وأبي الدرداء، وابن مسعود، وكثيرينغيرهم.
2 - علمه
:
لازم عبد الله بن مسعود فكان أعلم الناس به، وعبد الله هو الذي
قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رضيت لأمتي ما رضيه لها ابن أمّ عبد»
وقال علي بن المديني: أعلم الناس بعبد الله علقمة، وعبيدة، والحارث. وقال أبوالمثنى رياح:
__________
(1) انظر تهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر (3/ 284).
إذا رأيتعلقمة، فلا يضرك ألّا ترى عبد الله؛ أشبه الناس به سمتا وهديا، وإذا رأيت إبراهيمالنخعي فلا يضرك ألّا ترى علقمة.
قال أبو طالب عن أحمد: ثقة من أهل الخير. وقال قابوس بن أبي ظبيان:
أدركت ناسا من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسألون علقمة ويستفتونه.

3 - مكانته في التفسير
:
قال رحمه الله تعالى: كنت رجلا قد أعطاني الله تعالى حسن الصوت بالقرآن، وكان ابنمسعود يرسل إليّ فأقرأ عليه، فإذا فرغت من قراءتي قال: زدنا فداك أبي وأمي، فإنيسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن حسن الصوت زينة القرآن» «1».
قال إبراهيم- هو النخعي- كان أصحاب عبد الله الذين يقرءون الناس- أي القرآن-ويعلمونهم السنة، ويصدر الناس عن رأيهم ستة: علقمة، والأسود، وذكر الباقين.
وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: لا أعلم شيئا إلا وعلقمة يعلمه،
ولقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خذوا القرآن من أربعة» «2»
وذكر «ابن مسعود» في صدر الأربعة.
كان حسن الصوت بالقرآن، جيد الحفظ، حتى لقد كان يقرؤه أحيانا في ليلة.

4 - وفاته
:
توفي بالكوفة سنة اثنتين وستين، وعمره تسعون سنة، رحمه الله تعالى «3».
__________
(1) رواه البزار كما في كشف الأستار (2331).
(2) رواه البخاري في فضائل القرآن (4713) ومسلم في فضائل الصحابة (2464).
(3) انظر تهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر (7/ 276 - 278).
الفصل الثالث أقسام التفسير
روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: التفسير أربعة: حلال وحرام لا يعذرأحد بجهالته، وتفسير تقره العرب بألسنتها، وتفسير تفسّره العلماء، وتفسير لا يعلمهإلا الله تعالى.
وقال آخرون: التفسير ثلاثة أقسام: تفسير بالرواية، ويسمى التفسير بالمأثور.
وتفسير بالدراية، ويسمى التفسير بالرأي. وتفسير الإشارة، ويسمى التفسير الإشاري.
ويضيف بعضهم قسما رابعا، وهو تفسير باطني، ويسمى التفسير الباطني.

(1) معنى التفسير بالمأثور:
هو تفسير القرآن الكريم بما جاء في القرآن الكريم أو السنة، أو أقوال الصحابةوالتابعين، مما ليس منقولا عن أهل الكتابين اليهود والنصارى.

(2) معنى التفسير بالرأي
:
هو تفسير القرآن الكريم بالاجتهاد بعد معرفة المفسّر لكلام العرب، ومعرفة الألفاظالعربية ووجوه دلالتها، ومعرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغير ذلك.
أ- ما يجوز من التفسير بالرأي:
هو ما كان موافقا لكلام العرب، ومناحيهم في القول، مع موافقة الكتاب والسّنة،ومراعاة سائر شروط التفسير؛ من معرفة الناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول وغيرها.
ويستدل لجوازهبالوجوه التالية:
1 - إن الله تعالى قد أمر بتدبر القرآن فقال تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَمُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ [ص: 29].
2 - إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا لابن عباس رضي الله عنهما
بقوله: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل «1»».
3 - إن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اختلفوا في تفسير آيات من القرآن ممالم يبين لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلو كان النظر والاجتهاد محظورا فيفهم كتاب الله تعالى من أهله، لكان الصحابة قد وقعوا في معصية الله تعالى، كيف وقدرضي الله تعالى عنهم وأكرمهم بالصحبة؟! 4 - إن الناس قد درجوا على تفسير كتاب اللهتعالى بالاجتهاد والنظر من أيام التدوين إلى أيامنا هذه، ولن تجتمع هذه الأمة علىضلالة.
ب- ما لا يجوز من التفسير بالرأي:
وهو ما كان غير جار على قوانين اللغة العربية، ولا موافقا للأدلة الشرعية، ولامستوفيا لشرائط التفسير التي ذكرها المفسرون.
ويستدل لمنعه بالوجوه التالية:
1 - نهى الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن تفسير القرآن بالرأي،
قال صلّى الله عليه وسلّم: «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار» «2».
2 - خروج ذلك التفسير عن جادة التفسير حين لا يبالي بناسخ ومنسوخ، وأسباب نزول،وأمثال ذلك. قال عمر رضي الله تعالى عنه: ما أخاف على هذه
__________
(1) رواه أحمد (1/ 328 و 335) وابن حبّان في صحيحه (7055).
(2) ذكره ابن الجوزي في تلبيس إبليس (ص 319).
الأمة من مؤمنينهاه إيمانه، ولا من فاسق بيّن فسقه، لأن الناس لا تثق به، ولكني أخاف عليها رجلاقد قرأ القرآن حتى أذلقه بلسانه، ثم تأوله على غير تأويله.
3 - تجنّبه وضع اللغة، فإن الخروج بالكلمة أو الجملة عن المراد بهما تعطيل لهما،والكلام إنما هو لإفهام معان معينة منها.
وذلك مثل تفسير قوله تعالى: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة:22] أي منتقمون منهم، فإنه تفسير يجافي بيان العرب ونصوص القرآن.
وتفسير قوله تعالى في حق أهل النار: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً [النبأ: 23] أيأزمانا ثم يخرجون منها، مع أن المراد لابثين فيها أحقابا بعد أحقاب لا يخرجونمنها، كما نقل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما «1». وتفسير قوله تعالى:
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة: 282] أي اتقوا الله فإنهيعلمكم دون تعلم، فإن سرد الآية يفيد اتقوا الله ويعلمكم الله بالقرآن ما ينفعكمفي أمور المال وغيره.

(3) معنى التفسير الباطني
:
هو تفسير القرآن الكريم على معان مخالفة لظاهر القرآن الكريم، مما يجافي معاني الكلماتوالجمل في القرآن الكريم، دون دليل أو شبهة من دليل.
وهذا نجده ظاهرا في تفاسير الباطنية الذين رفضوا الأخذ بظاهر القرآن، وقالوا:
للقرآن ظاهر وباطن، والمراد منه: باطنه دون ظاهره.
ومن أمثلة ضلالهم تأويل قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ بأن المراد بالصلاة هيالعهد المألوف، وسمي صلاة لأنها صلة بين المستجيبين ويبن الإمام، وتأويل الصيامبأنه الإمساك عن كشف السر.
حكم هذا النوع من التفسير:
__________
(1) ويدل له الآيات العديدة التي تقرر الخلود الأبدي للكفار في النار.
هو تفسير باطلوإثم، بل فيه الخروج عن الإسلام لمن اعتقد ذلك، معاذ الله.
ويستدل لبطلانه بالوجوه التالية:
أ- إنه تفسير يقوم على عقيدة التحلل من التكاليف الشرعية، والرفض للشرائع والأحكاممن حيث الحقيقة والواقع. وفي هذا نقض بناء الشريعة، وحل عرى الإسلام.
ب- فضلا عن كونه غريبا عن معاني الكلمات والجمل في اللغة العربية. وفي ذلك مخالفةصريحة لقول الله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْتَعْقِلُونَ [يوسف: 2].
ج- إنه يجعل القرآن ملهاة، يفسره كل مفسر بما شاء له ضلاله وهواه.
هـ- إنه يفك عقد المسلمين، ويفرّق جماعتهم، من جراء فقدان ضوابط تفسير القرآنالكريم.

(4) معنى التفسير الإشاري
:
هو تفسير القرآن الكريم بغير ظاهره، لإشارة خفية تظهر لأرباب السلوك والتصوف،ويمكن الجمع بينها وبين التفسير الظاهر المراد أيضا.
مثل أن يقال في قوله تعالى: اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى [طه: 24] إنالمراد بفرعون هو النفس البشرية. وأن يقال في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ [التوبة: 123] إن المرادبالكفار النفس.

حكم هذا النوع من التفسير
:
هو تفسير باطل وإثم كذلك، بل يخشى الخروج عن الإسلام لمن اعتقد ذلك، معاذ الله.ولو ألحق بالتفسير الباطني لا يعدّ بعيدا، وقد عرفت الحكم في ذلك التفسير.
اللهم إلا أنيكون التفسير الإشاري قائما على الاعتراف بمعاني ظواهر النصوص على ما تقتضيه اللغةوالنصوص الشرعية الأخرى، فالمرجو ألّا يكون بأس وإثم بإذن الله، ويقرب من هذاالتفسير ما قاله علماء الأصول في قوله تعالى:
وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] الآية نص في وجوب نفقة الزوجة على الزوج، وهي تشير إلى أن الولد ينسب إلىأبيه، والله أعلم.
وقد جعل الإمام السيوطي شروط قبول التفسير الإشاري على ما يلي:
1 - ألّا يتنافى مع ما يظهر من معنى النظم الكريم.
2 - ألّا يدّعى أنه المراد وحده دون الظاهر.
3 - ألّا يكون تأويلا بعيدا سخيفا، كتفسير بعضهم قوله تعالى: وَإِنَّ اللَّهَلَمَعَ الْمُحْسِنِينَ بجعل كلمة (لمع) فعلا ماضيا، وكلمة (المحسنين) مفعولا به.
4 - ألّا يكون له معارض شرعي أو عقلي.
5 - أن يكون له شاهد شرعي يؤيده.
الفصل الرّابعالتعريف بأشهر التفاسير والمفسرين
1 - الطبري 2 - الزمخشري 3 - الفخر الرازي 4 - القرطبي 5 - ابن كثير، مع بيانطريقة كل منهم، وخصائص تفسيره.

1 - الإمام الطبري «1» 224 - 310 هـ
1 - التعريف به
:
هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري من أهالي طبرستان، ولد (بآمل) سنة (224 هـ)، خرجمن بلده (آمل) في الثانية عشرة من عمره يطلب العلم ويجلس إلى المشايخ، وقد سمعبالعراق والشام ومصر عن خلق كثير، واستقر به مقامه بعد ذلك في بغداد.
قال أبو سعيد بن يونس: كان فقيها، قدم إلى مصر قديما سنة ثلاث وستين ومائتين وكتببها، ورجع إلى بغداد وصنّف تصانيف حسنة تدل على سعة علمه.
وقال علي بن عبد الله: مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة.
قال ابن جرير يوما لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن! فأجابوا: كم يكون قدره؟ فقال:ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مما يفني الأعمار قبل تمامه،
__________
(1) انظر ترجمته في وفيات الأعيان (2/ 233 - 233) ولسان الميزان (5/ 100 - 103)والطبقات الكبرى، للسبكي (2/ 135 - 138).
فاختصره فينحو ثلاثة آلاف ورقة. وقال الخطيب البغدادي في تاريخه: أحد العلماء يحكم بقوله،ويرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد منأهل عصره، وكان حافظا لكتاب الله تعالى، عارفا بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيهافي أحكام القرآن، عالما بالسّنة وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفابأقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الخالفين في الأحكام، ومسائل الحلالوالحرام، عارفا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في (تاريخ الأمموالملوك) وكتاب (التفسير) الذي لم يصنّف أحد مثله، وكتاب (تهذيب الآثار) لم أرسواه في معناه إلا أنه لم يتمّه، وكتاب حسن في القراءات سمّاه (الجامع) وله فيأصول الفقه وفروعه كتب كثيرة، واختيار من أقاويل الفقهاء، وتفرّد بمسائل حفظت عنه.

2 - طريقته في التفسير
:
أ- يفسر القرآن الكريم بالمأثور من القرآن الكريم، وسنة رسول الله صلّى الله عليهوسلّم، وأقوال الصحابة والتابعين.
ب- يذكر آراء الصحابة ومن بعدهم في التفسير، واستدلالهم باللغة، ويستشهد لذلكبكلام العرب.
ج- إذا تعدّدت أقوال الصحابة والتابعين يتعرّض لتوجيه الأقوال.
د- يعرض للقراءات في الآيات.
هـ- يهتم بالمذاهب النحوية، والأحكام الفقهية، وإجماع الأئمة.
ويستنبط الأحكام التي تؤخذ من الآية.

3 - خصائص تفسيره
:
أ- أنه تفسير بالمأثور، لذا نجده يحمل بشدة على تفسير الآيات بالاجتهاد والنظر.
ب- ينقل فيتفسيره روايات صحيحة وغير صحيحة بأسانيدها فيخرج بذلك من العهدة.
ج- يوجّه للرأي الذي يراه من بين الآراء في تفسيره، فلا يدع القارئ في حيرة منأمره، لا يتجه إلى رأي بعينه إذ لا دليل له.

4 - وفاته
:
كان عالما زاهدا ورعا فاضلا قويا في الحق فصيح اللسان، وكانت وفاته في بغداد وقتالمغرب عشية يوم الأحد ليومين بقيا من شوال سنة (310 هـ) وقد تجاوز الثمانين بخمسأو ست سنين.
2 - الزمخشري«1» 467 - 538 هـ
1 - التعريف به
:
هو أبو القاسم محمود بن محمد الزمخشري الخوارزمي، ولد بزمخشر سنة (467 هـ)، رحل فيطلب العلم إلى بخارى، وقدم بغداد، فسمع من أبي الخطاب بن البطر، وشيخ الإسلام أبيمنصور الحارثي، وجماعة.
كان واسع العلم، كثير الفضل، غاية في الذكاء، وجودة القريحة، متفننا في كل علم،معتزليا قويا في مذهبه، مجاهرا به، وداعية إليه، حنفيا، علّامة في الأدب والنحو،كان مقطوع إحدى رجليه، وقد ذكر هو سبب ذلك، قال:
كنت في صباي أمسكت عصفورا وربطته بخيط في رجله، فأفلت من يدي فأدركته وقد دخل فيخرق فجذبته فانقطعت رجله في الخيط، فتألّمت والدتي لذلك، وقالت: قطع الله رجلك كماقطعت رجله، فلمّا وصلت إلى سنّ الطلب رحلت إلى بخارى لطلب العلم، فسقطت عن الدابّةفانكسرت رجلي، وعملت عليّ عملا أوجب قطعها. وقيل: إنها سقطت من برد شديد أصابه فيبعض أسفاره ببعض بلاد خوارزم.
أقام بمكة سنين وفيها أتمّ تفسيره الكشّاف، فلقّب جار الله تعالى، لجواره بيت اللهالحرام.
__________
(1) انظر ترجمته في وفيات الأعيان (2/ 509 - 513) وشذرات الذهب (4/ 121).
صنّف كثيرا منالكتب، منها: (الكشّاف) في التفسير، و (الفائق) في غريب الحديث، و (أساس البلاغة)و (المفصّل) في النحو، و (المستقصى) في الأمثال، وله شعر جيد منه قوله:
وقائلة ما هذه الدرر التي ... تساقط من عينيك سمطين سمطين
فقلت هو الدرّ الذي كان قد حشا ... أبو مضر أذني تساقط من عيني

2 - طريقته في التفسير
:
يعدّ (الكشاف) من كتب التفسير بالرأي- مع انحراف إلى الاعتزال- ويعتمد في تفسيرهعلى لغة العرب وأساليبهم، ويعنى عناية خاصة بعلوم البلاغة، تحقيقا لوجوه إعجازالقرآن الكريم، ويؤوّل آيات التوحيد بما يوافق طريقة الاعتزال التي انزلق إليها.

3 - خصائص تفسيره
:
أ- خلوّه من الحشو والتطويل، وسلامته من القصص والإسرائيليات الباطلة.
ب- اعتماده في بيان المعاني على لغة العرب وأساليبهم في البيان.
ج- سلوكه فيما يقصد إيضاحه طريق السؤال والجواب.

4 - وفاته
:
وحين أتمّ إحدى وسبعين سنة من عمره، وبعد عودته من مكة المكرمة، توفي بجرجانيةخوارزم سنة (538 هـ)، وقد أوصى أن يكتب على قبره:
إلهي قد أصبحت ضيفك في الثرى ... وللضيف حق عند كلّ كريم
فهب لي ذنوبي في قراي فإنّها ... عظيم ولا يقرى بغير عظيم
رحمه الله تعالى وعفا عنه.
3 - الرازي«1» 544 - 606 هـ
1 - التعريف به
:
هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين الطبرستاني الأصل، ثم الرازي ابن خطيبها،من ذرية أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، ولد في الخامس والعشرين من رمضان سنة(544 هـ) بمدينة الريّ، اشتغل أولا على والده ضياء الدين عمر، ثم على الكمالالسمناني، وعلى المجد الجيلي، وغيرهم، وأتقن علوما كثيرة وبرز فيها، وتقدّم وساد،وقصده الطلبة من سائر البلاد.
كان واعظا له في الوعظ اليد البيضاء، وكان يلحقه الوجد في حال الوعظ ويكثر البكاء،وكان يحضر بمجلسه بمدينة هراة أرباب المذاهب والمقالات ويسألونه، وهو يجيب كل سائلبأحسن إجابة، ورجع بسببه خلق كثير من الطائفة الكرامية وغيرهم إلى مذهب أهل السّنة،فكان يلقّب بهراة شيخ الإسلام.
قال الداودي فيه: المفسّر المتكلم إمام وقته في العلوم العقلية، وأحد الأئمة فيالعلوم الشرعية، صاحب المصنفات المشهورة، والفضائل الغزيرة المذكورة، وأحدالمبعوثين على رأس المائة السادسة لتجديد الدين.
وتصانيفه كثيرة في فنون عديدة، منها (التفسير الكبير) و (الأربعين في أصول الدين)و (المحصل) و (البيان والتبيين) في الرد على أهل الزيغ والطغيان، وشرح
__________
(1) انظر ترجمته في وفيات الأعيان (2/ 265 - 268) وشذرات الذهب (5/ 21).
أسماء اللهالحسنى، وشرح المفصل للزمخشري، ومناقب الإمام الشافعي.
وغيرها، وكل كتبه مفيدة، وله شعر جيد منه:
المرء ما دام حيّا يستهان به ... ويعظم الرّزء فيه حين يفتقد
ومنه:
وكم من جبال قد علت شرفاتها ... رجال فزالوا والجبال جبال
وكم قد رأينا من جبال ودولة ... فبادوا جميعا مسرعين وزالوا

2 - طريقته في التفسير
:
يعدّ تفسيره (مفاتيح الغيب) من أعظم تفاسير الرأي وأوسعها، يعنى بربط الآياتوالسور بعضها ببعض، ويعنى باللغة والبيان، ومسائل الفقه، ويميل فيها إلى ترجيحمذهب إمامه الشافعي رحمه الله تعالى، ولكنّ أعظم عنايته بمسائل الكلام والحكمة،فهو فيها الفارس المجلّى والعلم الفرد، ويعنى أحيانا بنقل أقوال الصحابة والتابعينلتفسير الكلمات، وبيان المراد من الآيات.

3 - خصائص تفسيره
:
أ- العناية بتفسير الصحابة والتابعين للآيات أحيانا.
ب- ذكر ما يناسب الآيات من الموضوعات. يقول: وهاهنا مسائل، ثم يوردها مسألة مسألة،وإن كان ثمّة اعتراضات أوردها ثم أجاب عليها.
ج- العناية بعلوم اللغة من معاني المفردات والبلاغة بإيجاز كاف.
د- الاقتصاد في ذكر الإسرائيليات والحشو من التفسير.
هـ- العناية بربط الآيات والسور بعضها ببعض، وقد لا يخلو الأمر في هذا من التكلفأحيانا.
4 - وفاته:
كان قد رزق سعادة في مؤلفاته، وسعادة في تلامذته، وكان إذا ركب يمشي حوله نحوثلاثمائة تلميذ من الفقهاء وغيرهم.
توفي رحمه الله تعالى بمدينة هراة «1» يوم الاثنين يوم عيد الفطر سنة (606 هـ).رحمه الله تعالى.
__________
(1) مدينة كبيرة في أفغانستان.
4 - القرطبي«1» المتوفى سنة 671 هـ
1 - التعريف به
:
هو أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري الخزرجي المالكي الأندلسي القرطبي، سمع منابن رواج، ومن ابن الجميزي، وأبي العباس القرطبي شارح صحيح مسلم وغيرهم. قالالداودي:
كان من عباد الله الصالحين، والعلماء العارفين الورعين الزاهدين في الدنيا، المشغولينبما يعنيهم من أمور الآخرة، أوقاته معمورة ما بين توجّه وعبادة وتصنيف، جمع فيتفسير القرآن الكريم كتابا كبيرا في خمسة عشر مجلدا سمّاه كتاب «جامع أحكام القرآنوالمبين لما تضمنه من السنة وآي القرآن» وهو من أجلّ التفاسير وأعظمها نفعا، أسقطمنه القصص والتواريخ، وأثبت عوضها أحكام القرآن، واستنباط الأدلة، وذكر القراءاتوالإعراب والناسخ والمنسوخ، وله شرح الأسماء الحسنى في كتاب يقع في مجلدين سمّاه(الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى) وكتاب (التذكار في أفضل الأذكار) وضعهعلى طريقة (البيان) للنووي، لكن هذا أتم منه وأكثر علما، وكتاب (التذكرة في أحوالالموتى وأمور الآخرة).
__________
(1) انظر ترجمته في نفح الطيب (1/ 428) والديباج (ص 317).
وقال الذهبيعنه: إمام متقن متبحّر في العلم، له تصانيف مفيدة تدلّ على إمامته، وكثرة اطلاعه،ووفور فضله.

2 - طريقته في التفسير
:
يعدّ تفسيره من أجلّ كتب التفسير التي وصلت إلينا وأفضلها، جمع فيه تفسير القرآنبالقرآن، ثم تفسيره بالسّنة، ثم أقوال الصحابة والتابعين، وأقوال العلماءواستنباطهم لما تدل عليه الآيات، وعرض لمسائل الفقه ببيان مشرق، وينسب إلى كل فقيهرأيه، ويذكر حجته، وقد يرجّح رأيا من آراء من نقل عنهم، إلى جانب تخريج الأحاديثوالعناية بالقراءات واللغات والإعراب.

3 - خصائص تفسيره
:
قال رحمه الله تعالى: وشرطي في هذا الكتاب، إضافة الأقوال إلى قائليها، والأحاديثإلى مصنفيها، فإنه يقال: من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله، وكثيرا ما يجيءالحديث في كتب الفقه والتفسير مبهما لا يعرف من أخرجه إلا من اطلع على كتب الحديث،فيبقى من لا خبرة له بذلك حائرا لا يعرف الصحيح من السقيم، فلا يقبل منه الاحتجاجبه ولا الاستدلال حتى يضيفه إلى من خرّجه من الأئمة الأعلام، والثقات المشاهير منعلماء الإسلام.
وأضرب عن كثير من قصص المفسرين وأخبار المؤرخين إلا ما لا بدّ منه ولا غنى عنهللتبيين، واعتاض عن ذلك بتبيين آي الأحكام بمسائل تسفر عن معناها، وترشد الطالبإلى مقتضاها، فضمّت كلّ آية- تتضمن حكما أو حكمين فما زاد- مسائل تبين فيها ماتحتوي عليه من أسباب النزول والتفسير للغريب، والحكم، فإن لم تتضمن حكما ذكر مافيها من التفسير والتأويل، وهكذا إلى آخر الكتاب.
4 - وفاته:
كان طارح التكلّف يمشي بثوب واحد وعلى رأسه طاقيّة.
وكان مستقرا بمنية بني خضيب من الصعيد الأدنى، وفيها توفي ليلة الاثنين التاسع منشوال سنة إحدى وسبعين وستمائة رحمه الله تعالى.
5 - إسماعيلبن كثير «1» 701 - 774 هـ
1 - التعريف به
:
هو أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير البصروي الدمشقي.
ولد بقرية شرقي بصرى سنة 701 هـ، ثم قدم دمشق وله نحو سبع سنين مع أخيه بعد موتأبيه، وتتلمذ لكثير من العلماء منهم: الحافظ المزّي، وتزوّج ابنته، وأقبل على علمالحديث، وأخذ الكثير عن ابن تيمية. وقال ابن حبيب فيه:
إمام ذوي التسبيح والتهليل، وزعيم أرباب التأويل- التفسير- سمع وجمع وصنّف، وأطربالأسماع بأقواله وشنّف، وحدّث وأفاد، وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد، واشتهر بالضبطوالتحرير، وانتهت إليه رئاسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير.
قال فيه شيخه الإمام الذهبي (في المعجم): فقيه متفنّن، ومحدّث متقن، ومفسّر نقّاد.صنّف في صغره كتاب «الأحكام على أبواب التنبيه» والتاريخ المسمّى ب «البدايةوالنهاية» والتفسير، واختصر (تهذيب الكمال) للمزّي، وأضاف إليه ما تأخر في«الميزان» وسمّاه «التكميل» وغيرها. ومن شعره قوله:
__________
(1) انظر ترجمته مستوفاة في كتاب الفصول في سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم (ص29 - 71) تحقيق محيي الدين مستو، ود. الخطراوي- الطبعة السابعة.
تمرّ بناالأيام تترى وإنّما ... نساق إلى الآجال والعين تنظر
فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى ... ولا زائل هذا المشيب المكدّر

2 - طريقته في التفسير
:
يفسّر القرآن الكريم بعبارة سهلة وجيزة، ويجمع آيات الموضوع الواحد، وهو يستعينعلى تفسير القرآن بالقرآن أولا، ثم يسرد الأحاديث المتعلّقة بالآية منسوبة إلىمخرجيها، وبيان درجة كل حديث غالبا- إلا ما كان في الصحيحين فلا يذكر له درجة لأنهصحيح كله- ثم يورد أقوال الصحابة، والتابعين أحيانا، وقلّ أن يفسّر كلمات الآياتإلا أثناء التفسير.

3 - خصائص تفسيره
:
أ- لا يعنى بتفسير الكلمات مستقلة كما يفعل الإمام الطبري، بل يذكرها مفسرة أثناءتفسيره.
ب- لا يعرض للقراءات المختلفة أثناء التفسير كذلك.
ج- يفسّر القرآن بالقرآن، ثم بالسّنة، وأقوال الصحابة والتابعين، ولا يستعينبأقوال علماء العربية في تفسيره.
د- ينسب الآيات- أثناء تفسيره- إلى سورها، والأحاديث إلى مخرجيها، ويشير إلى ماكان ضعيفا أو منكرا منها.
هـ- لا يكاد يعرض للإسرائيليات أثناء تفسيره، فضلا عن الاستدلال بها، وتلك مزيةله.
ويرجّح بعض الأقوال على بعض أحيانا، وقد يعرض لبعض الخلافات الفقهية بإيجاز.
4 - وفاته:
قال فيه تلميذه شهاب الدين بن حجّي: ... وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة تردديإليه إلا واستفدت منه.
وقد كفّ بصره آخر عمره، وتوفّي بدمشق في خمس من شعبان (772 هـ)، ودفن بمقبرةالصّوفية عند شيخه ابن تيمية، رحمه الله تعالى.



ugl hgjtsdv lk hgHgt ggdhx