قراءة في كتاب " تجارب التحول الى الديمقراطية" ج1



بقلم: د أيمن غروت

تستند مقالة كتاب "تجارب التحول الى الديمقراطية" الى المقابلات التي أجراها المؤلفان سرجيو بيطار وإبراهام لوينثال مع 13 رئيسًا ورئيس وزراء سابقين , من تسعة بلدان.

ثلاثة مِن كل مِن أوروبا وأربعة من أمريكا اللاتينية واربعة من إفريقيا, واثنان من آسيا, والقاسم المشترك بينهم أنهم ساهموا في تحقيق الانتقال الناجح من حكم استبدادي إلى حكم ديمقراطي.

وقد قابل المؤلفان بين شهري يناير 2012 ويونية 2013 كلاً من:

فرناندو إنريكي كاردوزو من البرازيل،
وباتريسيو آيلوين وريكاردو لاغوس من تشيلي،
وجون كوفور وجيري رولينغز من غانا،
وبشار الدين يوسف حبيبي من إندونيسيا،
وإرنستو زيديلو من المكسيك،
وفيدل راموس من الفلبين،
وألكسندر كفاسنيفسكي وتادوش مازوفسكي من بولندا،
وفريدريك دوكليرك وتابو مبيكي من جنوب إفريقيا،
وفيليبي غونزالس من إسبانيا.


وجمع المؤلفان المقابلات، لأول مرة في كتاب واحد، ليقدما عروضًا مكثفة لوجهات نظر القادة بشأن دورهم في تلك التحولات التاريخية.

و القاسم بينهم انهم أسهموا في انهاء أنظمة الحكم الاستبدادية ببلادهم وبنوا مكانها ديمقراطيات بالربع الأخير من القرن العشرين بعد ان أوصلوا بلدانهم الى نعمة الديمقراطية.


الخطوط المشتركة للتحولات التسعة الناجحة:

التحول بصورة عمليات واسعة متلاحقة تدريجية على مدى زمني طويل, بدلا من حدوثها دفعة واحدة, و ابرز لحظات التعيير المثيرة للاهتمام تجسدت في لحظة تنصيب نيلسون مانديلا رئيسا لجنوب افريقيا, و تدفق سلطة الشعب في شوارع الفليبين, والانتصار الحاسم لحملة التصويت ب لا في استفتاء شيلي 1988م, و الهزيمة المفاجئة للشيوعيين البولنديين في الانتخابات الحرة جزئيا 1989م, فالتحول يبدأ قبل هذه اللحظات بسنوات و يستمر بعدها بسنوات تحتاج الى عزيمة و إصرار.
كان لهذه التحولات أصولا تعود في نشأتها الى فترات أو حقب طويلة و كانت الخطوات الأولى تتسم بالهدوء و تتحرك بالخفاء سواء كان منبعها المعارضة أو تحرك المجتمع الاستبدادي أو المجتمع المدني.
الخطوات السابقة للحظة التحول عملت على المساعدة على تعميق العلاقات الشخصية و تعزيز الثقة بين قطاعات المعارضة المتباينة, او بين شخصيات من المجتمع الاستبدادي و قادة المعارضة.
تسير التحولات بسرعة متفاوتة و منحى متعرج او منعطف و غير متوقع مما يكون له اثار كبيرة على مسارها, مثل موت الرئيس البرازيلي المنتخب تانكريدو نيفيس و اختيار نائبه خوسيه سارني المدني القادم من النظام العسكري مما ابطأ العملية الانتقالية من جهة و تسهيلها من جهة أخرى, ومثلما دفع اغتيال بينوشيه في شيلي سنة 1986 المعارضة الديمقراطية الى الانفصال عن المسلحة, و ساعد اغتيال لويس كاريرو بلانكو في اسبانيا وكريس هاني في جنوب افريقيا و بنينو اكينو في الفلبين على الإسراع في اطلاق خيارات سياسية مهمة, و سقوط جدار برلين 1989 أدى الى التغيرات الألمانية و كذلك تفكك الاتحاد السوفيتي أدى الى تحولات بولندا و غيرها, و كذلك الازمة المالية الاسيوية في 1997 اسقطت سوهارتو باندونيسيا و كلها مفاجآت.
في مناسبات نادرة انهارت أنظمة استبدادية بصورة مفاجئة في مواجهة أزمات اقتصادية او هزيمة عسكرية كما باليونان والبرتغال و الارجنتين اغتيالات سياسية مثل اغتيال اكينو المعارض لماركوس بالفليبين وما تلاه من انتخابات مزورة بشكل صارخ, ومع ذلك فان مسارات طويلة وشاقة من التعبئة الاجتماعية ضد النظام اعقبتها عمليات تفاوض سرية او علنية للتحول الديمقراطي, وبشكل عام فان الديمقراطيات لم تنشأ او تنبثق مباشرة من حشود الجماهير فقط.
استهلكت اغلب التحولات الكثير من الوقت للوصول الى النضج واكتساب الطابع المؤسسي. وفي البرازيل و شيلي و الفلبين وبولندا و ج افريقيا واسبانيا تطلب الامر المرور بمراحل متعددة وربما بعض الانتكاسات.
في ج افريقيا وغانا و البرازيل فان الأنظمة الاستبدادية او قطاعات بها مدت يدها الى المعارضة المعتدلة لتعزيز الشرعية الدولية و الاستجابة للضغوط الخارجية أو لغاية بناء علاقات مع المعارضة المستعدة للتفاوض لفتح ثغرة في جدار تلك الأنظمة المستبدة. وفي بعض الحالات ظلت عمليات الحوار و التفاوض مختمرة لفترات طويلة بين النخب المرتبطة بالصراعات و تخللها مظاهرات بصورة دورية لعرض القوة من الجانبين, وهذا الحوار انضج و انجز قواعد الارتباط في ناهية المطاف.
اختلفت التحولات في أسباب نشأتها و تسلسل احداثها و مساراتها, فقد اشتملت الظروف على:

شخصيات دكتاتورية بدعم عسكري في اسبانيا و اندونيسيا و الفلبين
حكم شبه عسكري من موظفين حكوميين كاريزماتيين في غانا
نظام الحكم بحزب واحد مهيمن في المكسيك وبولندا (دعم من روسيا)
الحكم الاستثنائي من قبل الأقلية البيضاء في ج افريقيا.
الحروب الاهلية
اعقاب الاحتلال الأجنبي
الأنظمة الملكية الوراثية
ويضاف الى ذلك مطالبة مناطق او جماعات عرقية بالحصول على المزيد من الاستقلالية و الموارد.


تشكلت التحولات أيضا بمدى النجاح الاقتصادي للحكومات الاستبدادية مدى تحققها للرفاهية و حماية الامن القومي مثل البرازيل و شيلي و اسبانيا, و لم ينجح البعض الاخر.
اثر الانضباط المهني و مستوى الدعم الشعبي للقوات المسلحة و الشرطة و الاستخبارات والهيئات القضائية والمؤسسات.
واثرت حالة الأحزاب في التحولات, حيث دعم انتعاش الأحزاب الانتقال والتحول في البرازيل وشيلي, و اثر كذلك الحنين لقيم الماضي السائدة و النفور من العنف في التحول ايضا. وكلما كان الدعم المنظم أوسع لحركات المعارضة وقياداتها كان من الأرجح ضمان الحصول على تنازلات قيمة في المفاوضات.
شرعت بعض التحولات نتيجة لتقارب بين قطاعات من النظام الاستبدادي وعناصر من المعارضة, مثل البرازيل و اسبانيا و المكسيك وبولندا و غانا. وفي حالات نتيجة للضغوط والحشود مثل بولندا و اندونيسيا و شيلي و الفلبين و ج افريقيا, وانبثق بعض التحولات جراء مفاوضات سرية او علنية, مثل اسبانيا و البرازيل و ج افريقيا و شيلي واندونيسيا و المكسيك و بولندا. وعدد قليل نشأ عن اتفاقات رسمية بين النخب مثل مواثيق مونكلوا الاسبانية التي أدت الى الاتفاقات السياسية, حيث دارت في مقر رئيس الوزراء سنة 1977 بحضور زعماء الأحزاب مع الحكومة.
تأثرت التحولات بالسياق الدولي وجهات خارجية فاعلة, وكان للنزاعات الإقليمية والايدلوجيات السائدة و الروابط الدولية للديمقراطيات الراسخة صلة وثيقة بالتحولات. فقد اثرت نصاح رئيس تنزانيا نريري في انشاء الدستور الجنوب افريقي و نصائح جونزالس الاسباني حول كيفية التعامل مع القوات المسلحة في شيلي


والخلاصة انه لا يوجد مقاس واحد يناسب الجميع


التحديات المتكررة لعمليات الانتقال:

1. التحضير لعملية الانتقال:

تحتاج القوى المحلية الى الدعم الواسع و الشرعية و القدرة على المنافسة وان تقدم البديل.

2. انهاء النظام الاستبدادي

لا تتخلى الحكومات الاستبدادية عن السلطة طواعية. يتطلب التأكيد على عدم الانتقام ويتطلب التأكيد على رعاية المصالح الاقتصادية.

3. نقل السلطة وادارتها:

تعزيز النظام المدني وانهاء العنف, و ضمان عمل جميع قوى الامن و الاستخبارات ضمن اطار القانون
الإيحاء بالثقة المحلية واكتساب الشرعية الدولية
ضمان تنفيذ إرادة الأغلبية و طمأنة الأقليات السياسية و منهم المرتبطين بالنظام السابق
استقطاب المسئولين السابقين ممن تتوفر لديهم المهارات والإبقاء على بعض افراد النظام السابق كما اكد جونزالس ومازوفيتسكي ومبيكي.

العدالة الانتقالية


تركيز اهتمام الأجهزة البيروقراطية و الدوائر الحكومية و الشرطة على خدمة المواطنين بدلا من اليطرة على الرعايا
اقناع المواطنين بشرعية الدولة بعد طول رفض


4. تحقيق الاستقرار و ترسيخ الديمقراطية الناشئة

قد يلوم الجمهور الزعماء السياسيين او الديمقراطية بعد بضع سنين لعدم تلبية التوقعات الاقتصادية و السياسية
قد تتراجع قوى المجتمع المدني عن أداء دورها


التعلم من القادة السياسيين:

حيث اضطر كثير منهم الى اتخاذ تنازلات انتقدها البعض على اعتبار انها خجولة او جبانة مترددة, و توضح شهادات القادة كيف و لماذا اتخذوا تلك القرارات لضمان التحول و العلاقات المدنية العسكرية و غيرها


· المضي قدما تدريجيا:

استثمار الفرص للتقدم بدلا من رفض التقدم على امل توفر قدرة في وقت لاحق توفر اكبر تغيير ممكن.
العزم على تحسين الأوضاع الغير مرغوبة بدلا من تخيل طريقة للبدء من الصفر او ببساطة تنحية الرغبة عن القيود الصارمة التي تبطئ التقدم نحو الأهداف النهائية
هو ما فعله لاجوس في شيلي حيث استخدم الدستور القائم لمحاربة بينوشيه سنة 1988 للخروج من هوة البئر و اكتساب قوة و نفوذ قبل صياغة مطالب إضافية.
اكد كل الزعماء على ضرورة إعطاء الأولوية دوما لكسب شيئ ما على ارض الواقع حيثما كان الامر ممكنا حتى عندما لا يتم تحقيق بعض الأولويات الحيوية الا جزئيا.
ان رفض المواقف المتطرفة تتطلب أحيانا مزيدا من الشجاعة السياسية بدلا من التمسك بتلك الأهداف او الخضوع لمبادئ جذابة و لكنها قد لا تكون عملية
ولمقاومة القمع فينبغي على زعماء المعارضة حشد الاحتجاجات و تحدي االنظام و القواعد المعمول بها و التنديد بسجن المنشقين ومكافحة الشرعية الوطنية و الدولية للنظام

اكد الزعماء على الجمع بين الممارسة الضغط المستمر مع رغبة حقيقية للعمل على إيجاد وقبول الحلول الوسطية, ان صنع التحولات لا تصلح كمهمات للتحجر الفكري و الديموجمائية.


· ضرورة وجود رؤية شاملة

· بناء التقارب و التحالفات


والتركيز على ما يوحد الناس سويا بدلا من التركيز على ما يقسمهم في الماضي
حبيبي فوض الجنرال ويرانتو بالإبقاء على سلطات الطوارئ
وراموس اتبع نهجا استشاريا و تداوليا للغاية في صياغة السياسات
كاردوزو ذهب مع زوجته لتشجيع ضباط الجيش البرازيلي من اجل تعزيز العلاقات الشخصية
ايلوين زار أعضاء لجنة الحقيقة والمصالحة الشيلية في منازلهم و جندهم
مازوفيتسكي تراس جلسات طويلة لبناء توافق في الاراء بوزارته وجعلها حكومة شاملة و موسعة


· ايجاد اطر للحوار و حمايتها:


وهي مهمة جدا و قد تتطلب السرية, و تكون مع النظام القائم و المجتمع المدني و القطاعات الاقتصادية و الجمعيات المهنية و الجماعات الدينية, وكل من بدا جاهزا للوقوف على الحياد ولو كان في السابق مع المستبد, وبالجملة الاستثمار في المستقبل بدلا من تسوية الخلافات بشأن الماضي


· وضع الدستور:

يمثل مهمة صعبة رغم انه خطوة مهمة.
دور الجيش
الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية
تفاصيل النظام الانتخابي
تقنين الجماعات السياسية المحظورة سابقا


وطرق عمل دستور:

1. انتخاب جمعية دستورية
2. او انشاء لجنة خاصة او تفويض المهمة للبرلمان ثم الاستفتاء العام

تطبيق النصوص اهم من وضعها و عدم الالتزام بها



· الاقتصاد السياسي في التحولات:

عملت الازمة الاسيوية 1997 على التعجيل بسقوط سوهارتو و التحول الاندونيسي الى اليموقراطية
والركود الاقتصادي و العجز المالي ساعدا في اقناع النخب حول أهمية التحول و ذلك في البرازيل و ج افريقيا و بولندا
القضايا الاقتصادية تصبح أولوية لدى تولي حكومة جديدة للحكم



· أهمية الأحزاب السياسية:

لعبت الأحزاب دوراً رئيسياً في التحولات, فقد أسست الشبكات الإقليمية والمناطقية والعلاقات الاجتماعية و منظمات المجتمع المدني
حرصت الأنظمة المستبدة على إضعاف الأحزاب او تدميرها ما عدا البرازيل و اندونيسيا
وكان الهدف هو شرعنة الحزب الواحد المهيمن مثل بولندا و المكسيك
على الزعماء الجدد دعم الأحزاب ضد الشظي و الضعف كي تصبح منافسة قوية للحزب الثوري المؤسس او القوي



· تحقيق السيطرة على الجيش و الشرطة و المخابرات:

وهو التحدي الرئيس في معظم الحالات.
الاعتراف بالأدوار المشروعة لها
الخضوع للسلطة المدنية
تحقيق مطالبها المناسبة على مستوى معين من الموارد
حاجتها للحماية من انتقام قوات المعارضة
إحالة كبار الضباط المسئولين الى التقاعد
وضع كبار القادة العسكريين تحت السلطة المباشرة لوزراء مدنيين لشئون الدفاع والإصرار على منع الضباط من التعليق على الحياة السياسية
تقدير و تعزيز الكفاءة المهنية واحترام الذات لافراد القوات المسلحة
احترام الاقران العسكريين
ضرورة فصل الشرطة و المخابرات عن القوات المسلحة
إعادة تعريف دور الشرطة


· تحقيق العدالة الانتقالية

حشد الدعم الخارجي
تغير سياق التحولات:
تحول الجغرافيا السياسية و الأعراف الدولية
تركات وموروثات التجارب الديمقراطية السابقة


· الفوارق الاجتماعية و الطبقة الديموغرافية

حيث تمت التحولات في الدول التي احتوت على طبقة متوسطة تميل الى كسب حقوق سياسية و حرية تعبير


· الجهود الدولية لتعزيز الديمقراطية

حيث يشكل الانضمام الى الاتحاد الأوروبي مثلا حافزا لدول مثل اسبانيا و بولندا
الاتحاد الافريقي و ميثاقه حول الديمقراطية و الانتخابات و الحكم


· الاختلافات الإقليمية والثقافية

ترتبط القوات المسلحة بالشرق الأوسط بالحكومات المدنية بدلا من الدينية ثم أصبحت تلاقي تحديا من العلمانيين و الدينيين معا
المؤسسات الدينية كانت غالبا قلاعا للمستبد الا انه كان لها دورا خلاقا في اسبانيا و البرازيل و شيلي و الفلبين و بولندا


· ثورة المعلومات و الاتصالات

اضعفت قدرات الحكومات على السيطرة على الاعلام و الراي العام


· صفات القيادة السياسية:

ليس هناك نموذج محدد

بعضهم كان قائدا لمعارضة
وبعضهم أصحاب مناصب في الحكومات الاستبدادية
بعضهم سياسيون ذوي خيارت عريقة
شخصيات عسكرية رفيعة
او ضابط وسيط
او محرر مجلة او عالم اجتماع اكاديمي او مهندس طيران
كان لهم معتقدات و ممارسات دينية مختلفة تتراوح بين الورع و عدم الايمان



· النظر للمستقبل:

القيادة لا يتم تعلمها في دورات دراسية وانما بالممارسة الفعلية وتطبيق المبادئ العامة على الظروف الفعلية
الناس غالبا ما يتعلمون المبادئ العامة من الحكايات و الروايات و الخبرات الخالدة في الذكريات.



تم بحمد الله



rvhxm td ;jhf " j[hvf hgjp,g hgn hg]dlrvh'dm" [1 lwv hghv[kjdk hgjp,g hg]dlrvh'd hg];jhj,vdhj hgsg'm hgsdhsm hgtjvm hghkjrhgdm jdagd sdhsm hgjp,g