شبهات القرآنيينإعداد
عثمان بن معلم محمود بن شيخ علي
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد ، فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، ثم إن الله رضي لنا الإسلام دينًا وأتم علينا النعمة بكتابه الداعي إلى اتباع رسوله محمد وطاعته وتعزيره وتوقيره ، وأخذ ما أتى به والانتهاء عما عنه نهى ، ولا يقبل الله دعوى من ادعى محبته سبحانه حتى يتبع نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم ، وجعل طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعته ، وضمن الهداية لمن أطاعه صلى الله عليه وسلم .
تصديق ذلك في الآيات الآتية :
قال تعالى : قُلْ يا أيها النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (الأعراف : 158 ) .
وقال سبحانه : قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (آل عمران : 32 ) .
وقال جلّ وعلا : يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (محمد : 33 ) .
وقال عز من قائل : إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ (الفتح : 8 و9) .
وقال سبحانه : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (الحشر : 7 ) .
وقال تعالى : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (آل عمران : 31 ) .
وقال سبحانه : وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا (النور : 54) .
وحثّ الرسول صلى الله عليه وسلم على الاعتصام بسنته بعد وفاته فقال : أبو داود السنة (4607) ، الدارمي المقدمة (95). إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضّوا عليها بالنواجذ وحذّر من الابتداع الذي من هجر سنته فقال بعد الكلمات السابقة : مسلم الجمعة (867) ، النسائي صلاة العيدين (1578) ، ابن ماجه المقدمة (45) ، أحمد (3/311) ، الدارمي المقدمة (206). وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة كما أخبر بالمترفين الذين يأتون بعده فيأبون من سنته فقال : الترمذي العلم (2663) ، أبو داود السنة (4605) ، ابن ماجه المقدمة (13) ، أحمد (6/8). لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه .
فقد أخبر الله نبيه بما سيقع في أمته ، فوقع كما أخبر دليلًا على نبوته ورسالته ، وقد طابق خبره المخبر ، وتتابعت الفرق الضالة على ردّ سنته وإلغاء حكمه من مقلّ ومستكثر من القرن الأول إلى اليوم .
ومن تلك الفرق المارقة الجماعة التي اتخذت " أهل القرآن " اسمًا لها ، وحلّت نفسها بحليته وهي عاطلة منه .
كان نشوؤها في الربع الأول من القرن الرابع عشر الهجري في شبه القارة الهندية على يد زمرة من أبناء تلك البقعة التي تفرّعت فيما بعد إلى ثلاث دول .
وكان هؤلاء المؤسسون ممن تأثروا بالفكر الغربي ورأوا في التمسك بالسنة عائقًا عن التقدم ومضعفًا للجامعة الإسلامية وتنفيذًا لمؤامرة أعجمية ، فجاءوا بما لم يأت به من سبقهم من أهل الضلال ، فأنكروا حجية السنة كليًّا وعدُّوا اتباعها شركًا ولم يفرّقوا بين متواترة مجمع عليها وغير ذلك بل سلكوا مسلكًا واحدًا وهو الردّ والدفع ، وقاموا بتأليف الجمعيات وإصدار الكتب والرسائل والمجلات في الصدّ عنها وإثارة الشبه في وجهها ، فأقام الله لدفعهم من شاء من أهل العلم فصنّفوا الكتب والرسائل وأصدروا الفتاوى في تكفيرهم والتحذير منهم ، وكان ممن انتبه لخطرهم مبكرًا العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - فأصدر منذ أربعين سنة تقريبًا فتوى في تكفير زعيمهم الأخير اللاهوري النشط غلام أحمد برويز هلك في 1985 م . ونُشرت الفتوى في الصحف السعودية في وقتها مما يدلّ على إسهام علماء هذا البلد في درء فتنة إنكار السنة وتحصين الأمة من سمومها وصيانة القرآن الكريم من عبث العابثين وتحريف المارقين الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا .
ولما كان خطرهم مستمرًّا ولم ينفكوا يدعون الناس إلى ضلالهم ولم يبرح بعض الناس ينخدع بهم أحببت أن أشارك في التحذير منهم لعلّ الله ينفع بما كتبت من شاء من عباده فيتقوا حيل منكري السنة فلا يقعوا في حبائلهم أو يغتروا بمعسول كلامهم .
ولا يفهمن أحد من تسمية هذه الفرقة بالقرآنيين أنه مدح لهم أو تعبير عن شدّة تمسكهم بالقرآن ، كلّا ، بل الواقع أن هذه التسمية آتية لهم من حيث إنهم تنكروا للقرآن ورفضوا ما ثبت فيه من اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته مما نشأ عنه ضلال كبير في تطبيق الأوامر القرآنية فخرجوا بذلك عن جماعة المسلمين ، فسمّوا قرآنيين من ذلك الجانب .
وهذا له نظير في تسمية فرقة القدرية إذ سُموا بذلك لا لأنهم أثبتوا القدر وسلّموا له ، ولكن من حيث إنهم أنكروه ونفوه ثمّ رأيت الدكتور محمد أمان سبقني إلى هذا المعنى في كتابه '' السنة ومنزلتها في التشريع الإسلامي '' . .
وليس فيما سوّدت هذه العصابة أثارة من علم ، أو بقية من بحث ، فإن العلم إما نقل مصدّق ، أو بحث محقق ، وما سوى ذلك فهذيان مزوّق .
وإنما سلكوا فيما سوّدوا من صحائف مسالك السفهاء المارقين والزنادقة الملحدين ، ولم تكن ضلالاتهم عن شبهات مؤثرة أو إيرادات محيّرة ، وإنما كانت عماياتهم من جرّاء وساوس شيطانية وأهواء نفسية أو عمالات استعمارية .
فاستعنت الله على ردّ باطلهم ، وأدرت البحث على مقدمة وفصلين ، أما المقدمة فهذه قد أوشكت على الانتهاء .
وأما الفصل الأول ففي ثلاثة مباحث
المبحث الأول في ضرورة اعتماد السنة لسلامة فهم القرآن .
المبحث الثاني في إبراز شيء من دفاع أهل العلم عن السنة .
المبحث الثالث في حكم منكر السنة .
الفصل الثاني في شبه فرقة القرآنيين منكري السنة في شبه القارة الهندية والرد عليها ، وهي ثماني شبه .
وكلّ ما نقلته من شبهات القرآنيين فعن " القرآنيون وشبهاتهم حول السنة " أخذته ، وما سوى ذلك فقد حرصت على أن أرجع إلى المصادر الأصيلة .
فما كان في بحثي من صواب فمن الله وحده هو المانّ به ، وما كان فيه من خطأ فمنّي ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه .
...........................................
الفصل الأول
الفصل الأول
المبحث الأول : ضرورة اعتماد السنة لسلامة فهم القرآن
أنزل الله القرآن تبيانًا (( لكل شيء من أمور الدين إما بالنص عليه أو بالإحالة على ما يوجب العلم ؛ مثل بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إجماع المسلمين )) .
هكذا فسّر ابن الجوزي في زاد المسير ( 4 / 482 ) . قوله تعالى : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ (النحل : 89) . ونسبه إلى العلماء بالمعاني .
وقال تعالى : مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ يَعني بالكتاب اللوح المحفوظ في قول ابن عباس الثابت عنه ، قال : (( ما تركنا شيئًا إلا وقد كتبناه في أمّ الكتاب )) . وتبعه قتادة وابن زيد .
وفُسِّر الكتاب بالقرآن في القول الثاني لابن عباس ، قال : (( ما تركنا من شيء إلا وقد بيناه لكم )) .
قال ابن الجوزي : (( فعلى هذا يكون من العام الذي أريد به الخاص فيكون المعنى : ما فرطنا في شيء بكم إليه حاجة إلا وبينّاه في الكتاب إما نصًّا وإما مجملًا وإما دلالة )) المصدر السابق . .
وقال القرطبي : (( ما تركنا شيئًا من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن ، إما دلالة مبينة مشروحة ، وإما مجملة يُتلقى بيانها من الرسول عليه الصلاة والسلام ، أو من الإجماع ، أو من القياس الذي كذا ولعلها (( على الذي )) . ثبت بنص الكتاب ، قال الله تعالى : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وقال : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وقال : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فأجمل في هذه الآية وآية النحل ما لم ينص عليه مما لم يذكره ، فصدق خبر الله بأنه ما فرّط في الكتاب من شيء إلا ذكره ، إما تفصيلًا وإما تأصيلًا ؛ وقال : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الجامع لأحكام القرآن ( 6 / 420 ) . .
وعلى كثرة نظري في كتب التفسير لاستجلاء معنى الآيتين لم أر من فهم منهما أن القرآن لا يحتاج إلى بيان النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن خالف ما أجمع عليه المفسرون ظهر زيغه وانحرافه .
وقد كان الصحابة أرباب الفصاحة والزكانة وكانوا مستغنين عن علوم الوسائل التي افتقر إليها المتأخرون ، بيد أنهم احتاجوا إلى تفسير النبي صلى الله عليه وسلم ، فبين (( أن الظلم المذكور في قوله : وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ هو الشرك ، وأن الحساب اليسير هو العرض ، وأن الخيط الأبيض والأسود هما بياض النهار وسواد الليل ، وأن الذي رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى هو جبريل ، كما فسر قوله : أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ أنه طلوع الشمس من مغربها ، وكما فسر قوله : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ بأنها النخلة ، وكما فسر قوله : يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ أن ذلك في القبر حين يُسأل من ربك وما دينك ، وكما فسر الرعد بأنه ملك من الملائكة موكل بالسحاب ، وكما فسر اتخاذ أهل الكتاب أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله بأن ذلك باستحلال ما أحلوه لهم من الحرام وتحريم ما حرموه من الحلال ، وكما فسر القوة التي أمر الله أن نُعدّها لأعدائه بالرمي ، وكما فسر قوله : مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ بأنه ما يجزى به العبد في الدنيا من النصب والهم والخوف واللأواء ، وكما فسر الزيادة في قوله تعالى : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ (يونس : 26) بأنها النظر إلى وجه الله الكريم )) إعلام الموقعين ( 2 / 315 ) . .
وهي كما ترى معانٍ لا يُتوصل إليها بمجرد إتقان لسان العرب ، فلو لم يأت بها بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لكنا في عماية من أمرها .
فالسنة تبين مجمل القرآن ، قال تعالى : وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وقال سبحانه : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ وقال جل من قائل : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فبين النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وقوله أن الصلوات المفروضات خمس في اليوم والليلة وبين أعداد ركعاتها وشروطها وأركانها ثم قال : (( صلوا كما رأيتموني أصلّي )) ، وبين أن الحائض لا صلاة عليها لا أداء ولا قضاء .
وكذلك الزكاة بيّن حقيقتها وعلى من تجب ؟ وبيّن أنصبتها ، وأنها تؤخذ من العين من الذهب والفضة والمواشي من الإبل والغنم والبقر السائمة مرة كل عام ، وأوجبها في بعض ما أخرجت الأرض دون بعض السنة للمروزي 36 . .
(( وبيّن أن الصيام هو الإمساك بالعزم على الإمساك عما أمر بالإمساك عنه من طلوع الفجر إلى دخول الليل )) المصدر السابق 37 . .
وفرض على البالغين من الأحرار والعبيد ذكورهم وإناثهم إلا الحيّض فإنهن يقضين عدة من أيام أخر .
وبيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة وبيّن ما يلبس المحرم مما لا يلبسه وحدّد مواقيت الحج والعمرة وبيّن عدد الطواف وكيفيته ، كلّ ذلك ليس بيانه في القرآن .
وأوجب الله سبحانه قطع يد السارق فقال : وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا فبينت السنة أنها لا تقطع إلا في ربع دينار فصاعدا وأنها تقطع من مفصل الكوع .
فلو تُرِكْنا وعقولَنا لم نعرف هذه الأحكام ، فتبيّن أنه لا يُستغنى عن السنة في فهم القرآن ، وقد عرف الصحابة ذلك فكانوا يعرفون للسنة قدرها ، فهذا جابر بن عبد الله يقول أثناء سرده صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم (( ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ، وعليه ينزل القرآن ، وهو يعرف تأويله ، وما عمل به من شيء عملنا به )) صحيح مسلم ( 1218 ) . .
وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : البخاري الجمعة (857) ، مسلم الصلاة (442) ، الترمذي الجمعة (570) ، النسائي المساجد (706) ، أبو داود الصلاة (568) ، ابن ماجه المقدمة (16) ، أحمد (2/98) ، الدارمي المقدمة (442). ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد فقال ابن له ، يقال له واقد : إذن يتخذنه دَغَلاً .
قال : فضرب في صدره وقال : أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقول : لا ! صحيح مسلم ( 442 / 139 ) . والدَّغَل: دَخْلٌ في الأمر مُفْسِد . اه القاموس . .
وروي عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه ذكر الشفاعة ، فقال رجل من القوم : يا أبا نجيد ، إنكم تحدثونا بأحاديث لم نجد لها أصلاً في القرآن ، فغضب عمران وقال للرجل : قرأت القرآن ؟ قال : نعم . قال : فهل وجدت فيه صلاة العشاء أربعاً ووجدت المغرب ثلاثاً ، والغداة ركعتين ، والظهر أربعاً والعصر أربعاً ؟ قال : لا . قال : فعمن أخذتم ذلك ؟ ألستم عنّا أخذتمونا وأخذناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أوجدتم فيه : في كل أربعين شاة شاة ، وفي كل كذا بعيراً كذا ، وفي كل كذا درهماً كذا ؟ قال : لا . قال : فعمن أخذتم ذلك ؟ ألستم عنا أخذتموه وأخذناه عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ . وقال : في القرآن وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (الحج : 29) . أوجدتم في القرآن : الترمذي النكاح (1123) ، النسائي النكاح (3335) ، أبو داود الجهاد (2581) ، أحمد (4/443). لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام ؟ أما سمعتم الله قال في كتابه : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ؟! قال عمران : فقد أخذنا عن رسول الله أشياء ليس لكم بها علم .
وعن أيوب السختياني أن رجلاً قال لمطرف بن عبد الله بن الشخير : لا تحدثونا إلا بالقرآن . فقال له مطرف : (( والله ما نريد بالقرآن بدلاً ؛ ولكنا نريد من هو أعلم بالقرآن منا )) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم ( 2 / 1193 ) وصحّح المحقق إسناده . .
فبهؤلاء السلف فلنقتد ، ولتعظُم السنن في قلوبنا ، ولنُربّ الأجيال على احترامها وتطبيقها ، وما لم يكن يومئذ ديناً فلن يكون اليوم ديناً ، فيا تُرى من أين يأخذ القرآنيون دينهم ؟ ومَنْ إمامهم في بدعتهم ؟ ليتوبوا إلى الله قبل فوات الأوان ، وليراجعوا دينهم قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال .
المجلد الثاني
المبحث الثاني : خلاصة جهود من سبقنا في الدفاع عن السنة
ألّف الشافعي كتاب " الرسالة " وهو صاحب السبق في هذا الباب وصاحب الإجادة والإتقان فيه وتبعه الإمام أحمد فصنّف "طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم" ذكره ابن قيم الجوزية في اعلام الموقعين ( 2 / 290 ) . ردَّ فيه على من احتج بظاهر القرآن في معارضة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك الاحتجاج بها .
ثم قفاهما أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة فألف كتابه " تأويل مختلف الحديث " ردَّ فيه على أعداء السنة وبخاصة المعتزلة .
ثم تلاهم محمد بن نصر المروزي فصنّف كتابه " السنة " وأجاد فيه وأفاد ووصل إلينا ناقص الأول .
وألّف ابن عبد البر " جامع بيان العلم وفضله " وضمنه أبواباً كثيرة في الحث على لزوم السنة والدفاع عنها .
ثم جاء بعدهم أبو المظفر السمعاني فألف كتابه المستطاب " الانتصار لأهل الحديث "
ثم جاء شيخ الإسلام ابن تيمية فصنّف منهاج السنة وأبدع فيه ، وأتى بعده تلميذه ابن قيم الجوزية فحرّر كتابه " الصواعق المرسلة " وبحث فيه مسألة خبر الواحد بما لا مزيد عليه ، كما صنَّف " إعلام الموقعين " وخصص مئات الصفحات للذبّ عن السنن .
وألف محمد بن إبراهيم الوزير اليمني " العواصم والقواصم " حققه شعيب الأرناؤوط وصدر عن دار البشير . واختصره في "الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم " له عدة طبعات . .
وألّف السيوطي " مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة " له عدة طبعات منها بتحقيق مصطفى عاشور . .
وألّف مصطفى السباعي " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " طبع المكتب الإسلامي . .
ألّف عبد الحليم محمود ( . . . - 1398 هـ ) شيخ الأزهر الأسبق " السنة ومكانتها في التشريع " تكملة معجم المؤلفين 273 . .
وكتب عبد العزيز بن راشد آل حسين ( . . . - 1403 هـ ) " رد شبهات الإلحاد عن أحاديث الآحاد " المصدر السابق 303 . .
وألف الدكتور محمد أمان الجامي " السنة ومنزلتها في التشريع الإسلامي " طبع المكتب الإسلامي . .
وأعدّ صالح أحمد رضا رسالة بعنوان " ظاهرة رفض السنة وعدم الاحتجاج بها " .
وكتب محمد عبد الرزاق حمزة " ظلمات أبي رية " وأبو ريّة أنكر السنة إنكاراً كلياً .
وردّ عليه أيضاً عبد الرحمن بن يحيى المعلّمي في كتابه " الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء السنة من التضليل والمجازفة " صدر عن عالم الكتب . وكتب عبد الغني عبد الخالق " حجية السنة " صدر عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي ط1 1407هـ . وأقوى المعاصرين .
وألّف محمد محمد أبو شهبة " دفاع عن السنة وردّ شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين " إصدار مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر . .
وكتب تقي الدين الندوي " السنة مع المستشرقين والمستعربين " توزيع المكتبة الإمدادية . .
وأعدّ الدكتور أحمد محمود عبد الوهاب الشنقيطي رسالة بعنوان " خبر الواحد وحجيته " طبعته الجامعة الإسلامية بالمدينة . طبع في الجامعة الإسلامية .
وهناك رسالة في جامعة أم القرى بعنوان " حجية السنة في التشريع الإسلامي" ، ورسالة أخرى في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعنوان "حجية السنة والرد على شبه المنكرين " .
ونشرت رابطة العالم الإسلامي كتاباً بعنوان " موقف الجمهوريين من السنة "
كما نشرت " السنة في مواجهة الأباطيل " لمؤلفه محمد طاهر حكيم ضمن سلسلة دعوة الحق . .
كما كتب محمد ناصر الدين الألباني ثلاث رسائل إحداها " الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام " الدار السلفية - الكويت . والثانية " منزلة السنة في الإسلام ، وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن " ، والثالثة "وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والأحكام" الأصالة - العدد الثالث والعشرون - 15 شعبان 1420 هـ . .
وكتب عبد المتعال محمد الجبري "حجية السنة ومصطلحات المحدثين وأعلامهم" . مكتبة وهبة - القاهرة 1407 هـ . .
وألّف محمد الصادق بن محمود بسيّس التونسي تكملة معجم المؤلفين 496 . " دفاعاً عن السنة النبوية " .
وكتب صلاح الدين مقبول " زوابع في وجه السنة قديماً وحديثاً " صدر عن دار عالم الكتب بالرياض دون تاريخ . .
وألّف محمد لقمان السلفي " مكانة السنة في التشريع الإسلامي " عن دار الداعي بالرياض ط 2 ، 1420 هـ . .
وصنّف أبو عبد الرحمن القاضي بَرهُون " خبر الواحد في التشريع الإسلامي" عن أضواء السلف بالرياض ط 2 ، 1419 هـ . .
وأعدّ الأمين الصادق الأمين رسالة ماجستير بعنوان " موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية " مكتبة الرشد بالرياض ط 1 ، 1418 هـ . .
وألّف عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين " أخبار الآحاد في الحديث النبوي حجيتها ، مفادها ، العمل بموجبها " دار عالم الفوائد بمكة المكرمة ط 2 ، 1416 هـ . وهي رسالته الماجستير .
وكتب عبد العزيز بن فيصل الراجحي " قدوم كتائب الجهاد لغزو أهل الزندقة والإلحاد القائلين بعدم الأخذ بحديث الآحاد في مسائل الاعتقاد " دار الصميعي ط 1 ، 1419 هـ . .
وألّف خادم حسين إلهي بخش كتابه المستطاب " القرآنيون وشبهاتهم حول السنة " عن مكتبة الصدّيق بالطائف ط 1 ، 1409 هـ . وهو رسالته الماجستير .
المبحث الثالث : حكم منكر حجية السنة
لقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن فيمن يقرأ القرآن منافقين فقال : البخاري الأطعمة (5111) ، مسلم صلاة المسافرين وقصرها (797) ، الترمذي الأمثال (2865) ، النسائي الإيمان وشرائعه (5038) ، أبو داود الأدب (4829) ، ابن ماجه المقدمة (214) ، أحمد (4/408) ، الدارمي فضائل القرآن (3363). ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة : ريحها طيب وطعمها مر . . . )) أخرجه البخاري ( 5059 ) ومسلم ( 797 ) من حديث أبي موسى الأشعري . .
وأوضح الله سبحانه أنه جعل أعداء للأنبياء يناوئونهم ويصدون الناس عنهم بكلام يزخرفونه فقال تعالى : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا (الأنعام 112) ، فليعلم المسلمون أن كلّ كلام يخالف الشرع يزخرفه صاحبه لتمويهه والتلبيس به على الناس حتى يغتروا به ويتلقفوه . وكل عمل يخالف الشرع كذلك يزينونه حتى يروج بين الناس . فهؤلاء الأعداء الذين يتظاهرون بالإسلام ويكيدون له ليل نهار لم يَخْفَ أمرُهم على علماء الإسلام فنبّهوا الناس على سوء مذهبهم ورموهم بالكفر والإلحاد إما وصفاً أو أعياناً ، فإليك بعض ما قاله أهل العلم في منكري السنة :
قال محمد بن نصر المروزي عن المسح على الخفين : (( من أنكر ذلك لزمه إنكار جميع ما ذكرنا من السنن وغير ذلك مما لم نذكر ، وذلك خروج عن جماعة أهل الإسلام )) السنة 104 . .
قال الآجري : (( جميع فرائض الله التي فرضها في كتابه لا يعلم الحكم فيها إلا بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هذا قول علماء المسلمين ، من قال غير هذا خرج عن ملة الإسلام ودخل في ملة الملحدين )) الشريعة للآجري ( 1 / 412 ) . .
وقال ابن حزم : (( لو أن امرأً قال : لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة ، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل ، وأخرى عند الفجر ؛ لأن ذلك هو أقلّ ما يقع عليه اسم صلاة ولا حد للأكثر في ذلك ، وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال ، وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة ممن قد اجتمعت الأمة على كفرهم )) الإحكام في أصول الأحكام 2 / 80 . .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( محمد صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الثقلين إنسهم وجنهم ، فمن اعتقد أنه يسوغ لأحد الخروج عن شريعته وطاعته فهو كافر يجب قتله )) الوصية الكبرى ضمن مجموعة الرسائل الكبرى ( 1 / 315 ) . .
وعلّق ابن دقيق العيد على طعون بعض الزائغين على حديث الذباب بقوله : ((إن هذا وأمثاله مما تُرد به الأحاديث الصحيحة إن أراد به قائلها إبطالها بعد اعتقاد كون الرسول صلى الله عليه وسلم قالها كان كافراً مجاهراً ، وإن أراد إبطال نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بسبب يرجع إلى متنه فلا يكفر ، غير أنه مبطل لصحة الحديث)) شرح الإلمام 2 / 177 - 178 . .
قال السيوطي : (( إن من أنكر كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول - حجة كفر ، وخرج عن دائرة الإسلام وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة )) مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة 14 . .
وقال المعلمي : (( منكر وجوب العمل بالأحاديث مطلقاً تقام عليه الحجة ، فإن أصرّ بان كفره . ومنكر وجوب العمل ببعض الأحاديث إن كان له عذر من الأعذار المعروفة بين أهل العلم وما في معناها فمعذور ، وإلا فهو عاص لله ورسوله ، والعاصي آثم فاسق . وقد يتفق ما يجعله في معنى منكر وجوب العمل بالأحاديث مطلقاً )) الأنوار الكاشفة لما في كتاب ''أضواء على السنة'' من الزلل والتضليل والمجازفة 81-82 . .
قال العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله :
(( إن ما تفوّه به رشاد خليفة من إنكار السنة والقول بعدم الحاجة إليها كفر وردة عن الإسلام ؛ لأن من أنكر السنة فقد أنكر الكتاب ، ومن أنكرهما أو أحدهما فهو كافر بالإجماع ، ولا يجوز التعامل معه وأمثاله ، بل يجب هجره والتحذير من فتنته وبيان كفره وضلاله في كل مناسبة حتى يتوب إلى الله من ذلك توبة معلنة في الصحف السيارة ، لقول الله عز وجل : إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة : 159 ، 160) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 2 / 403 . .
وقال أيضاً : ((من المعلوم عند جميع أهل العلم أن السنة هي الأصل الثاني من أصول الإسلام وأن مكانتها في الإسلام الصدارة بعد كتاب الله عز وجل ، فهي الأصل المعتمد بعد كتاب الله عز وجل بإجماع أهل العلم قاطبة ، وهي حجة قائمة مستقلة على جميع الأمة ، من جحدها أو أنكرها أو زعم أنه يجوز الإعراض عنها والاكتفاء بالقرآن فقد ضلّ ضلالاً بعيداً ، وكفر كفراً أكبر وارتدّ عن الإسلام بهذا المقال ، فإنه بهذا المقال وبهذا الاعتقاد يكون قد كذّب الله ورسوله ، وأنكر ما أمر الله به ورسوله ، وجحد أصلاً عظيماً فرض الله الرجوع إليه والاعتماد عليه والأخذ به ، وأنكر إجماع أهل العلم عليه وكذب به ، وجحده . . . . .
. . . . . . ونبغت نابغة بعد ذلك ، ولا يزال هذا القول يذكر فيما بين وقت وآخر ، وتسمى هذه النابغة الأخيرة " القرآنية " ويزعمون أنهم أهل القرآن ، وأنهم يحتجون بالقرآن فقط ، وأن السنة لا يحتج بها ؛ لأنها إنما كتبت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة ، ولأن الإنسان قد ينسى وقد يغلط ، ولأن الكتب قد يقع فيها غلط ؛ إلى غير هذا من الترهات ، والخرافات ، والآراء الفاسدة ، وزعموا أنهم بذلك يحتاطون لدينهم فلا يأخذون إلا بالقرآن فقط . وقد ضلوا عن سواء السبيل ، وكذبوا وكفروا بذلك كفراً أكبر بواحاً ؛ فإن الله عز وجل أمر بطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام واتباع ما جاء به وسمى كلامه وحياً في قوله تعالى : وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (النجم : 1-4) ، ولو كان رسوله لا يتبع ولا يطاع لم يكن لأوامره ونواهيه قيمة .
وقد أمر صلى الله عليه وسلم أن تبلغ سنته ، فكان إذا خطب أمر أن تبلّغ السنة ، فدل ذلك على أن سنته صلى الله عليه وسلم واجبة الاتباع وعلى أن طاعته واجبة على جميع الأمة . . . ومن تدبر القرآن العظيم وجد ذلك واضحاً )) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ( 9 / 176 - 178 ) . .
وكفّر سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز زعيم القرآنيين غلام أحمد برويز ، وذلك في تعقيب له على مجلة الحج " التضامن الإسلامي " التي نشرت استفتاء من الشيخ محمد يوسف البنوري عن حكم الشريعة في غلام أحمد برويز وقدّم عشرين نموذجاً مما تكلّم به برويز أو سطّرت يده ، فقال ابن باز رحمة الله عليه : (( كلّ من تأمل هذه النماذج المشار إليها من ذوي العلم والبصيرة يعلم علماً قطعياً لا يحتمل الشك بوجه مّا أن معتنقها ومعتقدها والداعي إليها كافر كفراً أكبر مرتد عن الإسلام ، يجب أن يستتاب ، فإن تاب توبة ظاهرة وكذّب نفسه تكذيباً ظاهراً يُنشر في الصحف المحلية ، كما نشر فيها الباطل من تلك العقائد الزائفة وإلا وجب على وليّ الأمر للمسلمين قتله ، وهذا شيء معلوم من دين الإسلام بالضرورة ، والأدلة عليه من الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم كثيرة جداً لا يمكن استقصاؤها في هذا الجواب ، وكل أنموذج من تلك النماذج التي قدمها المستفتي من عقائد غلام أحمد برويز يوجب كفره وردته عن الإسلام عند علماء الشريعة الإسلامية )) .
ومن النماذج التي نقلت عنه نموذج مضمونه أن الأحكام المالية في القرآن من الصدقات والتوريث وغيرها مؤقتة وإنما يتدرج بها إلى " نظام الربوبية " وقد انتهت أحكامها .
وهناك نموذج آخر مضمونه أن الرسول والصحابة استنبطوا من القرآن أحكاماً كانت خاصة بهم ، ولكل من جاء بعدهم من أعضاء شورى حكومة مركزية أن يستنبطوا أحكاماً أخرى وليسوا ملزمين بتلك الشريعة السابقة .
ونموذج آخر مضمونه أن المراد من طاعة الله وطاعة الرسول إطاعة مركز نظام الدين الذي ينفذ أحكام القرآن فقط .
ونموذج آخر نصه (( ليس المراد بالجنة والنار أمكنة خاصة ، بل هي كيفيات للإنسان)) .
شبهة لو كانت السنة جزاء من
الرد :
نقول : ما هذا المنهج في القرآن ؟ وإذا لم يكن منصوصا في القرآن - وليس منصوصا قطعا - فمن أين علمتم بوجود هذا المنهج ، وقد رفضتم السنة وجعلتموها مختلقة مفتراة ؟ فكيف تستدلون بسنة مختلقة مفتراة بزعمكم على أهمّ المطالب عندكم وهي ادعاء أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع للقرآن منهجا في كتابته وحفظه ومذاكرته ، ولم يعمل للسنة مثله .
فهذا تناقض أصلع وتضارب أعمى كتب الله على معاندي الحق ومشاغبي الحجج ومناوئي الدين أن يتورطوا في أوحاله .
أما السنة فقد رغب الرسول صلى الله عليه وسلم الأمة في حفظها فقال : البخاري الحج (1654) ، مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1679) ، ابن ماجه المقدمة (233) ، أحمد (5/49) ، الدارمي المناسك (1916). نضر الله امرأ سمع منّا شيئاً فبلّغه كما سمع فرب مبلغ أوعى من سامع أخرجه الترمذي (2647) واللفظ له ، وابن ماجه ( 232 ) من حديث ابن مسعود ، وهو حديث متواتر . فهذا الحديث فيه أعظم حث على حفظ السنن ، والمذاكرة من وسائل الحفظ وطرقه فليست مخالفة للحفظ ، والوسيلة لها حكم المقصد .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : البخاري العلم (67) ، مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1679) ، ابن ماجه المقدمة (233) ، أحمد (5/37) ، الدارمي المناسك (1916). ليبلغ الشاهد الغائب أخرجه البخاري ( 67 ) ومسلم ( 1679 ) . ففيه حض على الحفظ أيضا إذ لا يمكن تبليغ ما لم يحفظ ، إما اللفظ وإما المعنى .
فهذا كاف في حفظ السنة ، مع علم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها من الذكر الذي تكفل الله بحفظه ، وعلمه بحرص الصحابة على الحديث وأن بعضهم أحرص عليه من بعض . سأل أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسعد النّاس بشفاعتك يوم القيامة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : لقد ظننت يا أبا هريرة ألاّ يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك لما رأيت من حرصك على الحديث البخاري العلم (99) ، أحمد (2/373). أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله صدقاً من قلبه صحيح البخاري ( 99 ) كتاب العلم ، باب الحرص على الحديث . .
والحديث الذي استدلوا به رواه مسلم من طريق همام عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد مرفوعاً بلفظ : مسلم الزهد والرقائق (3004) ، الدارمي المقدمة (450). لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه صحيح مسلم ( 3004 ) كتاب الزهد والرقائق ، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم . .
وهو الحديث الوحيد الصحيح فيما أعلم الناهي عن كتابة الأحاديث النبوية ، ووردت أحاديث عديدة صحيحة في الأمر بكتابة الأحاديث النبوية والرخصة فيها .
وقد سلك أهل العلم في دفع ظاهر التعارض بين هذا الحديث والأحاديث الأخرى مسالك متعددة :
المسلك الأول : مسلك الترجيح لأحاديث الإذن على حديث النهي .
وقد وهَّم الإمام البخاري فتح الباري 1 / 208 . والإمام أبو داود تحفة الأشراف 3 / 408 . همَّاماً في رفع هذا الحديث وصوَّبا وقفه على أبي سعيد الخدري ، ولا تعارض بين حديث موقوف وأحاديث مرفوعة .
المسلك الثاني : مسلك النسخ ، وهو القول بأن أحاديث الإذن متأخرة عن حديث النهي ناسخة له ، وقد ذهب إلى ذلك ابن شاهين ناسخ الحديث ومنسوخه 472 . وآخرون .
المسلك الثالث : مسلك الجمع بينهما وفيه طرائق :
قال البيهقي : لعله إن شاء الله أذن في الكتابة عنه لمن خشي عليه النسيان ، ونهى عن الكتابة عنه لمن وثق بحفظه ، أو نهى عن الكتابة عنه من خاف عليهم الاختلاط وأذن في الكتابة عنه حين أمن منه المدخل إلى السنن الكبرى 2 / 223 . .
وذكر الزركشي وجوها أخرى في الجمع بينهما فقال : (( أحدها : أن النهي عن الكتابة مخصوص بحياة سيد البشر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن النسخ يطرأ في كل وقت فيختلط الناسخ بالمنسوخ ، ويشهد له حديث أبي شاه لما أذن له في كتابة الخطبة التي خطب بها النبي صلى الله عليه وسلم . . الثاني : أن النهي لئلا يتكل الكاتب على ما يكتب ولا يحفظ فيقل الحفظ . . الثالث : ألا يتخذ مع القرآن كتابا يضاهى به )) النكت على ابن الصلاح 3 / 559 -560 للزركشي بشيء من التصرف . .
وهذا الخلاف كان في العصر الأول ، ثم أجمعت الأمة على تسويغ كتابة الحديث والعلم ، واستقر الأمر على ذلك شرح النووي على صحيح مسلم 18 / 130 . .
وليس في مسلك من هذه المسالك التي سلكها أهل العلم ما يشهد لما ضلت به هذه العصابة وفرقت به الأمة وشذت به عن السواد الأعظم ، وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ (هود : 60) .
.
شبهة مالداعي الى الوحي ........
الرد :
هذا كفر بالقرآن الذي يزعمون الانتساب إليه لأن الله يقول : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ فموضع الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن موضع البيان له ، فمن كذب ذلك فقد كذب نص القرآن . ومفهوم كتاب الله عند أهل العلم والإيمان يختلف عن مفهوم الكتاب عند هذه الفرقة المشبوهة .
حيث يطلق عند أهل العلم والإيمان على معنيين :
روى الشيخان من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد قالا : البخاري الحدود (6440) ، مسلم الحدود (1698) ، الترمذي الحدود (1433) ، النسائي آداب القضاة (5411) ، أبو داود الحدود (4445) ، ابن ماجه الحدود (2549) ، أحمد (4/115) ، مالك الحدود (1556) ، الدارمي الحدود (2317). كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام رجل فقال : أنشدك الله إلا ما قضيت بيننا بكتاب الله فقام خصمه وكان أفقه منه فقال : اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي : قال : قل ، قال : إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته فافتديت منه بمائة شاة وخادم ، ثم سألت رجالاً من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام ، وعلى امرأته الرجم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب الله جل ذكره ، المائة شاة والخادم ردٌّ ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها (1) صحيح البخاري ( 6820 ) وصحيح مسلم ( 1697 / 1698 ) . .
وفي هذا الحديث طلب الخصمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهما بكتاب الله وأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك وحلف ليفعلنّ ، والحكم الذي حكم به بينهما هو رد مائة الشاة والخادم وجلد مائة وتغريب عام على الزاني ورجم الزانية ، وليس الرجم ولا التغريب ولا ردّ مائة الشاة والخادم منصوصا عليها في القرآن المنزل ، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلق على هذا الحكم أنه كتاب الله أي حكم كتاب الله .
قال أهل العلم والإيمان : كتاب الله ينطلق على معنيين :
المعنى الأول : ما حكم الله به وكتب به على عباده سواء أكان منصوصا في القرآن أم في السنة ، وإطلاق كتاب الله على القرآن والسنة إطلاق اشتراك فما ثبت بالسنـة يطلق عليه أنه كتـاب الله ، ومن حكـم بالسنة
لم يخرج عن كتاب الله حكماً ومفهوما على هذا المعنى .
قال الواحدي : (( وليس للجلد والتغريب ذكر في نص الكتاب ، وهذا يدل على أن ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم فهو عن كتاب الله )) ، قال الرازي : وهذا حق لأنه تعالى قال : لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ فكل ما بينه الرسول عليه الصلاة والسلام كان داخلاً تحت هذه الآية مفاتيح الغيب 6 / 12 / 227 . .
والمعنى الثاني عندهم : أن كتاب الله هو القرآن وحده ولكن يطلق على مدلول السنة بأنه في كتاب الله بواسطة أمر الله لنا بطاعة رسوله واتباع أمره ، و " مَنْ قَبِلَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله قَبِلَ ، لِما افترض الله من طاعته ، فيجمع القبولُ لما في كتاب الله وسنة رسول الله القبول لكل واحد منهما عن الله " (1) الرسالة للشافعي 33 . .
ومن حكم بالسنة لم يخرج عن كتاب الله حكما ومفهوما على هذا المعنى أيضاً .
روى الشيخان واللفظ لمسلم عن عبد الله بن مسعود قال : البخاري تفسير القرآن (4604) ، مسلم اللباس والزينة (2125) ، الترمذي الأدب (2782) ، النسائي الزينة (5254) ، أبو داود الترجل (4169) ، ابن ماجه النكاح (1989) ، أحمد (1/416) ، الدارمي الاستئذان (2647). لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت : ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ؟ فقال عبد الله : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله ؟ وهو في كتاب الله ، فقالت : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته ، فقال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، قال الله عز وجل : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا صحيح البخاري ( 4886 ) ، ومسلم ( 2125 ) . .
فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول عن حكمٍ ثبت بالسنة ولم يُنَصَّ عليه في القرآن أنه في كتاب الله .
وسئل عكرمة عن أمهات الأولاد ؟ فقال : إنهن حرائر ، قيل له بأي شيء تقوله ؟ قال : بالقرآن ، قال : بماذا من القرآن ؟ قال : قول الله وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وكان عمر من أولي الأمر ، قال : عتقت وإن كان سِقْطاً .
بل ذهب الإمام المطلبي ناصر السنة إلى أبعد من ذلك إذ جعل ما ثبت عن عمر رضي الله عنه ثابتا في كتاب الله بنوع استنباط واستدلال بمراتب .
روى البيهقي بسنده عن عبد الله بن محمد بن هارون قال : سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول بمكة : سلوني عما شئتم أخبركم من كتاب الله فقال له رجل : أصلحك الله ما تقول في المحرم قتل زنبوراً ؟ قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال الله تعالى : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر )) ، وحدثنا سفيان عن مسعر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر أنه أمر بقتل زنبور مناقب الشافعي للبيهقي 1 / 362 . .
قال الواحدي : ((فأجابه من كتاب الله مستنبطا بثلاث درجات)) مفاتيح الغيب 6 / 12 / 227 . .
شبهة ان السنة ليست وح......
الرد :
كذب عدو الله جكرالوي في المقام الأول ، وهو زعمه عدم صدور هذه الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ومعنى قوله هذا : أنه لم يصدر منه صلى الله عليه وسلم غير هذا القرآن المتعبد بتلاوته .
وهذا أمر مناقض لِبَدَاْئِهِ العقول ؛ إذ كيف يُتصور أن يكون رسولاً إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً يأمرهم بما يرضي الله ويوصل إلى جناته وينهاهم عما نهى الله عنه ويوصل إلى نيرانه ، ويصبغ حياتهم كلها بصبغة هذا الدين الذي أُمر بتبليغه إليهم ثم لا يصدر منه غير تلاوة القرآن عليهم .
فدعوى جكرالوي مناقضة للعقل الصريح ومنافية للقرآن الذي يتشدقون باتباعه .
قال الله تعالى : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (الجمعة : 2) ، وقال عز وجل : كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (البقرة : 151) . وقال سبحانه : وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (النساء : 113) . وقال تعالى : وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ (البقرة : 231) . ففي هذه الآيات إخبار من الله سبحانه وتعالى أنه أنزل على رسوله وحيين : الكتاب والحكمة ، وقد فسر أهل العلم والإيمان الحكمة بأنها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثبت ذلك عن قتادة ، وروي نحوه عن أبي مالك ، ومقاتل بن حيان ، ويحيى بن أبي كثير تفسير الطبري رقم 2078 ، وتفسير ابن أبي حاتم 1807-1810 . .
قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي : (( فذكر الله الكتاب وهو القرآن ، وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا يشبه ما قال ، والله أعلم ؛ لأن القرآن ذُكِرَ وأُتْبِعَتْهُ الحكمةُ ، فَذَكَرَ الله مَنَّه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة ، فلم يَجُزْ - والله أعلم - أن يقال هاهنا إلا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله )) الرسالة 78 . .
وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : (( قد تأولت جماعة من أهل التأويل من الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين ( الحكمة ) في قول الله تعالى ذكره : يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (البقرة : 269) . أنها القرآن ، وتأولت ( الحكمة ) في قوله تعالى : وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ( آل عمران : 164) . أنها السنن التي سنها رسول الله بوحي من الله جل ثناؤه إليه ، وكلا التأويلين في موضعه صحيح ؛ وذلك أن القرآن حكمة ، أحكم الله عز ذكره فيه لعباده حلاله وحرامه ، وبين لهم فيه أمره ونهيه ، وفصَّل لهم فيه شرائعه ، فهو كما وصف به ربنا تبارك وتعالى بقوله : وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ (القمر : 4-5) ، وكذلك سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي سنها لأمته عن وحي الله جل ثناؤه إليه حكمة حكم بها فيهم ، ففصل بها بين الحق والباطل ، وبين لهم بها مجمل ما في آي القرآن ، وعرَّفهم بها معاني ما في التنزيل )) تهذيب الآثار والسنن - السفر الأول - مسند ابن عباس 182 . .
وأكد أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي هذا المعنى الذي سبقه إليه غيره من أهل العلم وزاده وضوحا وإشراقا فكان مما قاله : (( تأولت العلماء أن الحكمة هاهنا هي السنة ؛ لأنه قد ذكر الكتاب ، ثم قال : والحكمة ، ففصل بينهما بالواو ، فدلّ ذلك على أن الحكمة غير الكتاب ، وهي ما سن الرسول صلى الله عليه وسلم مما لم يُذكر في الكتاب ؛ لأن التأويل إن لم يكن كذلك فيكون كأنه قال : وأنزل عليك الكتاب والكتاب ، وهذا يبعد )) السنة 110 . .
أما قول برويز : إن تقسيم الوحي إلى جلي متلو وخفي غير متلو مستعار من اليهود ، الأول : المكتوب ، والثاني : المنقول بالرواية ، فيقال له : ضللت في التشبيه بين المسلمين واليهود ؛ إذ يشترط المسلمون للرواية اتصال السند من مبدئه إلى منتهاه بالعدول الضابطين ، وليس ذلك عند اليهود أو عند غيرهم من أمم الكفر والشقاق .
وقد دلّ القرآن على أن هناك وحياً من الله إلى رسوله زيادة على ما في القرآن المتلوّ ، قال الله تعالى : سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فقد كانت القبلة في أول الإسلام إلى بيت المقدس فأين في القرآن النص على وجوب التوجه إلى بيت المقدس؟ لم يثبت هذا الأمر إلا بالسنة ، ثم نسخت بالقرآن .
.
يقال لعبد الله جكرالوي : أوجدنا أين برّأ الله رسله من هذه الأحاديث؟ وأين جعلها كفراً وشركاً ؟ وكيف يبرأ الإنسان من أقواله وأفعاله وتقريراته؟ ونحن لا نفرق بين الله ورسله ، بل نؤمن بالله ورسله ولا نفرق بين أحد منهم .
وأقوالهم هذه التي تفوهوا بها محض مشاقة لله ومعاندة سافرة للوحي المنزل ، لأن الله دعا في كتابه إلى الإئتساء بالرسول صلى الله عليه وسلم فقال : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (الأحزاب : 21) ، وقال سبحانه : وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا (النور : 54) . ، فهل يقول من يصدق بهاتين الآيتين : إن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم شرك .
ويظهر من أقوال الخواجه أحمد الدين أنه يرى أن الأدلة الدالة على طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم أدلة فاسدة ؛ لأن وصف الدليل بالفساد يرجع إلى ذاته ، ولو أراد فَهْمَ الناس للدليل لقال : إن استدلالهم فاسد ، فالله يأمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وهم يأبون ذلك ويَعُدُّونه شركاً .
وما الكفر والشرك إلا في الطاعة التي يُتَدَيَّنُ بها ولم يُنْزِل الله بها من سلطان ، أما وصف ما أنزل الله به سلطاناً بالكفر والشرك فهو خروج عن ربقة الإسلام ، ووقوع في مهاوي الضلال ، فما أجرأهم على الله وأوسع حلم الله عليهم !!
والمثال الذي ضربه الخواجه أحمد الدين بالغ القبح والشناعة ، وينبئ عن فجور قلبه وسوء أدبه ، حيث يشبه الرسول صلى الله عليه وسلم بالأجنبي الذي يطمع في زوجة غيره ، ويمثل الله سبحانه بما لا أعيد حكايته ، وإن كان ناقل الكفر للرد عليه ليس بكافر ، ثم إن الزوج لا يملك من زوجته شرعاً أن يبيحها من يشاء ، أما الله سبحانه فهو فعال لما يريد لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ، وقد حكم بأن الرسول يطاع بإذن الله .
أما قوله " إن الله لم يأمر بمثل ذلك إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ فنقول : قد أمر اللّه باتّباع الرسول صلى الله عليه وسلم وقد مرّ آنفاً آيتان كريمتان في ذلك ، ولا ريب أنّ الحكم للّه وقد حكم اللّه باتّباع رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعته ، فقال سبحانه : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (النّساء : 59) . وقال سبحانه : وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (الأحزاب : 36 ) . وقال تعالى : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ (النّساء : 80) . وقال سبحانه : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ (النّساء : 64) . فظهر من هذه الآيات أنّ القوم إنّما فيهم كيد الإسلام وكراهته ، وجعله شيئاً آخر يوافق أهواءهم العليلة ،
كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعلُ .
شبهة الحض على أقوال الرسل .......
.
يقال لعبد الله جكرالوي : أوجدنا أين برأ الله رسله من هذه الأحاديث؟ وأين جعلها كفرا وشركا ؟ وكيف يبرأ الإنسان من أقواله وأفعاله وتقريراته؟ ونحن لا نفرق بين الله ورسله ، بل نؤمن بالله ورسله ولا نفرق بين أحد منهم .
وأقوالهم هذه التي تفوهوا بها محض مشاقة لله ومعاندة سافرة للوحي المنزل ، لأن الله دعا في كتابه إلى الإئتساء بالرسول صلى الله عليه وسلم فقال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة (الأحزاب : 21) ، وقال سبحانه : وإن تطيعوه تهتدوا (النور : 54) . ، فهل يقول من يصدق بهاتين الآيتين : إن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم شرك .
ويظهر من أقوال الخواجه أحمد الدين أنه يرى أن الأدلة الدالة على طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم أدلة فاسدة ؛ لأن وصف الدليل بالفساد يرجع إلى ذاته ، ولو أراد فهم الناس للدليل لقال : إن استدلالهم فاسد ، فالله يأمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وهم يأبون ذلك ويعدونه شركا .
وما الكفر والشرك إلا في الطاعة التي يتدين بها ولم ينزل الله بها من سلطان ، أما وصف ما أنزل الله به سلطانا بالكفر والشرك فهو خروج عن ربقة الإسلام ، ووقوع في مهاوي الضلال ، فما أجرأهم على الله وأوسع حلم الله عليهم !!
والمثال الذي ضربه الخواجه أحمد الدين بالغ القبح والشناعة ، وينبئ عن فجور قلبه وسوء أدبه ، حيث يشبه الرسول صلى الله عليه وسلم بالأجنبي الذي يطمع في زوجة غيره ، ويمثل الله سبحانه بما لا أعيد حكايته ، وإن كان ناقل الكفر للرد عليه ليس بكافر ، ثم إن الزوج لا يملك من زوجته شرعا أن يبيحها من يشاء ، أما الله سبحانه فهو فعال لما يريد لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ، وقد حكم بأن الرسول يطاع بإذن الله .
أما قوله " إن الله لم يأمر بمثل ذلك إن الحكم إلا لله فنقول : قد أمر الله باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وقد مر آنفا آيتان كريمتان في ذلك ، ولا ريب أن الحكم لله وقد حكم الله باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعته ، فقال سبحانه : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر (النساء : 59) . وقال سبحانه : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا (الأحزاب : 36 ) . وقال تعالى : من يطع الرسول فقد أطاع الله (النساء : 80) . وقال سبحانه : وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله (النساء : 64) . فظهر من هذه الآيات أن القوم إنما فيهم كيد الإسلام وكراهته ، وجعله شيئا آخر يوافق أهواءهم العليلة ،
كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل .
المصدر: ..ٌ::ٌ:: النسابون العرب ::ٌ::ٌ.. - من قسم: مجلس الفكر الاسلامي و الرد على الشبهاتafihj hgrvNkddk - lk hgl;jfm hgvrldm td [hlum hgHlhl lpl] fk su,] hgHsghldm
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)